فشل سياسة التخطيط اللغوي في الجزائر

حمزة زرقي
المتأمل للواقع اللغوي في الجزائر يتضح أنّ سياسته غير واضحة المعالم، إن لم يكن الأمر نظريا فالصورة تتراءى لك واقعيا ولهذا هناك أسباب وظروف، سنعرضها بشيء من الإيضاح، والتي سنحصرها فيما يلي:

01- الهزيمة النفسية:

"إنّ الحديث عن الهزيمة النفسية مسألة خطيرة، بل هناك خطر أكبر على الإنسان في حياته وعلى المجتمع في إدارة قضاياه وفي تحقيق مقاصده كالهزيمة النفسية التي قد يُمنى بها في حال من الأحوال، فالأزمة التي تعاني منها اللّغة العربية اليوم هي أزمة في نفوس أهلها لا في اللغة ذاتها، لأنّ اللّغة وسيلة تقوى بقوة المجتمع، وتضعف بضعفه" . "فالشعور الذي انتاب الجزائريين، صعوبة اللغة العربية الفصحى كونها جامدة ومعقّدة، الذي ولّد عنهم النفور منها. والإعجاب باللغات الأوربية والتأثّر بها والاقتباس منها بمناسبة وغير مناسبة" . "وسبب هذه الهزيمة النّفسية هو ضعف الإيمان بأهمية اللغة العربية ومكانتها في بناء الشّخصية الوطنية. وتصوير اللغة العربية كلمة لا وظيفة لها في الحياة ولا نصيب لها في تكوين شخصية الفرد وترقيته في عمله الوظيفي" . بل هي لغة متحفية وظاهرة أنثروبولوجية تدرّس وفقط، أنّ طلاب اللغة العربية وآدابها أصبحوا محبطين نفسيا لأنّهم يدرسون اللغة العربية، التي أصبحت في مجتمعنا ينظر إليها بعين الريبة، وفي المقابل نجد طلاب اللّغات الأجنبية، يفتخرون ويعتزون، لكونهم يدرسون اللّغة الفرنسية أو الإنجليزية باعتبارهما لغتا علم وتطوّر، وأصبحوا يعدّون تعلّم اللغة العربية موضة قديمة، ممّا أدّى إلى العزوف عنها تعلُّمها" .

إن مشكل الهزيمة النفسية في الجزائر اليوم أصبح يشكّل خطرا على اللغة العربية , لذلك يجب الإسراع في معالجتها من الجذور " باستراتيجية مستقبلية حكيمة وبتخطيط لغوي رصين وواضح، بين الأهداف والوسائل، في خطّة لغوية محكمة قابلة للتطبيق، حينها نكون قد نجحنا في رسم طريق الحل للأزمة اللّغوية لأن الحروب اليوم والحروب القادمة تتعدّد وأشكالها ومن ذلك الحروب اللّغوية لذلك يذكر الباحث التوّنسي عبد السلام المسدّي بضرورة أن يقدم العرب من المعطيات والجهود ما يساعد على أن تكون اللّغة العربية واحدة من اللّغات العالمية التّي سيكتب لها البقاء" .

فالأوْلى بنا أن نعمل جاهدين لنحقق ما يمكن تحقيقه، وأن ندع اليأس جانبا، وأن ننظر للمستقبل بتطبيق سياسة لغوية وتخطيط لغوي محكّم يجعلنا نهتم باللّغة العربية وتطبيقها في مجال التّعليم العالي لكي لا يحس الطالب بعقدة التصاغر اتّجاه اللّغات الأجنبية، وأنّ اللغة العربية هي لغة علم وتطوّر.

02- إهمال رسم وتخطيط السياسات اللّغوية

من أهم وأبرز التّحديات التي تواجه اللّغة العربية في عقر دارها "إهمال رسم وتخطيط السياسات اللّغوية" وقودنا هذا إلى قراءة الواقع بتأن، وهو واقع لا يوحي بحال من الأحوال عن تحكم دقيق في المسألة اللّغوية، سواء من حيث نتائج المتعلمين للغات عامة أو من حيث التعاملات اللّغوية، سواء من حيث التّعاملات اللّغوية في مختلف مجالات الحياة اليومية والكل يعرف أن الواقع اللغوي في البلاد العربية عامة وفي الجزائر خاصة يتّسم بالتّعددية اللّغوية أو الازدواجية اللّغوية، ولا أحد ينكر ما لهذه العوامل من أثر الاكتساب والتّحصيل اللغويين يضاف على ذلك تركه الاستعمار وسياسة التي همّشت اللّغة العربية بإدخاله اللّغة الأجنبية .

3- المنظور الرسمي إلى مسألة التعريب:

"إذا كانت سياسة التخطيط اللغوي في الجزائر تخطط لإنهاء الهيمنة الفرنسية، فإنّ التعريب يأخذ أشكالا مختلف حسب السياقات الوطنية، ويتنوع مضمونه تبعا لعلاقة كل دولة بمدى مشروعية حكمها، لان كل دولة تنظر إليه من زاوية على أنه التجذّر الثقافي للمسألة اللغوية، ومن هنا ياخذ التعريب اشكالا بصيغ مختلفة، كونه حلقة صراع مغلقة.

"فنجد البرجوازية التقنوقراطية واضحة الموقف: تعادي كل تعريب شامل، لكنها يمكن أن تتظاهر بالحياد مادام أنّ القليل مما ينجز من هذا التعريب ليس له عواقب على البنيات الاقتصادية الأساسية، ويمثل التعريب بالنسبة لهذه الشريحة تهديدا بانتزاع وظائفها وتسليمها لموظفين معرّبين، لأنه ينظر إلى التعريب باعتباره تقهقرا في مستوى العمل وسقوطا في انعدام الفعالية، فهذه الفئة مقتنعة بعدم قدرة اللغة العربية على التكيّف مع المهام المطلوبة وهي بمثابة لغة مختلفة وغير عصرية . أما الفئة المعرّبة " يقفون موقف الرافض لكل استعمال اللغة الفرنسية وفي جميع الجوانب,لأنّها حسبهم تحمل تهديدا للمجتمع الجزائري بالطبع تؤيّد التعريب عن قناعة وليس عن حسابات سياسية وبالنسبة لهذه الشريحة لا يمثل التعريب مسألة لغوية بقدر ما يمثل مرجعا ثقافيا شموليا لسلطة الدولة، والتي تطالب مطالبة قوية بالتعريب باعتباره الوجه الثقافي للاستقلال والعنصر المكتمل للتحرر السياسي والاقتصادي, باعتبار بقاء اللغة الفرنسية من مخلفات الماضي الاستعماري، ومن ثم استبدالها باللغة العربية بوصفها لغة وطنية رسمية .



4-غياب مشروع مجتمع :

ان المقصود بمشوع مجتمع هو" ان يكون المجتمع على استعداد تام لمباشرة التعريب , ويقع على عاتقه تحمل كل العقبات في سبيل انجاحه؛ لان غياب استراتيجية واضحة للمجتمع والفرد في عملية التعريب هو الذي ادى الى اخطاء وعراقيل واجهت المدافعين عن التعريب بعد الاستقلال ؛وهذا يحيلنا بالضرورة الى تهيئة المجتمع لمشروع التعريب بالتوعية المستمرة للفرد الجزائري ,كونه العنصر الفعّال لنجاح عملية التعريب ,وذلك بتوفير الاجواء المحفزة والاساليب الاقناعية والحجج والبراهين على سلامة المشروع لكي لا يتسرب اليه الخوف والشك في نجاعة التعريب , ولكن نظرا للاستعجال في المشروع اوغياب التخطيط , هو الذي جعل دعاة التعريب ينصرفون عن تهيئة المجتمع , كون اثر الثورة في بنية تكوين الفرد الجزائري ما زال واضحا,فالمجتمع الجزائري ظلّ يعتقد انّ كل حركة تتحقّق بفضل الصمود والمقارنة وهذا هو الخطا الفادح الذي لم يحظى بالعناية الخاصة من طرف دعاة التعريب لانجاح مشروع التعريب الذي يعدّ جزءا لا يتجزّأ من المجتمع.