التويجري: العربية هي اللغة الرابعة على الانترنت

أكد المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، أن اللغة هي نتاج بيئتها، وأن أهلها هم الذين يصنعون ألفاظها، وأنها بذلك تتطور كما هي تتدهور، وتعلو في درجات القوة، كما هي تـهبط إلى دركات الضعف، تبعا لمستويات النهوض والتعافي والتقدم، أو النكوص والتأخر التي يعيشها أهل اللغة، أو يكون عليها الناطقون بها، وإنْ لم يكونوا من أهلها.
ورأى التويجري في كلمة له أمام المؤتمر 81 لمجمع اللغة العربية في القاهرة، الذي انطلقت أعماله الاسبوع الجاري وتستمر لغاية 6 من نيسان (أبريل) المقبل، أن اللغة لا تنفصل عن حاضنتها الاجتماعية وبيئتها الفكرية ومحيطها العام الذي تنتشر فيه، وقال: "لا تبلغ اللغة درجة الرقيّ إلا إذا نمت وترعرعت في مجتمعات راقية بلغت مستوى عاليـًُا من التمدن والحضارة".
وأضاف: "لما كانت حياة اللغة وحفاظها الذاتي على مقوّمات البقاء، يعكسان صحة كيانها وسلامة بنيانها وصلابة مناعتها، فبهذه المقومات تغلبت لغة الضاد على المؤثرات السلبية وعوامل التهميش والاختراق والغـزو، واجتازت الموانع التي كانت تعترض سبيلها نحو الذيوع والانتشار، حتى وجدنا اللغة العربية في هذا العصر، تعرف توسعًا لا ينتهي عند حد، يصل إلى أصقاع الأرض جميعًا بدون حدود، لدرجة أن اللغة العربية لم تعرف انتشارًا في العالم وامتدادًا في الأرض كما تعرفهما في عصرنا، وهذا الانتشار سببه الأول كونها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والتراث الفكري الإسلامي الضخم.
ولهذا يقبل المسلمون في جميع أنحاء العالم على تعلمها، كلّ حسب قدرته وفي ضوء الظروف المتاحة له، رغم ضعف أهل اللغة أنفسهم وذهاب ريحهم".
وذكر أن اللغة العربية أصبح لها حضور ملحوظ في الفضاء الاِفتراضي، لئن كان له امتدادٌ من حيث الكم، فهو ليس له الامتداد نفسُه من حيث الكيف.
وأوضح أن الارتفاع في عدد الزائرين للمواقع العربية على الشبكة العالمية، وفي كثرة هذه المواقع وتنوع اتجاهاتها وأهدافها ومستوياتها، وفي حجم المكتـنزات الثقافية والفكرية والأدبية والعلمية والتراثية من المراجع المخزنة في الفضاء الافتراضي القابلة للتحميل، كل ذلك لا يدل على أن لغة الضاد التي يمتلئ بها هذا الفضاء اللامحدود، هي في حال من القوة والمتانة والصحة، فالعربية معروضة ٌ في الفضاء بقدر محدود، بالمقارنة مع الوضع الذي عليه لغات أخرى، خصوصًا اللغات الثلاث الرئيسة التي تتصدَّر قائمة اللغات الرائجة في وسائل الاتصال الإلكتروني، وهي الإنجليزية، والصينية، والإسبانية.
وأشار إلى أنه بالنظر إلى ترتيب اللغات في العالم على شبكة الانترنت، فإن اللغة الإنجليزية تحتل المرتبة الأولى على الصعيد العالمي، وفي ذلك دليل على أهمية هذه اللغة التي أصبحت تفرض نفسها بشكل كبير في ميادين عدة، بينما تحتل اللغة العربية الرتبة الرابعة من بين اللغات المستخدمة على شبكة الأنترنت.
وأوضح أن بناء المحتوى الرقمي العربي بات ضرورة ملحة وأهمية قصوى من أجل مجاراة لغات العالم وتعزيز مفهوم المنافسة الثقافية والمرجعيات الفكرية واللسانية، انطلاقـًا من عالم الأنترنت.
وقال: "إن التفوق العددي للغة العربية قد يدفع إلى مزيد من الاستثمار في المحتوى العربي على الشبكة العالمية، خاصة من قبل الشركات العالمية مثل جوجل، وياهو، ومايكروسوفت، والتي بدأت بالاهتمام بالسوق العربية منذ سنوات قليلة.
وهذا موضوع يندرج في اقتصاديات المعرفة سيخرج بنا عن موضوعنا إذا ما استفضنا في الحديث عنه".
ولاحظ أن المحتوى العربي على الشبكة العالمية، لا يرقى إلى مستوى التفاعل المؤثر الذي يتوقع في مثل هذه الحالة، لأنه بعبارة جامعة، محتوى يقوم على العرض فقط دون الأخذ والعطاء، ولا يقدم خدمات مفتوحة لرواد الفضاء الافتراضي، على غرار ما هو عليه الوضع بالنسبة للغات الأخرى.
واستنتج أن حضور اللغة العربية في الشبكة العالمية، على تفاوتٍ في مستويات هذا الحضور ومدى كونه إبداعًا وتميزا ً، يثبت لنا أن هذه اللغة قادرة على مواجهة التحديات، وإثبات الذات في مختلف الواجهات، مُتجاوزةً بهذه الخاصية الفريدة (خاصية الصمود الذاتي)، الواقعَ الذي يعيشه أهلها، والذي هو ليس في المستوى اللائق بالحضارة العربية الإسلامية وبعطاءاتها التي أغنت بها الحضارات الإنسانية المتعاقبة.
وأكد أن النهوض باللغة العربية الذي يراد منه تحقيقُ النهضة اللغوية، مرهونٌ بالتغيير في الأفكار، والمبادرات، والسياسات، والاستراتيجيات، ومناهج العمل، ووسائل التنفيذ للوصول إلى النهضة الحضارية الشاملة المستدامة، وأن هذا التغيير يشمل اللغة في المقام الأول، وأن الاهتمام باللغة العربية على جميع المستويات والانخراط بها في عصر المعلومات، وتعزيز مكانتها في حياة المجتمع، أساسٌ لترسيخ الهوية والارتباط بالإرث الثقافي والحضاري، وهذا لا يمنع بتاتـًا تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها والاستفادة منها في تقوية العلوم والمعارف والانفتاح على العالم، كما قال.

قدس برس