تصريف الصيغة الثلاثية - 1

م. محمد يحيى كعدان

 في المقالين السابقين عرّفنا مفهومي الصرف والإعراب، ونوّهنا إلى أنّ الصرف مرتبط بالبنية التحتية، ويتم عبر إضافات أحرف محددة في مواقع محددة لصيغة ما، تؤدي هذه الإضافات إلى اشتقاقات للمعاني مقننة، تحافظ على معناها مهما تغيّرت الصيغة المضافة إليها. هذا دليل جديد على أنّ الأبجدية هي أبجدية معانٍ تجريدية ثابتة.  

نعرض لتصريف الصيغ الثلاثية الأحرف عبر كلمة ثلاثية ميَّزتها النظرية التقليدية، هي: فعل. بالتالي تنسحب تصاريف كافة الصيغ الثلاثية من الوزن " فعل " على تصريف هذه الصيغة.
الصيغة " فعل " (فاء، عين، لام): ( ف 01111 ) ، ( ع 10000 ) ، ( ل 10100 ) تعني:
(فيء) حضور عنصر معروف الشكل والصفة للمستمع باستقلال عن المتكلم (ليس كلاماً) لغيابه ( ف 01111 )، لعنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم باستقلال عن المستمع (لم يتحدّث المتكلم رغم وجوده) لغيابه ( ع 10000 )، لعنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم والمستمع معاً ( ل 10100 ).
في الصيغة " عل ": بداية نحن أمام عنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم والمستمع ( ل 10100 )، فهو عنصر مستقل تماماً عنهما، وهو أي عنصر غيرهما. 
عند الصياغة بالأداة ( ع 10000 )، يغيب المستمع أيضاً، ونصبح أمام عنصر غائب غير معروف الشكل والصفة للمتكلم فقط، فهو أي عنصر عدا المتكلم، ولكن من الصيغة السابقة (انظر مقالنا حرف العين).
أي أننا أمام كل ما تراه " عين " المتكلم (ع)، من العناصر المستقلة عن المتكلم والمستمع (ل). 
هذا يدل على العلَّة أو السبب، لغياب هذا العنصر وعدم المعرفة بشكله وصفته.
في قراءة أخرى للقوالب الرقمية للصيغة " عل ": نحن أمام عين المتكلم المتسبب في الصياغة ومنطلقها والفاعل فيها (ع)، من صيغة تضم طرفي الصياغة المتكلم والمستمع فقط (ل).
بتركيب الصيغة  ( ف 01111 )، مع الصيغة " عل "، نحصل على الصيغة: " فعل ". وتعني: معرفة المستمع فقط بشكل وصفة عنصر حاضر قد فاءَ (ف) هو عِلَّة أو سبب، كون هذه المعرفة خاصة بالمستمع فقط (ليست كلام متكلم لغيابه)، هذا يدل على أنّ العنصر يحضر بعيداً عن المتكلم وقريباً من المستمع. فالعنصر يفيء إلى المستمع.
نعبّر هنا عن أية صيغة لعنصر ما، هو عِلَّة (سبب) من فاعل، ويفيء هذا العنصر إلى المستمع، أي يكون حاضراً معه، ومعروفاً تماماً شكلاً وصفة له. 
منه نحن أمام أيّة صيغة لفعل، باعتبار أنّ المستمع وهو الطرف الآخر من الصيغة هو ساحة تطبيق صيغة الفعل، فالفعل يُطبّق عليه (يفيء إليه)، بالتالي يعرف شكله وصفته تماماً، وهو أي الفعل (ليس كلاماً) ينتج عن الفاعل (المتكلم). 

بإضافة حرف الألف ( ا 11111 ) بين فاء وعين الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فاعل ". وتعني:
فيء عنصر متآلف (فا) لعلّة (عل)، بما أنّ العنصر الذي فاء ( ف 01111 ) هو لعنصر متآلف (حسب الألف)، لعلّة. فنحن أمام مولّد الفعل (العِلّة) وهو اسم الفاعل أو المُعِلّ أو المُسبب.
أي حضور صيغة معروفة الشكل والصفة لدى (ذهنيّة) المستمع ليست كلاماً لغياب المتكلم ( ف 01111 )، هي تآلف العِلّة مع المتكلم والمستمع، بالتالي نحن أمام تعريف للفاعل.
الآن بإضافة حرف الألف ( ا 11111 ) بين عين ولام الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فعال ". وتعني:
وفق الدراسة ف(ع(ال)): فيء عنصر (ف) هو عين (ع) التعريف (الـ)، والعنصر الذي فاء ( ف 01111 ) هو عنصر عام مخصص (لتوفر الشكل والصفة)، أي هو بعض من كل، فإذا كان العنصر قابلاً للجمع يكون جمعاً، مثل: كبار، فعال، ..إلخ، وإذا لم يكن العنصر قابلاً للجمع يكون عامّاً، مثل: قتال، شراب، ..إلخ.
تُسَمّى الصيغة الناتجة " فعال " بالمصدر. والأمثلة التالية توضّح ما سبق (نذكّر أنّ الهمزة هي ألف متحرّكة):
زاد، زائد، زئاد - زود، زاود، زواد - زيد، زايد، زياد.
دار، دائر، دئار – دور، داور، دوار _ دير، داير، ديار.   

الصيغة " فعل " ليس ضرورياً أنْ تدلّ على الحدث، ويمكن أنْ تكون اسماً فتقبل التنوين (النون الساكنة). 
ويمكن وضع النون الساكنة ( ن 10010 ) كبادئة للصيغة فنحصل على الصيغة " نْفَعَل ". وتعني:
ندرس " نفعل " وفق ن(فعل): معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل عنصر غائب ( ن 10010 )، للصيغة " فعل "، أي نحن أمام فعل يعود فعله لعنصر عام غائب (مجهول)، مثل: نْكَتَبَ. (انظر مقال الأوزان 15).

بإضافة حرف التاء ( ت 01010 ) بين فاء وعين الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فْتَعَل ". وتعني:
ندرس " فتعل " وفق ف(ت(عل)): فيءٌ ( ف 01111 )، لعنصرٍ حضر متشكّلاً (عاماً) باستقلال عن المتكلم والمستمع ( ت 01010 )، لعِلّة (عل). 
نحن أمام تحضير فعل. لأنّ العِلّة تَحْضُر كشكلٍ عام وفق التاء، وتفيء. أي حضور صيغة معروفة الشكل والصفة لدى (ذهنيّة) المستمع ليست كلاماً لغياب المتكلم ( ف 01111 )، هي حضور صيغة عامة (شكل) مستقلة عن المتكلم والمستمع (ت)، للعِلّة. بالتالي هو تحضير عام (ت)، للصيغة عل، التي ليست كلاماً (ف). 
مثل: جْتَمَعَ، جْتَهَدَ، شْتَرَكَ، شْتَبَكَ، صْتَنَعَ (ليس صْطَنَعَ)، ضْتَرَب (ليس ضْطَربَ) صْتَحَرَ، نْتَشَرَ، سْتَبَقَ، ...إلخ.

بإضافة التاء كبادئة إلى صيغة اسم الفاعل، نحصل على " تَفَاعَل ". وتعني: تطبيق الصيغة على الفاعل وغيره.
أو تحضير عام ( ت 01010 )، لصيغة الفاعل. مثل: تنازل، تشارك، تبارك، تقاتل، ..إلخ.
واضح أنّ تشديد عين الوزن " فعل "، وهو مضاعفة الحرف في موقع العين، يعني التوكيد والمبالغة في الصيغة.
وبإضافة التاء كبادئة إلى صيغ التوكيد والمبالغة ، نحصل على " تَفَعَّل ". وتعني: التوكيد والمبالغة في تطبيق الصيغة على الفاعل. أو تحضير عام ( ت 01010 )، لصيغة التوكيد أو المبالغة. مثل: تنزّل، تشرّك، تبرّك، ..إلخ.
يمكن إضافة السين والتاء كبادئتين إلى الصيغة لنحصل على " سْتَفْعَل ". وتعني:
ندرس " ستفعل " وفق س(ت(فعل)): معرفة المتكلم فقط لصفة (غير متشكّل) عنصر غائب ( س 10001 )، لعنصرٍ حضر متشكّلاً (عاماً) باستقلال عن المتكلم والمستمع ( ت 01010 )، للصيغة (فعل).
هذا يدلّ على استحضار الفاعل للصيغة " فعل " بعد غيابها من الفاعلين حسب التاء، ومعرفته لصفتها حسب السين. 

بإضافة حرف الواو ( و 11010 ) بين فاء وعين الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فَوْعَل ". وتعني:
ندرس " فوعل " وفق ف(و(عل)): فيءٌ ( ف 01111 )، لعنصرٍ حضر متشكّلاً (عاماً) باستقلال عن المستمع فقط ( و 11010 )، لعِلّة (عل). مثل: فَوْتَر، جَوْرَب، قَوْلَب، ...إلخ.
حيث يتم ربط الصيغة بالفاعل. لأنّ العِلّة تَحْضُر كشكلٍ عام وفق الواو مستقلّة عن المستمع، وتفيء.
ينطبق التحليل السابق على عدد من تباديل الحركات المستخدمة في البنية الفوقية للصيغة. مثل: فُوْعِل.
الآن بإضافة حرف الواو ( و 11010 ) بين عين ولام الصيغة الوزن " فعل " نحصل على " فعول ". وتعني:
وفق الدراسة ف(ع(ول)): فيء عنصر (ف) هو عين (ع) الولاء للمتكلم والتوجه باتجاهه (ول) (انظر مقال: الأوزان 12). مثل: شغوف، عطوف، جهول، ..إلخ. وهي من صيغ المبالغة.

بإضافة الميم ( م 10011 ) كبادئة إلى الصيغة، نحصل على " مَفْعَل ". وتعني:
ندرس " مفعل " وفق م(فعل): معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل وصفة عنصر غائب ( م 10011 )، للصيغة " فعل "، أي نحن أمام فعل يعود فعله لعنصر معروف شكلاً وصفة وغائب (عادة هو أداة أو مصدر للصيغة)، مثل: مصنع، مقود، معمل، مبرد، منشأ ...إلخ.
نلاحظ من دراسة " نفعل " وفق ن(فعل) أعلاه، أنها تعني: معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل عنصر غائب ( ن 10010 )، للصيغة " فعل "، أي نحن أمام فعل يعود فعله لعنصر عام غائب (مجهول)، مثل: نْكَتَبَ.
والميم ( م 10011 ) تختلف عن النون ( ن 10010 ) فقط بمعرفة الصفة في الميم وبالتالي تمام المعرفة (شكلاً وصفة)، بينما في النون لا نعرف الصفة ونكون أمام شكل عام.
بإضافة الميم كبادئة إلى الصيغة " فعول " نحصل على " مَفْعُوْل ". وتعني: تطبيق الصيغة على مستقرّها، فنحن أمام اسم المفعول. مثل: مشغوف، معطوف، مجهول، ..إلخ.
بإضافة الميم ( م 10011 ) كبادئة إلى الصيغة " فْتَعَل "، نحصل على " مُفْتَعَل ". وتعني:
ندرس " مفتعل " وفق م(فتعل)، وتعني: معرفة المتكلم (باستقلال عن المستمع) بشكل وصفة عنصر غائب ( م 10011 )، للصيغة " فتعل "، أي نحن أمام الصيغة " فتعل " العائدة لعنصر معروف شكلاً وصفة للمتكلم، لكنه غائب (هو مصدر للصيغة). مثل: مُجْتَمَعَ، مُجْتَهِدَ، مُشْتَرَكَ، مُشْتَبِكَ، مُصْتَنَعَ (وليس مُصْطَنَعَ)، مُنْتَشِرَ، ...إلخ.
بإضافة الميم ( م 10011 ) كبادئة إلى الصيغة " تَفَعَّل "، نحصل على " مُتَفَعَّل ، مُتَفَعِّل ". 
وتعني: أننا أمام الصيغة " تفعّل " العائدة لعنصر معروف شكلاً وصفة للمتكلم، لكنه غائب (هو مصدر للصيغة). 
مثل: متنزّل، متشرّك، متبرّك، ..إلخ.
بإضافة الميم ( م 10011 ) كبادئة إلى الصيغة " سْتَفْعَل "، نحصل على " مُسْتَفْعَل ، مُسْتَفْعِل ". 
وتعني: أننا أمام الصيغة " ستفعل " العائدة لعنصر معروف شكلاً وصفة للمتكلم، لكنه غائب (هو مصدر للصيغة). مثل: مستفعل، مستدرك، مستخلص، مُسصْتَنَعَ (وليس مُسصْطَنَعَ)، ..إلخ.