تصريح الحيطي.. هل يتعلق الأمر بمعاداة اللغة العربية؟





في مدة وجيزة جدا، صدر عن وزيرين في حكومة عبد الإله بنكيران تصريحان لا يناسبان مقامهما الحكومي، وهما ينضافان إلى جملة من المواقف السابقة من اللغة العربية. فقبل أيام، صرحت حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة المكلفة بالبيئة، بأن التحدث باللغة العربية يصيبها بـ»السخانة». وكان وزير التربية الوطنية قد اعتذر في ندوة عن الحديث باللغة العربية، لأنه لا يتقنها. إذ يسائل التصريحان معا مدى احترام الوزيرين المذكورين للمقتضى الدستوري الذي يفيد أن العربية- بالإضافة إلى الأمازيغية طبعا- هي اللغة الرسمية للبلاد، وهو يلزم موظفي الدولة- على الأقل- باستعمالها وتداولها في الوثائق والتصريحات الرسمية والتواصل مع المجتمع.
في هذا السياق، بادرت  «اليوم24» الاتصال ببعض الكتاب والمبدعين بغية معرفة آرائهم حول تصريح الحيطي على الخصوص. وإذا كثيرون ارتأوا ألا يردوا على هذا التصريح، على اعتبار أنه لا يستحق الرد، أجمع آخرون، كل بطريقته، على استنكاره والتنديد به. إذ من أطرف ما تلقته الجريدة في هذا الباب تعليق الروائي والقاص الشاب عبد العزيز الراشدي، حيث قال إن «اللغة العربية لغة ساخنة فعلا، حية، يقظة متيقظة ومتوهجة، حارة كالفلفل، تثير الشهية بعباراتها الخالدة، ومعانيها العميقة، والراكض في فيافيها يلزمه جسد قوي مثل الحصان ليسلك في الدروب وذوق رفيع ليستمتع بمعانيها.» بعد هذا التوضيح، علق الراشدي على تصريح الحيطي قائلا: «أما الذي تُصيبه العربية بـ«السخانة»، فهو لا شك هزيل خفيف لا يقدر على حرارة ألفاظها ومعانيها. لهذا يلزمه العودة إلى المدرسة ليقرأ حروف الهجاء»، مشيرا إلى أن «هذا هو حال معظم السياسيين الذين ابتلانا الله بهم في هذه البلاد السعيدة».
من جانبه، توقف الناقد والباحث عبد الرزاق المصباحي، في حديثه، عن توالي ازدراء اللغة العربية في تصريحات الوزراء والسياسيين، حيث وصف الأمر بكونه «المدى الذي وصله ازدراء هوّية هذا الشعب وثقافته». إذ اعتبر أن «سخرية الوزيرة حكيمة الحيطي من اللغة العربية باعتبارها تسبب لها الحمى دليلا على التعالي الذي ينظر بها لفيف من مسؤولينا الفرانكفونيين على الآخر إلى لغة البلاد الرسمية وثقافتها»، موضحا أن الحكومة نفسها مطالبة بمواجهة هذه التصريحات بصرامة وعزم. أما إذا لم تفعل، كما يقول المصباحي، فإنها «ستكرس هذه العادة المُهينة بين أعضائها، وسيزيد من منسوب الشعور بأن كراسي المسؤولية يحتلها أناس لا يتحرجون من مخاطبة مواطنيهم بلغة أجنبية عنهم إمعاناً في إرضاء رغبة الفوقية الموهومة».
أما الشاعر والناقد عبد اللطيف الوراري، فقد وصف التصريح بأنه يعبر عن «انحطاط حضاري»، على اعتبار أنه صدر «عن أشخاص يُفْترض أنَّهم يمثلون شكل سيادة وموقف وطن ثابتين مبدئيًّا. هنا ذكر الوراري بالحادث الطريف بين بلمختار ونظيره الروسي في لقاء سابق، حيث قال إن هذا الأخير أحرجه بحديثه بالعربية، كما انتقد ظاهرة نفي العربية في اللقاءات مع السفراء وممثلي الهيئات الدبلوماسية في المغرب، واستعمال الفرنسية في التقارير الصادرة عن دواوين الوزارات.
هذا، وذكّر الوراري بالعريضة التي رفعها المثقفون العام الماضي، والتي تدعو إلى «الدفاع عن اللغة العربية وتعزيز مكانتها في الفضاء العام، والعمل على الترقية بأطرها اللسانية والمعرفية والتواصلية بصورة تدفع بمجتمع المعرفة إلى مستويات ملموسة ومتقدمة، والتصدي لكل واقع جديد يزيد من تأزيم وضعيتها على مستوى المنظومة التعليمية، وفي المجال الثقافي عامة».
من جهته، اعتبر القاص أبو يوسف طه انزلاق مسؤولة في منصب سام، يفترض أنها على دراية بنظام بلدها في المجالات كافة، أمرا مخجلا، واصفا ما ورد على لسان الحيطي بالتصريح المستهتر باللغة الوطنية- حتى ولو كان مزاحا. إذ يقول إنه يفترض في الوزيرة أن تمثل بلدها في المحافل الدولية على النحو الذي يبرز خصائصه.

اليوم 24