فصاحة وبلاغة المرأة في الجاهلية والإسلام

أ. رامية عبد الحميد الملوحي


إلى كل امرأة في العالم .. إلى كل امرأة عربية .. إلى كل أم تهز السرير بيمينها إلى زنابق تفتحت و أزاهير يفوح عبيرها على المجتمع أهدي وموضوعي هذا .
كنت أندهش كلما أوغلت في قراءة تاريخ العرب القديم وكلما أخذتني القراءة بعيدا وحتى العصر الجاهلي أرى أن جهودا متضافرة عبر الأفكار والعقول وبين قديم موغل في القدم وحديث جديد في حداثته وأكثر ما لفت نظري هو واقع المرأة العربية .
 أن للمرأة العربية في جاهليتها مكانة خاصة و شخصية متميزة تتمتع بها فهي سيدة قومها ونهلت من المعين الذي نهل منه الرجل وعندما تمعن النظر والفكر فيما قالته فصيحات العرب تجد كلا منها قطعة أدبية رائعة تعبر عن عاطفة إنسانية وموقف سياسي ينم عن مظاهر الذوق الرفيع في اللغة والأدب على التشابيه و الاستعارات أكثر من اعتماده على الصور.
وأن الخصائص اللفظية نراها غريبة غير مألوفة في عصرنا هذا .فما أجمل أن يتجول القارئ معي في سوق عكاظ ويقرأ معلقاته و يرى المرأة كيف بارت فحول الشعراء والخطباء أمثال : الجليلة بنت مرة زوجة كليب وعمرة بنت دريد والفارعة بنت شداد وفاطمة الخزاعية وغيرهن من فواحل الخطابة والبلاغة والشاعرات أسماء أخت كليب وهي شاعرة من شعراء الجاهلية اشتهرت بالرثاء ولها في سوق عكاظ باع طول وشهرة لا بأس بها .
لكن لنسأل جرير عن أشهر الشعراء فيقول :أنا لولا الخنساء هذه المرأة العربية رائعة تاريخ الأدب العربي شعراً وفصاحة وبلاغة لقد غلبت فحول الرجال دخلت دون استئذان دار الخنساء وكان اسمها / تماضر بنت عمر وبن الشريد وهي أشهر شاعرات العرب و أشهرهن أدركت الإسلام و أسلمت و لكن لا أناقش موضوع الخنساء كشاعرة فهي غنية عن التعريف بل على .. أنها فصيحة بليغة تحتذى خطاها .. وقد برعت بوصف أخويها بإيجاز وقوة تعبير إذ قالت عندما سئلت عنهما :
كان صخر و الله جنة الزمان الأغر وكان معاوية العائل الفاعل .
وقيل لهما أيهما أفخم و أسنى   قالت : أما صخر فحر الشتاء وأما معاوية فسقام الجسد و أما صخر فجمر الكبد .
حضرت حرب القادسية وكان معها بنوها الأربعة وقد قالت كلمتها التاريخية المشهورة و حثتهم على الجهاد في سبيل الإسلام ولها موقف المرأة الجليلة العظيمة والأم المثالية ماتت في /24 هـ 645 م/.
و ها هي شاعرة يجب أن لا ننساها اشتهرت بشعرها العاطفي والغزل
/ليلى بنت عبد الله بن رحال/ المعروفة بليلى الأخيلية امرأة فصيحة بليغة أخبارها في كتب التراث كثيرة و كانت تحب توبة و هو يهواها و لها به قصائد وأشعار لقد أخذت في حياتها الأدبية جانب النثر والبلاغة فهي جميلة حسنة الخلق و الجسم جريئة كالرجال تفد على الملوك والأمراء وتقبل عطاءهم وتهاجي الشعراء وتناقشهم وقد اعتلت مع الخنساء عرش الشعر والبلاغة و مما لا شك فيه أن فن الخنساء يختلف عن فن ليلى الأخيلية إنما يعتمد على أي فنية وأخرى موسيقية وهذا نسميه التأنق الفظي إن ليلى والخنساء بائنتان في أشعارهما متقدمتان على أكثر الفحول فقال الأصمعي :
اجتمع القوم وقالوا : ليلى أشعر فهي أغزر .. بحرا أقوى لفظا وأكثر تصرفا ..     
لقد وقفنا مطولا في الجاهلية و ها هو الإسلام أطل علينا وحمل معه للمرأة الحضارة .. والثقافة .. والحرية ..
فاعتلت مكانة مرموقة في البلاغة والشعر والأدب ، فتعالوا ندخل بكل فخر مجلس السيدة عائشة بنت الصديق زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي من النساء العربيات اللاتي برزنا في صدر الإسلام وبرعت في كل لون من ألوان الأدب كانت تعقد الحلقات وتذاكر القوم وكانت تعرف أخبار العالم ما لم يكن يعرفه الرجال إنها أفقه نساء الأمة على الإطلاق وأكرم أهل زمانها سيرة عائشة طويلة كونها نشأة في مدرسة زوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وان ما يقال عن عائشة من فصاحة وبلاغة فليس هذا بعيد عنها لأنها من حفظة القرآن والأحاديث والشعر ولقد أورد الجاحظ في البيان والتبيين خطبة رثاء والدها كانت من أروع مآثرها ونستطيع القول :
أن عائشة امرأة ذكية وموهوبة كان لها وجودها وقد تركت بصماتها المشرفة في التاريخ وأدخلها من أوسع أبوابه مسند عائشة الأدبي يبلغ ألفي ومائتي وعشرة أحاديث .
ولدت تسعة قبل الهجرة وتوفيت /57 ـ 58/ هـ وكان عمرها /66/ عاما وبما أننا مازلنا في زيارة بيت النبوة نقف برهة في ردهة منزل ابنة رسول الله صلى اله عليه وسلم فاطمة الزهراء أمها خديجة بنت خويلد من نابهات قريش وإحدى الفصيحات العاقلات زوجها علي بن أبي طالب إن فاطمة درجت في بيت النبوة بيت النور والأدب
وعاشرة زوجها العالم المليء فصاحة وبلاغة وحكمة فكانت من أوليات السيدات العربيات الفصيحات وقد ورد لها خطبتان الأولى لما منعها أبوبكر الصديق من إرثها قرية /فدك/ وخطبتها الثانية لما مرضت المرض الذي توفيت فيه إن حياة فاطمة الزهراء الأدبية محدودة لأن دينها كان يفرض عليها الالتزام في بيتها لرعاية زوجها وأولادها وكانت لا تسمح لنفسها بالظهور بالأمكنة العامة لأنها من المدرسة التي منها أزواج النبي والمؤمنات اللواتي تربين في ظل الإسلام فكانت لهن عقيدة القرآن كان ميلادها /11 ق. هـ و وفاتها 11 هـ/ .
كانت نهاية مطافي ..و رحلتي أرق و أعظم فصيحة عربية و بليغة عرفها الإسلام توقفت عند كل حدث وخبر و ها أنا أدخل ديوان سكينة بنت الحسين صاحبة أكبر مجلس أدبي في صدر الإسلام تنقد الشعر و تبين الشعر القوي والشعر الضعيف ومن الشعراء الذين نقدتهم جرير .. وكثير .. ونصيب فمن نقدها لجرير على قوله :
طـرقتك صائدة القلوب وتيس هذا     حـين الـزيارة فرجعـي بسـلام
قالت منتقدة إياه :
وأي ساعة أحلا الزيارة من الطروق قبح الله صاحبك و قبح شعره .
كانت جريئة في نقدها زكية في أجابتها أغلقت كتاب الأغاني وانتهت رحلتي مع فصيحات العرب وبليغاتهم فكانت ممتعة في سوق عكاظ وما تركنه من ميراث قيم إن أخبارهن وأحاديثهن ما زالت موشومة في ذاكرتنا وفي أرومة مكتباتنا  لكنني استنتجت في مما تقدم :
1 ـ ذهبت المرأة في الشعر و الأدب ونبغت بل اعتلت عرش الشعر كالخنساء وليلى الأخيلية كذلك في الفصاحة والبلاغة وأحداث التاريخ
والوقائع والغناء والكتابة .
2ـ كان الشعر يجري على ألسنة نساء العرب أغلبهن يقلن الشعر ويحلقن فيه كما كانت تتميز النساء العربيات بالفصاحة والبلاغة وضروب الأدب المختلفة .
3ـ لقد أجادت المرأة في الرثاء فبكت وسال دمعها مدرارا على أحبابها وأقربائها وكذلك  أجادت في الغزل وتفجرت عواطفها فألهبت قلوب العاشقين .
هكذا كانت المرأة في الجاهلي وصدر الإسلام .