كافود: تجربة الجزيرة نموذج للحفاظ على هوية اللغة في الإعلام

زينب عيسى

أثنى الدكتور محمد عبد الرحيم كافود الخبير اللغوي ووزير التربية والتعليم العالي الأسبق على دور قناة الجزيرة في الالتزام باللغة العربية الفصحى في معظم برامجها واختيارها لنخبة من المذيعين والمعدين المؤهلين لإعداد البرامج بما أهلها لتتربع على عرش الإعلام العربي.

وأشار إلى أن الجزيرة تعتبر من بين القنوات القليلة في الوطن العربي التي تسعى إلى الارتقاء باللغة وتطويرها لتتماشى مع متطلبات الإعلام المعاصر بما خدم اللغة العربية وشجع الكثيرين من القائمين على وسائل الإعلام على التوجه إلى اتخاذ اللغة العربية الفصحى وسيلة للبث الفضائي سواء على المستوى العربي أو المستوى العالمي.

وقال في محاضرته أمام مجمع اللغة العربية في مؤتمره الواحد والثمانين المنعقد حاليا بالقاهرة والتي جاءت تحت عنوان "اللغة العربية في الفضائيات الوسيلة والهدف - الجزيرة نموذجا".. إن تجربة قناة الجزيرة الرائدة كشفت أن العربية الفصحى قادرة على التواصل مع الجماهير واجتذاب المشاهد بما يؤكد أن تلك اللغة متمكنة من أداء دورها الوظيفي ومواكبة تطورات العصر وكسر حاجز الخوف والتحفظ الذي يتذرع به البعض من أن البث بالعربية الفصحى يصعب أن يلقى قبولا لدى الجماهير.

وثمن كافود دور القنوات الفضائية الناطقة بالفصحى ومن بينها قناة الجزيرة والعربية وقناة البي بي سي العربية والمنار وغيرها في مخاطبة الجاليات العربية خارج أوطانها الأصلية حيث شيدت جسورا للتواصل مع تلك الجاليات وكذلك لبعض الفئات التي لديها اهتمام باللغة العربية من الشعوب الأخرى لاسيما و أن معظم الشعوب الإسلامية على صلة قوية باللغة العربية فهذه القنوات فتحت نوافذ متعددة للتواصل، وحول الوسائل التي انتهجتها قناة الجزيرة في الارتقاء بمستوى الأداء اللغوي أشار فى محاضرته إلى أن القناة لم تكتف باستخدام الفصحى كوسيلة للبث في برامجها المختلفة والحرص على سلامة اللغة، وإنما لجأت إلى جانب التدقيق في اختيار المذيع وقامت بإنشاء مركز للتدريب وإخضاع مراسليها ومذيعيها لدورات تدريبية كما أنشأت برنامجا إلكترونيا لتعليم الناطقين بغير اللغة العربية عن طريق الإنترنت وهو موقع مجاني يتخذ مواد الإعلام محتوى وشبكة وأداة ووسيلة، ويعتبر موقع الجزيرة التعليمي أهم موقع عربي يقدم عملا ناضجا في تعليم العربية حتى الآن، حيث يتضح ذلك من خلال طرق التعليم والمواد المستخدمة من حيث المحتوى والمصطلحات المتداولة، كلها تصب في دعم لغة الإعلام ورفد المتعلم بلغة فصيحة، وهو ما يرتبط في أساسه بدور الفضائيات وتأثيرها من خلال اللغة العربية حيث يزود المتعلم برصيد متجدد، رابطا بين اللغة والواقع كما أنه يدعم حضور اللغة العربية في الشبكة العالمية، وفند كافود الجهود التي تبذلها قناة الجزيرة في الارتقاء باللغة العربية لدى العاملين في الوسائل الإعلامية مشيرا إلى أنها دعمت تلك الجهود ببعض الدراسات والمطبوعات التي تساعد على تنمية الحصيلة اللغوية لدى المقيمين والعاملين في مجال الإعلام، كما أعدت القناة كتابا أشبه بقاموس للمفردات والمصطلحات المتداولة في المجال الإعلامي والسياسي والاقتصادي وجاء تحت عنوان "كتاب اللغة العالية " وهو ما يؤكد تمسك مؤلفيه بفصاحة وسلامة اللغة في الإعلام وتجدر الإشارة أيضا إلى كتاب "موجز النحو" وأشرف على نشره مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير ويضم كل ما يحتاج إليه الصحفي من قواعد النحو، كما يعد مرجعا للمذيع أو المعد أو المحرر وهو مكمل لكتاب اللغة العالية، ونوه إلى دور قناة الأطفال الفضائية، حيث إنها تمثل جزءا من منظومة الجزيرة الإعلامية في كافة برامجها باللغة العربية الفصحى وأصبحت تلك القنوات بما تبثه من برامج تسلية وألعاب إلكترونية تجتذب الأطفال ومن خلالها يتلقون الكثير من مفرداتهم اللغوية، وعندما تنحرف تلك البرامج عن جادة الصواب وتنحرف بلغة الخطاب إلى العامية أو اللغة الأجنبية فمن الطبيعي أن يكون لذلك آثاره السلبية في المكون اللغوي السليم ويؤدي ذلك إلى الازدواجية والخلط، وأشار في محاضرته أن القنوات الخاصة بالأطفال لها تأثير واضح في التنشئة التربوية، مؤكدا أن معظم القنوات الفضائية الموجهة للأطفال أغلبها مترجمة باللهجة العامية الركيكة حيث أغلب المترجمين غير متخصصين في هذا المجال، بالإضافة إلى الدور السلبي لرياض الأطفال حيث تكون اللغة الأجنبية هي السائدة، مرورا بالتعليم العام و الحصيلة اللغوية المتواضعة وانتهاء ببرامج الأطفال في الفضائيات.

وعن مظاهر تهميش اللغة العربية في الإعلام والتعليم قال وزير التعليم الأسبق: تمثلت هذه المظاهر في صورة العجز والضعف، حيث يستعين المتحدث بمفردات وتراكيب ومصطلحات أجنبية أو عربية عامية إلى جانب الأخطاء اللغوية والنحوية والتهميش الذي مورس على اللغة الفصحى وإبعادها عن ميدان الحياة والقصور في مناهج التعليم وطرق التدريس في مختلف مراحله ووسائل الإعلام والازدواجية اللغوية حيث زاحمتها اللغات الأجنبية واللهجات المحلية المتعددة، وحول تأثير وسائل الإعلام وسطوتها وما تشهده من ثورة معلوماتية وتقنية هائلة أشار إلى أنه وفق الإحصائيات تجاوز عدد الفضائيات في الوطن العربي 1320 قناة جلها تبث برامجها باللغة العامية فيما لايتخطى عدد القنوات التي تبث باللغة العربية الفصيحة عشر قنوات وهذا يكشف أن دور الإعلام يتسم بالسلبية تجاه اللغة العربية بسبب ضعف الأداء اللغوي وكثرة الأخطاء النحوية واستخدام اللهجات المحلية والمصطلحات الأجنبية والخلط بين العامية والفرنسية، وتنتشر الفضائيات والمؤسسات بدوافع متعددة سياسية وثقافية واقتصادية ودينية، وإن كان للصراع السياسي والديني والمذهبي الدور الأكبر في انتشار هذه الفضائيات، حيث تسعى هذه القنوات للتأثير على المشاهد باستخدام الأدوات والوسائل وفي مقدمتها اللغة المناسبة لكسب وإقناع الرأي العام بالأهداف التي تتبناها وهي متفاوتة بين قناة وأخرى.

وأكد على غياب إستراتيجية تنموية لدى وسائل الإعلام حيث دخلت الفضائيات في تنافس لكسب الشهرة والجماهيرية بما جعل اللغة ضحية لهذا النوع من الفضائيات، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام وفي مقدمتها القنوات الفضائية في الدول العربية تخضع لتوجيه الدول بدرجة كبيرة وتشعر بتأثير المادة التلفزيونية المستوردة من الغرب التي تهدد باكتساح القنوات الأرضية، لافتا إلى أنه لاتوجد دولة واحدة في منطقة الشرق الأوسط لاتشعر بالقلق الرسمي بشأن قضية التعامل مع المعلومات والرأي ومشكلة الدفاع عن الثقافة بصفة عامة.

وزاد الدكتور عبد الرحيم كافود إن الاضطرابات التي أعقبت الثورات العربية أفرزت قنوات لجأت إلى البث والتركيز على اللهجات المحلية واستخدام لغات مندثرة إمعانا في تجاوز اللغة العربية مشددا على أن هذا الأمر يحتم على الحكومات العربية بمؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية التزام الفصحى في مختلف وسائل الإعلام وعلى رأسها القنوات الفضائية لأنها الأكثر تأثيرا على المشاهد وشدد على أهمية اتخاذ موقف تجاه اللغة العربية الفصحى بالمحافظة عليها والسعي للنهوض بها وتنميتها عبر وسائل الإعلام التي لها دور كبير ومؤثرات خاصة والأخيرة متغلغلة في بنية المجتمع كمكون ثقافي مؤثر لمختلف المراحل العمرية لأفراد المجتمع خاصة في مرحلة الطفولة والتنشئة.

بوابة الشرق