شموخ
د. محمد سعيد حسب النبي
يبهرك شموخه، وتسحرك كلماته، وتزدهيك فِعاله، وقد عرفتُ من الناس من حاول تقليده فيما دق أو جلَّ من شأنه، يحبون في التقرب إليه أن يكونوا صوراً متشابهة في أعماله وأحواله.. ولما كان المصاب جللاً والفقد قهراً؛ صار الذوبان صعباً والتقليد مفتعلاً..
ولقد تراه يقبل العزاء كالنسر فوق القمة الشماء، يعلو فوق المصاب، يحلق على سجيته، يخفق قلبه بما يعتقده، في يقين كالجبال الرواسخ، وإيمان كبحر عميق غائر، وكأنه يردد في خشوع: يا بعد غاية البين، ويا قرب الميلاد من الحين. أي بني إن الوطن يبكيك، ويضج عليك يشتهيك. يستودعك وقد احترقت أكبادنا حزناً وكمداً، وخلفت في الفؤاد ألماً وندباً، أطرق الجمع، وانحبس الدمع. وإني قد وكلتك إلى رحمة الملك القدير، السميع لما في قلبي والبصير.
أي بني كأني والله بالدهر وقد خلا، وبالمحزون وقد سلا، وكأني بك وأنا أسلمك إلى ثرى يلقف الشيب والشباب، والكل يدور عليه الدولاب، ولسوف يضمك إلى الله سبيل، و لعمر أبيك ستكون أنت المرشد والدليل.
ولقد تراه يواجه الشدائد الثقيلة بثبات لا نكوص فيه، وعقل لا يفقد توازنه واعتداله، يحبس النفس على ما تكره، مبتلعاً شعور مرارة الوجد لينتصر الرضا في النهاية، فقد نجح في تحويل الصبر إلى رضا، وإنك لتستشعر أنه قد ذاق برده ليس بأمر مباشر ولا توجيه جاف، وإنما بتلطف مع النفس واستدراج لمشاعرها النافرة.
وإنك لتراه وقد علت وجهه ابتسامة الرجل الكبير ..صاحب اليقين والعزم والذي يستقبل الأحداث العظام برحابة في الصدر، وقد عُرف منذ الأزل أن تفاوت الهمم تكون باختلاف الطاقات في التعامل مع الشدائد والظروف القاحلة. ولقد حمل بين جنبيه نفساً تُهوّن المصائب وتبعث على الرضا.
وإنك لتحس الرقة في هذا الفؤاد الجريح، لكنه في الوقت ذاته يستنهض نفسه وغيره لتستمر الحياة كديدن العظام من جنسه، إنه مسلك حر منزه عن الضعف، إنها سمت الشمائل الأبية والسجايا النقية.
ألا ليت الجميع يعلمون ويعملون، هؤلاء الذين يتوقون تقليده والتشبه بخصاله، كيف تلقّى النوازل بهذه الروح الشامخة وهذه الطاقة الإيجابية السامقة، تلك التي تستنفر الحياة بخصائص نفسية كقطار يسير على قضبان لا ينفك عنها أبداً، ويسلك دربه بصدق الكفاية وثرائها. إنها أفضل وأجدى من مشاعر الانكسار والانسحاب التي تجتاح البعض وتقضي عليهم. إنها الرحمة العليا يظفر بها فريق من البشر فيدخل الجنة بأمر الله من أوسع أبوابها..
رحم الله الشيخ راشد، وألهم شيخ الإرادة والعزم الشيخ محمد بن راشد مزيداً من الصبر والرضا والسلوان.
|
|
|