السبيعي: التعليم لا يلاحق التطور

سمير البرغوثي و كرم الحليوي

 عبد العزيز بن عبد الله بن تركي وزير التعليم خلال الفترة من عام 1989 حتى عام 1996 وأول وكيل وزارة للتعليم في قطر منذ عام 1976 إلى 1979، النجل الخامس للعلامة القطري المغفور له بإذن الله عبد الله بن تركي بن ثواب بن علي آل جميعان آل مدارية بن عمر السبيعي عالم الشريعة ورائد من رواد النهضة التعليمية في دولة قطر وصاحب فكرة تحويل التعليم في المعهد الديني إلى تعليم نظامي.

اتصلنا به لحوار يتناول قضية واحدة من قضايا التعليم، ليأخذنا الحوار لساعات، ذهبنا إلى بيته في العزيزية، استقبلنا بجلال وتواضع العلماء، كان يقف بقامته أمام مكتبه الخاص بجوار بيته الذي يدير منه أعماله الخاصة، رحب بـ الوطن ليبدأ حوارا امتد منذ ولادته في عام 1946 في منطقة البدع ثم انتقاله إلى السد ومن بعد إلى العزيزية متحدثا عن مسيرة تعليم لأكثر من نصف قرن حين بدأ تلقي دروس خاصة في منزله على يد معلم استقدمه والده له لتعليمه، ثم التحاقه بالكتاتيب ليحفظ القرآن والعلوم الشرعية، ومن بعد إلى أول مدرسة نظامية أنشئت في قصر الحاكم، الحوار تناول التعليم الحالي وأهمية التحديث والتطوير والتقييم مؤكدا أنه لا يمكن لأي نظام تعليمي في العالم أن ينجح دون أن يوضع له نظام تقويم بشكل دوري ومرحلي، مشددا على أن التقييم الدوري هو جزء من حياة أي نظام تعليمي.

ويعرب عن أمله في أن ترتقي أجهزة التعليم إلى مستوى الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده قطر مشيراً إلى أن أجهزة التعليم الحالية في قطر لم تعد تلاحق التطور السريع الذي يحدث في المجتمع القطري.

وأعرب عن أسفه لإلغاء إدارة المناهج التي كانت تتولى إعداد المنهج القطري مشيرا إلى أنه عمل للتخلص من المناهج المستوردة، وقال: لا يجب أن نربك المدرس بوضع المنهج وتقييم نفسه بل يجب أن نوفر له الجو الملائم حتى يتفرغ تماماً لأداء رسالته التربوية.

وأعاد التذكير بما صرح به لـ الوطن في مناسبة تربوية التقته خلالها في مدرسة الدوحة الثانوية للبنين حيث كان ضيف شرف في أسبوعها التربوي حين قال إنه كان يعمل بموازنة لا تزيد على مليار ريال فيما موازنة التعليم حاليا تصل إلى أكثر من 17 مليارا.

والوزير الذي كان يتحدث بلغة الضاد مراعيا الصرف والنحو والقواعد قال إن من المؤسف أن تشهد اللغة العربية انتكاسة واضحة في المدارس.

وأشار وزير التعليم الأسبق بأنه من الضروري التركيز على إنتاجية المدرسة ورفع مستوى المعلم وتطوير وتحديث أنظمة التعليم باستمرار حتى تتواكب مع المتغيرات العالمية، وقال إن المناهج هي المحتوى الحقيقي للتعليم ومن يحدث فيها تطوراً ينجح، وإن قراره إدخال النساء في مجال التعليم كان وراءه باعث تربوي بالإضافة إلى الباعث التوظيفي.

وتحدث الوزير السبيعي عن أسباب التوجه العالمي إلى تطوير التعليم وقال إن المسألة لا تقتصر على دولة قطر فهي مسألة عالمية حتى أميركا قالت «الامة في خطر إذا لم يتم الانتباه لما يعانيه التعليم من تخلف» واتهمت الأنظمة التعليمية بالتخلف، لكن في قطر كان لدينا تعليم قوي جدا ومن أقوى الأنظمة في العالم.

_ السؤال الذي جئت أبحث عن اجابة عنه سعادة الوزير هو عن حالة التعليم حين توسدت مسؤوليته الأولى: كيف كان وهل كان يحتاج إلى تطوير أم إلى تغيير؟!

- كلفت بوزارة التعليم عام 1989 وحتى عام 1996 حوالي سبع سنوات، وعندما بدأت كان التعليم في قمة النضج ولا يخفى على أحد أن مسيرة التعليم في قطر بدأت منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وبالتالي أنا تسلمت الوزارة بعد أربعة عقود من بداية المسيرة وعلى مدار تلك السنوات تراكمت خبرات لها قيمتها واحترامها وساهم فيها مربون أفاضل ولا يجب أن يجحد دورهم وتاريخهم، وهنا لابد أن أؤكد انه في العمل التربوي لا يمكن أن ننسبه الى شخص واحد ونقول عنه هو البطل الوحيد، بينما العمل في التربية هو عمل جماعي يعتمد على فرق مختلفة في إنجازاتها وتطوير أعمالها، وفي البدايات كان هناك رغبة شديدة أن يؤسس لدينا في قطر نظام تعليمي على نفس نموذج الأنظمة التعليمية المتطورة في العالم العربي الموجودة في صدر العالم العربي في ذاك الوقت مثل مصر وسوريا ولبنان، حيث ان هذه الدول سبق وأسست أنظمتها التعليمية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فقد تأسست مدارس لها مناهجها ومعلموها وأنظمتها وبشكل أو آخر كانت أنظمة تعليمية مرتبطة بالأنظمة التعليمية في أوروبا وذلك لأن الشكل في البداية كان يعتمد على المحاكاة والاستفادة من الخبرة، وبالتالي عندما نتكلم عن خمسينات القرن العشرين نستطيع أن نقول انه تكونت خبرة تعليمية كبيرة في العالم العربي وأصبح هناك مؤسسات تعليمية لها خبراتها وأجهزتها، ومن هنا كان هناك رغبة شديدة ان تحدث لدينا نقلة نوعية من نظام بسيط متاح لأبناء قطر في أواخر الأربعينات وهو النظام الذي كان يعرف بنظام الكتاتيب وكانت عبارة عن اماكن يجلس فيها معلم واحد ويتوافد على هذا المكان الأطفال من الجنسين، وفي الحقيقة كان لدينا هنا في قطر مراكز متعددة من هذه في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

التطوير لماذا؟

_ هل كان ذلك التعليم في ذاك الزمن يشوبه بعض القصور مما دفع الدولة لأن تبحث عن نظام تعليمي آخر؟

- لا نستطيع أن نقول إنه في بداية الخمسينات وأواخر الأربعينات كان هناك ما يسمى نظام تعليمي بمعنى الكلمة، ولكن كان هناك مدارس أنشأها الحكام بالإضافة الى بعض مراكز التعليم التي كان يقوم بانشائها ميسورو الحال في قطر في ذاك الوقت، حيث كان البعض يقوم بانشاء مركز تعليمي صغير في منزله لأولاده ويجمع فيه أبناء الحي ويستقدم لهم المعلمين، وبالتالي لا نستطيع أن نقول إنه في ذلك التوقيت كان لدينا أنظمة تعليمية، لكن كانت مجرد بؤر تعليمية لمحاولة بث النور وإشعاع المعرفة بالظروف الموجودة وكانت أغلبها تعتمد على شخص أو اثنين على الاكثر يتولون تعليم الأطفال في هذه المدارس، وكانت المواد التي تدرس في هذا الوقت هي العلوم الدينية وتعلم الكتابة والقراءة وتعلم القرآن الكريم وشيء من مبادئ الحساب، ولم يكن هناك كتب أو مناهج وكان فقط موجود ألواح يكتب فيها الأطفال ما يمليه عليهم معلمهم أو ما يحاول ان يعلمهم فيه.

«تعلم لنكن»

_ ما أول قرار اتخذته عندما تعينت وزيراً للتعليم في عام 89؟

- في الحقيقة عندما تشكل مجلس وزراء جديد في عام 89 كان أهم قرار وتوجه وددت أن أنتهي منه قبل أن أغادر موقعي كوزير هو ان يؤتى بفريق عالمي يقيم تجربة قطر في نظامها التعليمي في كل أبعادها ومشتملاتها، فيقيم المنهج والطالب والنظام الإداري ونظام الامتحانات ويقيم المعلم والمدير والموجه.

ومن بداية الثمانينيات ظهرت في العالم كله صيحات كبيرة أن أنظمة التعليم في العالم أنظمة متخلفة غير منتجة ولا مبدعة وتعقد الفهم للطالب وقاصرة ولا تتمشى مع التنمية، وهذا حدث في العالم كله وبالتالي هذه الصيحة تبنتها اليونسكو وأجرت فيها بحوثا وأتت بخبراء وكان من أهم البحوث والدراسات التي كتبت في هذا المجال كتاب «تعلم لنكن» لأن التعليم المفروض أن يجعل الإنسان يعيش حياته، وما هي فاعلية التعليم في حياة الإنسان، وبالتالي خرجت فرق وأجهزة ولجان تقيم أنظمة التعليم في العالم وفي كل دولة أصبح هناك جهاز يقيم أنظمة التعليم فيها وبدأت صيحة في ذاك الوقت وانا كنت من الأشخاص المؤمنين بهذه القضية وبالفعل اقترحت اقتراحا على سمو ولي العهد في ذاك الوقت، وكان هو حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحاكم الحالي، وكان اقتراحي هو ان يؤتى بفريق عالمي يدرس تجربة قطر ويقيم تجربتنا ويقول ما لنا وما علينا ووافقت القيادة وأتينا بفريق عالمي يقيم نظامنا التعليمي وجلس الفريق يدرس التجربة حوالي عامين وكان هذا في عام 90-91 وكان الفريق مكونا من خبراء عرب وعالميين وواحد من بين هؤلاء الخبراء كان من قام بتقييم النظام في روسيا وآخر كان من قام بتقييم نظام الكويت والثالث كان من قام بتقييم النظام في الأردن ومن ثم جامعة قطر اخترنا اثنين من الخبراء واثنين من وزارة التربيــة ورئيس الفريق كان من أبناء الخليج اقترحت اسمه وهو الدكتور أحمد محمد الرشيد كان وزير المعارف بالسعودية ومدير مكتــب التربية العربي بدول الخليج وهو رجل تربوي.. وجاء الفريق ودرس التجربة وخرج ببحث ودراسة اسماها تقويم نظام التعليم في قطر وتطويره، وذلك لأن التعليم كان قد وصل الى كل المحاولات في التطوير وفي كل شيء على قدر ما كان متوفرا من خبرات.

هيئة عليا للتعليم

_ ما تفاصيل هذا البحث الذي أعده فريق التقييم؟

- كان ملخص هذا التقرير انه يأتي في النهاية ويقترح هيئة عليا او مكتب تطوير يؤسس للإشراف على ما اقترحوه من مبادئ لتطوير التعليم ودراسة ما اقترحوه في مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط وفي داخل جهازنا وعلى مستوى الجامعة حتى نعلم قيمته، والكل وافق على ما جاء في التقرير وأخذ التقرير عامين تقريباً، وانتهى التقرير فيما بعد الى اقتراح إنشاء هيئة عليا يقودها سمو ولي العهد وقتها، الشيخ حمد حفظه الله، وهو الحاكم الحالي.. وانتهى الموقف حتى تتخذ كافة الإجراءات أن ينشئ مكتب التطوير داخل التربية باعتباره الجهاز الفني الذي يأتي للهيئة العليا بالأفكار والاقتراحات، والهيئة العليا برئاسة سمو ولي العهد هي التي تقرر وتضع الميزانيات وهذا كان شيئا جيدا جداً لانه عندما يرأس تطوير التعليم شخصية كبيرة بحجم سمو ولي العهد اعتبر أن هذا مكسب كبير للتربية ومن يعمل بها، واستدركتنا في هذا الوقت مراحل ومؤثرات خارجية أقلقت الخليج كله في مقدمتها الحرب العراقية الإيرانية، وفيما بعد حرب الكويت العراق واذا أضفت الى ذلك تخلخل واردات النفط في أواخر الثمانينات نتيجة انهيار أسعار النفط فقد أربكت هذه الانهيارات الإدارات المالية في دول الخليج وكل دول العالم التي تعتمد دخولها على النفط وبالتالي ظل الموقف في سنوات ذاك التاريخ تحدد فيها أولويات معينة وبدأنا الدخول في سياسات تقشف شديدة أثرت بلا شك على البرامج ومقترحات التقرير وكنت قد تركت الوزارة في ذاك الوقت يوليو عام 1996 ولم نكن قد دخلنا في مرحلة التطوير بالنسبة للمقترحات الخاصة بتقرير الخبراء، ثم تطور الموقف فيما بعد وأخذ اتجاهات أخرى بالنظر الى التعليم.

مراقب عن بعد

_ الآن سعادتك مراقب للتعليم عن بعد كيف تنظر الى مسيرة التعليم حالياً؟

- الظروف اختلفت اختلافاً شديداً وذلك لأن المجتمع القطري تطور بشكل كبير جداً والأمير الشيخ حمد حفظه الله أحدث فيه تغييرات مهولة وسريعة ولا تستطيع أجهزة التعليم أن تلاحق التطور الذي حدث في المجتمع، فقد حدث تقدم صناعي كبير وتنمية متسارعة وهناك وسائل عيش ورفاهية مختلفة وهناك علاقات دولية وسياسية وأمنية، وهناك علاقات ثقافية وعلمية ومعرفية مختلفة تماماً، وبالتالي أجهزة التعليم الان مختلفة عن أجهزة التعليم التي عاصرناها وعملنا فيها وذلك لأن التغير الكبير الذي حدث في المجتمع القطري يتطلب أيضاً إحداثات جديدة في وسائل المعرفة مؤسسات التعليم وهذه أصبح لها قيادة الان جديدة وتقترح فيها أفكار جديدة، ونتمنى من الله ان يرعى هذه النهضة ويبارك فيها وتؤتي ثمارها سريعاً، لكن من يعملون في التعليم الان لا يتعرضون للتحديات التي تعرضنا لها فقد تعرضنا لنقص شديد في التعليم عكس الان والحمد لله البلد يتوفر بها وسائل تمويلية كبيرة جداً فقد كنا نعمل بميزانية أقل من مليار ريال وقت أن كنت انا مسؤولاً عن التعليم في ذاك الوقت، بينما ميزانية التعليم الآن 17 مليارا، وبالتالي الأمور تغيرت ونحن في غاية السعادة أن البلد الان يعيش في رفاه وتقدم وخير كبير والحمد لله لدينا نمو كبير وتخطيط جيد للمستقبل.

صورة واقعية

_ لكن نريد أن ننقل لك صورة يتحدث عنها المجتمع هي أن التعليم يعاني، فقد ضاعت هيبة المعلم ومدير المدرسة وصاحب الترخيص واصبح مستوى الطلاب في اللغة العربية منخفضا؟

- كل من يعمل في التعليم ينبغي أن لا يغفل عن حقيقة واحدة وهي مهما أحدثت من تطوير في برامج المعرفه أنت في النهاية تتعامل مع إنسان بشر ومجتمع متغير ولابد أن يكون لديك جهاز تقويم مستمر، وذلك لأن الاجهزة التعليمية الناجحة هي التي تقوم بتقييم تجاربها باستمرار ومرحلياً كل خمس سنوات أو أربع لترى إلى أين أنت تتجه، لأنه لا يوجد نظام تعليمي في العالم بإيجابيات فقط فكل نظام له ايجابياته وسلبياته، لكن ينبغي عليك أن تعترف بهذه الحقيقة ولا نكتفي فقط بالتطوير وهذا جيد وعزم جيد جداً، ولكن لابد وأن تقيم وفي أثناء الوقت عليك أن تحافظ على مكتسبات قوية موجودة في التاريخ منذ بداية الخمسينات الى الان، لأن الأشياء الجيدة والموروثات التي حافظنا عليها في التعليم ينبغي أن نقويها حتى لا يفقد المجتمع هويته، لاننا الآن نتكلم عن قليل من يجيد اللغة العربية وقليل من يجيد فهمها وانا أقول إن اللغة العربية لا تعلم من خلال كتاب ومدرسة ولكن اللغة العربية كل متكامل يتعلمها الطالب في منزله ومدرسته ومجتمعه كله وفي أجهزة التلقي التكنولوجية وكل الوسائل التي تقوي متانة لغته، المشكلة أن مدارسنا الأجنبية انهم يقولون اننا متمسكون بتعليم الطلاب اللغة العربية، لكن السؤال هنا: كيف تعلم اللغة العربية ومن هو الذي يعلم الطلاب اللغة العربية وما هو المضمون الذي يعلم للطلاب وما هو الوزن المعياري لتعلم اللغة العربية بالمقارنة بالمواد الأخرى؟ كلها موازين تفحص وتراقب من جانب اجهزة مراقبة وذلك حتى نحمي لغتنا العربية وحتى يكون الخريج هذا لديه انتماء لبلده ولوطنه العربي وفي الحقيقة الناس تشكو من قصور في هذا الجانب ونحن لا نرمي تهما على من يقودون التعليم في الوقت الحالي، لكن نحن نقول إن هذا تم جلبه وعلينا ان نواجهه، ويتم هذا عن طريق الاعتراف من البداية انه ليس هناك تعليم في أي بلد في العالم كامل أو مبرأ من سلبيات، وكيف يتم التغلب عليه هو أن يكون هناك جهاز تقويم وتقييم متكامل يقيم كل مكونات العملية التعليمية.

_ ما السبيل لإعادة الاعتبار للغة العربية في النظام التعليمي القطري؟

- كانت لي تجربة مع ولدي فقد نقلته بين أكثر من خمس أو ست مدارس حتى أقف بشكل جيد على مستواه، حيث كتبت لي مدرسة اللغة العربية كتاباً أن ولدي ضعيف في اللغة العربية فذهبت إلى المدرسة وقابلت المدرسة وقلت لها أنا في غاية السعادة والشكر أن ولدي ضعيف في اللغة العربية، لكن أريد أن أعرف ما المخرجات التي تقدمها المدرسة لتعليم الطلاب اللغة العربية، وطلبت الاطلاع على المنهج وعدد ساعات تدريس اللغة العربية للطلاب وطلبت زيارة مكتبة المدرسة وعندما دخلنا المكتبة لم نجد فيها كتابا واحدا باللغة العربية فقلت لها: كيف ستعلمون الطلاب اللغة العربية بهذا الشكل، وبالتالي رأيت أن المدى الزمني المحدود لتعليم اللغة غير كاف، المواد المساعدة غير كافية، التغذية التي من الممكن أن يرجع إليها الطالب كي يغذي تعليمه غير موجودة فقلت لها: لو تريدين أن أحل لك مشكلة ولدي أنا أستطيع أن أجلب له معلما في المنزل وتنتهي مشكلته لكن هذا ليس حلاً للمشكلة.

القرار الأول للوزير

_ لو عدت سعادتك لوزارة التعليم ما أول قرار سوف تتخذه؟

- هذا سؤال كبير جداً.. لكن الأهم من السؤال والإجابة عنه هو أن نعترف بحقيقة ويعترف بها من يعمل في أجهزة وأنظمة التعليم أن نظام التقويم هو جزء من حياة أي نظام تعليمي وبقائه واستمراره وإذا اعترف بهذه القضية فمن الممكن التغلب علي كل شيء وهذا التقويم سنوي ومرحلي ومن جهاز محايد وتقويم من فريق موجود وحتى المعلم والإدارة التربوية ينبغي أن يكون لهم رأي فيما يدرسونه للطلاب وهناك قدرات يجب أن يكتسبها الطلاب خاصة فيما يتعلق بتعلم اللغة، جهاز وزارة التربية به إدارة تربية وتوجيه تربوي وإدارة مناهج وكنا نشعر بالمعلم ونوفر له ما يريحه يأتيه المنهج جاهزا وكيف يطبق المنهج في خريطة كبيرة جداً وكيف يقيم منهجه والموجه يذهب للمدرسة ويجمع المدرسين ويعطيهم معلومات وأفكارا حول تطور المنهج وفي النهاية يكون إنتاج المعلم كافيا أو غير كاف وبالتالي لا يجب أن نربك المعلم بتكليفه بوضع منهج وتقييم نفسه وهناك فرق كبير جداً بين المعلم قديماً والمعلم في الوقت الحالي من ناحية المهام الموكلة إليه والوسائل المتوافرة فقد كنا نوفر للمعلم كافة الوسائل حرصاً على وقته.

إبحار في الماضي

_ دعنا سعادة الوزير نبحر معك إلى الماضي لننقل للأجيال مسيرة نصف قرن من حياة وزير ووكيل وزارة، ومدير إدارة وطالب جامعي وطالب في معهد ديني، وفي مدرسة الحاكم وفي الكتاتيب وسؤالي: أين بدأت تعليمك في بداية حياتك؟

- أول ما بدأت التحقت بمركز تعليم كان في منزلي فقد أتى لي الوالد بمعلم في المنزل في عام 1950 تقريباً وكان اسمه الأستاذ (خليل) وكان من عرب فارس أتى من الساحل الشرقي للخليج الذي كانت تسكنه قبائل عربية، وكان أكثر المعلمين يأتون إلينا من ذلك المكان، وأستطيع أن أقول إن معلمي الأول كان متميزاً في حدود إمكاناته واستمرت تجربتي معه لمدة عام لأنه فيما بعد افتتحت مدرسة في قصر الحاكم بقصر الشيخ علي، حيث كان الحاكم يستخدم جزءا منه كمكان يتعلم فيه الطلاب وكان يقوم بالتدريس في هذه المدرسة المعلمان محمد علي وعبد الحميد عبدالدايم وكان عددنا نحن الطلاب قليلا من بينهم مجموعة من الأسماء المعروفة الآن هم (الشيخ جبر بن جاسم وعبد الرحمن بن محمد بن علي وخالد بن محمد بن علي وأخي تركي وأخي محمد) بالإضافة إلى بعض من أبناء الجسرة والدوحة، وقد استمرت هذه المدرسة عاما واحدا فقط لأنه فيما بعد وجه الحكام إلى ضرورة فتح مدارس نظامية وتم تأسيس لجنة سميت لجنة التعليم وكانت تحت إشراف الحاكم وقد عهد إليها تجربة افتتاح مدارس نظامية تشمل فصولا ومناهج ومعلمين وقد بدأت في عام 1950 و1951 وأتى إلينا مدير مدرسه اسمه علي علي عامر وقد استمر عاما واحدا فقط وذلك لأن ظروف الحياة في قطر في ذاك التاريخ لم تكن جاذبة، فقد كنا في بدايات التقدم وبالتالي الظروف كانت صعبة وبالتالي لم يكن يستمر مديرو المدارس فترة طويلة، ثم أتى إلينا مدير جديد هو ممدوح الريس ولم يستمر سوى ستة أشهر، ثم فيما بعد بدأت تجربة المدارس النموذجية مع علي علي عامر وكان في هذه المدرسة فصول وكان عدد الطلاب حوالي 70 طالبا كنت أنا من بينهم، ثم فيما بعد توسعت التجربة وتقلبت لجنة التعليم على مشاكل عدم استقرار المدير، وبالتالي اقترحت اللجنة على الحاكم في ذاك الوقت زيادة المخصصات المالية لجذب المدرسين وقد وافق الحاكم وهو الشيخ علي رحمه الله فقد كان محبا للتعليم وكان لديه شغف كبير بأن تلحق قطر بنظامها التعليمي بالأنظمة التعليمية الموجودة في العالم العربي وفي عهده تحققت وسائل جذب كثيرة جداً، فقد كانت هناك وسائل نقل ومنح وملابس بالمجان للطلاب وكانت هناك رواتب وفي بداية النهضة التعليمية كانت هناك وسائل جذب للتعليم، وفي سنة 1952 – 1953 توسعت التجربة وكان عدد المعلمين 8 معلمين وقد افتتحت مدرسة ثانية وزاد عدد الطلاب وبدأت تفتتح مدارس أخرى في مناطق خارج الدوحة مثل الخور وغيرها من الأماكن، وقد أطلق على أول مدرسة في قطر اسم (المدرسة الأولى) ثم سميت فيما بعد (مدرسة الوسط) وهو الاسم الثاني لها ثم (مدرسة قطر) وبعد ذلك سميت (مدرسة الدوحة).

النفط والتعليم

_ كيف كان أثر تفجر الثروة النفطية على التعليم؟

- في هذا الوقت بدأت ظروف البلد تتحسن مع الثروة النفطية، حيث تغيرت ظروف الحياة وبدأت مشاريع التنمية في البلاد مع توافر المال وقد استمرت المدارس هذه تؤدي عملها بجد، وقد تم تعيين أول مدير للمعارف في عام 1954 وهو عبد البديع صقر لكن لم يستمر لأن ظروفا أخرى لحقت بمجال عمله، وقد جاء عبد البديع صقر عندما كان الشيخ علي في رحلة حج وتقابل مع محب الدين الخطيب وهو من العلماء الأفاضل وكان الشيخ علي يرغب أن يتولى الخطيب منصب مدير المعارف لكنه اعتذر ورشح عبد البديع صقر، ولقد زرت محب الدين الخطيب في مكتبته بالمنيل عندما كنت أدرس بالقاهرة وكان من الشخصيات العلمية الممتازة، وبعد رحيل عبد البديع صقر جاء من بعده عبد الله عبد الدايم وهو مربٍ كبير وعالم فاضل وأتى إلينا من سوريا وهو عالم كبير في التربية وقد استمر حوالي عام أو عامين، وهنا أستطيع أن أقول إن منصب مدير المعارف هذا لم يكن مستقرا، حيث جاء بعد عبدالدايم مدير آخر هو عبد الرحمن الشمر ومن ثم جاء مصطفى الدباغ وهو من قام بتأليف كتاب «قطر ماضيها وحاضرها» وكان من أبناء فلسطين وله مؤلفات أخرى عن التعليم وبداياته وقد استمر حوالي عامين أو ثلاثة.

وفي هذة الفترة كانت تشتعل في صدر العالم العربي حركات ثورة وتحرر كبيرة جداً في مصر وسوريا والعراق وبدأت الناس تستمع إلى الإذاعات وتستمع إلى خطابات جمال عبد الناصر.

الثورات ونظم التعليم

_ هل تغيرت معالم الأنظمة التعليمية في تلك الفترة؟

- عندما تم تعيين الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني أول وزير معارف في هذه الفترة عام 1956، بدأت مسارات التعليم تأخذ دفعات أكبر والتوسع بالتعليم أصبح أكثر وبدأت تطرح ميزات أعظم وبدأ استقطاب المعلمين والعلماء وساهم في هذه النهضة التعليمية في قطر أبناء الأمة العربية كلهم وكان يتم سد الفراغ في منصب مدير المعارف بانتداب مدير معارف من الموظفين الكبار الذين كانوا يعملون في جهاز المعارف، حيث تولى فترة هذا المنصب الدكتور عز الدين إبراهيم ثم الدكتور كمال ناجي وتم تعيينه مديرا للمعارف واستمر مدة طويلة حتى عام 1979 وكنت أنا وقتها وكيل وزارة.

المعهد الديني

_ كيف واصلت دراستك بعد مرحلة مدرسة الحاكم؟

- واصلت دراستي بعد ذلك في مدارس قطر فقد تم في عهد الحاكم افتتاح معهد ديني ولكن لم يكن له نظام الدراسة المنظمة بأن تكون هناك مناهج وامتحانات وذلك لأن الشيخ علي كان يريد أن يدرس لأبناء قطر الشريعة الإسلامية وكان هذا تقريباً في عام 1957 -1958، لكن هذا المعهد درس فيه علماء من أبناء قطر منهم الشيخ عبد الله الأنصاري ووالدي الشيخ عبد الله بن تركي والشيخ محمد سعيد بن قطاش والشيخ عبد الحميد الدايل وهم مجموعة من العلماء كانوا يرغبون في تربية جيل دارس للعلوم الشرعية، لكن هذا المعهد الديني واجهته مشكلة وهو أنه بعدما أصبحت هناك مدارس نظامية بات التعليم منظما وأصبحت هناك مناهج وامتحانات وشهادات ولم يشكل المعهد جاذبية للالتحاق به أمام المدارس النظامية، وبالتالي تم تأجيل مشروع المعهد الديني، لكن بعد ذلك اقترح والدي وكان يتولى في هذا التوقيت منصب رئيس تفتيش العلوم الشرعية ثم أصبح رئيس الشؤون الدينية وتفتيش العلوم الشرعية افتتاحه من جديد وكان والدي يذهب إلى القاهرة وكنا نذهب معه وكان والدي معجبا كثيراً بنظام التعليم في الأزهر وكان يزور شيخ الأزهر في ذاك الوقت وهو الشيخ محمود شلتوت وأصبحت هناك علاقة قوية تربط والدي بالشيخ شلتوت حتى أن الشيخ محمود شلتوت بقيمته العلمية والدينية احتراماً للوالد كان يزوره بالفندق الذي كنا نقيم فيه بالقاهرة وبعدما اطلع الوالد على نهضة التعليم الديني في مصر تحدث مع الشيخ جاسم والشيخ علي بشأن إعادة افتتاح المعهد الديني مرة أخرى على أساس أنه مدرسة به نظام امتحانات ومناهج ينتهي فيما بعد شهادة دراسية ثانوية تؤهل الطلاب للالتحاق بالأزهر ومن الممكن أن نسوي لهم مقابلات ونساعدهم في هذا الأمر، وقد أعيد افتتاح المعهد الديني في عام 60 – 61 ودرسنا فيه ما بقي لنا من المرحلة الإعدادية وأنهينا فيه الدراسة حتى المرحلة الثانوية وفي الحقيقة كان معهدا قويا جداً ومناهجه قوية ومتشعبة شرعية وعربية بجميع الفروع، وذلك لأنك تدرس النحو والصرف والبلاغة وكانت كل مادة منفصلة ولها امتحان منفصل بالإضافة إلى العلوم الشرعية من فقه وحديث والتاريخ الإسلامي والنبوي بالإضافة إلى المواد التي تدرس في المرحلتين الثانوية والإعدادية وهي المواد الاجتماعية بكل فروعها والرياضيات والفلسفة والمنطق وفي البدايات لم يكن لدينا سوى الفرع الأدبي، لكن فيما بعد أصبح لدينا الفرع العلمي وإلى الآن المعهد الديني مستمر، لكن ربما هو الآن مقتصر على طلاب المنح القادمين إلينا من الخارج والمنهج بطبيعة الحال اختلف مع تطور التعليم.

الوطن