التركيبة العرقية والدينية في الجزائر
يعتبر معظم الجزائريين أنفسهم عرباً ويتحدثون اللهجة الجزائرية العامية العربية. والأقلية الكبيرة (25-30%) يتحدثون اللغة البربرية ويتميزون بإتباع التقاليد الثقافية التي كانت سائدةً قبل مجيء العرب. ينتشر البربر في مناطق عديدة من البلاد ويتحدثون لهجات مختلفة. يعتنق معظم الجزائريين تقريباً الدين الإسلامي، وهناك أقلية صغيرة من المسيحيين. منذ عام 1962، اختار بعض المستوطنين الأوروبيين البقاء في الجزائر، على غرار أقلية من اليهود. وبالقرب من مدينة تندوف الجنوبية الغربية، يعيش حوالي 160,000 نسمة من الصحراء الغربية في مخيمات للاجئين. أدى استمرار احتلال المغرب لهذه المستعمرة الإسبانية السابقة إلى جعل اللاجئين سكاناً شبه دائمين في الجزائر، الأمر الذي دعم مطالبتهم بالاستقلال. وفي السنوات الأخيرة، استقر أفراد من مختلف الدول الإفريقية الغربية في الجزائر، وذلك نتيجة محاولاتهم (الفاشلة) في الهجرة إلى أوروبا.
الهوية العربية
تعود أهمية اللغة والثقافة العربية إلى موجات الهجرة العربية من الشرق في الفترة الممتدة بين القرنين السابع والعاشر. وأدت فتوحات الجيوش القادمة من شبه الجزيرة العربية لنشر الإسلام إلى ارتباط وثيق بالتقاليد والأعراف السائدة في منطقة الشرق الأوسط. ومع اعتناق الدين الإسلامي، اعتمد عدد كبير من البربر اللغة والثقافة العربية أيضاً. كما أن العربية هي أيضاً لغة القرآن، وبالتالي كان لها مكانة خاصة. وكما هو عليه الحال في الدول العربية الأخرى، فإن اللغة العربية هي اللغة الرسمية المعتمدة في الحكومة ونظام التعليم والاتصالات الدولية والكتابة.
خلال فترة الاستعمار، كان السكان الأصليون يعتبرون "مسلمين ضمن فرنسا". وقد حدّ هذا التعريف من حقوقهم. لهذه الأسباب، اختار معظم قادة حركة الاستقلال التركيز على الهوية العربية الإسلامية. وبهذه الطريقة، عمدوا إلى وضع حدود فاصلة بين العرب من جهة والمستعمرين الفرنسيين واليهود من جهة أخرى. كما كان للتشديد على الهوية العربية أبعاد إقليمية، مما ربط صراع الحركة القومية الجزائرية بالتيار القومي العربي. وهذه كانت إيديولوجية زعماء مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي تولى السلطة عام 1952 وقاوم الاحتلال الغربي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بعد عام 1962، حاول قادة الجزائر المستقلة استخدام الهوية العربية كقاعدة للوحدة الوطنية في بلد لم يكن له وجود في السابق بالشكل الذي هو عليه اليوم ويعاني من اختلافات إقليمية. ومن وجهة النظر هذه، يمكن لسياسة "التعريب" رأب الصدع الكبير الناجم عن الانتماءات الإقليمية والطبقية. وكان من المتوقع أن تضع هذه السياسات حداً لهيمنة اللغة والثقافة الفرنسية، لكن لأن عدد الجزائريين الذين تلقوا تعليماً باللغة العربية خلال فترات الاستعمار كان قليلاً جداً، لم يكن هناك سوى عدد قليل من المعلمين المؤهلين لتلقين هذه اللغة في المدارس.
لطالما شكلت مسألة توحيد جميع الجزائريين على أساس تجانس اللغة معضلة. في الدرجة الأولى، اللهجة الجزائرية تختلف إلى حد كبير عن اللغة العربية التقليدية للقرآن واللغة العربية الفصحى المعاصرة. وينعكس تأثير ذلك في شعور الكثيرين، خاصة ممن يتمتعون بمستويات تعليمية أدنى ويعرّفون عن أنفسهم بأنهم عرب، بالحرمان نظراً إلى تشديد الدولة على لغة كانت تستخدم بشكل رئيسي في الكتابات والخطابات الرسمية.
واجهت سياسات التعريب مشاكل كبيرة على صعيد نظام التعليم. فقد ثبت صعوبة تحويل المنهاج بأكمله إلى اللغة العربية الفصحى وعكس تأثير اللغة الفرنسية كلغة تعليمية. فالعديد من الصحف والمنشورات الأخرى تصدر بالفرنسية، مع أن معظمها يستخدم اللغة العربية.
البربر
سكن البربر الأراضي التي تعرف اليوم بالجزائر قبل العرب بوقت طويل. يطلق البربر على أنفسهم أسم الأمازيغ (ربما تعني "الرجال الأحرار"). ويرجح أن اللغة البربرية أو الأمازيغية نشأت في منطقة الشرق الأوسط، على غرار اللغة العربية. تتألف جماعات الأمازيغ من سكان منطقة القبائل وجبال الأوراس وغيرها من المناطق في الشمال، بالإضافة إلى الطوارق في الصحراء الكبرى والأقلية الدينية في وادي مزاب. تتحدث هذه المجموعات لهجات أمازيغية مختلفة، والتي لم تكن سوى لغة محكية حتى وقت قريب. وفي الأزمنة الحديثة، أصبحت مكتوبة بأحرف عربية ولاتينية وأبجدية منفصلة يرجح أنها مشتقة من كتابات الطوارق.
كما كان للهوية واللغة والثقافة البربرية جانب سياسي هام. يعود أصل عدد كبير من زعماء حركة الاستقلال إلى منطقة القبائل التي يتحدث سكانها اللغة البربرية. فطالب البعض بالاعتراف بكافة التقاليد الثقافية المختلفة في المجتمع الجزائري. في المقابل، أدت سياسات التعريب بعد عام 1962 إلى إهمال اللغة والثقافة البربرية، إن لم يكن قمعها بشكل صريح. وأدت محاولات النظام لإنهاء السجال السياسي إلى تسييس المسائل "الثقافية". وفي أوائل الثمانينيات، بدأ تأثير الأسلمة يتضح، وبرزت حركة للاعتراف بالهوية البربرية. وأصبح تأثير هذه الأخيرة واضحاً في ما يعرف بـ "الربيع الأمازيغي" عام 1980، حيث ظهرت أعمال شغب إثر قيام الحكومة بإلغاء منتدى ثقافي. ومع بدء التحرر السياسي الذي لم يدم طويلاً عام 1989، كان الاعتراف بثقافة البربر قضية أساسية لحزبين سياسيين: جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، اللذين يعتمدان بشكل كبير على ناخبي منطقة القبائل، وبدرجة أقل المناطق التي يعيش فيها سكان يتحدثون اللغة البربرية. غير أن هذين الحزبين لم ينجحا في التحكم بالحركة الثقافية البربرية على صعيد القرى في المنطقة نفسها. أما الاضطراب الكبير الذي ظهر في منطقة القبائل عام 2001 فلم يكن متمحوراً حول الاعتراف باللغة والثقافة البربرية فحسب، وإنما أيضاً كان مرتكزاً على الوضع الاقتصادي الميؤوس منه، والذي اعتبرت الحكومة مسؤولة عنه، بالإضافة إلى عدم فعالية أحزاب المعارضة في إصلاح الوضع. وعلى الرغم من أعمال القمع التي تلت المظاهرات، شهدت سياسات الدولة المرتبطة بـ "القضية البربرية" تغييرات كبيرة خلال العقد الماضي. فقد تم الاعتراف باللغة الأمازيغية رسمياً كـ "لغة وطنية" عام 2002، وسُمح باستخدامها في الإعلام والتعليم.
|
|
|