حرف الدال
م. محمد يحيى كعدان
حرف الدال ( د 11100 ) هو حرف الدلالة في اللغة العربية إن صح التعبير فوجود المتكلم والمستمع والموضوع مع غياب الشكل والصفة يدل على قيام المتكلم بتعريف المستمع بالموضوع أي أنه (يدله) عليه. وعملية الدلالة لا تعني معرفة المستمع بالشكل والصفة، لأنه يحتاج بعد أن (يندل) إلى العنصر أن يتعرف عليه بمعرفة شكله أو صفته.
نلاحظ بالمقارنة مع الحرف ( أ 11111 ) في مقالنا عن الألف، أن التآلف يعني الاقتراب الكبير للموضوع من المتكلم والمستمع، بحيث يتعرفان شكله وصفته معاً.
بينما الحرف ( ب 11110 ) في مقالنا عن الباء يُفيد التشكيل والاقتراب المحدود للموضوع حقيقة أو حكماً من المتكلم والمستمع، بحيث يتعرفان شكله فقط وليس تفاصيله. أي يحيطان به أو بمعرفته من الخارج فقط، وليس من الداخل.
أما وجود صفة العنصر وغياب شكله رغم حضوره في مقالنا السابق عن الجيم ( ج 11101 ) فيدل على التوصيف وعلى أنه يغيّر شكله ليأخذ عدة أشكال (التجليلة للمفروشات عبارة عن تغطية تأخذ شكل ما تُغطيه)، أو أنه يتحرك مبتعداً فيغيب شكله تدريجياً، أو أن شكله كبير جداً لم يستطع المتكلم والمستمع استيعابه كمثال آخر، أو أن شكله مخفي عن المتكلم والمستمع.
الصيغة: " دال " ( د 11100 )، ( ا 11111 ), ( ل 10100 )، تعني الحديث عن عنصر غائب غير معروف شكلاً ولا صفة للمتكلم والمستمع (ل)، هذا العنصر يصبح متآلفاً معهما (ا)، ثمّ تتم الدلالة عليه (د).
" دال " تفيد الدلالة (د) على عنصر يتم تعريفه (تآلفه) (ا) بعد أن كان غائباً وغير معروف (ل).
نلاحظ فيما سبق الصيغة " الـ " وهي أداة التعريف في اللغة، وسنتوقف عندها قليلاً..
لنتأمل الصيغة التالية: الرجل. الصيغة (أل)، مُركَّبة من حرفين، هما: أ ، ل .
لدراسة الصيغة أعلاه نكتبها: أ ( لْ (رجل)). ونعتبر الصيغة: رجل. معروفة الصياغة والمعنى، لأننا نود حالياً دراسة (أل) فقط، وهذا لن يؤثر على المعنى العام إطلاقاً، فعملية تركيب الصيغ عملية تجميعية، (انظر مقالنا بعنوان: البنية العامة للصيغة اللغوية)، والتحليل الجزئي الذي نستخدمه، لإبراز المعنى الجزئي للصيغة (أل) في الصيغة السابقة.
من دراسة البنية العامة للصيغ ذات الشكل:
صن ( ... ( ص2 ( ص1 ( س ))) ... ).
نرى بوضوح أن منطلق تلك الصيغة العامة، هو العنصر س (وهو العنصر الثاني، الموضوع) وفق الصيغة الأساسية ص1 ، والمستقر وفق ص1 هو: ص1 (س).
ثم يكون العنصر ص1 (س)، منطلقاً للصيغة الأساسية ص2 ، ومستقرها عندئذ هو: ص2 (ص1 (س)).
وهكذا دواليك يكون العنصر ص ن-1 ( ... (ص2 (ص1 (س))) ... )، منطلق الصيغة الأساسية ص ن ، ويكون مستقرها هو:
ص ن ( ... ( ص2 ( ص1 ( س ))) ... ).
بتطبيق نفس التحليل السابق على الصيغة: أ (ل(رجل)) وهو المثال أعلاه.
يكون منطلق الصيغة الأساسية (ل) هو الصيغة: رجل، ومستقرها: ل (رجل).
بدورها الصيغة: ل (رجل)، هي منطلق الصيغة الأساسية (أ)، ومستقرها: أ (ل(رجل)).
نجد أن الصياغة تتم من اليسار إلى اليمين تدريجياً، رغم أن قراءتنا وكتابتنا من اليمين إلى اليسار، وذلك وفقاً لترتيب تركيب أحرف الصياغة الأساسية (الأبجدية)، كما هو مذكور أعلاه.
ومنه الحرف ( ل 10100 ) يعني غياب شكل وصفة العنصر الثاني الغائب (رجل)، عن المتكلم والمستمع.
أما الحرف ( ا 11111 ) فيعني وجود التآلف بين المتكلم والمستمع، والعنصر الثاني الحاضر ل (رجل).
بناء على ذلك فإن الصيغة (أل) تعني:
تآلف المتكلم والمستمع مع عنصر حاضر (ا)، لعنصر غائب غير معروف الشكل والصفة لهما (ل). أي تقوم هذه الصيغة (ال) بتعريف العنصر إلى كل من المتكلم والمستمع.
وبصياغة (د) مع (أل) لنحصل على (دال) فإننا نقوم بالدلالة على تعريف العنصر المقصود.
الآن لنتأمل الصيغة " لا " يقول المرادي في "الجنى الداني في حروف المعاني": " لا.. حرف يكون عاملاً وغير عامل، وأصول أقسامه ثلاثة: لا النافية، ولا الناهية، ولا الزائدة... ".
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: لا رجلَ في الدار، إن الصيغة " لا " مُركَّبة من الحرفين : ل ، ا . لدراسة الصيغة في المثال أعلاه، نكتبها كما يلي: ل ( ا (رجلَ في الدار))، نعتبر أن: رجل في الدار. معروفة الصياغة والمعنى.
ومنه يوجد عنصر ثان (موضوع) هو: رجل في الدار، هذا العنصر معروف الشكل والصفة لكل من المتكلم والمستمع، ومتآلف معهما، حسب الصياغة بالحرف " ا ".
عند الصياغة بالحرف (ل) ذي القيم 10100 ، العنصر الثاني المذكور والمتآلف مع المتكلم والمستمع، أي: ا (رجلَ في الدار)، يأخذ القيمة 0 ، أي نحصل على نفي (غياب) هذا العنصر.
ومنه الصيغة " لا " تعني: عدم معرفة المتكلم والمستمع، بشكل أو بصفة عنصر، هو نفيٌ لعنصر متآلف معهما.
نلاحظ أن الصيغة " لا = لأ "، هي عكس الصيغة " أل = ال ".
بوضوح نرى أن عملية تركيب الصيغ اللغوية، عملية غير تبديلية.
يمكن أن نستنتج أن النظرية الحديثة تقود إلى أن اللغة العربية هي لغة عكوسة، فعندما يتم عكس ترتيب أحرف كلمة ما فإننا نحصل على عكس المعنى تماماً. وهذا يفسر العدد الكبير من الكلمات العكوسة المعروفة والمتداولة في اللغة العربية.
|
|
|