حرف النون
م. محمد يحيى كعدان
يقول المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني": " النون .. له في الكلام مواضع كثيرة. وإنما أذكر هنا أقسام النون، الذي يُعَدّ من حروف المعاني. وهي أربعة أقسام.
الأول: نون التوكيد. وهي قسمان: ثقيلة، وخفيفة. وقد جمعهما قوله تعالى: ليُسْجَنَنَّ وليَكُونَنْ (يوسف 32). وهما أصلان، عند البصريين، لتخالف بعض أحكامهما، ولأن التوكيد بالثقيلة أشدّ، قاله الخليل. ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقيلة ...
الثاني: التنوين. وهو نون ساكنة، تلحق الآخر، تثبت لفظاً، وتسقط خطاً ...
وأقسام التنوين عند سيبويه خمسة:
الأول: تنوين التمكين. وهو اللاحق للاسم المعرب، المنصرف، إشعاراً ببقائه على أصالته.
والثاني: تنوين التنكير. وهو اللاحق بعض الأسماء المبنيّة، فرقاً بين معرفتها ونكرتها. ويطَّرد فيما آخره وَيْه، نحو: سيبويهٍ. ولا يطَّرد في أسماء الأفعال.
والثالث: تنوين المقابلة. وهو اللاحق لما جُمع بألف وتاء زائدتين، نحو: مُسْلِمات، لأنه يقابل النون في جمع المذكر، نحو: مُسْلِمِين. وليس بنون الصرف، خلافاً للربعي، لثبوته في نحو: عَرَفات، بعد التسمية.
والرابع: تنوين العوض. وهو نوعان: عوض عن مضاف إليه: إمّا جملة، نحو: يومَئِذٍ، وإمّا مفرد، نحو: كلٌّ، وبعضٌ، على رأي.
وعوض من حرف، نحو: جَوارٍ، وغَواشٍ. فالتنوين في ذلك عوض من الياء المحذوفة بحركتها، عند سيبويه. وقال المبرد والزجّاجي: هو عوض من حركة الياء، فقط. وقال الأخفش: هو تنوين الصرف.
والخامس: تنوين الترنُّم. وهو تنوين يلحق الرويّ المُطْلَق، عوضاً عن مَدَّة الإطلاق، في لغة تميم وقيس. قال ابن مالك: وقولهم تنوين الترنُّم هو على حذف مضاف. والتقدير: تنوين ذي الترنُّم. وإنَّما هو عوض من الترنُّم، لأن الترنُّم مدُّ الصَّوتِ بِمَدَّةٍ، تجانس حرف الرويّ. وهذا التنوين يلحق الاسم، والفعل، والحرف. فالاسم كقول العجاج: (يا صاحِ، ما هاجَ الدُّمُوعَ، الذُّرَّفَنْ؟). والفعل كقوله: (مِن طَلَلٍ، كالأتْحَمِيِّ، أنْهَجَنْ). والحرف كقول النابغة:
أزِفَ التَّرحُّلُ، غيرَ أنَّ رِكابَنا ***** لما تَزُلْ بِرحالِنا، وكأنْ قدِنْ
وزاد الأخفش قسماً، وهو الغالي. وهو كتنوين الترنُّم، في عدم الاختصاص بالاسم. والفرق بينهما أن تنوين الترنُّم هو اللاحق للرويّ المُطْلَق، كما سبق. والغالي هو اللاحق للرويّ المُقيَّد، كقول العجاج: (وقاتمِ الأعماقِ، خاوِي المُخْتَرَقِنْ). أراد المُخْتَرَقْ. فزاد التنوين، وكسر الحرف قبله، لالتقاء الساكنين. وسمّى الأخفش الحركة التي قبله الغُلُوّ، كما سمّاه الغالي. والمشهور عند من أثبته أنه قسم مغاير للترنُّم.
وذهب بعضهم إلى أنه ضرب من الترنُّم، واختاره ابن يعيش الحلبي. وقد أنكر الزجّاج والسيرافي الغالي، وقالا: إن القافية المقيَّدة لا يلحقها حرف الإطلاق، فكذلك لا يلحقها التنوين، لأنه ينكسر بذلك. وقالا: إن كان سُمع فإنما هو: (وقاتمِ الأعماقِ، خاوِي المُخْتَرَقَ إنْ). بزيادة إنْ، إشعاراً بأنه بيت كامل. فضَعُف لفظه بهمزة إنْ، لانحفازه في الإنشاد، فظن السامع أنه نون، وكسرَ الرويّ".
ملاحظة: أقول: إن قول الزجّاج والسيرافي في إنكار الغالي وتأويل البيت لا مبرر له، لوجود هذه اللغة في بعض القرى والمناطق السورية في الزمن المعاصر.
يتابع المرادي: " الثالث: نون الإناث، في الفعل المسند إلى الظاهر، على اللغة التي يقولون فيها: لغة أكلُوني البَراغيثُ. وهي لغة طيِّ، كقول الشاعر الفرزدق:
ولكنْ دِيافيٌّ أبُوهُ ، وأُمُّهُ ***** بِحَورانَ، يعصِرْنَ السَّلِيطَ أقارِبُهْ
فالنون في: يَعْصِرْنَ، حرف يدل على التأنيث والجمع.
وأنكر قوم، من النحويين، هذه اللغة، وتأوّلوا ما ورد منها. ولا يُقبل قولهم في ذلك. بل هي ثابتة بنقل الأئمة. وسيأتي لذلك مزيد بيان.
الرابع: نون الوقاية. وهي نون مكسورة تلحق قبل ياء المتكلم، إذا نُصبت بفعل، نحو أكرمني، أو باسم فعل، نحو: عَليكَنِي، بمعنى الزَمْني، أو بإنَّ وأخواتها، نحو: ليتني، وتلزم مع الفعل واسم الفعل، إلاّ ما ندر من قوله رؤبة: (إذْ ذَهَبَ القَومُ الكِرامُ، لَيسِي).
وأمَّا إنَّ وأخواتها فثلاثة أقسام: قسم لا تحذف منه إلاّ نادراً، وهو ليت. وقسم لا تلحقه إلاّ نادراً وهو لعلَّ. وقسم يجوز فيه الأمران، وهو: إنَّ ، وأنَّ ، ولكنّ ، وكأنّ .
وتلحق نون الوقاية أيضاً، قبل ياء المتكلم، إن جُرّت بمن وعن. ولا تحذف إلاّ في ضرورة الشعر. نحو قوله:
أيُّها السّائلُ عنهُم ، وعَني ***** لستُ مِن قَيسٍ، ولا قيسٌ مِني
أو بإضافة: قَدْ ، وقَطْ ، ولَدنْ ، وبَجَلْ. وكلها بمعنى: حَسْب. وحذفها من بجل أكثر من إثباتها، بعكس الثلاثة التي قبلها. ولا تلحق نون الوقاية غير ما ذكرته إلاّ ما ندر، ممَّا لا يقاس عليه. وحكم نون الوقاية مشهور، فلا نطول هنا باستيفائه. وإنما سمِّيت هذه النون نون الوقاية، لأنها لحقت، لتقي الفعل من الكسر. ثم حُمل على الفعل ما ذُكر.
وقال ابن مالك: سمِّيت بذلك لأنها تقي اللَّبسَ في الأمر، نحو: أكرِمْني. فلولا النون لالتبسَ أمر المذكر بأمر المؤنث. ثم حُمل الماضي والمضارع على الأمر".
الأداة ( ن 10010 ) تعني معرفة المتكلم فقط، بشكل العنصر الثاني الغائب، الذي " ناء " إلى المتكلم.
لنتأمل الكلمات (الصيغ) التالية: زيدٌ ، رجلٌ ، كريمٌ ، ... إلخ.
نجد أنّ جميعها تُعَبِّرُ عن عناصر تمّ بدء صياغتها بالتنوين (لأن الصياغة تتم من اليسار إلى اليمين)، حيث نلفظ النون ولا نكتبها، بل نصطلح على وجودها كتابةً بمضاعفة الإشارة، ولكن الأصل لدينا في اللغة لِلَّفظ وليس لاصطلاحات الكتابة.
بما أننا نعتبر في اللغة العربية (وخاصة الأساسية الأم) أن معاني الكلمات غير اعتبارية، وأن رمز العنصر يحمل تعريفه. لذا إذا كان لدينا العنصر س، وقمنا بصياغته بالحرف (ن)، أي: ن (س).
فإننا نكون قد أسبغنا عليه أحد المعاني، وهو أنه عنصر غائب معروف الشكل للمتكلم فقط.
هذا يعني بطريقة أخرى أن المتكلم يتحدث عن عنصرٍ عام، لأنه يعرف شكله فقط ولا يعرف أوصافه حتى يُميّزه أو يُحدده. وبمتابعة الصياغة مثلاً بالصيغة المُرَكَّبَة: كريم ( ن(س)). فإننا نضيف للمعنى السابق معانيه الأخرى. أي أن المتكلم يتحدّث عن العنصر الثاني س، فهو كريم، ولكنه غائب، وعام لأن شكله فقط معروف له، ولا يستطيع تمييزه أو تمييز أجزائه.
لقد افترضنا أن الصيغة: كريمُ، معروفة الصياغة والمعنى، وأن الرمز س هو العنصر الثاني الموضوع الذي نقوم بصياغته، وهو الذي نقصده بقولنا: كريمن. وعادة لا نكتب س ولا نضع الأقواس عند كتابتنا للصيغة.
الصيغة: " نون " ( ن 10010 )، ( و 11010 ), ( ن 10010 )، تعني وجود شكل أمام المتكلم لعنصر غائب، لشكل غير موصّف أمام المتكلم لعنصر حاضر، لشكل أمام المتكلم لعنصر غائب؛ أي نحن بداية أمام شكل (عام) عند المتكلم لعنصر غائب ( ن ) ثم يحضر هذا العنصر لدى المتكلم ( و ) ثم ننتقل إلى عنصر غائب ناء شكله إلى المتكلم ( ن ). بالتالي نحن نتحدّث عن شكل لعنصر حاضر لدى المتكلم. هذا العنصر يربط عنصرين غائبين ناءا إلى المتكلم، ألا وهو " النون ".
أي " النون " هو رابط بين عنصرين ناءا عند المتكلم. وبتعبير آخر هو رابط بين عنصرين لتشكيل عنصر جديد. وبالتالي يكون ذا النون هو الذي يقوم بعملية تشكيل جديد لعنصر من شكلين. ومنه نحن أمام عنصر عام يمثل النوع. يقول تعالى: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء87). لأن المغاضبة إغضاب لعدة أفراد. وقد جرى تعميمها من قبل ذا النون.
نلاحظ أن الصيغة (نون) عكوسة وبالتالي تبديلية. أي يمكن مثلاً تشكيل العنصر الأول مع الثاني أو الثاني مع الأول دون تغيير في الشكل الناتج.
الآن ليكن لدينا قوله تعالى: نْ وَالقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ (القلم 1).
هذا يعني (والله أعلم): معرفة المتكلم فقط وهو سبحانه تعالى، بالعنصر العام الغائب " والقلمِ وما يسطرون ".
وإشارة السكون فوق النون، تعني أن هذه الصيغة يمكن أن تخضع لإحدى الحركات: الفتح، أو الكسر، أو الضم الذي هو فتح وكسر معاً.
أي يُقْسِمُ تعالى بالصيغة، أو أن معرفته للصيغة " وَالقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ " قائمة في أي زمان. ماضياً ومستقبلاً، وحاضراً (الحاضر هو ماض ومستقبل معاً).
الآن لتكن لدينا الصيغة: أكرِمْني.
لدراستها نكتبها كما يلي: أكرِمْ ( نِ ( يْ )). نعتبر أن: أكرِمْ، معروفة الصياغة والمعنى. إن الأداة ( ي 10110 )، تعني معرفة المتكلم والمستمع معاً بالشكل العام (دون تمييز) لعنصر غائب. (انظر مقالنا: حرف الياء).
وعندما يتم تركيب الحرف (ن) مع الياء، فإنها تعني: أن هذا العنصر الغائب المعروف شكلاً للمتكلم والمستمع (ي)، قد اقتصر على المتكلم فقط حسب تعريف النون. وهذا يعني تخصيص المعنى بالمتكلم فقط، بعد أن كان للمتكلم والمستمع معاً.
وهكذا نرى أن الياء لا تُعبِّر بمفردها عن النسبة إلى المتكلم، ولا يوجد هذا المعنى فيها، حتى أنه لا يوجد ياء للمتكلم، فهي للمتكلم والمستمع معاً ( ي 10110 ). ومن الممكن التعبير عن النسبة بالنون فقط، كما في قوله تعالى: فأمَّا الإنسَانُ إذا مَا ابتلاهُ رَبُّهُ، فأكرَمَهُ، ونَعَّمَهُ، فيَقُولُ رَبِّي أكرَمَنِ، وأمَّا إذا مَا ابتلاهُ فَقَدَرَ عليهِ رِزْقَهُ، فيَقُولُ ربِّي أهانَنِ (الفجر 15-16)، وهذا واضح في " أكرمنِ، أهاننِ ". ويقف القُرَّاء على النون عند الوقف.
الآن لتكن لدينا الصيغة: كتابي.
لدراستها نكتبها كما يلي: كتاب(يْ). نعتبر أن: كتاب، معروفة الصياغة والمعنى.
إن الأداة ( ي 10110 )، تعني معرفة المتكلم والمستمع معاً بالشكل العام (دون تمييز) لعنصر غائب. ومنه نجد أن الياء كما قلنا هي ياء المتكلم والمستمع معاً. ولا علاقة للياء بقَصْرِ العنصر على المتكلم. ويكفي أن نقول: كتابِ، بالكسر.
فإشارة الكسر في هذا الموقع هي المسؤولة عن النسبة للمتكلم.
وكذلك تكفي الصيغة: " ربِّ " بالكسر للدلالة على النسبة إلى المتكلم (كمثال آخر). ولكن من الممكن أن نقول:
" ربِّي "، والياء كما قلنا هي لشكل عنصر غائب، وهذا الشكل عند المتكلم والمستمع معاً، فنحن هنا نبتدئ الصياغة بالتحدّث عن ربّهما. تعني: ربِّي، دعوة إلى التربية والرعاية.
في اللغة الدارجة السورية نقول وبِمَدّ قصير: كتابِ، ونعني العائدية للمتكلم، وكذلك نقول: كتابَ، ونعني العائدية لمؤنث، ولا نقول كتابا، وكذلك نقول بتفخيم ومدّ قصير أيضاً: كتابُ، ونعني العائدية لمذكّر، ولا نقول كتابو.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: أنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكُمْ البقرة 184.
وندرسها وفق المراحل: أ (ن(تصوموا خيرٌ لكم))، معتبرين أن الصيغة: تصوموا خيرٌ لكم، معروفة الصياغة والمعنى.
وجدنا أن تعريف الحرف (ن) هو القيم 10010، وتعني معرفة المتكلم فقط، بشكل العنصر الثاني الغائب.
وذلك يعني (والله أعلم): تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما مع عنصر حاضر (أ)، لعنصرٍ غائب عام (شكل) معروف للمتكلم فقط (ن)، هو الصيغة: تصوموا خيرٌ لكم.
الفتح فوق الألف يعني أن هذا التعريف أو التآلف حقيقي ومتجسّد (متشكّل).
لتكن الصيغة: إنْ تجتهد تنجح. وتعني: تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما مع عنصر حاضر (أ)، لعنصرٍ غائب عام (شكل) معروف للمتكلم فقط (ن)، هو الصيغة: تجتهد تنجح.
الكسر تحت الألف يعني أن هذا التعريف أو التآلف، هو توصيف فقط، وغير متجسّد أو حقيقي.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: أنا زيدٌ. وندرسها وفق المراحل: أ (ن(ا(زيدٌ))).
وتعني: تعريف المتكلم والمستمع بعنصر حاضر متآلف (أ)، لعنصرٍ غائب عام (شكل) معروف للمتكلم فقط (ن)، لعنصرٍ حاضر متآلف مع المتكلم والمستمع (ا)، هو: زيد.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: وآخِرُ دَعْواهُم أنِ الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ يونس 10.
وندرسها وفق المراحل: وآخِرُ دَعْواهُم أ(نِ(الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ)). وتعني (والله أعلم):
وآخر دعواهم، الصيغة: الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ، التي كانت شكلاً غائباً ومعروفاً للمتكلم فقط (ن)، هو سبحانه وتعالى، ثم غدت حاضرة ومتآلفة مع المتكلم والمستمع معاً (أ).
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ أنْ تَضِلُّوا النساء 176.
وندرسها وفق المراحل: يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ أ(نْ(تَضِلُّوا)). تعني (والله أعلم): يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ، الصيغة: تَضِلُّوا، التي كانت شكلاً غائباً ومعروفاً للمتكلم فقط (ن)، وهو سبحانه وتعالى، ثم غدت متآلفة مع المتكلم والمستمع (الذي هو أنتم) معاً (أ).
طبعاً إن تبيان الضلالة من قبل المتكلم للمستمع، يُفيد في تمكين المستمع من تجنّب هذه الضلالة إذا رغب بذلك، ولكنّه لا يمنعه عنها، بل هو تبيان فقط عبر التعريف الكامل بالتآلف.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: إنْ كانَتْ لَكَبيرةً البقرة 143.
ندرسها وفق المراحل: إ (ن(كانت لكبيرةً)). تعني (والله أعلم):
تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما مع عنصر حاضر (أ)، لعنصرٍ غائب عام (شكل) معروف للمتكلم فقط (ن)، وهو الصيغة: كانت لكبيرةً.
والكسر تحت الألف يعني أن هذا التعريف أو التآلف، هو توصيف فقط، وغير متجسّد أو حقيقي.
أي كونها كبيرة، ليس حقيقياً أو موضوعياً لعدم تجسّدها. فالآية الكريمة تقول: وكذلكَ جعلناكُمْ أُمَّةً وسَطا لِتكونوا شُهداءَ على الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكُمْ شَهيداً وما جَعَلنا القِبْلَةَ التي كُنتَ عليها إلاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسولَ مِمَّن يَنْقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وإنْ كانتْ لكَبيرةً إلاّ على الّذِينَ هَدى اللهُ وما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ إنَّ اللهَ بالناسِ لَرَؤوفٌ رحيمٌ.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، إنْ كنتُمْ مُؤمِنِين البقرة 278.
ندرسها وفق المراحل: وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، إ (نْ(كنتُمْ مُؤمِنِين)). تعني (والله أعلم):
وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، والصيغة: كنتُمْ مُؤمِنِين، التي تم التآلف معها بعد أن كانت غائبة ومعروفة شكلاً للمتكلم فقط، هي صيغة توصيف فقط غير متجسّدة (الكسر تحت الألف)، وبالتالي هي احتمالية وليست حتمية في مفهومها.
ومثلها في ذلك قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ المَسْجدَ الحَرامَ، إنْ شاءَ اللهُ الفتح 27. فقد لا يشاء الله ذلك الدخول.
الصيغة " نا " (الصيغة " نا " هي عكس الصيغة " أنْ ").
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: رَجُلُنَا زيدٌ. وندرسها وفق المراحل:
رَجُلُ (ن(ا(زيدٌ ))). معتبرين أن الصيغتين: رجلُ، زيدٌ. معروفتا الصياغة والمعنى. ويكون معنى الصيغة السابقة مع إبراز المعنى الجزئي للصيغة (نا) هو:
إنّ العنصر المُصاغ بالصيغة: رجل، وهو: ن (ا(زيدٌ))، عبارة عن شكل (عام) غائب معروف للمتكلم فقط (ن) (اختص بالمتكلم فقط)، لعنصرٍ متآلف مع المتكلم والمستمع (ا)، هو الصيغة: زيد.
الصيغ " مِنْ ، مُنْ ، مَنْ " :
وجدنا أنّ تعريف الحرف (ن) هو القيم 10010، وتعني معرفة المتكلم فقط بشكل عنصر غائب .
بينما تعريف الحرف (م) هو القيم 10011، وتعني معرفة المتكلم فقط بشكل وصفة عنصر غائب .
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: مِ (نْ(زيد)). وتعني:
معرفة المتكلم فقط بشكل وصفة عنصر غائب (م)، لعنصر غائب معروف الشكل للمتكلم فقط (ن)، للعنصر: زيد. أي قيام المتكلم فقط بتمييز عنصر غائب وبمعرفة شكله وصفته، من عنصر عام يعرف شكله فقط.
لاحظ أن الصيغة: من، مستقلة عن المستمع لغيابه، لوجود القيمة 0 مكان العنصر الثالث، في تعريف الأداتين: الميم والنون.
هذا وإن كل أمثلة المرادي المذكورة عن الصيغة " من "، من ابتداء الغاية، إلى منتهاها، إلى التبعيض، .. إلخ؛ لا تخرج عن التعريف السابق، من تمييز المتكلم فقط لعنصر من عنصر عام غائب.
إن إشارة الكسر (المرافقة للميم)، تدل على أن العنصر الذي تعرّف عليه المتكلم، هو صفة فقط. بينما إشارة الفتح (المرافقة للميم) في الصيغ التقريرية (غير الاستفهامية): رأيت (مَنْ(جاء))، عرفنا (مَنْ(عمرو))، مَنْ (زيد)؛ تدل على أن العنصر الذي تعرّف عليه المتكلم، هو شكل متجسّد وحقيقي. بينما إشارة الضم (المرافقة للميم)، فتدل على أن العنصر الغائب الذي تعرّف عليه المتكلم، هو شكل وصفة معاً.
ونرى أنّ الصيغة " مَنْ " لا تفيد الاستفهام، بل تدل على تعرّف المتكلم على شكل وصفة عنصر غائب، من عنصر غائب يعرف شكله فقط. وإذا أردنا الاستفهام فإنه يتم باللهجة لفظاً، وبإشارة الاستفهام (؟) كتابة.
ونلاحظ في اللهجة المصرية المعاصرة، صيغة: مُنَ عيني، وهي تتطابق بالتركيب مع الصيغة: مُنَ اللهِ، المذكورة في نصّ المرادي. وهي لا تخرج في معناها وتحليل صياغتها عما سبق.
لنتأمل الكلمة " مُنى "، وتعني: معرفة المتكلم التامة بشكل وصفة عنصر غائب (م)، وإشارة الضم تفيد أن هذه المعرفة متجسّدة وموصّفة؛ لعنصر عام متشكل معروف للمتكلم (ن)، لعنصر متآلف (ا). أي: رغبة المتكلم بالمعرفة التامة لعنصر غائب (م) ، من عنصر عام متشكل (ن)، من عنصر متآلف (ا).
الصياغة بالأداتين " إنّ ، أنّ " :
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: "إنّ زيداً قائمٌ"، وتكتب حسب اللفظ "إنْنَ زيداً قائم"، وندرسها وفق المراحل:
" إ ( نْ(نَ(زيداً قائم))) ". وتعني: معرفة المتكلم والمستمع لشكل وصفة عنصر حاضر ( إ 11111 )، من عنصر غائب معروف الشكل فقط (عام غير موصف) للمتكلم ( ن 10010 )، من عنصر غائب معروف الشكل للمتكلم ( ن 10010 )، هو الصيغة: زيداً قائم.
في تعريف المتكلم والمستمع معاً بشكل وصفة عنصر حاضر (ا)، نلاحظ التوكيد في كون هذا العنصر المتآلف هو من عنصر عام غائب معروف للمتكلم (ن)، من عنصر عام غائب معروف للمتكلم (ن).
إن الإشارات في الأداة "إنْنَ"، من كسر فسكون ففتح، تدل على أن العنصر المتآلف هو صفة وغير متجسد (غير مرئي)، من عنصر مستقل، من عنصر متشكل.
أما الإشارات في الأداة "أنْنَ"، من فتح فسكون ففتح، تدل على أن العنصر المتآلف هو شكل متجسد (مرئي)، من عنصر مستقل، من عنصر متشكل.
لنتأمل المثال التالي: "إنّما الربا في النسيئة"، وندرسها وفق المراحل "إنَّ(مَا(الربا في النسيئة))". فالأداة إنَّما هي صياغة للأداتين " إنَّ " و " ما ".
ومن قوله تعالى قلْ: إنّمَا يُوحَى إليَّ أنّمَا إلهُكُمْ إلهٌ واحدٌ الأنبياء 108، نجد أنّ، والله أعلم، الصيغة "أنّما إلهكم إله واحد" هو شكل متجسد (حسب إشارة الفتح للألف)، بينما الصيغة: "إنّما يُوحى إليَّ" هي صفة غير متجسدة (حسب إشارة الكسر للألف)، وذلك وفقاً لإشارات الألف في "أنّمَا، إنّمَا".
والآن لنتأمل إشارة الألف في الصيغتين "إنّكَ مسافرٌ، أنّكَ مسافرٌ".
إن الأولى تدل على كون الصيغة هي صفة غير مجسدة، أي: كونكَ مسافرٌ، صيغة غائبة (موصف فقط، هناك دلائل عليه) ويمكن أن يكون السفر مستقبلاً، بينما الثانية فهي شكل متجسد حصل في الماضي مثلاً، وبما أن الحاضر عبارة عن ماض ومستقبل معاً، فإن الصيغتين أعلاه تنسحبان على الحاضر أيضاً. ولكن الصيغة الأولى غائبة (غير مرئية حقيقة أو حكماً)، بينما الصيغة الثانية حاضرة (مرئية حقيقة أو حكماً).
|
|
|