سلمان حاج إبراهيم
دقت الشيخة موزا بنت ناصر رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم ناقوس الخطر بشأن التراجع الذي تشهده اللغة العربية في عقر دارها نتيجة الاغتراب اللغوي الذي تعيشه الأجيال الحالية التي وصلت إلى التخاطب بلغات أجنبية داخل البيت.
وأضافت «إنه إذا ما تم تكريس هذا الواقع (واقع تراجع اللغة العربية عند الأطفال) فإن المستقبل الذي يمثلونه سيشهد غربة العربية، وستكون الهوية في مهب الريح، بعد أن تخسر حصنها اللغوي، فالأمم تتحصن بلغاتها قبل أي شيء آخر والعربية بالنسبة إلينا، كما وصفها العقاد، هي «الهوية الواقية».
جاء ذلك في كلمة ألقتها الشيخة موزا في افتتاح الدورة الثانية لمنتدى النهوض باللغة العربية «التنشئة اللغوية للطفل العربي الواقع وآفاق المستقبل»،الذي تنظمه المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية وهي عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع الذي ترعاه.
وبمزيد من الحسرة على حال لغة الضاد أكدت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم «أننا، في الوطن العربي، لم نستثمر التقدم العلمي الهائل، وتحديدا في مجالات التعليم والمعلوماتية والاتصالات والإعلام، في تنمية التنشئة اللغوية وتركنا أطفالنا يستخدمون لغات أخرى حتى في مخاطبة أولياء أمورهم». وشددت على أن ما حدث ويحدث هو إخفاق في احتواء المستجدات وأن الاستخدام السلبي لتقنيات التواصل أدى إلى الإضرار باللغة العربية كثيرا وأدخل شبابنا في رطانة لغوية إلكترونية. مبدية حزنها أن تكون عربية الأطفال قبل حوالي عدة عقود أفضل من عربيتهم في الوقت الحاضر.
وفي تحليلها لمسببات الأمر أكدت الشيخة موزا أن المشكلة تفاقمت عبر تراكم أسباب إشكالية من بينها: «تراجع الاهتمام الأسري باللغة العربية، وضعف مناهج وطرائق تدريسها، وانحسارها في البرامج التلفزيونية واستبدالها باللهجات العامية، وعزوف الأطفال عن قراءة أدب الطفل بسبب الميل نحو الألعاب الإلكترونية ووسائل الترفيه الحديثة عموما».
وأوضحت رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر «أنه إذا ما اتفقنا على دقة وسلامة التشخيص، فإن تحديد العلاج ليس صعبا طالما توفرت رؤية للمعالجة… ولكي ننجح في التأثير والتغيير نحتاج إلى استنهاض وحشد إرادة عربية رسمية ونخبوية وشعبوية على مستويات تشريعية وتعليمية وثقافية وإعلامية بغية الشروع في الإجراءات الكفيلة بحماية اللغة العربية والنهوض بها».
وفي إطار العمل على تحريك المياه الراكدة وتجاوز حالة الجمود قام معهد قطر لعلوم الحوسبة في تطوير العديد من البرامج، وخصوصا برنامج تحويل الكلام المنطوق إلى نص مكتوب وبرنامج تحليل التغريدات العربية، فضلا عن برنامج معالجة اللغة العربية الكترونيا، وهي برامج طموحة وواعدة من شأنها المساهمة في إثراء المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية ولتعود بالفائدة على الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر استخداما للشبكة.
وتتطلع المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية لإطلاق مشاريع محورية تهدف لخدمة أبناء المهاجرين العرب في البلدان الأجنبية.
ويأتي المسعى انطلاقا من كون التحدي الثقافي الأكبر الذي واجهته الأسرة العربية في الغرب يتمحور حول الحفاظ على الهوية في سبيل دعم الأجيال العربية المهاجرة في حماية هويتها.
وقال الدكتور علي أحمد الكبيسي، المدير العام للمنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية وعضو مجلس الأمناء، «ناقش المؤتمر قضايا متنوعة حول تنشئة الطفل العربي لغويا والدور الذي يمكن أن تقوم به بيئات التنشئة المتنوعة كالأسرة والروضة والمدرسة والإعلام والمحيط الاجتماعي، وتعالج الحلقات النقاشية وورش العمل سائر نواحي التنشئة اللغوية للطفل العربي، وذلك في إطار مقاربة شاملة تسمح بتقديم توصيات عملية يمكن تطبيقها في تطوير المناهج التدريسية ووسائل الإعلام، بغية تحقيق أفضل النتائج في مجال تعليم اللغة العربية وتعلمها في مرحلة الطفولة خاصة».
ويستضيف المؤتمر نحو 300 باحث ومدرّس ومهتم بالشؤون التربوية، وذلك في إطار ثلاث حلقات نقاشية تم خلالها الطرق «واقع التنشئة اللغوية للطفل العربي»، و«الإنتاج الإعلامي الخاص بالطفل العربي»، و«بدائل المستقبل»، إضافة إلى أربع ورش عمل هي «تنمية المهارات اللغوية عند الطفل»، و«الكتابة الإبداعية للطفل»، و«برامج الأطفال في الإذاعة والتلفزيون»، و«التقنيات الحديثة ولغة الطفل».
القدس العربي