على هذه الأرض

أ. منتنة ماء العينين


على هذه الأرض ما يستحق الحياة، هكذا حفر محمود درويش هذا الاعتراف اللاذع في مخيلاتنا وانصرف ! ..تاركا خلفه إشكالية عميقة لا تُحل إلا بإدراك كينونة المخلوق المستحِق لهذه الحياة... على هذه الأرض ما يستحق الحياة...
إن التعبير الدرويشي يجعلني أبحث في ماهية الحياة نفسها.. وكيف نستطيع أن نصبغ حق الوجود والعيش على سكان الأرض، أو ننزع عنهم هذا الحق.
مجرد  التفكير الأولي يقودني مباشرة إلى أخطبوطين عظيمي الأذرع، كأنهما يحيطان بهذا الكون ويصرفان إمكانية العيش به... ألا وهما الصحة والتعليم.
إن التعليم والصحة صنوان لا يفترقان، فضمان تعليم جيد للمرأة والحرص على تكوينها علميا وفكريا لهو الضامن المباشر الذي لا نقض فيه والدليل القوي الذي لا جدل فيه على توفر أسرتها بالضرورة على مستوى صحي جيد وتعليم لائق مما يعود بالنفع على المجتمع كافة، وتكون هذه المرأة واعية بالثقافة البيولوجية لجسدها، مدركة لمخاطر عدم تنظيم الحمل وانعكاسه على الأطفال وحقوقهم في حصول كل واحد منهم على حصته من الاهتمام والتربية والعطف، وعلى عكس ذلك يمكن أن يساهم المستوى التعليمي المتدني للمرأة في ضعضعة بناء البيت الأسري و ضعف هيكل الأطفال و بالتالي  تصدع العمود الفقري للمجتمع، لذا كان لزاما علينا العمل على التوعية الصحية والتي يعتبر التعليم عاملا أساسا لضمان انتشارها وتفعيلها. والباحث في وضع الصحراء وأهلها سيجدهم أهل علم ومعرفة وتقدير للعلم والعلماء، فطالما تنازلت كبرى القبائل وتواضعت لحامل العلم ووضعته موضع شأن ومكانة لعظيم ما يؤديه من مهمة تلقين لأبنائها من طرائق العلم ومسالك الحديث النبوي و حفظ لكتاب الله. وسيرا على نهج التمدن ودخول عوالم الحداثة، استبدل سكان الصحراء طريقتهم القديمة في الحصول على العلم بالتوجه إلى المدارس والمؤسسات المتخصصة في هذا الأمر، وهذا يستلزم مرافقا ليس كالتي ندركها بمدننا الصحراوية، فلا يعقل أن تتسع رقعة مدينة العيون وتترامى أطرافها لتظل يتيمة من مؤسسة جامعية ومعاهد مختلفة ومتنوعة تحتضن طموح أبنائها وتوجهاتهم العلمية والأدبية.
إن الصحة والتعليم وجهان لعملة واحدة، إذ لا يمكن الفصل بينهما ولا السعي لرقي مجتمع وتماسكه وترابطه دون أن نعمل على تقوية هذين الوجهين معا وصقلهما من كل غبار الفقر والتخلف والمقايضة الدنيئة على حساب سلامة الجنس البشري واستمراريته لتحقيق تنمية اجتماعية تضمن للفرد تفرغه لتفجير طاقاته الفكرية والعملية، إذ لا يمكن بأي وجه كان أن نطلب من جسد كسيح، أو فكر عليل، أن يضرب في الأرض معول الإصلاح والتنمية.. ففاقد الشيء لا يعطيه.
وإن نجحنا في بناء هذين الصرحين العظيمين، ستستحق أرض الصحراء يوما... الحياة