الصيغتان - أنْ ، إنْ - الخفيفتان

م. محمد يحيى كعدان

الصيغتان " أنْ ، إنْ " الخفيفتان:
 
يقول أبو القاسم المرادي في كتابه "الجنى الداني في حروف المعاني": 
" أَنْ المفتوحة الهمزة.. لفظ مشترك، يكون اسماً وحرفاً. فيكون اسماً في موضعين: أحدهما في قولهم: أنْ فعلتُ، بمعنى أنا. فهي هنا ضمير للمتكلم. وهي إحدى لغات أنا. والثاني في أنتَ وأخواته. فإنّ مذهب الجمهور أن الاسم هو أنْ، والتاء حرف خطاب. وقد تقدم ذكر ذلك.
وأما أنْ الحرفية فذكر لها بعض النحويين عشرة أقسام:
الأول: المصدرية. وهي من الحروف الموصولات، وتوصل بالفعل المتصرف، ماضياً، ومضارعاً، وأمراً. نحو: أعجبني أنْ فَعلتَ، ويعجبني أنْ تفعلَ، وأمرتُه بأنِ افعلْ. ونص سيبويه، وغيره، على وصلها بالأمر. واستدلوا، على أنها مع الأمر مصدرية، بدخول حرف الجر عليها.
قيل: ويضعف وصلها بالأمر لوجهين: أحدهما أنها إذا قُدرت مع الفعل بالمصدر فات معنى الأمر، والثاني أنه لا يوجد في كلامهم: يعجبني أنْ قمْ. ولو كانت توصل بالأمر لجاز ذلك، كما جاز في الماضي والمضارع. وجميع ما استدلوا به على أنها توصل بالأمر يَحتمل أن تكون التفسيرية. وأما ما حكى سيبويه من قولهم: كتبت إليه بأنْ قمْ، فالباء زائدة، مثلها في: لا يَقْرَأنَ بالسُّوَر. 
   قسيم بيت تمامه:
      هنَّ الحَرائرُ، لا رَبّاتُ أحمرةٍ ***** سُودُ المَحاجرِ، لا يَقْرَأنَ بالسُّوَرِ  
تنبيه.. أنْ المصدرية، هي إحدى نواصب الفعل المضارع. بل هي أمّ الباب. وتعمل ظاهرة ومضمرة، على تفصيل مذكور في باب إعراب الفعل. وذهب ابن الطاهر إلى: أنْ الناصبة للمضارع قسم، غير الداخلة على الماضي والأمر. وليس بصحيح.
الثاني: المخفَّفة من الثقيلة. وهي ثلاثية وضعاً، بخلاف التي قبلها. وأنْ المخفّفة تنصب الاسم وترفع الخبر، كأصلها. إلاّ أنّ اسمها منويّ، لا يبرز إلاّ في ضرورة، كقول الشاعر أبو بكر محمد بن أحمد الأنصاري:
     فلو أنْكِ، في يومِ الرَّخاءِ، سألتِني ***** طَلاقَكِ لم أبْخَلْ، وأنتِ صَديقُ
وأجاز بعضهم بروزه في غير الضرورة. ونقل عن البصريين. ولا يلزم كون اسمها المنويّ ضمير شأن، خلافاً لقوم. وقد قدر سيبويه في قوله تعالى أنْ يا إبراهيمُ، قد صَدَّقْتَ الرُّؤيا الصافّات 104-105، أنك يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا.
وخبر أنْ المخفّفة إمّا جملة اسمية، نحو وآخِرُ دَعْواهُم أنِ الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ يونس 10. وإمّا جملة فعلية مفصولة بقد، نحو وَنَعْلَمَ أنْ قد صَدَقْتَنا المائدة 113، أو حرف تنفيس، نحو عَلِمَ أنْ سيَكُونُ المزّمّل 20، أو حرف نفي، نحو عَلِمَ أنْ لنْ تُحْصُوهُ المزّمّل 20، أو لو، نحو تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أنْ لو كانُوا سبأ 14، مالم يكن الفعل غير متصرف أو دعاء، فلا يحتاج إلى فاصل، نحو وأنْ ليسَ للإنسانِ إلاّ ما سَعَى النجم 39، ونحو والخامِسةُ أنْ غَضِبَ اللهُ عليها النور 9. 
وندر عدم الفصل مع غيرهما، كقول الشاعر:
           عَلِمُوا أنْ يُؤَمَّلُونَ فَجادُوا ***** قَبْلَ أنْ يُسألُوا، بأعظَمِ سُؤْلِ
وفي جوازه، في الاختيار، خلاف.
تنبيه.. مذهب الكوفيين في أنْ المخفّفة أنها لا تعمل، لا في ظاهر ولا مضمر. وقد أجاز سيبويه أن تلغى لفظاً، وتقديراً، فلا يكون لها عمل.
واعلم أنّ أنْ المخفّفة من الحروف المصدرية. فإذا قيل "أن: المصدرية" فاللفظ صالح لأنْ الناصبة للفعل، ولأنْ المخففة. والفرق بينهما أنّ العامل إنْ كان فعل عِلْمٍ فهي مخففة، وإن كان فعل ظَنٍّ جاز الأمران، نحو وحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ المائدة 71. فمن جعلها الأولى نصب. ومن جعلها الثانية رفع. وإنْ كان غير ذلك فهي الناصبة للفعل، نحو والّذِي أَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي الشعراء 82، ونحو وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكُمْ البقرة 184. وإذا وليها مضارع مرفوع، وليس قبلها عِلْمٌ أو ظنٌّ، كقول الشاعر:
       أنْ تَقرآنِ على أسماءَ، ويْحَكُما ***** منِّي السَّلامَ، وألاّ تُشعِرا أحَدا 
وقراءة بعضهم لِمَنْ أرادَ أنْ يُتِمُّ الرَّضاعةَ البقرة 233، فمذهب البصريين أنها أنْ المصدرية، أُهملت حملاً على ما، أختها. ومذهب الكوفيين أنها المخفّفة.
الثالث: أنْ المفسِّرة. وهي التي يحسن في موضعها أيْ، وعلامتها أن تقع بعد جملة، فيها معنى القول، دون حروفه. نحو فأوْحَيْنا إليهِ أنِ اصْنَعِ الفُلْكَ المؤمنون 27. ولا تقع بعد صريح القول، خلافاً لبعضهم.
وإذا ولي أنْ الصالحة للتفسير مضارعٌ معه لا، نحو: أشرتُ إليه أنْ لا تفعل. جاز رفعه، وجزمه،  ونصبه. فرفْعه على جعل أنْ مفسِّرة، ولا نافية. وجزْمه على جعل لا ناهية. ونصْبه على جعل أنْ مصدرية، ولا نافية. وإن كان المضارع مثبتاً جاز رفعه ونصبه، بالاعتبارين.
تنبيه.. مذهب البصريين أنّ المفسِّرة قسم ثالث. ونُقل عن الكوفيين أنها عندهم المصدرية.
الرابع: أنْ الزائدة. وتطّرد زيادتها بعد لمّا، نحو فلمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ يوسف 96، وبين القسم ولو، كقول الشاعر:
         أما، واللهِ، أنْ لو كنتَ حُرّاً ***** وما بالحُرِّ أنتَ، ولا العَتِيقِ
ووقع لابن عصفور أنّ أنْ هذه حرف، يربط جملة القسم. وشذّ زيادتها بعد كاف التشبيه، في قول الشاعر علباء بن أرقم:
       فيوماً  تُوافينا ، بوجهٍ  مُقَسَّمٍ ***** كأنْ ظَبيةٍ، تَعطُو إلى وارِقِ السَّلَمْ 
في رواية من جرَّ.
ولا تعمل أنْ الزائدة شيئاً، وفائدة زيادتها التوكيد. وذهب الأخفش إلى أنها قد تنصب الفعل، وهي زائدة. واستدل بالسماع والقياس. أما السماع فقوله تعالى ومالَنا ألاّ نُقاتِلَ في سَبيلِ اللهِ البقرة 246، ومالكُمْ ألاّ تُنْفِقُوا الحديد 10 (يعني أنّ ألاّ هي: أنْ لا)، وأنْ في الآيتين زائدة، كقوله وما لَنا لا نُؤْمِنُ باللهِ المائدة 84. وأما القياس فهو أنَّ الزائد قد عمل، في نحو: ما جاءني من أحدٍ، وليس زيد بقائمٍ. ولا حجة له في ذلك. أما السماع فيحتمل أن تكون أنْ فيه مصدرية، دخلت بعد ما لنا، لتضمنه معنى: ما مَنَعَنا. وأما القياس فلأنّ حرف الجرّ الزائد مثل حرف الجرّ غير الزائد، في الاختصاص بما عمل فيه، بخلاف أنْ فإنها قد وليها الاسم، في قوله: كأنْ ظَبيةٍ، على رواية الجرّ.
تنبيه.. أنْ الزائدة ثنائية وضعاً، وليس أصلها مثقَّلة فخُفّفت، خلافاً لبعضهم. ولذلك لو سمِّي بها أُعربت كيدّ، وصُغِّرت أُنَيٌّ لا أُنَيْنٌ.
الخامس: أنْ تكون شرطية، تفيد المجازاة. ذهب إلى ذلك الكوفيون، في نحو: أمَّا أنتَ مُنطلقاً انطلقتُ. وجعلوا منه قوله تعالى أنْ تَضِلَّ إحْداهما فَتُذَكِّرَ البقرة 282. 
قالوا: ولذلك دخلت الفاء. وجعلوا منه قول الشاعر الفرزدق:
         أَتَجزَعُ أنْ أُذُنا قُتَيبةَ حُزَّتا ***** جِهاراً، ولم تَجزَعْ، لقَتلِ ابنِ خازمِ؟
ومنع ذلك البصريون، وتأوّلوا هذه الشواهد، على أنها المصدرية.
السادس: أن تكون نافية بمعنى لا. حكاه ابن مالك، عن بعض النحويين. وحكاه ابن السيِّد، عن أبي الحسن الهروي عن بعضهم، في قوله تعالى قُلْ: إنَّ الهُدَى هُدَى اللهِ أنْ يُؤْتَى أَحَدٌ آل عمران 73، أي: لا يؤتى أحد. قلت: ونقله بعضهم، في الآية، عن الفراء. والصحيح أنها لا تفيد النفي، وأنْ في الآية مصدرية. وفي إعرابها أوجه، ذكرتها في غير هذا الموضع. 
السابع: أنْ تكون بمعنى لئلا. جعل بعضهم من ذلك قوله تعالى يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ أنْ تَضِلُّوا النساء 176، أي: لئلاّ تضلّوا. ونحوه كثير. ومذهب البصريين أنّ ذلك على حذف مضاف، أي: كراهةَ أنْ تضلُّوا. وذهب قوم إلى أنه على حذف لا. وردّه المبرّد.
الثامن: أنْ تكون بمعنى إذ، مع الماضي. ذهب إلى ذلك بعض النحويين، وجعلوا منه قوله تعالى بَلْ عَجِبُوْا أنْ جاءَهُمْ ق 2. قيل: ومع المضارع أيضاً، كقوله تعالى أنْ تُؤْمِنوا باللهِ رَبِّكُم الممتحنة 1، أي: إذ آمنتم. وجعل بعضهم أنْ في قوله: أَتَجزَعُ أنْ أُذُنا  قُتَيبةَ حُزَّتا، بمعنى إذ. وهذا ليس بشيء. وأنْ في الآيتين مصدرية. وأمّا في البيت فهي عند الخليل مصدرية، وعند المبرّد مخفّفة.
التاسع: أنْ تكون بمعنى إنْ المخفّفة من الثقيلة. تقول: أنْ كانَ زيدٌ لعالماً، بمعنى: إنْ كان زيدٌ لعالماً. ولو دخل عليها فعل ناسخ لم تعلِّقه اللام بعدها، بل تُفتح. ذهب إلى ذلك أبو علي، وابن أبي العافية، في قوله، في الحديث " قد عَلِمْنا أنْ كنتَ لمؤمناً ". فعندهما أنَّ أنْ لا تكون في ذلك إلاّ مفتوحة، ولا تلزم اللام. وذهب الأخفش الأصغر، وابن الأخضر، إلى أنه لا يجوز فيها إلاّ الكسر، وتلزم اللام. وعليه أكثر نحاة بغداد.
العاشر: أنْ تكون جازمة. ذهب إلى ذلك بعض الكوفيين، وأبو عبيدة، واللّحياني. وحكى اللّحياني أنها لغة بني صُباح، من بني ضبَّة. وقال الرُّؤاسي: فصحاء العرب ينصبون بأنْ وأخواتها الفعلَ، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها. وقد أنشدوا على ذلك أبياتاً، منها قول الشاعر امرؤ القيس:
     إذا ما غَدَونا قال وِلدانُ قَومِنا ***** تَعالَوا، إلى أنْ يأتِنا الصَّيدُ، نَحْطِبِ
وقول الآخر جميل بثينة:
        أُحاذِرُ أنْ تَعلَمْ بها، فتَرُدَّها ***** فتَترُكَها ثِقْلاً، عليَّ، كما هيا 
وقد كنت نظمت لها ثمانية معان، في هذين البيتين:
        وأقسام أنْ  مفتوحةً  مَصدريّةٌ ***** وزائدةٌ ، أو مثلُ أيْ ، ومُخفَّفهْ
       ومعنى لئلا، ثمَّ لا، ثمَّ إذ، حَكَوا ***** وجازمةٌ أيضاً، فخُذْها بمَعرِفهْ 

إنْ المكسورة الهمزة.. حرف له سبعة أقْسام:
الأوّل: إنْ الشرطيّة. وهو حرف يجزم فعلين.
وشذّ إهمالهما، في قراءة طلحة فإمَّا تَرَيْنَ من البَشَرِ أحَداً مريم 26، ذكرها ابن جنيّ في المُحتَسَب. وفي الحديث "أن تعبدَ الله كأنَّكَ تَراهُ، فإنَّكَ إنْ لا تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ". ذكره ابن مالك. وإنْ الشرطيّة هي أُمُّ أدوات الشرط.
الثاني: إنْ المخفَّفة من الثقيلة. وفيها، بعد التخفيف، لغتان: الإهمال، والإعمال. والإهمال أشهر. وقد قُرئ، بالوجهين، قوله تعالى وإنْ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ هود 111. وهذه القراءة، ونَقْلُ سيبويه، حجةٌ على من أنكر الإعمال. فإذا أُعملتْ فحكمها حكم الثقيلة. وإذا أُلغيتْ جاز أن يليها الأسماء والأفعال. ولا يليها من الأفعال، إلاّ النواسخ، نحو وإنْ كانَتْ لَكَبيرةً البقرة 143. وندر قول  الشاعر:
        شلَّتْ يَمينُكَ، إنْ قَتَلتَ لمُسلِماً ***** وَجَبَتْ عليكَ عُقُوبةُ المُتعمِّدِ
وأجاز الأخفش القياس على هذا البيت، وتبعه ابن مالك. وتقدّم أنّ اللام الفارقة تلزم بعد إنْ هذه، إنْ خيف التباسها بالنافية. وذهب الكوفيون إلى أنّ إنْ هذه نافية، لا مخفّفة، واللام بعدها بمعنى إلاّ. وأجازوا دخولها على سائر الأفعال.
الثالث: إنْ النافية. وهي ضربان: عاملة، وغير عاملة. فالعاملة ترفع الاسم وتنصب الخبر. وفي هذا خلاف، منعه أكثر البصريين، وأجازه الكسائي، وأكثر الكوفيين، وابن السرّاج، والفارسي، وأبو الفتح، واختلف النقل عن سيبويه والمبرّد.
والصحيح جواز إعمالها، لثبوته نظماً ونثراً. فمن النثر قولهم: إنْ ذلك نافِعَكَ ولا ضارَّكَ. وإنْ أحدٌ خيراً من أحدٍ، إلاّ بالعافية. وقال أعرابي: إنّ قائماً. يريد: إنْ أنا قائماً. وعلى ذلك خرّج ابن جنيّ قراءة سعيد بن جبير إنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ، مِنْ دُونِ اللهِ، عِباداً أمثالَكُم الأعراف 194. ومن النظم قول الشاعر:   
             إنْ هُوَ مُستولياً على أحَدٍ ***** إلاّ على أضعَفِ المَجانِينِ 
أنشده الكسائي. وقول الآخر:
        إنِ المرءُ مَيْتاً، بانقِضاءِ حَياتِهِ ***** ولكنْ بأن يُبْغَى عليهِ، فَيُخْذَلا 
وقد تبيّن، بهذا، بطلان قول من خصّ ذلك بالضرورة، وقال: لم يأت منه إلاّ "إنْ هُوَ مُستولياً". وحكى بعض النحويين أنّ إعمالها لغة أهل العالية.
وغير العاملة كثير وجودها، في الكلام، كقوله تعالى إنِ الكافرُونَ إلاّ في غُرُورٍ الملك 20.
الرابع: إنْ الزائدة. وهي ضربان: كافّة، وغير كافَّة.
فالكافَّة بعد ما الحجازية نحو: ما إنْ زيدٌ قائمٌ. فإنْ في ذلك زائدة كافّة لما عن العمل. 
وذهب الكوفيون إلى أنها نافية. وهو فاسد.
وغير الكافّة في أربعة مواضع: أولها بعد ما الموصولة الاسمية، كقول الشاعر:
       يُرَجِّي المرءُ ما إنْ لا يَراهُ ***** وتَعرِضُ، دُونَ أدناهُ، الخُطُوبُ
وثانيها بعد ما المصدرية، كقول الشاعر المعلوط القريعي:
     ورَجِّ الفَتَى للخَيرِ، ما إنْ رأيتَهُ ***** على السِّنِّ، خيراً لا يَزالُ يَزيدُ
وثالثها بعد ألَا الاستفتاحية، كقول الشاعر:
      ألَا إنْ سَرَى لَيلِي، فبِتُّ كئيباً ***** أُحاذِرُ أنْ تَنأى النَّوى، بِغَضُوبا 
  (غضوب اسم امرأة)
ورابعها قبل مَدَّةِ الإنكار. قال سيبويه: سمعنا رجلاً من أهل البادية، قيل له: أتخرج إنْ أخصبت البادية؟ فقال: أأنا إنِيْهْ! منكراً أن يكون رأيه على خلاف الخروج.
الخامس: إنْ التي هي بقية إمّا. ذكر ذلك سيبويه، وجعل منه قول الشاعر  النمر بن تولب:
         سَقَتْهُ الرَّواعدُ مِن صَيِّفٍ ***** وإنْ من خَريفٍ فلن يَعْدَما 
قال: أراد: إما من خريفٍ. وقد خولف، في هذا البيت، فجعلها المبرّد وغيره شرطيّة. وهو أظهر، لعدم التكرار. وأبين منه قول الآخر دريد بن الصمّة:
        لقد كَذَبتْكَ نفْسُكَ، فاكذِبَنْها ***** فإنْ جَزَعاً، وإنْ إجمالَ صَبْرِ
أراد: فإمّا جَزَعاً وإمّا إجمالَ صبر. وفيه احتمال. وقال ابن مالك: إمّا مركّبة من إنْ و ما، وقد يُكتفى بإنْ.
السادس: إنْ التي بمعنى إذ. ذهب إلى ذلك قوم، في قوله تعالى وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، إنْ كنتُمْ مُؤمِنِين البقرة 278. قال: معناه. إذ كنتم. وقوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ المَسْجدَ الحَرامَ، إن شاءَ اللهُ الفتح 27. وقول النبي (ص): "وإنَّا، إنْ شاءَ اللهُ، بكم لاحقُونَ". ونحو هذه الأمثلة، مما الفعل فيه محقَّق الوقوع.
ومذهب المحققين أنّ إنْ، في هذه المواضع كلها، شرطية. وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن. ولم يثبت في اللغة أنّ إنْ بمعنى إذ. وأما قوله تعالى إنْ كنْتُمْ مُؤمِنِينَ البقرة 278، فقيل: إنْ فيه شرط محض، لأنها أُنزلت في ثقيف، وكان أول دخولهم في الإسلام. وإنْ قدّرنا الآية فيمن تقرر إيمانه فهو شرط مجازي على جهة المبالغة. كما تقول: إنْ كنتَ ولدي فأطِعْني.
وأما قوله تعالى إنْ شاءَ اللهُ الفتح 27. ففيه أقوال: أحدها أنّ ذلك تعليم لعباده، ليقولوا في عِداتهم مثل ذلك، متأدبين بأدب الله.
وقيل: هو استثناء من المَلَك المُخبِر للنبيّ (ص)، في منامه. فذكر الله مقالته، كما وقعت. حكاه ابن عطيّة، عن بعض المتأولين. وذكره الزمخشري. وقيل: المعنى: لتَدْخُلُنَّ جميعاً، إن شاء الله، ولم يمت أحد. وقيل: إنما استُثني من حيث أنّ كل واحد، من الناس، متى ردّ هذا الوعد إلى نفسه أمكن أنْ يتم فيه الوعد، وألاّ يتم. إذ قد يموت الإنسان، أو يمرض، أو يغيب. وقيل: الاستثناء معلَّق بقوله " آمِنِينَ ". قال ابن عطيّة: لا فرق بين الاستثناء من أجل الأمن، أو من أجل الدخول، لأن الله تعالى قد أخبر بهما، ووقعت الثقة بالأمرين. وقيل: هو حكاية، من الله، قولَ رسوله لأصحابه. ذكره السجاوندي. وقيل: لتدخلنّ بمشيئة الله، على عادة أهل السنّة لا على الشرط. وقيل: غير ذلك، مما لا تحقيق فيه.
وأمّا الحديث فقيل: الاستثناء فيه للتبرُّك. وقيل: هو راجع إلى اللُّحوق بهم، على الإيمان. وقيل غير هذا.
السابع: إنْ التي بمعنى قد. حكي عن الكسائي، في قوله تعالى فَذَكِّرْ، إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى الأعلى 9، أنه جعل إنْ بمعنى قد، أي: قد نفعت الذكرى. وقال بعضهم، في قوله تعالى إنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمفعُولاً الإسراء 108. إنها بمعنى قد. وليس بصحيح. وإنْ في الآية الأولى شرطية، وفي الثانية مخفّفة من الثقيلة.
وقد نظمت أقسام إنْ في هذين البيتين:
 وأقسامُ  إنْ  بالكسر  شَرطٌ  ،  زيادةٌ ***** ونفيٌ ، وتَخفيفٌ ،  فتَلزمُ  لامُها 
 وقد قيلَ: معنى إذ وإمّا، وقد حَكى الـ ***** ـكسائيُّ معنَى قد، وهذا تَمامُها ".

وجدنا تعريف النون القيم ( ن 10010 )، وتعني معرفة المتكلم فقط، بشكل العنصر الثاني الغائب. 
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: أنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكُمْ البقرة 184. 
ندرسها وفق المراحل: أ(ن(تصوموا خيرٌ لكم))، معتبرين أنّ الصيغة: تصوموا خيرٌ لكم، معروفة الصياغة والمعنى.
ذلك يعني (والله أعلم): تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما ( ا 11111 )، مع عنصرٍ غائب شكله العام معروف للمتكلم فقط ( ن 10010 )، وهو الصيغة: تصوموا خيرٌ لكم.
هذا يعني: التعريف نتيجة التآلف ( ا 11111 ) بعنصر غائب معروف الشكل للمتكلم فقط ( ن 10010 ). 
والفتح فوق الألف يعني أنّ التعريف أو التآلف حقيقي ومتجسّد (متشكّل).
وبالمقارنة مع الصيغة: أ(لـ(تصوموا خيرٌ لكم))، التي تعني: تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما ( ا 11111 )، مع عنصرٍ غائب غير معروف شكلاً ولا صفة للمتكلم وللمستمع معاً ( ل 10100 )، هو الصيغة: تصوموا خيرٌ لكم.
نرى أنّ " أن " تُفيد نقل التعريف من المتكلم إلى المستمع مع توصيفه. 
الآن لتكن الصيغة: إنْ تجتهد تنجح. تعني: تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما مع عنصر حاضر (أ)، لعنصرٍ غائب شكله العام معروف للمتكلم فقط ( ن 10010 )، هو الصيغة: تجتهد تنجح.
والكسر تحت الألف يعني أنّ التعريف أو التآلف، هو توصيف فقط، وغير متجسّد أو حقيقي.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: وآخِرُ دَعْواهُم أنِ الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ يونس 10. 
ندرسها وفق المراحل: وآخِرُ دَعْواهُم أ(نِ(الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ)). 
تعني (والله أعلم): وآخر دعواهم، الصيغة: الحَمدُ لِلهِ رَبّ العالَمِينَ، وهي شكلٌ غائب معروف للمتكلم فقط ( ن 10010 ) سبحانه وتعالى، ثم غدت حاضرة ومتآلفة مع المتكلم والمستمع معاً (أ).
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ أنْ تَضِلُّوا النساء 176. 
ندرسها وفق المراحل: يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ أ(نْ(تَضِلُّوا)). تعني (والله أعلم): يُبَيِّنُ اللهُ لكُمْ، الصيغة: تَضِلُّوا، وهي شكل غائب معروف للمتكلم فقط ( ن 10010 ) سبحانه وتعالى، ثم غدت حاضرة ومتآلفة مع المتكلم والمستمع (الذي هو أنتم) معاً ( أ 11111 ).
طبعاً إنّ تبيان الضلالة من قبل المتكلم للمستمع، يُفيد في تمكين المستمع من تجنّب هذه الضلالة إذا رغب بذلك، ولكنّه لا يمنعه عنها، بل هو تبيان فقط عبر التعريف الكامل بالتآلف. وهذا المعنى ليس كمعنى الصيغة " لئلا " الذي يتحدث عنه المرادي، والذي يفيد النفي باللام.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: إنْ كانَتْ لَكَبيرةً البقرة 143.  
ندرسها وفق المراحل: إ(ن(كانت لكبيرةً)). تعني (والله أعلم): 
تعريف المتكلم والمستمع أو تآلفهما مع عنصر حاضر ( إ 11111 )، لعنصرٍ غائب عام (شكل) معروف للمتكلم فقط ( ن 10010 )، هو الصيغة: كانت لكبيرةً.
والكسر تحت الألف يعني أنّ هذا التعريف أو التآلف توصيف فقط، وغير متجسّد أو حقيقي.
أي كونها كبيرة، ليس حقيقياً أو موضوعياً لعدم تجسّدها. فالآية الكريمة تقول وكذلكَ جعلناكُمْ أُمَّةً وسَطا لِتكونوا شُهداءَ على الناسِ ويكونَ الرسولُ عليكُمْ شَهيداً وما جَعَلنا القِبْلَةَ التي كُنتَ عليها إلاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسولَ مِمَّن يَنْقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وإنْ كانتْ لكَبيرةً إلاّ على الّذِينَ هَدى اللهُ وما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ إنَّ اللهَ بالناسِ لَرَؤوفٌ رحيمٌ.
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، إنْ كنتُمْ مُؤمِنِين البقرة 278.
ندرسها وفق المراحل: وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، إ(نْ(كنتُمْ مُؤمِنِين)). 
تعني (والله أعلم): وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا، والصيغة: كنتُمْ مُؤمِنِين، التي تم التآلف معها بعد أن كانت غائبة ومعروفة شكلاً للمتكلم فقط، هي صيغة توصيف فقط غير متجسّدة (الكسر تحت الألف)، وبالتالي هي احتمالية وليست حتمية في مفهومها. ومثلها في ذلك قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ المَسْجدَ الحَرامَ، إنْ شاءَ اللهُ الفتح 27. فقد لا يشاء الله ذلك الدخول.

الصيغة " نا " هي عكس الصيغة " أنْ ".
لنتأمل الصيغة التالية كمثال: رَجُلُنَا زيدٌ. ندرسها وفق المراحل:
رَجُلُ (ن(ا(زيدٌ ))). معتبرين أنّ الصيغتين: رجلُ، زيدٌ. معروفتا الصياغة والمعنى. يكون معنى الصيغة السابقة مع إبراز المعنى الجزئي للصيغة (نا) هو:
إنّ العنصر المُصاغ بالصيغة: رجل، وهو: ن (ا(زيدٌ))، عبارة عن شكل (عام) غائب معروف للمتكلم فقط ( ن 10010 ) (اختص بالمتكلم العام فقط)، لعنصرٍ متآلف مع المتكلم والمستمع ( ا 11111 )، هو الصيغة: زيد.