مفاتيح للتعليم والتعلّم للدكتور أنطوان صياح مرجع تأسيسي لأدبيات تدريس اللغة العربية
سهام حرب
هو من "مقدّمة وسبعة فصول وخاتمة"، وقد تكون المقدّمة أفضل عرض موجز له، ففيها يورد صيّاح "ما شهدته العلوم التربويّة والنفسيّة والاجتماعيّة من تطوّر"، وما أضافته من جديد في باب "تصويب المفاهيم" أو في وضع مفاهيم جديدة، منها "العلاقة المعقودة بين التعليم والتعلّم"، ومنها أيضًا "ما أملاه علم نفس العمل من ضرورة الربط بين التعلّميّة والتعلّميّة المهنيّة" الأمر الذي حتّم "إعادة نظر في كفايات المعلّم". الهمّ، وفق المؤلّف "أن نضع بين يدي القارئ العربيّ خلاصة نتاج العلوم التربويّة والنفسيّة والاجتماعيّة"، فيجرّبها الأساتذة ويختبرون صدقيّتها في سياقات أخرى، بما يرفع من مستوى الممارسات التربويّة، وننتقل بالتربية من "التقليد" إلى "الإبداع".
أقسم قراءتي إلى قسمين، في الأوّل أسوق أفكارًا وملاحظات، بما يرسم بعض سمات الكتاب ويؤكّد أهمّيّته، وبما يثيره من أسئلة سواء في التعلّميّات عموماً أو في تعلّميّة اللّغة العربيّة خصوصاً. وفي الثاني، أتوقّف عند الفصلين الأخيرين السادس والسابع، اللذين يعنيان بـتعليم اللّغة العربيّة على أن تطرح الخاتمة مجموعة من التساؤلات حول واقع التربية والتعليم في لبنان ومسألة المصطلحات في اللّغة العربيّة.
في سمات الكتاب وأهمّيّته
الكتاب مألفة لكميّة هائلة من الادبيّات الصادرة في أوروبا وأميركا والبلدان العربيّة (لغات ثلاث) بدءًا من التسعينات وصولًا إلى 2015. ولنا في قائمة المراجع دليل دامغ على صحّة ما نذهب إليه. ففي هذه القائمة ترد الأسماء الأكثر شهرة وانتشارًا في مجالات التربية والتعلميّة. يأتي الكتاب هذا ليسدّ ثغرة كبيرة: فعلى الرغم من النموّ الهائل للتعلّميّات خلال السنوات الأخيرة، سواء في باب البحث أو في باب الإعداد، لم نجد كتابًا باللّغة العربيّة يكوّن مألفة لهذه العلوم ويضعها في متناول قرّائه المحتملين دونما انغلاق في هذه التعلّميّة أو تلك (تعلّميّة العلوم، تعلّميّة اللّغة، تعلّميّة العلوم الاجتماعيّة...) من التعلّميّات المتخصّصة. الواقع أنّ الباحث عاد الى البدء، فصوّب النظرة الى التعلّمية معتبرًا إياها علمًا شاملا؛ فيتناول بالدراسة المربّع التعلّمي (المعلّم، المتعلّم، الطرائق، المعارف) ولزوم التشارك بين المعلّم والمتعلّم لإنجاز التعلّم، وبناء الأخير تعلّمه في استقلالية نسبية عن المعلّم، وفق استراتيجيات معرفية فوق إدراكية وغيرها. ويدرس في الفصول (2، 3، 4،5)، المرتكزات التي يتحوّل بموجبها التعليم الى مهنة، في ما يدعوه تمهين التعليم، ودور التحفيز والعمليات ما فوق الإدراكية في تنشيط العملية التعليمية-التعلّمية، وفي بناء المتعلّم معارفه على نحو مستقلّ. في الفصل الخامس يركّز على الكفايات الأساسية التي ينبغي للمعلّم اكتسابها ليكون منتجا ومبدعا ومربيا الأجيال.
قد يثير كتاب "مفاتيح للتعليم والتعلّم" اهتمام جمهور متنوع من القرّاء، لأسباب مختلفة، وإن كانت متكاملة. في طليعة هؤلاء، الطلّاب الجامعيّون في كلّيات التربية ومعاهد إعداد المعلّمين في الدول العربية، حيث سيجدون فيه أجوبة عن أسئلة يطرحونها على أنفسهم. كما سيشكلّ الكتاب عونًا لهم لفهم مؤلّفات متخصّصة أو مقرّرات على جانب كبير من الصعوبة. كذلك سيقفون على نقاط اهتداء لتعميق مسائل ومفاهيم، أو للاطّلاع على قوائم بيبليوغرافيّة في مجالات متعدّدة.
في الكتاب دراستان حول اللغة العربية، الأولى "تعليم اللغة العربيّة في لبنان"، والثانية "تعليم اللّغة العربيّة الفصحى" (الموقع، المناهج والتقويم، دراسة حالة لكلِّ من تونس ولبنان).
يعزو صيّاح ما أنجزه وهو "دراسة متعمّقة لواقع تعليم اللغة العربيّة في لبنان" إلى الضجّة الإعلاميّة التي أثيرت
في لبنان صيف 2013 "بعد صدور نتائج الامتحانات الرسميّة للبروفيه والبكالوريا بفروعها كافّة" وتبيّن فيها "تدنّي مستوى التلامذة اللبنانيين في اللغة العربيّة، معتبراً أنّ هذين الفصلين "دارا حول تطبيقات للمفاهيم التي شرحناها". غير أنّنا وأن كنّا نوافقه على توصيف الواقع التربويّ اللغويّ التعليميّ للغة العربيّة في لبنان بـ"الواقع المأزوم" ونوافقه في كثير من ملامح هذا الواقع، إلّا أنّ لنا على هذا الفصل ملاحظات أهمّها، أنه كان من الأجدى أن يعالج المؤلف مسائل اللغة العربية في كتاب منفرد، ويكرّس كتابه لآخر النظريات التعلّمية، على نحو ما فعله في الفصول الخمسة الأولى.
مع ذلك، نجد أنّ للكتاب فائدة جليلة، للعاملين التربويين، ولجمهور المعلّمين وللطلاب – المعلّمين على السواء، في لبنان والعالم العربي بعامة.
النهار
|
|
|