
الحركات
م. محمد يحيى كعدان
الكلمات الثلاثية والحركات:
السطر الأخير من جدول الأبجدية الرقمي يحوي الحركات، وهي كما جاءت فيه من اليمين إلى اليسار:
الضم ( ُ 00011 ) ، الفتح ( َ 00010 ) ، الكسر ( ِ 00001 ) ، السكون ( ْ 00000 ).
كل صيغة (عنصر) تخضع لمفهومي الزمان والمكان (راجع مقالنا عن المفاهيم الأوّلية)، ونُعبِّر عن ذلك بأربع صيغ أساسية تُسمى تقليدياً بالإشارات أو الحركات: الضم، والفتح ، والكسر، والسكون؛ وتمثل كلّ واحدة منها إحدى حالات التعريف بالعنصر، من شكل أو صفة أو كلاهما أو غيابهما.
عندما يكون زمن صيغة ما هو الماضي، أي تمت صياغتها بإشارة " الفتح "، فإنّ هذا يعني وجود تشكيل فقط لهذه الصيغة، أي أنّ هذه الصيغة قد تحققت وتجسّدت، ولكن لن يعني هذا وجود التوصيف، وبالتالي تمام التعرُّف، لكون الصيغة غير معاصرة لنا، أو أننا لسنا على معرفة بتفاصيلها لتمييزها.
عندما يكون زمن الصيغة هو المستقبل، أي تمت صياغتها بإشارة " الكسر "، فإن هذا يعني وجود التوصيف فقط لهذه الصيغة، أي أن هذه الصيغة لم تتشكل بعد، بل يوجد وصف لها فقط، وبالتالي هذه الصيغة غير متجسّدة.
عندما يكون زمن صيغة ما هو الحاضر (ماضٍ ومستقبل معاً)، أي تمت صياغتها بإشارة " الضم "، وهي فتح وكسر معاً، فإنّ هذا يعني وجود التشكيل والتوصيف معاً، أي أنً هذه الصيغة قد تحققت وتجسّدت مع وجود أوصافها والتمكّن من تمييزها، بالتالي تحقق تمام التعرُّف، لكون الصيغة غدت معاصرة لنا في الزمن الحاضر، وعلى مرأى منّا.
أخيراً عندما يتم صياغة صيغة ما بإشارة " السكون "، فإنّ هذا يعني أنها مستقلة عن الزمن، وغير معروفة الشكل والصفة، فهي إما إحداهما أو كليهما.
يقول ابن منظور في لسان العرب: الفتح: "... كلُّ ما انكشف عن شيء فقد انفتح وتَفَتّح ...". بالتالي فالفتح تشكيل وتجسيد.
في اللسان أيضاً: "... والكَسْرُ: أخَسُّ القليل. قال ابن سيده: أراه من هذا كأنه كُسِرَ من الكثير ... والكَسْرُ والكِسْرُ، والفتح أعلى: الجُزءُ من العضو ...". بالتالي إنّ تمييز الجزء من الكل وهو الكسر، يعني تطبيق مبدأ الاختيار وهو مفهوم رياضي شديد الأهمية يدّل على علاقة تمييز أو توصيف.
بالتالي فالفتح: تشكيل، والكسر: توصيف. والضم: تشكيل وتوصيف معاً. والسكون: غياب التشكيل والتوصيف.
سنعرض للصيغ الثلاثية الأحرف عبر كلمة ثلاثية ميَّزتها النظرية التقليدية، هي: فعل.
في الصيغة " عل ": بداية نحن أمام عنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم والمستمع ( ل 10100 )، فهو عنصر مستقل تماماً عنهما، وهو أي عنصر غيرهما.
عند الصياغة بالأداة ( ع 10000 )، يغيب المستمع أيضاً، ونصبح أمام عنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم فقط، فهو أي عنصر عدا المتكلم، ولكن من الصيغة السابقة.
أي أننا أمام كل ما تراه " عين " المتكلم (ع)، من العناصر المستقلة عن المتكلم والمستمع (ل).
هذا يدل على العلَّة، لغياب هذا العنصر وعدم المعرفة بشكله وصفته.
في قراءة أخرى للقوالب الرقمية للصيغة " عل ": نحن أمام عين المتكلم المتسبب في الصياغة ومنطلقها والفاعل فيها (ع)، من صيغة تضم طرفي الصياغة المتكلم والمستمع فقط (ل).
بتركيب الصيغة ( ف 01111 )، مع الصيغة " عل "، نحصل على الصيغة: " فعل ". وتعني: معرفة المستمع فقط بشكل وصفة عنصر حاضر (ف)، هو عِلَّة أو سبب. كون هذه المعرفة خاصة بالمستمع فقط، هذا يدل على أنّ العنصر يحضر بعيداً عن المتكلم وقريباً من المستمع. فالعنصر يفيء إلى المستمع.
نحن نعبّر هنا عن أية صيغة لعنصر ما، هو عِلَّة (سبب) من المتكلم الفاعل، ويفيء هذا العنصر إلى المستمع، أي يكون حاضراً معه، ومعروفاً تماماً شكلاً وصفة له.
منه نحن أمام أيّة صيغة لفعل، باعتبار أنّ المستمع وهو الطرف الآخر من الصيغة هو ساحة تطبيق صيغة الفعل (المفعول به)، فالفعل يُطبّق عليه (يفيء إليه)، بالتالي يعرف شكله وصفته تماماً، وهو أي الفعل ينتج عن المتكلم (الفاعل).
واضح من عنوان هذا المقال، أننا نسعى لتطوير مقدمة عن مفهوم تحريك الكلمات، مستخدمين كمثال الكلمة الثلاثية: فعل، المذكورة أعلاه، وهي تتألف من ثلاثة أحرف، أو ثلاث صيغ أساسية.
إن احتمالات صياغة ثلاثة أحرف بأربع حركات تعطي: 43 = 64 احتمالاً.
أي لدينا أربعة وستين احتمالاً من احتمالات تحريك كلمة ثلاثية الأحرف، التي سنأخذ كمثال عنها الكلمة: فعل.
الجدول التالي يصنف تلك الصيغ:
فَعَلَ فَعِلَ فَعُلَ فَعْلَ فَعَلِ فَعِلِ فَعُلِ فَعْلِ فَعَلُ فَعِلُ فَعُلُ فَعْلُ فَعَلْ فَعِلْ فَعُلْ فَعْلْ
فِعَلَ فِعِلَ فِعُلَ فِعْلَ فِعَلِ فِعِلِ فِعُلِ فِعْلِ فِعَلُ فِعِلُ فِعُلُ فِعْلُ فِعَلْ فِعِلْ فِعُلْ فِعْلْ
فُعَلَ فُعِلَ فُعُلَ فُعْلَ فُعَلِ فُعِلِ فُعُلِ فُعْلِ فُعَلُ فُعِلُ فُعُلُ فُعْلُ فُعَلْ فُعِلْ فُعُلْ فُعْلْ
فْعَلَ فْعِلَ فْعُلَ فْعْلَ فْعَلِ فْعِلِ فْعُلِ فْعْلِ فْعَلُ فْعِلُ فْعُلُ فْعْلُ فْعَلْ فْعِلْ فْعُلْ فْعْلْ
قبل البدء بدراسة الحركات في الكلمات الثلاثية، نورد ملاحظة هامّة تتعلق بقواعد مشهورة، لا يخلو كتاب لغوي من ذكرها، وهي أنّ اللغة العربية لا تقبل اجتماع ثلاثة أحرف ساكنة متتالية في كلمة واحدة، ويتم كذلك إحداث تغييرات في أحرف الكلمات منعاً لالتقاء ساكنين، وكذلك لا يجوز الابتداء بساكن.
لكننا في مقالنا هذا لن نقبل بوجود هذه القواعد، بل لا نجد مبرراً لها. فمن ناحية ليس هناك مبرر نظري لوجودها، حسب جدول تحريك الكلمات الثلاثية المذكور أعلاه، فهو يتضمّن ذلك؛ ومن ناحية أخرى ليس هناك مبرر عملي لوجودها، فالقرآن الكريم وهو الحجة اللغوية الأولى، استخدم كلمات فيها ثلاثة أحرف أو أكثر متتالية ساكنة، وذلك فيما يُسمّى بفواتح السوَر، مثل: اْلْمْ (ألف لام ميم)، اْلْرْ (ألف ميم راء)، ... إلخ. (إنّ فواتح السوَر هي صيغ مُركّبة، أي كلمات، ندرس معناها كغيرها من الكلمات تماماً – راجع مقالنا السابق: فواتح السور).
هناك ملاحظة أخرى لابد من ذكرها أيضاً، هي عدم الحاجة لوجود الفراغات بين الكلمات، فهذه الفراغات اصطلاح كتابي تنظيمي فقط، وإلغاؤها لن يؤثر على معنى وبنية الصيغة إطلاقاً، والفراغ يتم حين وقف الكلام فقط. ويمكن البرهان رياضياً إمكانية الاستغناء عن تلك الفراغات في النص دون الإخلال بالمعنى.
بالتالي الكلمة (من الكلام) هي كل صيغة مهما طالت أو قصُرَت حتى ينتهي الكلام. ويُقال: ألقى فلان كلمة، وقد تكون عدة صفحات.
من الجدير بالذكر أنّ السومريين والساميين وغيرهم عموماً، مكتشفوا اللغة الأوائل ومخترعوا الكتابة، كتبوا قديماً دون فراغات حتى ينتهي الكلام أو السطر. أدّى هذا في الحقيقة إلى اختلاف علماء اللغات القديمة فيما بينهم في ترجمة بعض النصوص نتيجة اختلافهم في تقطيع النصّ إلى كلمات.
ما سبق يعني أنّه إذا أخذنا نهاية كلمة في جملة ما ذات معنى كما في المفاهيم التقليدية، وقمنا بتركيبه مع بداية الكلمة ذات المعنى والتالية لها في نفس الجملة، فإننا لابد أن نحصل على كلمة ذات معنى أيضاً. وندرس هذا المعنى كما فعلنا أثناء تحليلنا للصيغ المختلفة.
فالجملة: جاء الرجل مسرعاً، هي: جاءالرجلمسرعن.
بالتالي إنّ أيّ اقتطاع لجزء من الصيغة السابقة، في أي موقع منها، وبأيّ عدد من الأحرف، لابد أن يكون له معنى، يشارك حسب موقعه في صنع المعنى العام للجملة (الصيغة) السابقة.
لكن لماذا جذر معظم الكلمات ثلاثي الأحرف؟
إنّ كل حرف أبجدي يمثل حالة من حالات التعريف بالعنصر من وجهة النظر النسبية لكلٍ من المتكلم والمستمع. (راجع مقالنا: نظام الرموز والأبجدية العربية).
نحن في الواقع لا نحتاج منطقياً إلى أكثر من ثلاثة مستويات للتعريف بجذر العنصر الواحد، ففي المستوي الأوّل للتعريف نعتبر أنّ عنصراً ما هو شكل مثلاً (عندما يأخذ حيّزاً من المكان)، في المستوي الثاني هو شكل لشكل مثلاً (عندما يكون هذا الشكل هو أحد الأشكال – مثال المكعب: هو شكل ولكنه شكل من الأشكال فهو المكعب)، في المستوي الثالث هو شكل لتشكيل شكل مثلاً (عندما يتم تشكيل هذا الشكل المتشكل من شكل أيضاً – مثال المكعب: هو شكل متشكل من سطوح). وهنا ينبغي أن نتوقف في التعريف لأن " السطح " هو عنصر آخر جديد. ويُعتبر من أجزاء المكعب. هكذا يتم التعريف ويستقيم بثلاثة أحرف على الأكثر لجذر أيّ عنصر (صيغة).
ملاحظة: في الصناعة، تُؤخذ العناصر الأوّلية (مُصنّعة)، لتصنيع مادة السلعة، لتصنيع السلعة من مادتها المصنوعة من المواد الأوّلية.
|