اللغة العربيّة.. ما بين دعوات لحمايتها وأخرى لجعلها سلسة
مهند العدم
قبل أن يظهر "الفيس بوك" في حياتنا بـ 1400 عام، كان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يخطىء في النّحو حين يخاطب جلساءه باللغة العربية الفصيحة؛ غير أن ذلك – كما يقول دعاة الحفاظ على "لغة القرآن" - "يجب ألاّ يشكل ذريعة لتهشيم اللغة بحجة أنّها ليست سلسة بما يكفي".
من المعروف ان حظ اللغة العربية في فضاءات التواصل والإعلام الرقمية والمرئية والمسموعة بات أكثر تواضعا مما توقعه الجميع، بمن فيهم ( وعلى السّواء ) الدعاة للمحافظة على اللغة والدعاة لجعلها أكثر سلاسة؛ ما يستوجب التدخل لضبط التعديات عليها من قبل "الكتّاب" و"الخطباء" من كل لون.
وكما هو معروف، أيضا، فقد بدأ عشاق اللغة العربية والمؤرقين بفعل الفوضى الضاربه في كتابتها أو نطقها في الخطابات الرسمية، بدأوا في معركة أكثر صعوبة للحفاظ على اللغة الفصحى يدور رحاها على مواقع التواصل الاجتماعي التي اختلق روادها لغة تفتقر للضوابط، حتى وصل بهم الامر إلى كتابتها بأحرف غير عربية، أو خلطها مع لغات أخرى في تراكيب غريبة و"مثيرة للاستهجان" كما يقول المتشددون من دعاة الحفاظ على سلامة اللغة "قبل أن يقطع أبناؤها أشواطا إضافيه في سلخ لحمها عن عظمها" !
في المقابل، قال المحاضر في الإعلام عارف حجاوي، إنه لا يضير اللغة العربية "التلطف في استخدام النحو في لغة الإعلام"، مستندا في رأيه إلى "صعوبة اتقان النحو؛ بما في ذلك، أحيانا، من قبل اللغويين أنفسهم"، داعيا في المجال إلى "التبسيط وتجاوز بعض قواعد النحو التي لا تسمن ولا تغني عند المتلقي؛ كالممنوع من الصّرف، إضافة إلى ضرورة رفد لغة الإعلام بالمفرادات والتراكيب القادرة على ايصال كامل المعنى والفكرة بأسلوب سلس".
وقال "حجاوي" في حديثه لـالقدس دوت كوم، إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت حاضنة للغة العامية؛ بدرجة ان أحدا لم يعد قادرا على الوقوف في وجه هذا التيار، داعيا الصفحات الاخبارية الى استخدام لغة اكثر انضباطا وكلمات اكثر جمالا، لا سيما في الموضوعات المتصلة بالفن والثقافة، معتبرا أن المسؤولين الفلسطينيين "يخنقون أنفسهم حين يتحدثون باللغة الفصحى ويخنقون اللغة معهم؛ فلا هم يجيدون التعبير بها ولا يتقنون نحوها؛ باستثناء الرئيس محمود عباس صاحب النص المضبوط والكلمات الموزنة في ميزان النحو".
ويشير الحجاوي الى ان اللغة في الاعلام الفلسطيني "يشوبها الضعف والزوائد"، عدا عن أن القبح بات يطال مفرداتها وجمالها، إضافة إلى الثرثرة الزائدة في نصوصها، لا سيما تلك التي تزينها مقدمات رومانسية لا تخدم النص ولا الخبر"، مضيفا :"الإعلام الفلسطيني تسوقه اللغة ولا يسوقها".
من جهته، قال مدرس لغة الاعلام في جامعة بيرزيت علي مناصرة أن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل خطرا حقيقيا على اللغة العربية؛ لما يسودها من تشويه للغة في الكتابة والمفرادات وما يدخل عليها من احرف أجنبية لا تمت بصلة للغة العربية، معتبرا في حديث مع "القدس دوت كوم" أن اللغة العربية في الاعلام الفلسطيني "مقبولة وليست بالسيئة؛ إلا انها في حاجة لمزيد من التدقيق"، لافتا الى وجود مهارات جيدة بالنحو والصياغة وتركيب المفرادات؛ وبالمجمل هناك خامة مقبولة بحاجة الى مزيد من التطوير في لغة الاعلام الفلسطيني".
وفيما يخص اللغة التي يستخدمها المسؤولون الفلسطينيون في خطاباتهم مع وسائل الإعلام، قال مناصرة إنها "لغة ضعيفة وغير واضحة؛ وحتى حين يقرأون عن الورق نلاحظ وقوع اخطاء تشتت الانتباه وتعيق وصول فكرتهم وتقلل من وقارهم"، لافتا إلى أن الوصول الى لغة ممتعة يتطلب تكاثف جهود مختلف المؤسسات والجهات التعليمية والتربوية؛ بما في ذلك توفير معلم جيد ومنهاج جيد.
بدوره، أعرب استاذ اللغة العربية في جامعة بيرزيت محمود العطشان في حديث مع القدس دوت كوم – اعرب عن مخاوفه حيال مصير اللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي مواقع "جعلت الناس تأنس كتابة اللغة العامية وتغيب اللغة الفصحى، مقابل حضور كتابة +العربنجليزيه+، محدثة خللا باللغة العربية".
أما فيما يخص لغة معظم الإعلاميين الفلسطينيين، فقد اعتبر "العطشان" ان من بينهم أشخاصا "ليس لهم علاقة باللغة، حتى أن بعض هؤلاء يجرّون المرفوع، فضلا عن الرتابة باللغة المستخدمة؛، ما يستوجب استخدام صياغة ومفرادات ولغة اكثر جاذبية للفت انتباه المستمعين والمشاهدين، مشيرا إلى "أن علاقة بعض السّاسة الفلسطينيين باللغة كمثل علاقتي بالعلوم الذّرّيّة"!
القدس
|
|
|