هل من أهمية في التدريس الجامعي باللغة الانجليزية؟ 2 – 2

أ.د. محمد الربيعي

وحاول تربويون آخرون  تأكيد أهمية اللغة العربية استنادا إلى الدراسات السابقة فتوصلوا إلى (أهمية استخدام اللغة العربية في التعليم الجامعي، ورغبة نسبة كبيرة من الطلاب والأساتذة في استخدامها في العملية التعليمية، والعوائق التي تحول دون استخدامها، مع تفاوت في نسب الطلاب والأساتذة المؤيدين لاستخدام اللغة العربية في التعليم من دراسة لأخرى، ومن حقبة زمنية لأخرى. إضافة إلى أن التعريب سيؤدي إلى زيادة استيعاب الطلاب للمفاهيم العلمية وسيؤدي إلى تحسن في مقدار تحصيلهم العلمي).
للتأكيد على هذا الرأي عرض التربويون ملخصا للدراسات العربية السابقة التي أجريت في مجال استطلاع آراء الطلبة  في استخدام اللغة العربية في التعليم الجامعي أهمها دراسة بشأن الترجمة واستخدام اللغة العربية في العملية التعليمية. حيث أظهرت نتائج الدراسة أن 66% من الطلاب يفضلون استخدام اللغة العربية إلى جانب الإنجليزية في إلقاء المحاضرات، ويفضل 57% منهم استخدامها في الكتب المقررة، ويفضل 53% استخدامها في كتابة المشاريع، و39% في تقديم الاختبارات، في حين يفضل 22% منهم استخدام اللغة الإنجليزية في إلقاء المحاضرات، و32% يفضلون استخدامها في الكتب المقررة، و33% في كتابة المشاريع، و44% في الاختبارات. وعرض عدد آخر من الدراسات التي أظهرت جميعها أهمية التدريس باللغة العربية منها دراسة استطلاعية أجريت في كلية الطب بجامعة الملك فيصل في السعودية عن رأي طلاب الطب من تعريب العلم الطبي أظهرت أن 80% من الطلاب يوفرون ثلث الزمن أو أكثر عند القراءة باللغة العربية مقارنة باللغة الإنجليزية، وأن 72% من الطلاب يوفرون ثلث الزمن أو أكثر عند الكتابة باللغة العربية مقارنة بالكتابة باللغة الإنجليزية. ويفضل 23% فقط من الطلاب الإجابة على أسئلة الامتحان باللغة الإنجليزية.
ويرى 75% أن مقدرتهم على الإجابة الشفوية والنقاش أفضل باللغة العربية. وعرضت دراسة أخرى موقف  مجموعة من طلاب الطب والأطباء عن متوسط سرعة القراءة باللغتين العربية والإنجليزية ونسبة التحسن إذا تمت قراءة النص بالعربية، أظهرت أن سرعة القراءة باللغة العربية هي 109.8 كلية في الدقيقة، بينما هي 76.7 كلمة في الدقيقة باللغة الإنجليزية، أي بفارق 33.1 كلمة في الدقيقة لصالح اللغة العربية. وتبين أن استيعاب النص باللغة العربية أفضل من استيعاب النص نفسه باللغة الإنجليزية بزيادة 15%. وفي دراسة أجريت في جامعة الكويت العراقية تبين فيها أن استخدام اللغة الإنجليزية كوسيلة اتصال تعليمية تشكل مشكلة لدى عدد كبير من الطلبة حيث أشار 64% من أعضاء هيئة التدريس بكلية العلوم أن مستوى الطلاب في اللغة الإنجليزية متدن. وأفاد 66% منهم أن ضعف طلبة كلية العلوم في اللغة الإنجليزية هو السبب في ضعف استيعابهم للمفاهيم العلمية، وذكر 76% أن ضعف الطلاب في اللغة الإنجليزية يقلل من دافعيتهم للتعلم .
من الواضح ان سبب زيادة فهم الطلبة للمواضيع التي تدرس باللغة العربية مقارنة بتلك التي تدرس بالانجليزية يعود إلى ضعف الطلاب في اللغة الانجليزية. والضعف هذا لا يعود إلى عدم رغبة الطلبة في تعلم الانجليزية بل يعود ذلك إلى ضعف النظام التعليمي الأساسي والجامعي في تعليم اللغات. إلا انه أيضا لابد من التأكيد على أن ضعف حصيلتنا العلمية والتكنولوجية يعود بدرجة كبيرة إلى ضعفنا في معرفة في اللغة الانجليزية، لأنها الوسيلة الأهم في اقتباس المعلومات ونقل التكنولوجيا، وبها أيضا ننقل علومنا وابتكاراتنا واكتشافاتنا وكل ما يمكن أن نساهم به لتطوير الحضارة الإنسانية إلى العالم.
وهذا يذكرنا بالسؤال الفلسفي (الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة).
هل ندرس العلوم باللغة العربية فنزداد ابتعادا عن العالم ونتقوقع في كيان قومي محاصر من الداخل أم نُدَرِّس باللغة الانجليزية لنزيد من ضعف تفهم الطالب للمادة العلمية. برأيي إننا يجب أن لا نعتمد أيا من هذين الأسلوبين بل يجب علينا اعتماد طريقة التدريس المختلط بلغتين. وهذا يعني إن إلقاء المحاضرات وإجراء الامتحانات وأجوبتها وكتابة المشاريع البحثية يمكن أن تكون بلغتين مختلطة مع منح اللغة الانجليزية تفضيلا وعلى قدر فهم الطلبة للغة وقابلية المدرس اللغوية. كذلك فإن التدريس بلغتين لهو أكثر تناسبا مع الوضع الحالي في الجامعات العربية من التدريس بلغة واحدة وذلك لضعف التكوين اللغوي للأستاذ وللطالب في اللغة الانجليزية، ولصعوبة استخدام التراكيب والمفاهيم العلمية مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التركيز على الأسلوب اللغوي وعلى حساب المادة العلمية.
كما إن التدريس باللغتين يساعد الطلبة الأقل تفهما للانجليزية على متابعة المحاضرة وقراءة الكتاب وبذلك يتم تقليل الفروق المبنية على أساس مستوى تفهم اللغة الانجليزية بين الطلبة، لأنه ليس من المعقول أن تصور أداء الطلبة العلمي يبنى على أساس مستوى الأداء اللغوي.
ان المشاكل التي تعاني منها الجامعات حاليا هي التي تعيق تطوير التدريس مزدوج اللغة، ومعالجتها بصورة صحيحة تجعل الجامعات مؤهلة للاستجابة لمتطلبات المجتمع في عصر العولمة وفي مجال العلم والمعرفة والمهارات.
يتطلب التدريس بلغتين تدريب أعضاء هيئة التدريس نظريا وعمليا وتطوير قابلياتهم في اللغة الانجليزية بالاستناد الى سياسة ابتعاث المدرسين لفترات دراسية لا تقل عن ستة أشهر إلى الدول الناطقة باللغة الانجليزية، واقامة دورات تدريبية بالداخل بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني والمعاهد الأجنبية المتخصصة بتعليم اللغة الانجليزية.
خلاصة القول، ان تدريس المناهج العلمية باللغتين العربية والانجليزية يجب أن يكون لغرض تحسين تأهيل طالب الطب والهندسة والعلوم والاقتصاد مهنيا وأكاديميا وبصورة متكاملة في موضوع اختصاصه وليس لغرض تأهيله لغويا.


عُمان