البناء العارض في القرآن الكريم

د. مناهل عبد الرحمن الفضل

 

 يُعنى به أنّ  الكلمة كانت في الأصل معربة ثم أصبحت مبنية بسبب أحد العوارض الطارئة عليها ، وإذا زال ذلك العارض عادت الكلمة إلى أصلها من الإعراب . 
مواضعه : 1ـ  في الأفعال : 
البناء في الأفعال يكون لازماً وعارضاً، فاللازم بناء الماضي، والأمر بغير اللام‏.‏ والعارض بناء المضارع   إذا اتصل به نون النسوة ، ونون التوكيد .
2ـ في الأسماء:
أ ـ  اسم ( لا ) النافية للجنس :
ومعنى نفي الجنس نفي الخبر عن جميع أفراد الجنس ، ويكون اسمها مبني على الفتح ، وذلك نحو قوله تعالى : { لا عاصمَ اليوم من أمرِ الله } فـ ( لا ) نافية للجنس حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، ( عاصم ) : اسم ( لا ) مبني على الفتح . 
ومن الملاحظ أن اسم ( لا ) يأتي مفرداً ، أو مضافاً ، أو شبيهاً بالمضاف . والذي يهمنا هنا هو المفرد 
اسم ( لا ) المفرد:
ويقصد به ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف ، وإن كان مثنى أو مجموعاً ، وهو مبني على ما كان ينصب به ، وقد ورد اسم ( لا ) المفرد في اثنين وثمانين موضعاً  من القرآن الكريم ، من ذلك قوله تعالى: { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } ، فـ ( لا ) نافية للجنس ، و( ريب ) : اسم ( لا ) مبني على الفتح في محل نصب ، أما الخبر فمحذوف للعلم به.
ب- المنادى :
النداء هو الدعاء برفع الصوت ، والمنادى هو المطلوب إقباله بحرف مخصوص .
للنداء سبعة أحرف هي : ( يا ) وتستعمل في كل حالات النداء ، وهي أصل حروف النداء ، ولم يقع في التنزيل نداء بغير الياء ، ( آ ، أيا ، هيا ) للمنادى البعيد ، ( أي والهمزة)  للمنادى القريب ، ( وآ ) للمنادى المندوب .
للمنادى خمسة أنواع منها ما هو مبني ، ومنها ما هو معرب ، والذي يهمنا هنا هو المبني.
يُبنى المنادى على ما كان يُرفع به سواء كان تعريفه سابقاً على النداء وهو العلم المفرد ، ونقصد به ما ليس مضافاً ولا شبيها بالمضاف ، نحو قوله تعالى: ( وقلنا يا آدمُ اسكن أنت وزَوْجُك الجنة )  فـ( آدم ) : منادى مبني على الضم في محل نصب ــ أو كان تعريفه حاصلاً بالنداء وهو النكرة المقصودة ، ونقصد بها النكرة التي يزول إبهامها بسبب النداء كقوله تعالى : ( يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) .
 وقد ورد المنادى مبنياً في ستة وستين موضعاً . 
ج ـ الظروف العارضة البناء وما ألحق بها : وتشمل ما قطع عن الإضافة لفظا لا معنَى وهي الظروف 
الغايات مثل: قبل ، بعد ، وأسماء الجهات الستة ، علُ ، أولُ ، فإذا حُذف المضاف إليه للعلم به بُنيت هذه الأسماء على الضم ، كقوله تعالى : ( لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ) فقد حُذف المضاف إليه لفظاً ونوي معناه إذ التقدير : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء ، ونجد ذلك في سبعة وستين موضعاً . أما ( بعد ) فقد وردت في ستة مواضع . وكذلك من الظروف العارضة للبناء الزمن المبهم المضاف إلى جملة: وذلك نحو الحين والوقت والساعة والزمان ، فهذا النوع من أسماء الزمان تجوز إضافته إلى الجملة ، ويجوز لك حينئذ الإعراب والبناء على الفتح ، إلا أن البناء أرجح من الإعراب .
ومن الظروف أيضا  الموغلات في الإبهام المضافة إلى مبني:
وهي أسماء لا يتحدد معناها ولو أضيفت ، وهي: مثل ، دون ، بين ، غير ، سوى ، نظير ، شبيه ، وما كان في معناها ، فهذا النوع إذا أضيف إلى مبني جاز أن يكتسب من بنائه كما تكتسب النكرة المضافة إلى معرفة من تعريفها ، من ذلك قوله تعالى: ( ومن خزي يومئذٍ ) فإنه يقرأ بفتح الميم على البناء لكونه مبهماً مضافاً إلى مبني وهو( إذ ) وبجره على الإعراب .
ومن الظروف العارضة للبناء أيضا ما ألحق بـ( قبل ) و( بعد ) وهي :  ( أي ) الموصولة ولها أربعة أحوال 
تعرب في ثلاث منها وتبنى في حالة واحدة ، وذلك إذا أضيفت وحُذف صدر صلتها ، فتبنى على الضم ، وذلك كقوله تعالى: ( ثم لننزعنّ من كل شيعة أيُّهم أشدّ على الرحمن عتيا ) .
د / المركبات : 
من ذلك الأعداد المركبة : ما ركب تركيب المزج من الأعداد هو أحد عشر وإحدى عشر إلى تسعة عشر وتسع عشرة ، فهذه تبنى على فتح الجزءين ما عدا اثني عشر واثنتي عشرة فإن الجزء الأول منهما معرب إعراب المثنى.
ومن أمثلة تلك الأعداد المبنية ، قوله تعالى: ( عليها تسعة عشر ) ، فـ( تسعة عشر): في موضع رفع بالابتداء ، و( عليها ) الخبر وهما اسمان حذف بينهما حرف العطف وتضمناه ، فبنيا لتضمنهما معنى الحرف وبنيا على الفتح لخفته .
كذلك مما هو مبني بناء عارضاً ما ركب تركيب المزج من الظروف زمانية كانت أو مكانية  ، وما ركب تركيبا المزج من الأحوال.
والذي نود أن نشير إليه هنا أنه لم يقع في التنزيل تركيب الظروف ولا تركيب الأحوال ، وإنما وقع فيه تركيب الأعداد .