الأدب والترجمة.. جناحان لطائر المعرفة

لماذا ندرس الآداب ونحن نُعد لكي نكون مترجمين؟ سؤال يستقبله الأساتذة من طلابهم في قاعة الدرس وخارجها؟ الآن تجد هذا السؤال يواجهك في مواقع التواصل الجماهيري الحافلة بالغث والثمين، بعد أن أصبح حق التعبير والنشر متاحاً بأسماء حقيقية ومستعارة، والسؤال مشروع، لاسيما أنه ليس المقصود من دراسة الأدب أن يصبح المترجم أديبا، وفي محاولتهم للإجابة عن السؤال من خلال الكتاب الصادر عن مكتبة "الآداب" تحت عنوان "الأدب والترجمة.. مسار بلا إطار" يسعى الأساتذة الدكاترة: سيد محمد قطب، عبد المعطي صالح، علاء عبد المنعم، أحمد عبد العظيم إلى التأكيد على أنه لا توجد إجابة مباشرة، مع اليقين بأن البيان قيمة عظيمة، وابتسامة الإنسانية ودموعها، وأحلام الناس وأمانيهم، والرؤى التي صنعت الحضارة، والفيض الإنساني الجاري في نهر التواصل الذي يرتوي منه البشر عبر الأزمنة والأمكنة، كما أنه التجارب التي مر بها الناس مع أنفسهم وهم يحاولون رسم ملامحهم بوضوح وقوة كي يراهم من حولهم ومن سيأتي بعدهم، وإذا كان البيان هو مرايا الإنسانية، بتعدد أشكالها وأنواعها، فإن الآداب تظل أهم أنواع البيان، ولأن هذه المرايا قد صافحت أرواحاً نبيلة وعقولاً رائعة، وأناساً ساروا في آفاق الوجود ودهاليز النفوس، فهي بحاجة إلى ترجمة، علماً بأن كل عمل أدبي هو ترجمة.

يحتاج المترجم إلى خبرات تعينه على ترجمة الأفكار والمشاعر، ترجمة الحياة، وإذا كان البشر يتفاوتون في الترجمة عن أنفسهم، فإن الآداب تتولى عنا ترجمة المشاعر السارية في أفق نفوسنا، كما أنها تترجم الرؤى التي نحاول أن نستوضحها في عالمنا الذهني، وهذا هو دور الأديب، إنه المترجم في مدرسة الإنسانية التي ترقى بالبيان، أي بقيمة التعبير الحر الجميل العميق الكاشف، والمترجم هو الجسر الواصل بين ألسن الأمم وعقولها، بين رؤاها الصادرة عن منظورها وتوجهات العالم من حولها، بين ما نسعى إليه وما وصل إليه الآخرون، بين المصالح المختلفة التي تحقق الدفع المثالي لحركة الحياة ناحية الارتقاء الإنساني المشترك، لذلك فإن مطالعة المترجم للآداب الإنسانية أمر حيوي لأن الآداب، لغة، وهذا تخصص المترجم المباشر، تزيد رصيد المترجم البياني، من كلمات المعجم وصيغ الصرف وتوظيف البناء النحوي، بالإضافة إلى التعرف على هوية المجتمعات الإنسانية المنقول عنها.

يعالج الكتاب العديد من الموضوعات والقضايا، أبرزها: الصدام الحضاري وإدراك الذات في مواجهة الآخر، إدراك الجبرتي لقيمة الترجمة، أعظم إنجاز ترجمي هو حجر رشيد، انعكاس الحملة الفرنسية في الآداب والفنون، وأثر رفاعة الطهطاوي في تحديث التعليم، والخطاب السياسي وتأصيل الصحافة المصرية وتحديث الخطاب الأدبي كما يتناول الكتاب قضية التفاعل بين الآداب، وأدب الطفل، بالإضافة إلى مناقشته للعديد من الروايات التي نقلت إلى العربية صورة مقربة عن المجتمعات الغربية، مثل: "بروكلين هايتس" لميرال الطحاوي و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، و"عصفور من الشرق" للحكيم، و"قنديل أم هاشم" ليحي حقي، و"نيويورك 80" ليوسف إدريس، ويهدف الكتاب فيما يهدف إليه إلى إرساء النزعة الإنسانية في المتلقي الذي سيمارس الترجمة، كمهنة إنسانية مهمة لنقل أهم منتج إنساني في أسواق الحضارات، هذا المنتج هو اللغة بكل ما تحمله من مفاهيم وأذواق وقيم نابعة من رؤية أصحابها للعالم على نحو ما.

بوابة الشرق