
حرف السين
م. محمد يحيى كعدان
يقول المرادي: "السين.. حرف مهمل. يكون للتنفيس، ويكون زائداً في الوقف، لبيان الحركة.
فأما سين التنفيس: فمختصة بالمضارع، وتخلصه للاستقبال. نحو: كلاّ سَيَعْلَمُونَ (النبأ 4).
فإن قلتَ: فكيف دخلت على الفعل المقرون بالآن، في قول الشاعر:
فإنِّي لستُ خاذِلَكُم، ولكنْ ***** سأسْعَى، الآنَ، إذْ بَلَغَتْ أنَاها
قلتُ: لأنه أراد التقريب ولم يرد بالآن الزمن الحاضر حقيقة.
والسين عند البصريين حرف مستقلّ. وذهب الكوفيون إلى أنها مقتطعة من سوف، كما قالوا: سو ، وسَي ، وسَفَ . واختاره ابن مالك. قال: لأنه أبعد عن التكلّف، ولأنهم أجمعوا على أن هذه الثلاثة، فروع سوف، فلتكن السين كذلك. واستدل بعضهم، على أصالة السين، بتفاوت مدة التسويف؛ فإن سوف أبلغ في ذلك. فلو كانت السين فرعها لتساوت مدة التسويف. قال ابن مالك: وهذه دعوى مردودة لأن العرب عبّرت عن المعنى الواحد الواقع في الوقت الواحد بسيفعل، وسوف يفعل. ومنه قول الشاعر الهمع:
وما حالةٌ إلاّ سيُصْرَفُ حالُها ***** إلى حالةٍ، أُخرَى، وسوفَ تَزُولُ
وأما سين الوقف: فهي في لغة بكر، يزيدون سيناً بعد كاف المؤنثة، في الوقف، لبيان حركة الكاف. نحو: عليكِسْ. فإذا وصلوا حذفوها. فهي، في ذلك، نظير هاء السكت. وهذه لغة قليلة، تسمى: كسكسة بكر".
نذكّر القارئ أن الأداة ( ن 10010 ) تعني معرفة المتكلم فقط، بشكل عام لعنصر غائب. أي وجود شكل لدى المتكلم، فالعنصر قد " ناء " إلى المتكلم.
بينما الأداة ( س 10001 ) تعني معرفة المتكلم فقط، بصفة عنصر غائب. أي وجود صفة لدى المتكلم، فالعنصر قد " ساء " إلى المتكلم.
أي وجود صفة يعرفها المتكلم لعنصر غائب. (هي السوء أو السَوءَة، وليس ضرورياً أن يعني ذلك الأمور السيئة).
الصيغة: " سين " ( س 10001 )، ( ي 10110 ), ( ن 10010 )، تعني صفة أمام المتكلم لعنصر غائب، لشكل غير موصّف لعنصر غائب أمام المتكلم والمستمع، لشكل عام أمام المتكلم لعنصر غائب؛ أي نحن بداية أمام شكل عام عند المتكلم لعنصر غائب ( ن ) ثم ننتقل إلى شكل لدى المتكلم والمستمع لعنصر غائب ( ي ) ثم ننتقل إلى صفة عند المتكلم لعنصر غائب ( س ). أي الصيغة " السين " هي سوء أو سَوءة. فهي صفة عند المتكلم لعنصر غائب (س)، متشكل أمام المتكلم والمستمع (ي)، لعنصر عام (ن).
لتكن لدينا الصيغة: " سن "، وتعني معرفة المتكلم بصفة (س) شكل عنصرٍ غائب (ن). ويتصف الشكل بأنه ظاهر وبارز، ومنها: سَنَة وسُنّة. وبالتالي الصيغة " سن " هي النتوء أو البروز أو السن من الأسنان ... إلخ، وعكس معناها تماماً الصيغة " نس ".
لتكن لدينا الصيغة: " سب "، وتعني معرفة المتكلم بصفة عنصر غائب ( س 10001 ) لشكلٍ دون تفاصيل لعنصرٍ حاضر أمام المتكلم والمستمع ( ب 11110 ). أي صفة عنصر غائب (س) لشكل عنصر حاضر عند المتكلم والمستمع من بعيد حقيقة أو حكماً فلم يتمكنا من معرفة أوصافه (ب)، وعكس معناها تماماً الصيغة " بس ".
ليكن لدينا المثال: سيأكل زيد التفاحة. لدراستها نكتبها كما يلي: سَ (يأكل زيد التفاحة)، ونعتبر أن الصيغة التي بين قوسين معروفة الصياغة والمعنى.
ذلك يعني أن الصيغة: يأكل زيد التفاحة، هي العنصر الثاني أو الموضوع، نتيجة صياغتها بالسين، تكون غائبة، لكن موصّفة فقط. لغياب الشكل (وجود القيمة 0 مكان العملية في تعريف السين).
أي أن الصيغة: يأكل زيد التفاحة، هي سَوءة. أي غائبة، مع وجود توصيف لها عند المتكلم، أي لم يأكل زيد التفاحة، ومنه نفهم: أنه قد يأكلها فيما بعد.
المعنى السابق للسين قائم في كل الأمثلة التي يوردها المرادي، بما فيها وقوف بكر على السين. إذ تدل هذه الصيغة على المؤنث المخاطب، لمعرفة المتكلم لصفة التأنيث الغائبة الشكل.
هذه إحدى طرق تعريف الموضوع. إذ اختارت بكر ذكر صفة الأنوثة الغائبة الشكل والمعروفة للمتكلم كصفة (السَوءة)، أثناء تعريف المخاطب المؤنث. بينما اختارت قبائل أخرى عدم ذكر ذلك (حياءً مثلاً). ويقال أن الخليفة عمر بن الخطاب نهى عن استخدام كسكسة بكر في الكلام.
وفي لسان العرب مادة، كسَسَ:
"وكَسْكَسَة هوازِن: هو أَن يَزيدُوا بعد كاف الـمؤنث سيناً فـيقولوا: أَعْطَيْتُكِسْ ومِنْكِس، وهذا فـي الوقف دون الوصل. الأَزهري: الكَسْكَسَة لغة من لغات العرب تقارِب الكَشْكَشَة. وفـي حديث معاوية: تَـيَاسَروا عن كَسْكَسَة بكر، يعنـي إِبدالهم السين من كاف الـخطاب، تقول: أَبُوسَ وأُمُّسَ أَي أَبوكَ وأُمُّك، وقـيل: هو خاصٌّ بمخاطبة الـمؤنث، ومنهم من يَدَعُ الكاف بحالِها ويزيد بعدها سيناً فـي الوقف فـيقول: مررت بِكِسْ أَي بكِ، والله أَعلـم".
في القاموس المحيط، باب السين فصل الكاف:
"الكَسُّ: الدَّقُّ الشديدُ، كالكَسْكَسَةِ. وكِسُّ، بالكسر وبالفتح: بلد قربَ سَمَرْقَنْدَ، ولا تَقُلْ بالشين المُعْجَمَةِ، فإنها سَتُذْكَرُ، وبلد بأرضِ مَكْرانَ. والكُسُّ، بالضم: لِلحِرِ، لَيْسَ من كلامِهِمْ، إنما هو مُوَلَّدٌ. والكَسِيسُ: نَبيذُ التَّمْرِ، ولَحْمٌ يُجَفَّفُ على الحِجَارَةِ، فإذَا يَبِسَ، دُقَّ، فَيَصيرُ كالسَّويقِ، يُتَزَوَّدُ في الأسْفَارِ، والخُبْزُ المَكْسُورُ، كالمَكْسُوسِ. والكَسَسُ، محركةً: قِصَرُ الأسْنَانِ، أو صِغَرُهَا، أو لُصوقُهَا بِسُنوخِها. والكَسْكاسُ: القصيرُ الغليظُ. والتَّكَسُّسُ: التَّكَلُّفُ. والكَسْكَسَةُ، لِتَمِيمٍ لا لِبَكْرٍ: إلحاقُهُمْ بِكافِ المُؤَنَّثِ سِيناً عندَ الوَقْفِ، يقالُ: أكْرَمْتُكِسْ، وبِكِسْ".
والكُسْكُسْ: طعام مغربي، هو قطع صغيرة لعجين من دقيق القمح عادة. والكُس: ( ك 10101 )، ( س 10001 )، صفة معروفة للمتكلم والمستمع لعنصر غائب (ك) يتم قصرها على المتكلم (س)، هو العورة الغليظة للأنثى.
ملاحظة: العورة الغليظة للذكر هي: أير: هو تآلف (أ) مع مرئي (ير).
الصياغة بالأداة " سوف ":
يقول فيها المرادي ما يلي: "سوف: حرف تنفيس، يختص بالفعل المضارع، ويخلصه للاستقبال، كالسين. وفيه لغات، حكاها الكوفيون، وهي: سَفَ، وسَوْ، وسَيْ . وأنشدوا:
فإنْ أهلِكْ فسَوْ تجدُونَ فَقدي ***** وإنْ أسلَمْ يَطِبْ لكُم، المَعاشُ
وقال بعضهم: هذا البيت شاذ، وحذف الفاء منه للضرورة، قلت: نقل الكسائي، عن أهل الحجاز "سَوْ أفعل"، بحذف الفاء في غير ضرورة. فدلّ على أنها لغة، وقد تقدم الخلافُ في أن السين، في نحو "ستفعل"، أصل برأسه، أو فرع مقتطع من "سوف".
وهل "سوف" أبلَغُ في التنفيس من السين، أو هما سيَّان؟ في ذلك خلاف. ومذهب البصريين أن "سوف" أبلغ. واختار ابن مالك استواءهما في ذلك. وتقدمت الإشارة إلى هذا.
مسألة: ذكر بعض النحويين لـ "سوف" موضعاً، لا تدخل فيه السين، وهو أن لام الابتداء والتوكيد تدخل على "سوف"، نحو: ولسَوفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ، فترضى (الضحى 5)، ولا يكون ذلك في السين، قال: لئلاّ يجتمع حرفان، على حرف واحد، مفتوحان، زائدان، على الكلمة. ولشدة اتصال بعضها ببعض، واتصالهما بالكلمة، ربّما أدّى ذلك، في بعض الكلمات، إلى اجتماع أربع متحركات وأكثر، نحو: لَسَيَجِدُ، ولَسَيَتَعَلَّمُ، فتثقل الكلمة.
ولذلك سكن آخر الفعل، مع الفاعل، أو ما في حكمه. نحو: ضربْتُهُ. وكثيراً ما يهربون من هذا الثقل. فطرحوا دخول اللام على السين، لذلك.
قلت: وقد سُمع وقوع السين في موضع، لم تُسمع فيه "سوف"، وهو خبر "عَسَى" فإنه قد ورد فيه وقوع السين موقع "أنْ" لأنها نظيرتها في الاستقبال، في قول الشاعر (قسّام بن رواحة):
عَسَى طيِّئٍ مِنْ طيِّئٍ، بعدَ هذِهِ ***** ستُطفِئُ غُلاّتِ الكُلَى، والجَوانحِ
وهذا شاذ، لا يقاس عليه، والله أعلم".
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: "سوف يأتي زيد"، وندرسها وفق المراحل: "س(و(ف(يأتي زيد)))".
وتعني: معرفة المتكلم بالصفة فقط (لغياب التشكل أو التجسد) لعنصر غائب ( س 10001 )، من عنصر حاضر معروف الشكل العام (دون توصيف) للمتكلم فقط ( و 11010 )، من عنصر حاضر معروف الشكل والصفة للمستمع فقط ( ف 01111 )، هو الصيغة "يأتي زيد".
أي لدينا العنصر الحاضر "يأتي زيد" الذي فاء إلى المستمع، مما يدل على أنه قريب منه وبعيد عن المتكلم الغائب هنا (ف). ومن العنصر السابق يتجه عنصر من بعيد (حقيقة أو حكماً) باتجاه المتكلم ويبتعد عن المستمع الذي يغيب هنا، فيتمكن المتكلم فقط من التعرّف على شكله مع عدم تمييزه أو معرفة تفاصيله (و). وأخيراً مما سبق يغيب الشكل ويتعرف المتكلم على صفة العنصر الغائب (س).
أي أنّ " سوف " هي تكوين رابط (و) بين عنصر في الطرف الآخر للصياغة قد فاء إلى المستمع (ف) وبين سَوءة غائبة ولكنها معروفة الصفة للمتكلم في الطرف الأول للصياغة (س).
أي " سوف " هي صفة لعنصر غائب (س) لشكل عنصر حاضر (و) فاء إلى المتكلم (ف).
نلاحظ أن الصيغة المصاغة بالأداة " س " صفة عند المتكلم، وهي أقرب من الصيغة المصاغة بالأداة " سوف " التي كانت حاضرة عند المستمع ثم انتقلت إلى المتكلم.
ونلاحظ من تحليل المعنى أعلاه سهولة استنتاج تحليل "سَوْ" و"سَفَ".
|
|
|