محمد العربي ولد خليفة : اللغة العربية في الجزائر اقترنت بكفاح التحرير

سمية سعادة

 تعرضت اللغة العربية في الجزائر إلى ضربات قاصمة من طرف الاحتلال الفرنسي الذي قرن انتصاره على الجزائريين بإضعاف لغتهم المستمدة من القرآن الكريم، إلا أن الجهود التي بذلها العلامة ابن باديس والشيخ البشير الإبراهيمي أضعفت كيد فرنسا وأخرجتها من الجزائر دون أن تقضي على اللغة العربية كما كانت تخطط، وبعد الاستقلال تضاعفت الجهود لإنزال اللغة العربية منزلتها الحقيقية، فأنشئ «المجلس الأعلى للغة العربية»، وهو هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية، يعمل على ترقية اللغة العربية، وللوقوف أكثر على مساعي هذا المجلس حاورت «المجتمع» رئيسه د. محمد العربي ولد خليفة. إلى أي مدى ساهم الاستعمار الفرنسي في هدم كيان اللغة العربية في الجزائر؟ - الاستعمار الفرنسي عمل منذ الوهلة الأولى على إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، ولعل ما يلخص سياسة فرنسا الاستعمارية هو ما قاله الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلال الجزائر: «إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم»، فعملوا بمختلف الطرق لطمس هوية الشعب الجزائري وفصله عن ماضيه، ليسهل ضمه وابتلاعه، فأصدروا قراراً يعتبر العربية لغة أجنبية، وجعلوا التعامل الإداري بالفرنسية، واستولوا على العديد من المدارس وحولوها إلى مكاتب إدارية وعسكرية، كما حوّلوا المساجد إلى كنائس، وقاموا بتشويه التاريخ الجزائري، وتدريس جغرافية وتاريخ فرنسا، والادعاء بأن الجزائر لا تاريخ لها، وهدف كل ذلك هو القضاء على العربية على المدى البعيد. التبعية للأجنبي واستعمال لغته < هل من علاقة بين التبعية للأجنبي واستعمال لغته على نطاق واسع؟ - إن اللغة ليست مجرد وسيلة للتخاطب والتواصل، بل هي أداة لنقل الثقافة، ولذا فإن الفرد يتأثر باللغة التي يتكلّمها، فينعكس ذلك على نمط تفكيره وتصوراته وسلوكه. ثم إن اللغة العربية مظلومة من أهلها الذين خذلوها بتخلفهم وضعف إرادتهم، وأحياناً بتناحرهم على قضايا هامشية زادتهم ضعفاً وتبعية، إن العالم العربي والإسلامي أقل مكانة وتقدماً مما كان عليه في القرن الرابع الهجري، وموقعه اليوم في ذيل خريطة المعرفة في العالم. < ما المعوقات الداخلية التي أدت إلى تدهور اللغة العربية في الجزائر؟ - إن التدمير والتخريب الذي تعرضت له الجزائر لأكثر من قرن، لا يمكن محو آثاره بسهولة، فكليات العلوم والتكنولوجيا والطب وعدد من المعاهد لا يتوافر لها مختصون في اللغة العربية، ولم تؤد طريقة تدريس المصطلحات العلمية على هامش المناهج والتطبيقات إلى أي نتيجة، لأسباب كثيرة، من بينها صعوبة تحول المكونين إلى العربية، عدم توافر الإرادة على المستوى الشخصي ولدى المؤسسات المكلفة بالتكوين العالي، ونحن نرى أن حسم هذه المسألة سيكون ممكناً وفق سياسة حازمة تقوم بالتمييز بين تعلم اللغات والتعليم باللغات الأجنبية، وبدون شك.. لقد اعترضت هذه المسيرة الكثير من الصعوبات وأحاطت بها صراعات سياسية. < هل تعتقد أن تجميد قانون اللغة العربية الذي تم في وقت سابق هو الذي أدى إلى تدهور العربية في الجزائر على هذا النحو الذي نراه اليوم؟ - للعلم أن الجزائر من أولى الدول العربية التي أصدرت مثل هذا القانون، ولها مجلس أعلى يشرف عليه رئيس الجمهورية شخصياً، والقول بتدهور العربية في الجزائر هو حكم انطباعي ومتسرع، إذ إن المعاملات الإدارية تُجرى بالعربية، ولا تقبل أية معاملة تحمل الختم الرسمي للدولة إذا كانت بلغة أجنبية، وتُجرى كل المداولات في المجالس المنتخبة من البلدية إلى المجلس التشريعي بالعربية وحدها، ويمثل قراء الصحافة المعربة الأغلبية الساحقة، كما أن النخبة المثقفة بالعربية أكدت تفوقها وحصلت على جوائز تقدير وعرفان من عدد من البلدان الشقيقة في الخليج والشام ومصر، وبعض من خبرائها يعملون هناك في الجامعات وفي عدد من الاختصاصات العلمية والتقنية. تعريب المصطلحات < هل فكرتم في تعريب المصطلحات الفرنسية المتداولة في ميدان الطب؟ - يعمل المجلس في إطار منهجيته على تذليل العقبات التي تواجه الإطارات والموظفين، وقد أعد مجموعة من الأدلة الخاصة بتسيير المجلس بخبراء جامعيين في علوم اللغة والمصطلحية وأطباء محبين للغة ويتقنونها، فأسس مجموعة عمل متخصصة مهمتها العمل على إصدار دليل المحادثة بين الطبيب والمريض. ولن يتحقق ذلك بدون إستراتيجية بعيدة المدى تستكمل تحرير الأرض بتحرير الإنسان من الانبهار بثقافة الآخر، والدوران حول مائدته واستهلاك ما يتناثر منها من فتات. < كيف يمكن إنصاف اللغة العربية ومعظم الماسكين بزمام الحكومة الجزائرية يستعملون اللغة الفرنسية؟ - إن العربية هي اللغة الوطنيّة والرسمية الجامعة والموحّدة لكلّ الجزائريين، والمواقف والآراء التي تظهر في بعض الصحف والمنشورات الأخرى لا يُعترف بها في إطار الدولة والمجتمع المدني. لقد استخدم بعض رواد الحركة الوطنية «الفرنسية» كسلاح ضد الفرنسيين في القرن الماضي، وخاصة أثناء الثورة الجزائرية (1954- 1962م) وبقي للفرنسية اعتبارها عند فصيل من النخبة والتكنوقراط الذين تلقوا التكوين في مجالات العلوم بالفرنسية. وفي الفضاء المغاربي بوجه عام، هناك تطابق بين العربية والإسلام وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لا يصدق عامة الناس أن هناك عربياً غير مسلم، وأن هناك مسلماً غير عربي. بين العربية والأمازيغية < أليس من الظلم أن يصرّح المسؤولون في الجزائر أنه لا فرق بين اللغتين العربية والأمازيغية، مع أن الأمازيغية هي عبارة عن لهجة وليست لغة؟ - إن الأمازيغية لغة يصنفها علماء اللسان في العائلة السامية الحامية، وتجاهل هذه الحقيقة التاريخية والراهنة خطأ يجب تصحيحه لكي لا يكون ذريعة للتدخل الأجنبي بدعوة حماية الألسنة المضطهدة. لقد كرس الدستور الجزائري العربية لغة وطنية ورسمية منذ فجر الاستقلال، وأعطى الأمازيغية في تعديله الأخير سنة 2002م وضعها الطبيعي، وأبعدها عن التلاعب السياسي، ولم يحدث في الجزائر أن وقع نزاع بين الأمازيغية والعربية، بل تعايشا في سلام، بل الكثير ممن خدموا اللغة العربية ينتمون إلى منطقة القبائل، وهي أيضاًً من بين المناطق التي تنتشر فيها زوايا تعلم القرآن والعربية، وحتى السبعينيات، كانت تكتب الأمازيغية بالحروف العربية، كما تدل على ذلك الوثائق الأهلية المتصلة بالزوايا، ومجالس «ثاجمعت» أي مجالس الحكماء أو العقلاء. < ما المجهودات التي يقوم بها المجلس الأعلى للغة العربية للحفاظ على هوية اللغة العربية في الجزائر؟ - لقد توجت مسيرة العمل على ترقية استعمال اللغة العربية في الجزائر بإصدار قانون تعميم وحماية وترقية اللغة العربية، وإنشاء هيئة استشارية تحت إشراف رئيس الجمهورية (المجلس الأعلى للغة العربية). ويعمل المجلس من خلال لجانه المتخصصة على تطبيق برنامج طموح وواقعي لترسيخ اللغة العربية، وتحبيب الجمهور في استعمالها. فقد نظم العديد من الندوات الوطنية والدولية لتكنولوجيا المعلومات والعربية في الإدارة الإلكترونية، وعمل على إعداد دليل مفصل للمعلوماتية ثلاثي (عربية، إنجليزية، فرنسية) موجه للباحثين في هذا الميدان، وهناك دليل آخر للمصطلحات والمفاهيم الخاصة بعلوم الطبيعة والفيزياء والكيمياء؛ بهدف توحيد المصطلحات والمفاهيم في نظامنا التربوي بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية. وفي إطار منهجيته في تحبيب اللغة العربية للجيل الجديد، نظم المجلس بالاشتراك مع وزارة التربية الوطنية مسابقات وطنية لتلاميذ الابتدائي والمتوسط في الإملاء ومهارات اللغة العربية، كما كرم التلاميذ المتفوقين في شهادة البكالوريا والحائزين على أعلى درجة في اللغة العربية، وفي مجال تشجيع الكتاب والمبدعين باللغة العربية والترجمة للغة العربية في مختلف المجالات، ينظم المجلس كل سنتين جائزة اللغة العربية، ففي هذه السنة حددت المجالات التالية: الطب، والصيدلة، وعلوم اللغة، والاقتصاد، والتاريخ إن اللغة - أي لغة - تعكس واقع مجتمعها، تتقدم بتقدمه وتتخلف بتخلفه، ولا ننسى أن العربية كانت حتى القرن الخامس الهجري لغة العصر والحداثة، فهي من أغنى لغات العالم، وقد حفظها القرآن الكريم، وعلينا أن نعيد لها مجدها باستيعاب التراكم المعرفي ونقله إلى العربية وفق إستراتيجية طويلة الأمد. < هل يخدم ترسيم الأمازيغية في الدستور الجزائري اللغة العربية؟ وكيف؟ - إن ترسيم اللغة الأمازيغية لا يعارض ولا يناقض المادة الثالثة من الدستور التي تنصّ على أن العربية هي اللغة الرسمية، هذا الأمر يتعلق بإضافة لغة أخرى وليس حذف أو تغيير شيء في محتوى المادة الثالثة من الدستور، كما أن المادة (178) من الدستور تمنع أي تعديل يخل بموقع اللغة العربية. وعندما نتحدث عن الأمازيغية لابد من التذكير بأنها لغة أصيلة في الجزائر، لم تفرض بحد السيف مثل الفرنسية، والإسلام لم يضطهد أو يحتقر اللغات الأصلية في كل العالم الإسلامي.

المجتمع