ياسر الجنيد
اعتبر الأستاذ محمد السنوسي -مسؤول الترجمة مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم- أنّ ما جعل كتاب نقد الترجمة العربية للمؤلف علي نجيب إبراهيم فريداً من نوعه أنّ المؤلف هدف من خلاله بلورة تصور جديد حول نقد الترجمة العربية، بوصفه اختصاصاً مستقلاً يجب أن يمتلك جهازه الاصطلاحي، وأدواته المعرفية والمنهجية، المستنبطة من النصوص المترجمة؛ لذلك اعتمد الكتاب على دراسة عدد من الترجمات، وتحليلها لاستخلاص قواعد نقد الترجمة، وتقصي وظائف اللغة العامة، مع التركيز على الوظيفة الجمالية التي تتلازم درجاتها مع مستويات الصياغة.
وقد قسِّم الكتاب في ثلاثة فصول: "الأسلوب وأشكال الصياغة العربية، مستويات الصياغة وطبيعة النص المترجم، مستويات الصياغة وحدود نقد الترجمة"، حيث أكّد الفصل الأول على أهمية عدم اعتماد نقد الترجمة على الأفكار الجاهزة، حيث يجب أن يعيد إثارة أسئلة اللغة ومستوياتها في الكتابة، وكيف أن أسلوب الترجمة هو الذي يحدد طريقة صياغتها، تطوع الصياغة العربية الصياغة الأجنبية، بما يتناسب مع خصائصها.
واستعرض المؤلف عدة أمثلة للإشارة إلى طرق توليد الدلالات، والتي تنقسم إلى ما يقوم على المحسوس، وما يستند إلى توسيع المعنى، وما يكون مجرداً تحتل فيه الصورة حيزاً واسعاً، ثم لفت النظر إلى أن الترجمة إذا لم تنطو على أسلوب يحدد شكل صياغتها، ستكون مجرد نقل حرفي لا يخرج عن نسق العبارة الأجنبية، وسيؤثر ذلك بالسلب على انسياب القراءة، وبالمقابل يفضي الإفراط في تطويع الصياغة الأجنبية، إلى ذات الآثار السلبية الناتجة عن غياب الأسلوب.
وانتقل علي نجيب إلى الحديث عن خلفيات الصياغة العربية، وأشار إلى الركود الذي مرت به اللغة العربية مما أدى إلى تعثرها في بداية احتكاكها مع اللغات الأوربية الحديثة، وأوضح أمثلة لهذا التعثر، مستشهداً بترجمة الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" حيث سمى أمناء المكتبة ب"خُزّان ومباشرين يحفظونها" وسمى الطاولة "تختاه عريضة مستطيلة"، موضحاً أنّ حداثة اللغة بدأت من منتصف القرن التاسع عشر وشهدت تطورا ملحوظا على الأصعدة كافة.
وسلّط المؤلف الضوء في "الفصل الثاني" على مستويات الصياغة وطبيعة النص المترجم، فاستهل الفصل بالحديث عن الأسلوب وأنماط النصوص، وسرد أنواع متعددة من الأساليب، واستطرد المؤلف مؤكّداً أن التصنيف ضرورة منهجية لا غنى عنها في البحث النقدي، ومن هذا المنطلق تناول خمسة أنواع من النصوص مع تفرّعاتها، ودعم كلامه بالعديد من الأمثلة التي يزخر بها الفصل الثاني.
وحاول المؤلف في "الفصل الثالث" رسم معالم نقد الترجمة، وخصائص اللغة العربية، حيث تناول الخصائص الرئيسية للغة العربية بشكل مفصل، وفي نهاية الفصل الثالث تناول المؤلف ترجمة المصطلحات، حيث يشير إلى أنه بالرغم من عدم وجود علاقة ظاهرة بين مستويات الصياغة وعلم المصطلحات، إلا أنه من الضروري أن يتم صياغة المصطلح على مباني اللغة العربية، حتى لا يأتي ناشزاً عن إيقاع النص، وحتى لا يعيق الفهم ويجعل القارئ في حيرة من أمره، وانتقل بعد ذلك إلى عرض أربعة منظورات لترجمة المصطلحات.
ويمكننا القول بأنّ هذا الكتاب يتضمن تحليلاً مكثفا للعديد من النصوص المترجمة، متعمقاً في بحور اللغة وأساليب صياغتها وقواعدها، وهو بمثابة محاولة قيّمة من المؤلف لوضع أسس علم نقد الترجمة، ولكن يبقى الخيط رفيع جدا بين فكرة علم نقد الترجمة وفكرة التدقيق اللغوي للنصوص المترجمة.
أخبار السعودية