اللغة العربية بين كفاية وإنجاز ( نحو النص ) و ( إخصاء ) المعنى

أ. د. عبد الجليل أبوبكرغزالة

أوليات الموضوع 

       يُعدُّ استعمال اللغة العربية جوهريا في حياة الفرد والجماعة ، لأنها تحقق السعي الحثيث نحو التعمير ( الدينامية )  dynamism، والحركة ، والتداول ، والتفاعل ، والتنمية بالاعتماد على نسق الانتماء الثقافي الموجِّه ، الذي قد يكون مختلفا ، ومتفاوتا ، مما يجعله يشكل سلطات لغوية تتحكم ، أو تتغلب على ( نصوص ) متنوعة تنتمي للأجناس ، والنماذج نفسها ( 1 ) . 
         قَدْ لا يخلق نسق الانتماء الثقافي لغة عربية معاصرة قوية ، لأن هذا الخلق لا يتم من خلال توظيف العناصر ، والعوامل القوية التي تتحكم في التراكيب ، والدلالات ، والمقامات ، المتداخلة ثقافيا مع بنى ، وصيغ أخرى . إنَّ أي تقصير في التعامل مع نسق الانتماء الثقافي يخلق لغة عربية ضعيفة ، ومفكَّكة ، وهو ما يقلل من انتشارها ، وعلوِّ شأنها ، فتصبح مجرد لهجات فرعية تركز على جهة ثقافية ، تكون منفصلة عن غيرها ، وهو ما ينعتها (( باللغة المعزولة )) .
      تَتجلَّى شروط استعمال اللغة العربية بشكل مسبوكٍ cohesion تركيبيًّا ، ومحبوكٍ coherence دلاليًّا ، وتداوليًّا pragmatic عند توفر مظاهر :
        1   _     الاعتدال بين الدَّوال ، والسياقات ، والمقاصد المرصوصة .
        2   _     التفاعل بين المدلولات الفكرية الجيدة .
        3    _     التحديد المنهجي للموضوع .
       4     _     سلامة (( نحو النص )) text grammar ، ووجاهة الملفوظات .
      5     _      الانتماء الثقافي الحسن ، والهادف . 
   تَتَّجِهُ عدة مدارس ، ونظريات ، ومذاهب ، وتيارات ، وآراء خاصة اتجاهات متضاربة أو متكررة ، وربما سطحية تغشاها مغالطات ، ومغالاة ، وانتماءات فكرية كثيرة بالنسبة لتعريف مفهوم الخطاب ( النص) ، وتحديد عناصره ، واشتغاله ، ومقاصده ، ومقاماته : 
    أ  _    الشكلانية.
   ب _    البنيوية. 
  ت  _    التوليدية .
 ث   _    التداولية . 
ج    _    التأويلية .
ح   _     التفكيكية .
خ   _     النصية .
   يُعدُّ النسق الثقافي الخاص ضروريا بالنسبة لحياة اللغة العربية المعاصرة ، وتعميرها المستمر . يتجلى ذلك من خلال : 
       1   _   اكتمال اشتغال اللغة حسب ثقافة معينة ، ومدارك المساهمين ، وتطبيقهم لقوانينها ، وضوابطها الأصيلة .
       2  _  ارتباط اللغة بنسق الانتماء الثقافي المتحول باعتباره المطية لتحقيق النتائج . 
       3  _  ضبط المساهمين للغة العربية المعاصرة ، وإتباع نسقها system اللساني ، وابتعادهم عن الغموض في التراكيب ، والدلالات ، والمقامات . 
      4    _   اعتماد مقاصد اللغة العربية المعاصرة على القول المقبول المترابط ، والمقتصد .
      5   _   الابتعاد عن الفردية ، وعدم التفريط في قوانين النسق اللساني الموظف .  
      6    _  الإحاطة ، والمراجعة ، والتقويم المستمر للغة العربية المعاصرة المتنوعة المستويات . 
   يَتَّفقُ المساهمون في إنتاج اللغة العربية المعاصرة على تعمير نظامها التركيبي ، والدلالي ، والتداولي ، وهو ما يمنح هذا الاتفاق المتَّبع حجة قوية ، ومشروعية كبيرة عند الاستعمال ، والاشتغال ، والعيش الطويل ، كما أنه يدفع إلى مراجعتها ، وتقويمها باستمرار من أجل التطوير ، أو التغيير ، والتنمية . يتمُّ إيثار بعض العناصر اللغوية على غيرها أثناء الإبداع ، والتقنين ، والإنجاز performance نظرا لقوة ملاءمتها ، وعمق عطائها ، وتأثيرها أثناء التداول ، والسياق العام .  يسعى هذا العمل إلى تحرِّي الدقة ، ومراعاة المناسبة اللغوية ، الثقافية ، الاجتماعية للتقليل من شأن الاختلافات ، والتجاوزات ، والضعف اللساني على مستوى التركيب ، والدلالة ، والمقام . 
دور الجانب العلمي والتعليمي  في  تعمير اللغة العربية المعاصرة 
    تَشْتَمِلُ اللغة العربية المعاصرة على فكر متميز يحدد خصائصه ، وطرائق اشتغاله من خلال القياس ، والسماع  ، والتبادل الموسع ، والإحالة المختلفة ، والاتفاق ، والإتباع ، والإبداع ، والاستشراف في إطار نسق لساني معين . يُرسِّخُ هذا الفكر الجانب العلمي ، ويوزع البنى الخطابية المختلفة تبعا لمدارك المنتجين ، وطبائعهم ، ومقاصدهم .
   يَتطلَّبُ الجانب العلمي ، والتعليمي بالنسبة لأي مستوى لغوي عربي معاصر وجود كفاية لسانية  competenceجامعة للقواعد ، والخصائص ، والتقسيمات اللغوية المتنوعة . تتوفر هذه الكفاية بقوة عند المنتج الضليع ، الذي يملك طاقات عقلية ، ونفسية مختلفة تمنحه الرغبة في العلم ، والتعلم ، وهو ما يكشف عن بعض الاختلافات بين المنتجين عند بناء اللغة العربية المعاصرة ، أو تعميرها ( ديناميتها ) نظرا لاختلاف الاصطلاحات عند وضع التراكيب ، والدلالات ، والمقامات. 
    يَرْتَبِطُ الجانب العلمي ، والتعليمي بالنسبة للغة العربية المعاصرة المتنوعة المستويات ببعض الاصطلاحات ، والعلاقات البارزة :
     أ   _   ارتباط الاصطلاحات ، والعلاقات العلمية ، والتعليمية بالتراكيب المنجزة ، وتماثل صورة العِلْم عند سائر المنتجين العرب .
     ب   _   اعتماد توسع العلم ، والتعليم على توسع تعمير اللغة ، ونقصها يسلك السبيل نفسه . 
     ج   _    تنوع العقل ، والنقل في العربية المعاصرة ، وكثرة المناظرات ، والمفاوضات ، وأنواع التعليم الموظف .  
       د   _   تأثير الثقافة / الحضارة العربية في تعمير اللغة ، وارتباطها بالعقل ، والنفس ، وآداب ، وأنماط العيش ، والحياة . 
    يَرْتَكِزُ تحليل النسق اللغوي العربي المعاصر على ضبط عملية التلقي من  خلال:
        1   _     الإلمام بالنسق اللساني المستعمل . 
        2    _    الإنجاز  performanceالدقيق للأساليب ، والمقاصد intentions. 
        3    _    الموضوعية ، والالتزام ، والاختلاف الصحي .
    يَتِمُّ توظيف عدة مفاهيم ، ومصطلحات أثناء عملية التلقي لتصبح متداولة ، وعملية بالنسبة لتأويل الكلام اللغوي العربي المعاصر ، كما يتم أيضا استخدام عدة تقسيمات ، وتصنيفات لهذا الغرض من أجل ضبط بعض التنوعات ، والاختلافات اللسانية ، وسيطرة المظاهر الاتفاقية الخاصة (( بنحو النص )) text grammar، والتجاذب النصي textual gravitation ( 2 ) ، والتضمين ، وتعدد القراءات ، والمقاربات ، ومستويات الإبداع ، والإتباع . تتنوع عملية التلقي للغة العربية المعاصرة حسب تنوع ثقافة المساهمين ، ومداركهم ، ومقاصدهم ، وهو ما قد يرفع من قيمة هذه العملية ، أو يحطُّ منها . 
   تعمير  اللغة العربية المعاصرة وتغير العناصر والسياقات 
   يَعْتَمِدُ  تعمير اللغة العربية المعاصرة على (( تخطيط نصي )) textual planning هادف ، يستند إلى ثقافة معينة يفرضها النسق اللغوي ، والاستقرار الفكري ، والنفسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي عند المبدع . يستطيع سائر المتلقِّينَ التعامل مع المكونات ، والعناصر اللغوية بالاعتماد على أبنيتها المختلفة ، التي تحتاج إلى تضافر جهود المساهمين في الإنتاج ، وتعاونهم . تفرض هذه اللغة على المساهمين اتباع القواعد الاتفاقية  conventionalبغية تحقيق المقاصد المطلوبة ، والأهداف المرسومة . لا بدَّ من تحديد خصائص العناصر اللغوية ، و(( تخطيط النص )) كليا ، وفرعيا ، لأن وضوح العلاقات ، والوظائف المعتمدة على السياق  contextيجعل عملية (( التعمير اللغوي )) فعَّالة ، ومنفتحة ، كما أنه يوسع طريقة الاشتغال من خلال هذا التخطيط ، الذي يؤدي إلى تعدد ، وتنوع (( المسافات اللغوية )) ، والفضاء الزمكاني للغة .
    يَتِمُّ ضبط عملية (( تعمير الخطابات اللغوية العربية الممتدة )) بمختلف عناصرها ، وسياقاتها بناء على مظاهر بارزة :
        أ    _   ربط الخطابات بعناصرها ، من خلال العلاقات ، والوظائف .
        ب   _  اعتماد العناصر الأساسية على خطابات ثقافية كبرى . 
        ج   _  عدم انفراد البنى الكبرى بإنشاء وحدات هذه الخطابات الثقافية  .  
        د   _   إتباع (( نحو النص )) من أجل طمس اللحن ، والانزياح عن الاتفاق اللساني العام . 
        ه  _   توفر (( الإمداد اللغوي )) ، والدعم الدائم .   
اختلاف تعمير اللغة العربية المعاصرة وتحديد المقاصد 
   يَتَنَوَّعُ تعمير اللغة العربية المعاصرة تبعا لتنوع ثقافة ، ومدارك ، ومقاصد المساهمين في إنتاجها ، وهو ما يربط عملية الاشتغال بالمستوى العقلي ، والنفسي لكل مساهم ، ومدى رسوخ هذين المستويين أثناء الممارسة ، والإنجاز . تتوقف قوة ، ودقة هذا التعمير على الكفايات اللسانية اللغوية ، التي يتم ترسيخها بالاعتماد على طول العمل ، واستمراره ، وكثرة التمرن على الإبداع ، وتهذيبه . تظهر قوة ، وفعالية هذه المستويات تبعا لنوع أسس التعمير ، وأساليبه ، وهو ما يؤدي أيضا إلى تنوع ، وتميز السياقات ، و(( الكون الخطابي )) discourse universe، وطرائق الإبداع ، والتقنين ، والإنجاز ( 3) . 
     يَتِمُّ تعمير اللغة العربية المعاصرة ، وتحدد مقاصده intentions بدقة من خلال مراعاة العناصر التالية : 
     1   _   وجود عملية التوازن ، والتكامل بين المساهمين ، وجودة الكفايات اللسانية اللغوية. 
     2   _   مراعاة عملية المثاقفة interculturalism، وتكامل المستويات بشكل هادف غير ذي عِوَجٍ . 
    3    _   إقصاء المذاهب ، والاختلاف ، وكثرة الانزياحات ، واللغو .
    4     _    اعتماد النسق العربي الأصيل ، وإيثار عمل المساهم بالنسبة لتعمير العربية المعاصرة وتحديد مقاصدها .
     يَتَغَيَّرُ تعمير اللغة العربية المعاصرة ، وسياقاتها ، ومقاصدها بتغير الكفايات اللسانية الخاصة بها ، التي تصطبغ بثقافة المساهمين ، وأعمارهم ، وفضاءاتهم الزمكانية . يتطلب هذا العمل معرفة بالقوانين الضابطة ، والفهم الجيد ، و الذوق الأصيل  .
    تَخْتَلِفُ قوة ، وجودة عمل المساهمين في إنتاج اللغة العربية المعاصرة تبعا لاختلاف الأجناس الأدبية التي تؤسسها ، وهو ما يميز كل جنس عن الآخر من خلال أسسه ، وأساليبه الخاصة ، ومقاصده إذ يتم التركيز دائما على الخصائص الجمالية ، والفكرية بنسب متفاوتة ، كما أن الكفاية اللغوية تتطور تبعا لنوع الممارسة ، وجودة الإبداع ، والاستمرار ، والتكرار . لذلك فإن مستويات اللغة العربية المعاصرة تختلف عن بعضها من خلال عمليات الإبداع ، والاتباع ،  والتقليد ، والتوليد .
 (( إخْصاءُ )) المعنى 
      تَنْتَشِرُ بين طيات بعض مستويات اللغة العربية المعاصرة آياتٌ متنوعة من الغموض نظرا للبهرجة السطحية ، وعدم الالتزام (( بنحو النص )) text  grammar ، وكثرة التناقض ، والتجريد ، والتنظير المُتْرف ، والمتعجرف ، والتأويلات المُغْرضة ، و(( إخْصاء )) المعاني ، والمفاهيم الدخيلة أثناء الممارسة اللغوية ، وتعدد طرائق توظيفها ، مما يفضح ضحالتها ، وتفكُّكها ، وتقوْقعها .
    يَسْتَوْجِبُ هذا الأمر أن تتمَّ أثناء الممارسة مراعاة طرائق اشتغال (( نحو النص )) الثقافي المقصود ، وتوليده بشكل متميز على المستوى الجمالي ، والفكري ، والمقامي لإقصاء أي قصور ، أو جهلٍ بالنسبة لعملية التعمير . لا بد عند توليد اللغة العربية المعاصرة  ، و (( تغذيتها )) ، أو (( تخصيبها )) من الاهتمام بالجوانب التالية لإقصاء كل أنواع الغموض ، أو (( الإخصاء )) ، والتعطيل ، والتفكك ، والتقوقع  :    
        أ      _    تصوير الحقائق ، والمعارف بشكل جيد ، وإثبات عوارضها ، أو نفيها . 
        ب    _      صقل الأفكار ، وتصحيحها . 
        ت    _      ربط التراكيب بالدلالات . 
         ث   _      استنباط الموضوعات المتنوعة ، وضبط عناصرها المكونة .
          ج   _     توخي الفائدة المشتركة . 
          ح   _     تقويم ، ومراجعة مستمرة للغة .
          خ   _     تقسيم جيد لهذه اللغة ، واجتناب نواقصها ، ونقائصها .
          د   _     اعتماد الأصول ، وتطويرها عند توظيفها داخل كل مستوى لغوي ثقافي جديد. 
          ذ   _  استغلال العناصر الضرورية ، واجتناب التكرار ، والاهتمام بالمقام ، والقصد في المستوى اللغوي المعني . 
      يَلْعَبُ عمل المساهمين دورا كبيرا في (( تعمير ))  dynamismمستويات اللغة العربية المعاصرة ، وتحديد أشكالها ، ومضامينها ، وهو ما يجعل طبائعهم النفسية تساهم في إنتاج أنواع خاصة من الأقوال ، والملفوظات . 
الإبداع والإتباع في اللغة العربية المعاصرة 
   يَتَطَلَّبُ بناء اللغة العربية المعاصرة ، التي تنتجها الصفوة المسيطرة على المجتمع ، تعميق العادات اللسانية ، والثقافية الهادفة ، وارتياد تصرفات ، وطبائع إنسانية تؤسس (( لذة نصية )) عارمة لكي تستطيع عناصرها الفاعلة الفصل بين عمليتي الإبداع ، والإتباع ؛ وهو ما قد يقلل من شأن عمل مجال تحليل الخطاب ، الذي يعتمد على التفاعل بين المظاهر اللسانية الثقافية الجامعة ، التي تتجاوز خطاب الصفوة . تهتمُّ بعض السياقات اللغوية العرضية بالمتواليات القصيرة ، وطمس عملية الترابط بين المباني ، والمعاني ، وفرض سيطرة المساهمين من الصفوة المتهافتة ، وهذا يخالف طبيعة التماسك اللغوي ، والثقافي ، والمواقف المتنوعة التي يركز عليها مجال تحليل الخطاب ، من خلال العلاقات ، والوظائف التركيبية ، والدلالية المرصوصة التي تحركها آليات لغوية محددة تبني المتواليات ، والفقرات التي تسكن مستويات اللغة العربية المعاصرة المتنوعة المستويات ، وتعمرها بكل الوسائل الاتصالية المعروفة ( الضمائر العائدة ، الإحالات المتنوعة ، التوابع ، التكرار ، المعرفة ، التقديم والتأخير ، المطابقة بين النوع والعدد ... ).   
     تُوظفُ اللغة العربية المعاصرة بعض الكلمات المعجمية ، التي ينقصها الطابع التقني ، والاصطلاح العلمي . لذلك تتم الاستعانة بالكلمات المعجمية ، والمصطلحات الأجنبية ، وقد تسود الترجمة المتسيبة (الخائنة ) لبعض المفاهيم ، فتعمُّ الفوضى ، و(( الإخصاء )) للمعاني ، وينتشر (( التسول الفكري )) ، والعِوزُ ، والخراب ...
     يَرْجِعُ ذلك إلى عدة أسباب ثقافية ، وتجاوزات متنوعة :
      1  _     تحكم العادات اللغوية الثقافية الدخيلة ، والاستلاب ، والاغتراب   alienation الفاسد ، وانتشار أخلاق ، وطبائع المجتمع القروي الخاضع ، والزراعي البسيط . 
      2  _     عدم الاستقرار ، وكثرة الحروب ، والصراعات ، والنعرات .  
     3  _     طبيعة الوجود المتسلط المجافي للأخلاق ، وغياب التعمير اللغوي السليم . 
     4   _    مجانبة الأحكام الصائبة ، وقلة ضبط عمل المتلقين لتقديم الإنجاز performance الهادف. 
     5   _    عدم تنظيم الأحوال ، والمصالح ، والعقوبات . 
     6   _    التنافس على المناصب ، والحظوة ، والجاه . 
     7   _    الاعتماد على التقوقع ، والتطرف الديني ... 
    يَرْتَبِطُ الخطاب السياسي العربي بالحكم ، والسلطان لكن غيابهما ، أو شيوع الفوضى ، واللحن في بعض أطرافه يجعله يتصف بالمظاهر التالية : 
      أ  _    تقليد سمات (( خطاب الحاكم )) ، أو النظام ، والحزب ، الغالب.
    ب   _   غياب مكونات الخطاب السياسي الأصيل ، والمستقل عند الشخص التابع . 
    ج   _   إقصاء الشخص الغالب لمكونات الخطاب السياسي عند الشخص المغلوب .    
        يَعِيشُ النسق اللغوي ، العربي ، القروي ، الزراعي تابعا للنسق اللغوي ، العربي ، الثقافي ، المدني الذي تتوفر فيه المكونات اللسانية المتماسكة . تشيع في النسق القروي مفاهيم الزراعة ، وتربية الحيوانات ، والغزل ، والنسج ، لكن مفاهيم الصناعات المتنوعة ، والمهن المعاصرة ، والتقنيات ، والفنون ، والشركات المتطورة ، والملاهي ، والتجمعات الفكرية ، والتظاهرات الرياضية ، والفنية ، والأسواق المتنوعة ، والمقاهي ، والمطاعم ، والفنادق ، والمؤسسات المالية ، والصرافة المتنوعة غير متجذرة فيه بعمق ، بل نجدها وليدة الحواضر. 
    يَسْتَنِدُ الخطاب السياسي العربي إلى السلطة ، والحكم ، والطبقة الاجتماعية المتميزة ، والانتماء الثقافي . يرتكز الخطاب في هذا المجال على عدة جوانب خاصة : 
    1   _     اشتماله على (( لذة لغوية )) ، ونفسية تخلق التنافس بين المساهمين.
    2   _     استغلاله للنزاعات ، والنعرات ، والانتماء الثقافي . 
   3   _     تخلِّيه عن الانتماء الثقافي الخاص عند سيادة الاستقرار، والرفاهية ، والانضباط . 
    4   _     ارتباط تطوره بالأصل الديني ، وسيادة سلطان الحق ، والعلم .
    5   _     تدعيم الأصل الديني للانتماء الثقافي المسيطر. 
       البعد العقلي في العربية المعاصرة 
   يَتَنَوَّعُ البعد العقلي في اللغة ابية المعاصرة العربية تبعا لتنوع فكر ، ونزعات وتصرفات المساهمين فيها ، لكن المعارف ، والمكونات ، والعناصر تكاد تكون متماثلة بينهم نظرا لاتفاق قواعد (( التعمير اللغوي )) ، وطرائق تعاقبه ، وتكراره . 
   يَضُمُّ البعد العقلي ، في اللغة العربية المعاصرة ، أربعة جوانب فرعية متكاملة :
     أ  _   الجانب المنطقي : يهتم بالتمييز بين الخطأ ، والصواب بالنسبة لبنى الخطاب ، والبحث عن حقيقة الموضوع المطروح . 
   ب   _   الجانب الطبيعي : يضبط كل المحسوسات ، والموجودات الكونية ، ورؤية العالم بالنسبة لموضوع الخطاب ، وقضاياها .
  ج    _  الجانب الإيحائي : يجسد نوع الإبداع ، والإلهام المسيطر ، حيث ينسج الخيال عدة رؤى تتجاوز المدركات الطبيعية . 
  د    _   الجانب التقويمي : يوجه ثنائية الكم ، والكيف العاملة داخل الخطابات الثقافية المتنوعة (  معرفة عدد العناصر ، والمكونات ، اتصالها / انفصالها ، المستوى الصوتي ، ومدى تناغمه ، أو تنافره ، مواقع الدوال ، والمدلولات بالنسبة لتركيب جمل النص ، وتحديد تماسكها ، أو تفككها ...) ( 4 ) .

الانتماء الثقافي في اللغة العربية المعاصرة 
    إِنَّ الهدف من إنتاج مستويات اللغة العربية المختلفة البنى ، والرؤى ، والأجناس الفكرية هو تجسيد نسق انتماء ثقافي معين يسعى لتحديد طبيعة المنتجين ، والعناصر الأخرى ، والأغراض المختلفة . يتنوع هذا النسق ، حيث تتداخل ، وتتماسك فيه البنى القديمة ، والحديثة ، وتترابط المستويات الصوتية ، والصرفية ، والتركيبية ، والمعجمية ، والدلالية ، والمقامية بشكل واضح ، وهو ما ينعكس على عمل كل عنصر ، وعلاقاته مع العناصر الأخرى ، من حيث الموقع ، والقوة ، والوصل ، أو الفصل .
    تَتَغَيَّرُ مستويات التحليل اللساني (  الصوت ، الصرف ، التركيب ، المعجم ، الدلالة ) في اللغة العربية عبر الزمن ، حيث يصاب الانتماء الثقافي هو أيضا بالتغير ، لأن هذه الخطابات تملك (( عمرا ثقافيا )) معينا ، إذ أن العمل الجيد ، والترابط يمنحان العناصر انتماء ثقافيا محكم الجوانب ، قوي العطاء ، والسمات ، والعادات اللغوية . يبرز هذا الانتماء الثقافي من خلال ضبط البناء اللساني المتنوع المستويات ، وتجويد السياقات ، والاهتمام بالعلاقات ، والوظائف المحكمة التي تحسن (( نحو النص )) ، وعمل سائر العناصر ، والمساهمين ، والعوامل المختلفة ، فتتغير المعجمات ، والنصوص الخاصة بالطبخ ، والأزياء ، والبناء ، والأثاث المنزلي ، وصناعة الأواني ، وأعمال الحدائق ، والمزارع ، والصناعات التقنية ، وسائر المهن ، وأنماط الفكر الأخرى . قد لا تحتاج بعض النصوص ، والمعجمات كل هذه الكلمات ، والبنى اللغوية نظرا لخصوصية طبيعتها ، وتميز سياقاتها ، و (( كونها الخطابي )) ، وتفرد أغراض منتجيها ، ومقاصدهم. 
    تُؤَدِّي اللغة العربية المعاصرة ، التي يعمِّرها نسق انتماء ثقافي متنوع الألوان ومتقن الجوانب ، إلى تقوية التفرعات ، وتلاحم العلاقات ، والوظائف بين عناصرها . لذلك فإن نوعية النسق الموظف هي التي تخلق تفاوتا تركيبيا ، ودلاليا بين المستويات اللغوية بالاعتماد على طريقة (( التعمير اللغوي )) السائدة ، فكلَّما كان هذا النسق مرصوصا ومتكاملا ، كلَما كان (( التعمير اللغوي )) الموظف أكثر رصانة ، ونضجا ، كما أن هذه المستويات التي يتوفر فيها (( تعمير لغوي )) متكامل المستويات اللسانية تكون أكثر نضجا ، واستعمالا ، وفهما ، وتأويلا . أما فساد عمل بعض عناصرها فإنه يظهر من خلال ضعف بعض الدوال ، والمدلولات ، وسطحية بعض العادات اللغوية ، وتلونها بألوان من اللغو ، والسفسطة ، والتنميق ، والزخرفة اللفظية ، الزائفة ، البانية لمعان لا أصل لها ، حيث يخيم عليها التفكير ، السطحي ، الانتهازي ، والتحايل على بلوغ الغاية بأية وسيلة ، وهو ما يطبع عمل العناصر اللغوية بعدم الدقة ، وتضارب المواقع ، والانزياح ، والتسلط على السمات الخاصة ببعضها ، وتجاوز مكونات (( نحو النص )) . 
     تَتَّصِفُ بعض مستويات اللغة العربية المعاصرة بانتشار (( العناصر العارضة )) ، التي لا تحمل أية سمات تركيبية ، ودلالية خاصة بها ، إذ يطالها (( الامتطاء اللغوي )) من طرف العناصر المتسلِّطة ، التي تتميز بقوة مكوناتها الصوتية ، والصرفية ، والتركيبية ، والمعجمية ، والدلالية . ، والمقامية . يمكن أن نستخلص من عمل هذا النوع من المستويات اللغوية بعض السمات :
    1   _  وجود عناصر نصية ناشئة متشابهة في العلاقات ، والوظائف . 
    2   _  تواجد سمات قوية ، وسمات ضعيفة . 
    3   _  ضعف تعبير (( لغة الخطاب )) عن الأغراض الضرورية لأفراد المجتمع .  
     4    _  تشتت العادات اللغوية ، وانحراف السياقات النصية .
     إِنَّ هدف عملية (( تعمير اللغة )) العربية المعاصرة هو خلق نسق انتماء ثقافي متماسك على مستوى العلاقات ، والوظائف ، وإذا حصل خلل في هذا التعمير أصاب اللغة الفساد مثل سائر المخلوقات . يلحق بعض المستويات اللغوية ، العربية ، المعاصرة ضعفٌ كبير نظرا لفساد نسق الانتماء الثقافي الذي يحركها ، حيث إن العناصر البانية تكون هي سبب استمرارها ، أو زوالها ، لأنها تجسد مظاهر مهمة تدل على الاستقامة ، أو الزلل بالنسبة للنسق اللساني الموظف . 
    يَتَجَلَّى اشتغال العناصر من خلال تنظيم عملية (( التعمير اللغوي )) التي ترسخ نسقها ، وتنجح مسارات دوَالِّها ، ومدلولاتها ، وتفسد بفسادها . لذلك فإن هذه العملية يكون لها عمر محدد ، يمر بفترة قوة ، وعطاء ، واكتمال ، ثم فترة ضعف ، وتفكك ، وفناء . 
    تَرْتَبِطُ عملية التماسك ، والتفاعل ، والاتصال بطبيعة ، وسياقات ، ومقاصد اللغة العربية المعاصرة ، حتى وإن اختلفت منابعها ، وتراكيبها ، ودلالاتها ، فإنها تحقق انتماء ثقافيا متميزا يستند إلى هذه المنابع ، والدوافع . يحصل التماسك ، والتفاعل ، والاتصال بين عناصر الخطابات ، وعواملها البانية عن طريق الموقع ، والمجاورة ، والتبعية ، والتجاذب اللغوي ) gravitation التَّناص ) intertextuality ، وهو ما يشكل (( لحمة لغوية )) . قد يظهر بين هذه العناصر نوع من الاتصال ، والانفصال ، فيسود التقارب ، والتباعد . أما إذا ظهر ضعف بين طيات نسق الانتماء الثقافي الموجِّه لهذه اللغة ، وتقلص عمل عناصرها ، ومساهمة منتجيها ، فسيحدث فيها نوع من التداخل ، والنسخ ، والاستلاب ، وكثرة العلل ، والزلل ، مما ينشر بعض (( الأعراض اللغوية )) الموحية بفساد المباني ، والمعاني  من خلال :
     أ   _        غياب (( نحو نص )) ، أو نظام (( حماية خطابية )) دقيقة ، ورصينة .
    ب   _       اللجوء إلى (( مشورة لغوية )) واقية ، وضاغطة .  
   ت     _      الجنوح نحو تغليب (( سلطة لغوية )) متميزة .    
   ث    _      التنازع بين العناصر البانية . 
   ج    _     الصراع بين القديم ، والحديث . 
  ح    _     الانتحال ، وعدم أهلية بعض العناصر للاشتغال الجيد . 
    إِنَّ تقلص اشتغال بعض العناصر الخطابية ، وضعف عدة دوال ، ومدلولات يخلق نسق انتماء ثقافي سطحي ، أو عبثي ، يكثر من التعطيل ، والتأجيل ، والتفكيك ، والترف  . 
   تَرْتَكِزُ (( لغة الخطاب )) على المستوى النحوي ، وانتشار وظيفتها الاتصالية communicative، وتفاعلاتها ، وتداولها المحلي بين أهلها . تنتشر مستويات اللغة العربية المعاصرة بالانزياح عن اللسان الرسمي ، الذي يوظف ملكة مقعَّدة ، يتعامل بها العارفون من الناس ، حيث يؤدي الاشتغال إلى إتباع سننها ، وترسيخها ، وإقصاء الدخيل ، والغريب ، والمختلط ، كما يتم تنشيط التراكيب ، والدلالات النقية لتصبح قوية ، وفاعلة ، واتصالية .    
    تَتَعَايَشُ مستويات اللغة العربية ، وتتحرك بطرائق مختلفة بناء على سماتها الخاصة ، وطريقة اشتغال نسق الانتماء الثقافي الذي يوجهها ، إذ أنها تعتمد على تراكيب ، ودلالات متفردة ، أو تخترقها بعض الصيغ ، والتضمينات ، وأنواع من التجاذب التي تظهر واضحة على المستوى الجمالي ، والفكري . تبرز حقيقة اشتغال النصوص من خلال الاستعمال المتنوع ، إذ أن طبيعة هذا الاشتغال هي التي تمنحها قيمة دائمة . إنها تحتاج باستمرار إلى (( تغذية لغوية )) في جميع مسارات تعميرها ، واستعمالها الفعلي ، وانتشارها (  مسار الإبداع ، مسار التقنين ، مسار الإنجاز ) ، مما يحدد عدة جوانب مهمة :
      1  _   السعي الحثيث نحو الكمال ، والحاجة إلى العطاء المتجدد .
      2  _   الخلق المتنامي ، والمفاضلة بين العناصر . 
       3  _  التبعية ، والعلاقات المختلفة بين العناصر . 
     إِنَّ خصائص اللغة العربية كالتوليد ، والاشتقاق ، والتصعيد ، وطريقة بناء أقسام الكلام فيها من اسم ، وفعل ، وحرف هي التي تصحح ، وتنظم النصوص ،  وتساعد على تطويرها ، وإذاعتها تبعا لأغراض المستعملين ، ونوع الاتصال بينهم ، وقد تزيد من دقتها ، ورقيها ، ومثاقفتها السوية تبعا لطريقة الاشتغال ، والقصد . يتنوع تعمير ، وعمل النصوص ، فتتنوع معه الفائدة ، والقصد ، وهو ما نسميه (( بالمحيط اللغوي )) ، وما يتحقق منه بالفعل يسمَّى ((  الشعاع اللغوي )) ، الذي يمثل نوعا من التراث اللغوي ، وقيمةً عملية . لا يمكن أن ننعت عملا ثقافيا بأنه يمثل (( محيطا لغويا )) ما لم تحصل من ورائه فائدة ، أو قصد معين ، لكن استفادة العناصر ، والمساهمين من هذا العمل يجعل منه محيطا متمكنا ، وكل مستوى يكتنفه العطب ، والانزياح ، والتشتت لا يمثل محيطا كافيًّا . 
      يَتَجَلَّى اشتغال اللغة العربية المعاصرة ، وتتبلور نوعيتها من خلال قيمتها الفعلية ، وقصدها . لذلك فإن ضعف هذا الاشتغال ، أو عدم وضوحه ، والتباسه بالنسبة لبعض المتلقين يبرز ضعف نسق الانتماء الثقافي المسير ، ويفسر تشتت اشتغال (( الشعاع النصي )) . 
     لَقَدْ تطورت عملية التلقي للغة العربية المعاصرة المعيار  standardنظرا لكثرة النظريات ، والفلسفات التأويلية ، والشروح للجوانب الخفية ، والميتافيزيقية الصالحة ، والمشرقة بناء على ما يحسه الفرد ، ويدركه من أفعال ، وتصرفات تمتطي فوق العقل ، وتتحرك بمعية الإحساس ، والحدس ، والاشتغال بالجسد ، فتكون المدارك جسمانية ، ودماغية يحكمها الخيال الذي ينتزع بعض الصور المحسوسة ، التي تخزنها الذاكرة لتوظيفها عند الضرورة . 
    يُوظِّفُ منتج اللغة العربية المعاصرة ، ومتلقيها خيالهما ليبنيا من خلاله جسرًا يربط بين المحسوس ، والمعقول ، ويستخرجا من النفس الصور الملائمة المدركة التي يقدمانها للحس المشترك  . تعرج عملية إبداع هذه اللغة ، وتلقيها معارج راقية ، فتحل المدركات العقلية محل المدركات الحسية بالاعتماد على الخيال كجسر رابط بين الطرفين ، مما يشكل (( رؤيا لغوية )) فعلية . يصنع الخيال الصور النابعة من العقل ليؤسس عن طريقها (( رؤيا إبداعية )) ، تتجاوز مخزون الذاكرة ، ومحفوظاتها (  5) . 
   تَتَمَيَّزُ (( الرؤيا الإبداعية )) في بعض مستويات اللغة العربية الثقافية ( نثرية ، شعرية ، سردية متنوعة ) بملامح فاصلة : 
        أ   _     قوة الانتباه ، والإدراك عند المساهمين . 
        ب   _   اللجوء إلى حالة الحس ، وانغماس النفس في عوارض الجسد . 
        ج   _  رسوخ (( الرؤيا الإبداعية )) في الذاكرة ، وعدم السهو ، أو النسيان . 
        د   _  تدفق ، وانطباع الإدراك النفسي بشكل يتخطى الزمن ، والترتيب . 
        ه   _  اشتمال (( الرؤيا الإبداعية )) في بعض مستويات العربية المتميزة على إيحاءات ، وانجازات استشرافية متفردة . 
    تَتَنَوَّعُ القرائن اللغوية بين المشبه ، والمشبه به في الأعمال العربية النثرية والشعرية ، حيث يرفض بعضها ، ويُفْرِطُ في استغلال بعضها الآخر تبعا لبعض السياقات ، والمقامات . تعتمد (( الرؤيا الإبداعية )) على بعض القوانين الاتفاقية التعاقبية :
      1   _     البروز النصي على المستوى الجمالي ، والفكري .
      2  _     المظهر الخلاق ، والاستشرافي . 
      3   _    الإيحاءات ، والإدراكات المتفردة . 
      تَعِيشُ اللغة العربية بين ظُهْرانينا ، وتمر بمراحل عمرية مثلنا . يتم تعمير (( كيانها )) ثقافيا عن طريق : 
   أ   _   الاعتماد على ظروف الإنتاج المحيطة ، والتماسك ، والتجدد بين العناصر .
   ب   _   المحافظة على تجدد نسق الانتماء الثقافي . 
  ج    _   الابتعاد عن الخلاف السطحي ، والتفرد ، و الانحراف ، والتفكك .
     تَصِلُ اللغة العربية إلى ذروة الإبداع ، والتقنين ، والإنجاز ، حينما تتجذر بين عناصرها البانية عمليات التطوير ، والتغيير ، والاستبدال الفعال ، فيتجدد نسق الانتماء الثقافي ، ويحصل التماسك ، والتفاعل بين المكونات components اللغوية ، وتبلغ الدَّوالُّ ، والمدلولات مقاصدها الهادفة ، وتتحقق (( اللذة اللغوية )) ، وهو ما يخدم المجتمع بالنسبة لكل مظاهر الحياة . 
     تعالج هذه اللغة حياة العرب اليومية : تربية الأطفال ، التسول ، الدفاع عن الوطن ، الوظائف ، الرواتب المتنوعة ، أنواع الرياضة ، الأزياء ، التجارة ، العمارة ، الاقتصاد ، الثقافة ، حقوق المرأة ، المطالعة ، المكتبات ، أنواع الإغاثة ، الصناعات المتنوعة ... تخضع معالجة هذه الموضوعات ، والقضايا إلى مسارات متنوعة من الإبداع ، والتقنين ، والإنجاز الهادف .     
   تَبْدُو مراحل تطور اللغة ، والبشر طبيعية جدا ، حيث تتقوى سلطة كل جانب من خلال الارتباط بأصل محدد ، وهو ما يفرض القوة ، والصراع من أجل البقاء . يبدأ النمو ضعيفا ، لكن يتم شد العضد ، والصلاح ، فتتسع السياقات ، والمظاهر ، كما أن حياة الناس ، والخطابات تتطور عن طريق الاهتمام بمظاهر أساسية :
    1   _     النمو المستمر ، والثقافة الراقية  .
   2  _     التنوع في الحياة ، والأشكال ، والسياقات ، والمقاصد .
   3  _     التلون في العادات اللغوية ، والإنسانية .
   4   _    الإتباع المقعد .
   5   _    المثاقفة للعامل المسيطر ، الغالب .  
     يَتَحَسَّنُ اشتغال اللغة العربية ، ويتطور عن طريق ضبط مسارات الإبداع ، والتقنين ، والإنجاز ، وهو ما ينشر التماسك بين عناصرها ، ويمنحها السلطة المعمِّرة ، والهادفة . يؤدي التنوع الحاصل داخل نسق الانتماء الثقافي بالنسبة لهذه اللغة إلى التعدد ، والقوة ، والارتباط بين الفروع ، واللواحق ، والإحالات على الأصول ، والجذور . لذلك فإن ضبط مسارات الإبداع ، والتقنين ، والإنجاز ، وتطورها يجعل اللغة العربية تتجه نحو الانتشار ، والخلق ، والرسوخ ، والتقعيد ، والاستشراف تبعا لعدة مراحل متعاقبة : 
      أ    _    مرحلة تجلي التراكيب ، والدلالات الوظيفية . 
      ب    _    مرحلة بروز السلطة ، وتوزيع المساهمات المتبادلة بين العناصر. 
     ج     _    مرحلة العطاء ، والانتشار .
      د  _    مرحلة الاكتفاء ، والتفاعل الثقافي .
      ه  _     مرحلة الخلق ، والاكتمال . 
     يتحقق أثر اللغة ، وفعاليتها بناء على قوة التماسك الحاصل بين التراكيب ، والدلالات ، ومسارات الإبداع ، والتقنين ، والانجاز ، وأصالة المرجعيات ، والإحالات المتنوعة . لذلك فإن سلطة اللغة ترتكز على تنوع في الفعل اللساني ، وترابط بين العناصر ، وتفاعلها ، مما يجعله يعالج عدة قضايا : سياسية اقتصادية ، اجتماعية ، فكرية ، موظفة في ذلك بنى صوتية ، وصرفية ، وتركيبية ، ومعجمية ، ودلالية . يبدو هذا الأمر جليا في لغة القرآن الكريم ، وقصص الأنبياء ، والسير ، وكتب التاريخ التي تتحدث عن الأمم العظيمة كالفراعنة ( 8 ) ، والهنود ، والإغريق ، والفرس ، والسريان ، والعرب ، وبعض الدول الغربية المعاصرة كالأمريكان ، والإنجليز ، والفرنسيين ، والألمان ، والإيطاليين وغيرهم.















المراجع 
1  _    نصر أبوزيد ، مفهوم النص ، الهيئة المصرية العامة ، ط 1 ، 1990 ، ص 97 . 
2  _  أدونيس ، النص القرآني ، وآفاق الكتابة ، دار الآداب ، ط 1، 1993 ، ص 138 . 
3  _    خير البقاعي ( ترجمة ) ، دراسات في النص والتناص ، مركز الإنماء الحضاري ، ط 1 ، 1998 ، ص 86 وما بعدها . 
4  _    هنريش بليت ، البلاغة والأسلوبية ، ترجمة محمد العمري ، دار أفريقيا الشرق ، ط 1 ، 1999 ،   ص 65   .
5   _    فان ديك ، النص والسياق ، استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي ، ترجمة عبد القادر قنيني ، دار أفريقيا الشرق ، ط 1 ، 2000 ، ص 67 ، وما بعدها .
 6   _  عبد الرحمان بن خلدون ، مقدمة ابن خلدون ، دار صادر ، بيروت ، ط 1 ، 2000 ، ص 428 ، وما بعدها . 
7    _ ج . براون ، ج . يول ، تحليل الخطاب ، ترجمة محمد الزليطني ، منير التريكي ، ط 1 نشر جامعة الملك سعود ، الرياض 1997 ، ص 124  وما بعدها. 
8  _   يمثل هذا العمل قسما صغيرا من مشروع الباحث المستقبلي ( النسق النصي المعمم ، نحو دراسة سيكونصية وسوسيونصية للمكونات البلاغية العربية ) . لقد تمت الاستفادة هنا بطريقة استشرافية من كتاب ( مقدمة ابن خلدون ) ، ط  1 ، نشر دار صادر، بيروت ، عام 2000 .