حرف الباء

م. محمد يحيى كعدان

تعريف حرف الباء ( ب 11110 ) يعني: معرفة المتكلم والمستمع بشكل الموضوع الحاضر. أي يوجد شكل فقط لعنصر حاضر معروف لدى المتكلم والمستمع.
معرفة الشكل فقط، تدل على معرفة عامة للنوع دون تمييز لعنصر بعينه، لعدم وجود التوصيف (وجود القيمة 0 مكان العلاقة في تعريف الباء). لكن كون الموضوع موجوداً (وجود القيمة 1 مكان العنصر الثاني في تعريف الباء) مع المتكلم والمستمع، فيمكن لهذا أن يعني أنه قريب منهما قرباً كافياً لمعرفة شكله عموماً، دون التمكّن من تمييزه، أو معرفة صفاته. أي أن المتكلم والمستمع يُحيطان بالعنصر كشكل عام من الخارج، دون الدخول داخله ومعرفة مُكوِّناته وتفاصيله.
عندما أقول مثلاً: مررت بالمدينة. أعني: أنني اقتربت منها قرباً، تمكنت فيه من التعرُّف على شكلها فقط دون تمييزٍ لتفاصيلها، هذا يصحّ إذا مررت قريباً منها على مرأى مني ولم أدخلها، أو مجازاً إذا دخلتها عابراً دون تحرّي وتعرّف أقسامها. أما إذا دخلتها غيرَ عابرٍ، مُتحرياً ومُتعرِّفاً أقسامها، فيجب أن أقول: مررت في المدينة.
إذا قلت: مررت بزيد. أعني أني مررت قريباً منه، أو مررت محيطاً بشكله، أو مررت في محيط  شكله، إذ من الواضح أنه لا يمكن القول: مررت في زيد.
كذلك إذا قلت مثلاً: كتبتُ بالقلم. أعني: أنني أهتم به، أي: القلم كأداة عامة وشكل فقط  (كنوع).
إذا قلت: أهتم بالعلم. فأعني أن العلم هو غاية اهتمامي بشكل عام، وليس أحد أجزائه أو تفصيلاته.
نلاحظ بالمقارنة مع الحرف " أ " في المقال السابق، أن معنى التآلف يعني الاقتراب الكبير للموضوع من المتكلم والمستمع، بحيث يتعرفان شكله وصفته معاً.
بينما الحرف " ب " يُفيد الاقتراب المحدود للموضوع حقيقة أو حكماً من المتكلم والمستمع، بحيث يتعرفان شكله فقط وليس تفاصيله. أي يحيطان به أو بمعرفته من الخارج فقط، وليس من الداخل.
لنتأمل قوله تعالى: {... أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ...} (البقرة 61).
نلاحظ أن الباء تمت إضافتها إلى العنصر الذي تم استبداله، وهذا منطقي، فالعنصر المستبدَل أصبح أكثر بعداً عن المتكلم والمستمع من العنصر الجديد.
إن الصيغة: " باء " تعني أن عنصراً واسع التآلف قد تشكل (ب ، ا ، ء)، أي نحن أمام صيرورة أو تشكيل لعنصر واسع التآلف أو معروف جيداً (لتكرار الألف في الصياغة). وهذا واضح في معنى الصيغتين:
باءَ بالفشلِ، {... بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ ...} الأنفال16
أي " الباء " تشكيل لعنصر معروف جيداً. أو بعبارة أدق نحن أمام عنصر واسع التآلف أو معروف جيداً قد تشكل.
لتكن لدينا الصيغة " وباء " وندرسها كما يلي: و(باء)، ويكون المعنى أن تلك الصيرورة أو التشكيل للعنصر الواسع التآلف (باء)، قد أصبح حاضراً أمام المتكلم من تعريف حرف الواو ( و 11010 ) ومعروف الشكل فقط بالنسبة له مع عدم معرفة التفاصيل وذلك بغض النظر عن المستمع لغيابه (الرمز 0 في خانة المستمع في القالب الرقمي للواو).
أي أننا أمام حضور عام (مع عدم التمييز لغياب التوصيف) لصيرورة أو تشكيل لعنصر عام أمام المتكلم.  
لتكن لدينا الصيغة: آكلُ التفاحةَ. ومن المعلوم أن: آكلُ = أاكلُ .
إن الصيغة السابقة تعني أن: أكلَ التفاحةِ، لوجود الألف، متآلف مع المتكلم والمستمع، أي أنه يتم أمامهما جملة وتفصيلاً، وبالتالي يتم أكلُ التفاحةِ بالكامل، دون ترك شيء قابل للأكل منها.
لتكن الصيغة: بَاكلُ التفاحةَ. إن هذه الصيغة تعني أنّ: أكلَ التفاحةِ، لوجود الباء، يتم أمام المتكلم والمستمع إجمالاً فقط وليس بالتفصيل، وقد لا يتم أكلها كاملة، أو قد يتم.
منه نرى قولنا: باكلُ التفاحةَ، بَصافِحُ زيداً، بَفْعَلُ الخيرَ، ... الخ؛ هو لغة صحيحة ذات دلالة.
بالمناسبة الفعل الثلاثي أكل، يمكن تحليله كما يلي: أ (كل) التفاحة، يدل على التآلف مع كل التفاحة، بالتالي لن تقتصر دلالته على الإطعام فقط، مع أنه يمثل أحد أنواع التآلف. إذ يمكن أن نقول: أ (كل) المال، وتدل على التآلف مع كل المال. يقال: أ (كل) درساً قاسياً، أ (كل) المقلب، العملُ أ (كل) ساعة من الزمن، .. إلخ.
إنّ كل معاني الباء، تدل على التعامل مع الموضوع كشكل فقط، وإهمال التمييز أو التوصيف. وبالتالي الإحاطة بالعنصر من الخارج فقط، أو الاقتراب من محيطه فقط.
الآن لنتأمل الصيغة " باب " حسب تسلسل الصياغة من اليسار إلى اليمين " ب ، ا ، ب " تعني شكلاً لمتآلف لشكل، أي نحن بداية أمام شكل يأخذ حيزاً (مكاناً) وفق ( ب ) ثم ننتقل إلى عنصر مألوف لهذا الشكل أو المكان وفق ( ا ) ثم ننتقل إلى شكل يأخذ حيزاً (مكاناً) لهذا العنصر المألوف.
بالتالي نحن أمام عنصر مألوف بين شكلين أو مكانين. ألا وهو " الباب ".
لكن ما دور الحركات في الكلام؟ ذكرنا في مقالنا " الصياغة التحويلية الشكلية " أن الحركات هي أبجدية للبنية الفوقية أو العليا وبالتالي لن يتأثر نظرياً تعريف العناصر ( أسماؤها ) بالحركات.
إنّ وظيفة البنية الفوقية تصنيف العنصر (الاسم) ضمن مجموعات: كفاعل أو كفعل أو كمفعول أو .. إلخ.
هذا ولا يمكن الاستغناء عن الحركات أو ما يمثلها، ويعتقد بعضهم أن الإنكليزية قد استغنت عنها. في الواقع تستعيض الإنكليزية بأحرف صائتة تدمج في العبَارة، كما تضم الإنكليزية أحرفاً ما زالت بمثابة المقطعية حتى اليوم، لا تملك رموزاً مستقلة مثل: ذ th ، ش sh ، .. إلخ.
لقد نحا من يفكر بالإنكليزية نحو النظرية التحويلية الشكلية لنوم تشومسكي وهي أساساً نظرية أمريكية تطورت بداية الربع الأخير من القرن العشرين، وقصّرت الدراسات الإنكليزية في مجال النظرية الدلالية لفرديناند دو سوسير التي ظهرت في منتصف القرن العشرين.
إن النظرية اللسانية التي نعرض تشكل اندماجاً للنظريتين الدلالية والشكلية ..