حرف اللام

م. محمد يحيى كعدان


يقول المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني": " اللام.. حرف كثير المعاني والأقسام. وقد أفرد لها بعضهم تصنيفاً، وذكر لها نحواً من أربعين معنى. وأقول: إن جميع أقسام اللام، التي هي حرف من حروف المعاني، ترجع عند التحقيق إلى قسمين: عاملة، وغير عاملة.
فالعاملة قسمان: جارّة، وجازمة.
وغير العاملة خمسة أقسام: لام ابتداء، ولام فارقة، ولام الجواب، ولام موطّئة، ولام التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحاديّاً...
القسم الأول: اللام الجارّة، ولها معان كثيرة. وقد جمعتُ لها، من كلام النحويين، ثلاثين قسماً. فأذكرها كما ذكروها، وأُشير إلى التحقيق في ذلك...
وقد نظمت أقسامها في هذه الأبيات:
   أتاكَ،  للامِ  الجرِّ،  ممَّا جَمَعْتُهُ ***** ثلاثونَ  قِسماً ،  في  كلامٍ   مُنظَّمِ
   فأوَّلُها التَّخصيصُ،  وهوَ أعَمُّها ***** ويَتلُوهُ الاستحقاقُ، ياصاحِ ، فاعلَمِ
   ومُلْكٌ ، وتَمليكٌ ، وشِبْهُهُما معاً ***** وعَلِّلْ بها، وانسُبْ ، وبَيِّنْ ، وأقسِمِ
   وعدِّ ، وزِدْ صَيرورةً  ،  وتَعجُّباً ***** وجاءتْ  لتَبليغِ  المُخاطَبِ ،  فافهَمِ
 ومثلُ إلى،في،عن،على،عندَ،بعدَ،معْ ***** ومِن ، ولتَبعيضٍ ، وذا  كلُّهُ  نُمِي
  ولامانِ ، قد جاءا  ببابِ  استغاثةٍ ***** ولامٌ بها فامدَحْ ، ولامٌ  بها  اذمُمِ
 وقل: لامُ كيْ، لامُ الجُحودِ، كلاهُما ***** لجرٍّ  ،  وبالّلامِ   المَزِيدَةِ    تَمِّمِ
  وعِنْديَ، في التَّقسِيم، عَيبُ تداخُلٍ ***** وعُذريَ، في  ذاكَ، اتِّباعُ  المُقسّمِ      ... "

الأداة ( ل 10100 ) تعني أن العنصر الثاني غائب (لوجود القيمة 0)، وأن شكله وصفته غائبين أيضاً عن المتكلم والمستمع (لوجود القيمتين 00). وبالتالي فإن المتكلم والمستمع رغم وجودهما، لا يعرفان شيئاً عن العنصر الموضوع.
الآن لننظر في المثالين التاليين: البطولةُ لَزيدٌ، البطولةُ لِزيدٍ.
في المثال الأول نرى أن زيداً يتجسّد كبطولة، فهو البطولة وينطبق معناه عليها، وهذا ما يُشير إليه الفتح فوق الحرف (لَ)، لأنه يعني التشكيل. بينما في المثال الثاني نرى أن زيداً يتصف بالبطولة، أي يترافق معناه معها، وليس تجسيداً منطبقاً عليها، وهذا ما يُشير إليه الكسر تحت الحرف (لِ)، لأنه يعني التوصيف، وهو ثنويّة التشكيل كما نعرف.
إن "زيد" في المثالين أعلاه، حسب ( ل 10100 )، هو عنصر ثان (موضوع)، غائب حقيقة أو حكماً، وشكله وصفته غائبين أيضاً بالنسبة للمتكلم والمستمع، وبالتالي لا يعرفان شيئاً عنه.
أي أن الموضوع مستقل تماماً وغائب عن المتكلم والمستمع.
وكذلك في المثالين: "تركتُ المجلسَ لِـ (أنَّ زيداً قائم)"، "تركتُ المجلسَ لِـ (زيدٍ)"، نجد أن الصيغتين " أنَّ زيداً قائم"، "زيدٍ" مستقلتان تماماً وغائبتان عن المتكلم والمستمع.

لدى التدقيق في كافة الأمثلة التي يوردها المرادي، نجد أنها لا تخرج عن المعنى السابق، باعتبار أن اللام الساكنة (لْ)، تعني إمكانية كونها إحدى الصيغ: لَ ، لِ ، لُ . حيث الضم هو فتح وكسر معاً.
ونجد أن مفهوم الاختصاص المذكور والأصحّ مفهوم الاستقلال (نتحدث عن عنصر مستقل عن المتكلم والمستمع) يأتي من تعريف اللام، في تركيب الكلمات (الصيغ  المركَّبَة) في الجملة، فعندما يتم تركيب "البطولة" مع الصيغة "لزيد"، نجد الاختصاص واضحاً، لأن كل صيغة تختص بصياغة ما بعدها، ولأن الفتح يدل على التشكيل أو تجسّد المعنى، والكسر يدل على التوصيف وهو ثنوية التشكيل ومرافقه، أو على ترافق المعنى واتصافه، وفي الحالتين نلاحظ التخصيص، في الانطباق والترافق.
نلفت النظر إلى أن النظرية الحديثة، لا تأخذ بوجود عوامل (كلمات عاملة، تعمل لتغيير الحركة أو الحرف في كلمة أخرى) للرفع أو الكسر أو النصب أو الجزم، فالمعنى المقصود هو وراء هذه الحركات في كل كلمة على حده.
 
الآن لتكن الصيغة: الكتاب. وندرسها وفق الشكل: ا ( ل ( كتاب ))، حيث نعتبر أن (كتاب) معروفة الصياغة والمعنى.
وبما أن الصياغة كما وجدنا من اليسار إلى اليمين، نبدأ بدراسة الحرف ( ل 10100 ) أولاً، وهو يعني أن: كتاب. وهو العنصر الثاني غائب، وكذلك شكله وصفته غائبين عن المتكلم والمستمع، وبالتالي لا يعرفان عنه شيئاً. فهو غائب ومستقل عنهما.
من ثم يتم تركيب المعنى السابق مع الألف ( ا 11111 )، وتعني تآلف الصيغة السابقة، مع كل من المتكلم والمستمع. أي أن الصيغة تصبح حاضرة، ومعروفة الشكل والصفة لهما.
منه فإن الصياغة بالأداة (أل)، تعني: تآلف المتكلم والمستمع مع عنصر حاضر ( ا 11111 )، لعنصر غائب غير معروف الشكل والصفة لهما ( ل 10100 ). أي تقوم الصيغة بتعريف العنصر إلى كل من المتكلم والمستمع.

والآن لتكن الصيغة: لا وصيّة لِوارثٍ.
ندرسها وفق الشكل: ل ( ا ( وصيّة لِوارثٍ ))، حيث نعتبر أن (وصيّة لِوارثٍ) معروفة الصياغة والمعنى. وبما أن الصياغة كما وجدنا من اليسار إلى اليمين، نبدأ بدراسة الألف أولاً، وتعني أن: وصيّة لِوارثٍ. وهو العنصر الثاني، حاضر، ومتآلف مع المتكلم والمستمع. ومن ثم يتم تركيب المعنى السابق مع اللام، فتعني غياب الصيغة السابقة، وغياب شكلها وصفتها عن المتكلم والمستمع ( ل 10100 ).
ومنه فإن الصياغة بالأداة (لا)، تعني: غياب شكل وصفة عنصرٍ غائب عن المتكلم والمستمع، لعنصرٍ متآلفٍ معهما. أي تقوم هذه الصيغة بنفي تعريف العنصر إلى المتكلم والمستمع.
ونلاحظ أن الصياغة بالصيغة: (أل)، هي عكس الصياغة بالصيغة: (لا = لأْ).
وبوضوح نرى أن الصياغة اللغوية غير تبديلية.