مطالب بإلزام الخطباء باستخدام اللغة العربية الفصحى

 طالب مواطنون ومقيمون بإلزام خطباء المساجد باستخدام اللغة العربية الفصحى أثناء خطبة الجمعة والدروس والمواعظ العامة نظرا لتعدد وتنوع جنسيات المصلين، واستغرب مواطنون ومقيمون استطلعت «العرب» آراءهم من إصرار بعض الخطباء العرب على التحدث بلهجة بلدانهم في الوقت الذي تضم به المساجد مصلين من مختلف أنحاء العالم، في تجاهل تام لتنوع المصلين. وناشد متحدثون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالوقوف على مسألة الحديث بالفصحى، مؤكدين أن هذا النوع من الأئمة لا يمكن أن يوصل آداب ومفاهيم خطب الجمعة بشكل كامل؛ لأن خطبته تتحول من وعظ وإرشاد ديني وتوجيه لحياة الناس التي تتمثل الدين الإسلامي إلى حديث مجالس مع عبارات وحركات وإيماءات تتنافى في كثير من الأحيان وآداب الجمعة وعظمة المكان والزمان. وذكر بعض العلماء والدعاة أن منبر الجمعة هو في حقيقة الأمر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أفصح الناس، وبالتالي لا يمكن لمن يفترض فيه أن يكون أداة تعليم وترسيخ للغة القرآن الكريم أن يكون معول هدم لها بإصراره على الخطبة بلهجته المحلية، مطالبين وزارة الأوقاف بإلزام الخطباء باستخدام اللغة الفصحى في خطبة الجمعة أو منعهم من اعتلاء المنابر حتى لا يشاركوا في تنفير فئات من الناس عن حضور خطبة الجمعة التي هي روح هذا اليوم العظيم.
يقول راشد سعد المهندي: إن من يقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يحترمه ويحترم اللغة التي أرسل بها والتي نزل بها كتاب الله تعالى، وما دمنا نطالب الدولة أن تفرض اللغة العربية الفصحى في المؤسسات الرسمية فمن باب أولى فرضها على المؤسسات الدينية، خصوصا منابر المساجد في كل الأيام والأوقات وبالأخص يوم الجمعة، فما زلت أتعجب من بعض الأئمة الذين يفرضون الدارجة المحلية لبلدانهم على بقية المصلين من الجنسيات الأخرى وكأنهم غير موجودين، وأضاف: مشكلتنا مع بعض خطباء الجمعة في بعض مساجدنا هي أن هؤلاء المشايخ من الخطباء يفرضون لهجتهم العامية على المصلين من مختلف الجنسيات، فمن غير المعقول أن يذهب بك حب الأنا إلى أن تتخلى عن بعض آداب خطبة الجمعة من أجل وجود عشرات من جنسيتك من بين مئات المصلين، لذا أنا شخصيا لا أجد الراحة ولا الخشوع ولا أخرج بأي فائدة من خطبة إمام بلهجته المحلية، لأن خطبته تتحول من وجهة نظري إلى مسرحية لا أكثر ولا أقل، وأطالب وزارة الأوقاف أن تتصدى لهؤلاء وتلزمهم بالخطابة باللغة الفصحى التي يفهمها الجميع، وإذا كنا لم نفرض لهجة أهل البلد على خطباء المساجد، فكيف نسمح بفرض إمام لهجته على المصلين الذين جاؤوا لسماع الخير دون أن يسمعوه لأن الكثيرين لا يفهمون ما يقوله الإمام.

التحضير للخطبة وفرض "الفصحى"
بدوره أشار خالد الرياشي إلى أنه آن لإدارة المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تعقد اجتماعا عاما مع جميع خطباء المساجد في الدولة تلزمهم بموجبه بالتخضير الجيد لخطبهم واستخدام اللغة العربية كلغة وحيدة لخطبة الجمعة، وإلا فستظل هذه الشعيرة التي تعتبر عيدا أسبوعيا للمسلمين بلا فائدة، فعشرات المصلين من جنسيات مختلفة يعتبرون مخاطبتهم بدارجة دولة وفرضها عليهم تجاهلا لوجودهم، مؤكدا أن بعض الأئمة العرب لا يمكن لأحدهم أن يقول كلمتين على المنبر دون أن تكون ثالثتهما من دارجة بلده، هذا إن لم تكن هي اللغة الرسمية الوحيدة التي يجيد بها التعبير والكلام، وحتى أكون منصفا أعترف للخطباء من الجنسيات العجمية بالتميز في هذا، فهم يستخدمون الفصحى التي يبدو أنها في ذيل قائمة اهتمام بعض خطباء مساجدنا من جنسيات عربية، وأناشد مفتشي وزارة الأوقاف أن يحضروا لخطبة إمام مسجد في مدينة خليفة الجنوبية ليتأكدوا مما أعنيه، وأنا على ثقة تامة من أنهم إن حضروا سيخرجون من دون فائدة من تلك الخطبة التي رأيت العديد من المصلين يتمنى أن تنتهي ويغمز بعضهم إلى بعض ويبتسمون من أجل حركات الخطيب التي تخرج خطبة الجمعة من محتواها تماما، لذا أعود وأقول لا بد من إعادة النظر في الطريقة التي يتم بها اختيار خطباء الجمعة والتشديد عليهم في أن يخاطبوا المسلمين بما يفهمون لا ما يفهمه الخطيب فقط، فلسنا مجبرين على الإنصات لمثل هؤلاء.

سر ضعف الاهتمام باللغة العربية
من جهته أوضح أنس الحمصي أن سر ضعف الاهتمام باللغة العربية نابع من تجاهل الجميع لها، وإذا شارك الأئمة وخطباء المساجد الذين يجلسون على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا فإن المصيبة أعظم وأكبر، ومن غير المقبول أن نطالب برفع مستوى استخدام لغتنا الفصحى لغة الدين والقرآن في الوقت الذي نسمح فيه لإمام – مهما كانت منزلته- باستخدام عبارات لا يفهمها الجميع، وعلى الأئمة أن يفرقوا بين الخطبة وبين المحاضرة أو الدرس، ففي المحاضرة أو الدرس يمكن أن نستوعب استخدام هذا الواعظ أو ذاك للهجته، مع العلم أن بيوت الله يجب أن تكون المكان المناسب لاستخدام اللغة العربية الفصحى، لكن أن نسمح لهؤلاء بإلقاء درس على منبر الجمعة بلهجة غير الفصحى، فنحن بهذا نفرغ الجمعة من محتواها ومن وقارها وهيبتها، فاللغة العربية الفصحى يجب أن تهيمن على غيرها وأن تكون لغة المساجد بلا منازع، ومن لا يحسن الخطابة والتحدث بها عليه أن لا يتقدم لخطبة الجمعة.
وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: هل أمثال هؤلاء خضعوا لامتحان الخطابة أم لا؟ فإذا كانوا خضعوا له وأثبتوا قدرتهم على الخطبة باللغة العربية الفصحى فعليهم الرضوخ للحق ولضوابط ومعايير الخطبة التي تحددها الجهة الوصية، والتي على أساسها اختيروا لأداء هذه الشعيرة العظيمة، أما إذا لم يخضعوا لامتحان -وهذا أمر مستبعد- فتلك مشكلة أخرى يجب على الأوقاف أن تعالجها، فخطبة الجمعة مناسبة أسبوعية وشعيرة دينية لا يكاد يتخلف عنها حتى أكثر الناس تساهلا وتفريطا في دينهم، وهي -بالإضافة إلى مكانتها وفضلها عند المسلمين- فرصة كبيرة للتوجيه والتوعية الدينية والدنيوية، وهذا هو السر من مشروعيتها، فحين يجتمع مئات المصلين في مكان واحد وفي وقت واحد ويعيرون آذانهم للخطيب في إنصات تام فمن المفيد أن يكون الخطيب على قدر المكان ويقدر الموقف حق تقديره ويستغل هذه الفرصة العظيمة لتعليم الناس أمر دينهم ودنياهم والتطرق إلى مستجدات الأمور باللغة العربية الفصحى وأن يتحلى بوقار الخطيب وهيبته، لا أن يتحول إلى ممثل يصرخ ويخفض صوته ويرفعه كما لو كان يؤدي مسرحية.
أما الإمام والخطيب الدكتور محمد حسن المريخي فقد أكد أن هذه المشكلة سبق وأن سئل عنها مرات عديدة وتطرق لها عبر وسائل الإعلام، لكن يبدو أن صدى كلماته لم يصل بعد، وطالب من هذا المنبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ممثلة في إدارة المساجد زجر هؤلاء الأئمة الذين يرفضون مخاطبة المصلين بما يفهمون مع قدرتهم على ذلك، وحذر من أن اللغة العربية الفصحى تتعرض لهجمة شرسة، ليس من أعداء الإسلام فحسب! بل من المسلمين أنفسهم نظرا لتشبثهم بلهجاتهم المحلية وإحياء تراثها وتجاهل لغة الدين والقرآن ولسان أهل الجنة، وقال: من المؤسف أن يكون الأشخاص المفترض بهم الدفاع عن حياض لغة الدين هم من يدقون مسامير في نعشها ويساهمون عن جهل أو عن عمد في طمس معالمها وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان المكان المناسب للفصاحة وللغة العربية الجميلة.
واستطرد المريخي: لطالما كانت المساجد في تاريخ الإسلام أماكن لتقوية الأواصر بين المسلمين ودينهم، وعلى بعض الأئمة أن يتقي الله ويعلم أن خطبة الجمعة إنما شرعت لأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر باللسان الذي يفهمون، وأهل هذه البلاد هم عرب مسلمون، والكثير من المقيمين عليها مسلمون لله الحمد وهم في أمس الحاجة إلى من يعظهم ويرشدهم ويقوي لديهم ملكة لغة الدين التي عن طريقها يمكنهم معرفة أحكام الصلاة والطهارة والدين، وهذه الأحكام الموجودة في بطون الكتب هي بلغة الضاد الفصيحة وليست بدارجة هذا البلد أو ذاك، من هنا أعود وأطالب وزارة الأوقاف من خلال صحيفة « العرب» أن تتصدى بحزم لكل من يسهم في الاستخفاف باللغة العربية، فمساجدنا يجب أن تكون ميدانا ومنطلقا لترسيخ هذه اللغة لا أن تكون مكانا لتجاهلها.

العَرب