الصياغة التحويلية الشكلية

م. محمد يحيى كعدان


في المقالة السابقة بعنوان " جدول الحقيقة الأبجدي " ذكرنا أنّ أية صيغة لغوية لا بد أن تخضع لصيغتي التشكيل والتوصيف. أي لدينا صيغة منطلقها العنصر الأول ومستقرها العنصر الثالث، وهي في اللغة العربية تأخذ الشكل:
{ الفتح، الضم، الكسر، السكون } = { َ , ُ ، ِ ، ْ } --------> {ا ، ب ، ج ، د ، ...}
فالمنطلق هو مجموعة الحركات والمستقر هو مجموعة الأبجدية الصامتة ومجموعهما يعطي الأبجدية العربية كما في جدول الحقيقة الأبجدي.
ذكرنا في مقالة " اللغة والمعرفة " أن الصيغ اللغوية هي صيغ شكلية ذات بنية اتساقية كالصيغ الرياضية تقوم العناصر الطبيعية بعد ذلك بإملائها.
فالنحو بتبسيط شديد هو صيغة شكلية تنطلق من البنية العميقة أو ما يُسمى أحياناً بالبنية الفوقية، لتستقر بالبنية السطحية أو ما يُسمى أحياناً بالبنية السفلية، عبر سلسلة تحويلات شكلية رياضية، تُدعى هذه النظرية بالنظرية التحويلية وهي لتشومسكي أساساً، ولكنها متسقة مع العربية ..
ومن الجدير بالذكر أن نظم الشعر في اللغة العربية يخضع للصيغة السابقة، فهو ينطلق من مفهومي الحركة والسكون (حيث يتم اعتبار الفتح والضم والكسر حركات) لضبط الإيقاع الموسيقي، ويستقر في مجموعة الأبجدية الصامتة (يستقر في النَص). وهذا يدل دلالة واضحة على وعي النحاة القدماء وعلى رأسهم الخليل لمفهومي البنية الفوقية والبنية التحتية للصياغة.
ويعتبر تشومسكي أيضاً أن اجتماع مجموعتي المنطلق والمستقر (المنتهيتان) للصيغ أعلاه يمثل أبجدية اللغة ..
حيث تأخذ صيغة التحويل في الإنكليزية الشكل التالي:
{ noun, pronoun, verb, adj., Obj., article, ...} -----> {a, b, c, d, e, ...., z}
وهذا يعني أننا نفكر بداية بالبنية العليا ولتكن مثلاً: اسم فاعل يقوم بفعل يقع على مفعول به ..
ثم نقوم بتحويل البنية العليا إلى البنية السفلى عبر التعويض بالأسماء الطبيعية، وليكن: زيد يُعلّم عمرواً القراءة..
إن أهمية العربية تتمثل في أن مجموعة المنطلق وهي مجموعة الحركات عبارة عن أبجدية حقيقية، يتم تركيبها مع بعضها لتعطي معاني البنية العليا، مثلها في ذلك مثل المعاني المتولدة من البنية السفلى ..
أي أننا في العربية ننطلق من أربعة رموز أبجدية لصياغة البنية الفوقية، مثل: التعريف والتنكير والنعت والفاعل والمفعول به وفيه وظرف الزمان والمكان والأفعال... إلخ.
وبالتالي لن يتأثر نظرياً تعريف العناصر ( أسماؤها ) بالبنية الفوقية أي بالحركات.
ذكرنا أيضاً في مقالتنا بعنوان " البنية العامة للصيغة اللغوية " ما يلي:
البنية العامة للصيغة اللغوية تأخذ الشكل:
ص ن ... ص2 ص1 (ص من صيغة وهو حرف من الأبجدية).
أي نكتب بالعربية من اليمين إلى اليسار صن ... ص2 ص1 ولكن الصياغة تتم من اليسار إلى اليمين لأننا نبحث بداية عن ص1(x) ثم عن ص2ص1(x) ... وهكذا.
وبالتالي تتم صياغة المعنى من اليسار إلى اليمين كما سنرى لاحقاً.
سنقوم بتطبيق النظرية اللغوية الحديثة، على الأحرف الأبجدية وعلى ما يُسمّى بحروف المعاني، وهي تحتل مكاناً هاماً في اللغة، كونها من الأساسيات اللغوية، والدراسة الحديثة تسعى لتفسير سلوكها بدقة وتحديد معناها بوضوح.
إن دراستنا تسمح بتكوين المعاجم، وتوليد المفردات، علماً أن غايتنا حالياً، ليست وضع معجم لحروف المعاني، ولا لغيرها من المفردات، بل سيتم توظيف الفقرات القادمة تدريجياً لإجراء المزيد من الكشف عن أبعاد النظرية اللغوية الحديثة، وتوضيح الأفكار المعالَجة سابقاً وبناء أرضيّة متينة لدى القارئ لفهم الأفكار الأكثر تطوراً التي سنعرضها فيما بعد.