|
المغرب: الدعوة لاعتماد اللهجة الدارجة ووقف التعليم الديني في المدارس تثير ردود فعل عنيفة
مصعب السوسي
اثارت دعوة لاعتماد اللهجة الدارجة المغربية بالمدارس المغربية اطلقها ناشط قريب من اوساط صناعة القرار بالمغرب، بالاضافة الى وقف التعليم الديني ردود فعل عنيفة في اوساط مغربية بعضها مقرب من حزب العدالة والتنمية/ الحزب الرئيسي بالحكومة، ووصف الدعوة بالمشبوهة.
ودعا نور الدين عيوش، رئيس مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى والتربية، في مذكرة مرفوعة الأسبوع الماضي إلى عمر عزيمان، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم، إلى ‘اعتماد الدارجة كلغة في المدرسة المغربية، ونزع الطابع الديني عن التعليم الأولي في المملكة، الذي يقوم بتحفيظ القرآن الكريم لتلاميذ ما دون السابعة’.
ووصف احمد الريسوني الرئيس السابق لحركة التوحيد والاصلاح،الجناح الدعوي لحزب العدالة دعوة نور الدين عيوش بـ’المشبوهة’ وانها تدخل في إطار ‘المشاريع التي غرضها القضاء على اللغة العربية واستبعادها’.
وقال ‘كما لاحظ الجميع هذه الدعوة المشبوهة التي تدعو إلى التدريس بالعامية استهجنها الناس وانتقدها الكثيرون’.
وشجب الريسوني مبادرة عيوش، وقال هي ‘دعوة قديمة تتكرر وتتجدد من حين لآخر ثم تنطفئ، إذ تصدر على سبيل الاختبار لمدى غفلة المجتمع لتمريرها’ وان عيوش ‘يقوم بعداء ايديولوجي للغة العربية ‘ باعتبارها اللغة القومية والوطنية ولغة التاريخ والدين وهي اللغة الموحدة للأمة’.
واوضح عبد الحكيم أبو اللوز الباحث في الشأن الديني، أن ‘الكتاتيب لا تندرج ضمن المؤسسات التعليمية، لكونها منظمة بموجب قانون صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي تسهر مندوبياتها الجهوية في كافة مناطق المملكة على تأطير التقليد السائد بتحفيظ القرآن’. واضاف أن التوصيات التي رفعها عيوش إلى عزيمان، ونادى فيها بإخراج التعليم الأولِي من طابعه الديني، ‘تطاول على الحقل الديني، الذي يختص به أمير المؤمنين’، وأنها (أي التوصيات) ‘لا تعكس سوى تصور إيديولوجي لما ينبغي أن يكون عليه التعليم الذي يريده عيوش، باثا للمواطنة والحداثة، وهي أمور يبدو الحديث عنها غير وجيه في مرحلة التعليم الأولي’، على اعتبار أن ملكة الفهم حينها لا تكون محققة للاستيعاب.
ونقل موقع هسبرس عن أبو اللوز أن دعوة عيوش ‘لا محل لها من الإعراب’ بالنظر إلى المساعي المبذولة لتوحيد مضمون التعليم الديني، لأن الأخيرة تشتغل بغرض ‘منع تيارات أخرى بعيدة عن المذهب الرسمي للمملكة (المذهب المالكي) من اقتحام دور القرآن ولإرجاعها إلى الخصوصية المغربية’.
واعتبر موسى الشامي، رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية، الدعوة إلى جعل الدارجة لغة في المدرسة المغربية ‘مسعى إلى تحطيم اللغة العربية والنيل منها من طرف نخب لا تهمها الدارجة ولا اللغة العربية بقدر ما تهمها فرنسة المغرب، وتجريده من هويته’.
وقال الشامي أنه ‘لا ضير من الاستعانة بالدارجة لتيسير العملية التعليمية، لأن استيعاب المعارف هو الأهم، فأنا كنت أستاذا للغة الفرنسية، لمدة طويلة، ولم أكن أتوانى عن تبسيط دروس الفرنسية بالدارجة، فذاك أمر آخر، يختلف عن العمد إلى فرنسة المغرب على مختلف الأصعدة، حتى أن هناك مسؤولين يتصلون بمقدمي بعض البرامج الإذاعية لحثهم على التحدث بالدارجة دون الفصحى’.
وعلق رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية على كون إدخال الدارجة من شأنه تذليل الصعوبات اللغوية التي يواجها التلميذ المغربي أن افرنسا بدورها، الملهمة للكثير من النخب المغربية، لا تدرس المستوى العامي من اللغة اargot’، وإنما اللغة الفصيحة اsoutenue’، مضيفا أن اللغة العربية توجد اليوم في وضعٍ أفضل مما كانت عليه في الخمسينات والستينات، حيث انها أضحت لغة التخاطب في الإعلام في قنوات كبرى، بعدما كانت حكرا على إذاعات محدودة جداب.
سياسيا، ذكرت صحيفة ‘الأخبار’ أن قياديين من حزب العدالة والتنمية الإسلامي (الحزب الرئيسي بالحكومة) هاجموا نور الدين عيوش إثر المذكرة التي وجهها إلى الديوان الملكي، والتي تتضمن التوصيات الصادرة عن ندوة نظمها حول موضوع إصلاح التعليم. معتبرين مقترحات عيوش ‘تدخل في إطار التضييق على اللغة العربية ومحاولة إبعادها عن الحقل التعليمي’، كما دعوا إلى ضرورة الحماية القانونية للغة العربية. وأضافت الصحيفة أنه في الوقت الذي انحازت فيه العدالة والتنمية إلى ‘نصرة العربية’، اقترح حزب الاستقلال، أحد أقطاب المعارضة، فتح نقاش وطني شامل للخروج من ‘أزمة لغة التعليم’.
ومنهجيا، قال المفكر المغربي عبد الله الحمودي إن ‘التدريس بالدارجة لا يمكن تحقيقه. وأن الدارجة تجد أصلها في اللغة العربية’، مبرزا موقفه من الجدل الذي أثارته مذكرة عيوش.
وأضاف الحمودي في إطار ندوة لمنظمة حريات الإعلام و التعبير ‘حاتم’ أنه ‘عندما نناقش الثقافة المغربية أو الإسلامية ‘بمختلف تمظهراتها، فلا يمكن الكتابة باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، مؤكدا على أهمية اقتراب المفكر من المجتمع وضرورة استعماله لغة يفهمها المواطن’، مشيرا إلى أنه على الرغم من أهمية اللغة العربية كمكون أساسي في الثقافة المغربية فإنه ‘يجب عدم غض الطرف عن الهوية الأمازيغية واللغات الأمازيغية كما هو الحال عند كل من الجابري وعند العروي’.
وخلص المفكر المغربي إلى نظرية جديدة في مسألة التعدد الثقافي وإشكالية الهوية أسماها ‘المنافسة الإيجابية’، أي: ‘أن يقدم العربي المساعدة للأمازيغي من أجل تطوير وبلورة نموذجه الثقافي، كما على الأمازيغي أن يفعل نفس الأمر تجاه المكون العربي’، داعيا الكتاب، بالعربية والأمازيغية، إلى الارتقاء بلغتهم وتنقيحها والقيام بأبحاث علمية لتطويرها ‘لعقلنتها في إطار مجهود يقوم به أبناء الوطن لحل إشكالية الهوية’.’
وأورد موقع ‘اليوم24′ أن جون واتربوري، صاحب كتاب ‘أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية’، يخصص أحدث مشاريعه الدراسية للتعليم في المغرب بتزامن مع النقاش العمومي الذي أطلقه خطاب العاهل المغربي شهر آب/أغسطس المنصرم حول الموضوع.
ويعد الباحث الأمريكي، الذي يوجد حاليا بالمغرب، دراسة ضخمة حول سياسات التعليم في المغرب منذ الاستقلال لمقارنتها بالمنظومة التعليمية بالمملكة الأردنية. وأضاف الموقع ذاته أن واتربوري سيلتقي خلال بحثه الميداني قادة التعليم في المغرب من رؤساء جامعات ومدراء المدارس، فضلا عن مسؤولين سياسيين. ويحتمل أن يعقد لقاءات مع مسؤولين كبار في المجلس الأعلى للتعليم في مقدمتهم المستشار الملكي عمر عزيمان.
ودفعت الأوضاع المتدهورة التي تشهدها اللغة العربية في المغرب إلى تأسيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية في آذار/مارس 2007. واستنكرت محاضر للجمعية في وقت سابق تقاعس السفارات المغربية وملاحقها الثقافية بالخارج عن خدمة اللغة العربية، مقابل النشاط المكثف للسفارات والمراكز الثقافية الأجنبية بالبلدان العربية. مطالبة بتأمين التعليم باللغة العربية في كل المؤسسات التعليمية ومواصلة استكمال تعريب التعليم الجامعي والعالي.
وكان حوالي 90 بالمائة من وثائق الإدارات العمومية المغربية يصدر باللغة الفرنسية ولا تترجم إلى اللغة العربية، قبل أن تتدخل الدولة للتقليص من هاته النسبة.
ويشدد خبراء أن هيمنة اللغة الفرنسية في مجالات الحياة المختلفة بالمغرب ‘استهتار بالقانون وضرب للهوية الوطنية المغربية وانتقاص من الاستقلال الحضاري والثقافي واللغوي’. وأن هيمنة الفرنسية في المجال اللغوي بالمغرب أفرزت وضعا ساهم في تعطيل الحركة التنموية بالمغرب، مشكلة بذلك مصدر تشويش على العيش المشترك بين المغاربة.
بدورهم، يشير نقاد سينمائيون مغاربة إلى أن السينما- التي من المفترض أن تعبر عن هوية وثقافة ولغة الشعوب- انخرطت في التحامل على اللغة العربية من خلال إقحام اللغة الفرنسية في الأفلام، واستعمالها بشكل مفرط في الحوارات، أو استعمال لغة عامية مبتذلة. وأصبح تخليها عن اللغة العربية عاملا من عوامل الانحطاط والتدني اللغوي عوض الارتقاء الفكري والفني والجمالي.
واستنكر نشطاء أمازيغ التهميش الذي يطال اللغة الأمازيغية. ويذكر أن دستور 2011 راهن كثيرا على كسب ود الحركة الأمازيغية وذلك بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، لكن هيئات حقوقية على رأسها ‘الجمعية المغربية لحقوق الإنسان’ انتقدت الخطوة لتأجيلها هذا الترسيم من خلال ربطه بصدور قانون تنظيمي، ولتكريسها التراتبية بين اللغتين العربية والأمازيغية. لتظل بذلك اللغة الفرنسية تحتل مكانة فعلية ومرموقة حتى مقارنة باللغة العربية، ودون حاجة إلى إطار دستوري.
القدس
|
|
|
|