اللغة الأجنبية وتأثيرها على اللغة الفصحى
د. مي صالح نصر
عندما أصيب المجتمع العربي الإسلامي بصدمات الغزو والاستعمار المتتالية سعى إلى القضاء على جُل المراكز الإسلامية من كتاتيب ومدارس قرآنية وزوايا ومساجد وأصبح استعمال العربية ممنوعا ـ بالقوة ـ في كل مرافق الحياة بما فيها المدارس ومناهج التعليم حيث كان التعليم في البلاد المحتلة يتم باللغات الأجنبية؛ فنجد الإنجليزية في مصر والسودان والعراق والفرنسية في سوريا وتونس والجزائر والمغرب تنفيذا لمخططهم الأول ألا وهو تحطيم اللغة العربية الفصحى
ومن يُراجع الوثائق التي بدأت بها عملية الاحتلال البريطاني لمصر يكتشف أن أول أعمال الاحتلال هو وضع خطة لحطم اللغة العربية وقد بدأ ذلك واضحا في تقرير لورد دوفرين عام 1882م حين قال : ( إن أمل التقدم ضعيف ما دامت العامة تتعلم العربية الفصيحة ) وقد توالت هذه الحرب ليس في مصر وحدها بل في الأقطار العربية كلها وسعى إلى تحقيق أهدافه بعدة طرق منها :
تحويل أبجدية اللغات الإقليمية إلى اللاتينية وكانت تكتب أساسا بالعربية كما حدث في أندونيسيا وبعض بلاد أفريقيا وآسيا ، تقديم اللهجات واللغات المحلية وتشجيعها والدعوة إلى كتابابتها بالحروف اللاتينية . ابتعاث الطلاب إلى الغرب لدراسة لغاته ، وكان ذلك إيمانا بأن اللغة هي الوجه الثاني للفكر ، وأن من يجيد لغة لابد أن يعجب بتاريخها وفكرها ويصير له انتماء من نوع ما إلى هذه الأمة .
وكانت الحملة على الفصحى بحجج ضعيفة واهية منها صعوبة اللغة ومنها التفاوت بينها وبين العامية ، وكان فرض اللغات الأجنبية في مختلف الأقطار عاملا مهما في فرض ثقافته ووجهة نظر أهلها ومن يدرس تجارب التعليم الغربي في البلاد العربية يجد الولاء الواضح للنفوذ الأجنبي في البلاد العربية حيث اتنشرت لغتهم فأصبحت لغة الثقافة والحضارة التي يتباهى بها الجميع ؛ فغلبت الفصحى تداولا ومن مظاهر سيطرة اللغات الأجنبية والعولمة اللغوية : التداول باللغة الإنجليزية في الحياة اليومية
ـ كتابة لافتات المحلات التجارية باللغة الإنجليزية
ـ التراسل عبر الإنترنت والهواتف الخلوية باللغة الإنجليزية
ـ كتابة الإعلانات التجارية باللغة الإنجليزية
ـ اعتماد مسميات واختصارات إنجليزية لشركات وطنية (stc )
ـ اشتراط اتقان اللغة الإنجليزية في التوظيف
ـ كتابة قوائم الطعام في البلدان العربية بالإنجليزية
ـ استخدامها لغة رئيسة في التعليم الجامعي لا سيما في العلوم الطبيعية والطبية والحاسوب والعلوم والإدارة
ـ استخدامها لغة رئيسة في المدارس الخاصة تدرّس بها كل المقررات حتى التربية الوطنية !!
استخدامها في الإعلام
ـ كتابة الوصفات الطبية باللغة الإنجليزية في كل البلدان العربية وغير ذلك مما لا يعد ويحصى
وللحد من هذه السيطرة نقول أن مستقبل اللغة الفصحى وواقعها مرهون بأيدي أصحاب القرار في البلاد العربية وذلك عبر اتخاذ قرار مُلزم باستخدام العربية في المجالات الأساسية مما يجعل منها اللغة الأساسية للتواصل والتعليم بمختلف مراحله
كما يجب أن تنظم علاقة اللغة العربية مع اللغات الأجنبية وتحديد أدوار كل منهما بما يُجنّب الثنائية المُفقرة للغة العربية ، والعمل على تطوير طرائق وأساليب تدريس اللغة العربية في التعليم العام وتنمية قدرات التلاميذ على استخدام اللغة أداة طيعة للتعبير الوظيفي والإبداعي تحدثا وكتابة ثم العناية باللسانيات الحاسوبية بحثا وتطبيقا وتدريسا مما يساعد على استخدام الفصحى ودخولها المجتمع المعرفي وتحقيق التنمية البشرية والاهتمام بالقضايا النظرية والمنهجية في وضع المصطلحات وتأليف المعاجم المختصة والعامة بالإضافة إلى العناية بالترجمة العلمية والتكنولوجية تمشيا مع تدريس العلوم والتكنولوجيا باللغة العربية .
والعمل على إنشاء جمعيات أهلية للعناية باللغة العربية وتحبيبها للمواطنين والناشئة ثم
توجيه العناية إلى نشر اللغة العربية الفصحى للناطقين بغيرها من اللغات داخل الوطن الواحد وخارجه .
|