الألوان في اللغات القديمة

أشرف سعيد سيف النصر



اللون الأزرق في اللغات القديمة هل له علاقة بإعجاز لغة القرآن الكريم؟

إن الدراسات اللغوية والإنثربولوجية والأبستمولوجية لها أهمية كبيرة في العصر الحديث بشكل عام ، وعند اللغويين بشكل خاص. وقد اهتم علماء اللسانيات وعلماء الإنثربولوجيا بأمور كثيرة في اللغات عند الإنسان، سواء اللغات الحية أو اللغات الميتة، في المجتمعات البدائية أوالمتحضرة، واختلفوا واتفقوا ، قليلا وكثيرا. ومن الموضوعات التى أثارت البحث العلمي وأثرته الألوان في اللغات القديمة.

معظم الدراسات تذهب إلى أن اللون الأزرق لم يكن معروفا في اللغات القديمة فلم نجده في اللغة الهوميروسية في الإلياذة و الأودسة ، ولم نحصل عليه في الفيدا الهندية ولا في الكتاب المقددس ، ولا في القرآن الكريم . ذكر ذلك عالم اللسانيات الفذ ( غاي دويتشر) في كتابه عبرمنظار اللغة في الصفحة التاسعة والخمسين من النسخة المترجمة ، وفي الصفحة الثالثة والأربعين من النسخة الإنجليزية.

استوقفتنا هذه الإشارة إلى كتاب الله الكريم و حقيقة حق لي أن أتوقف هنا فعندما تكون لغة عالم اللغة الأم العبرية يستشهد فيما يستشهد به من ألسن باللسان العربي فهذا العالِم يهوديٌ يجيد العبرية ولكن ليس هذا ما استوقفني وإنما ورد إلى ذهني قوله تعالى: ((... ونحشر المجرمين يومئذ زرقا)) أية 102 سورة طه. وتواصلت مع المختصين من المشتغلين بالقرآن الكريم متسائلا هل ورد اللون الأزرق في القرآن الكريم في غير هذا الموضع ؟

وكانت الإجابة من المختصين وما توصلت إليه من خلال البحث لا إنما وردت في موضع واحد وهو المشار إليه آنفا في سورة طه. فكيف تعامل المفسرون مع كلمة ((زرقا)) في هذا الموضع؟ وهل عرف العرب قديما اللون الأزرق؟ وماذا عن زرقاء اليمامة ؟ وهل ورد اللون الأزرق في الشعر الجاهلي أو شعر صدر الإسلام؟

بالطبع حديثنا هنا لا ينفي وجود اللون الأزرق فهو قديم قدم السماء والبحر والشجر والزهر. وإنما حديثنا عن وجود مفهوم أو مصطلح معروف لدي الشعوب القديمة لهذا اللون ، ولا يخفى على شريف علمكم أن القرآن الكريم أحدث الكتب المشار إليها في هذا المقال فهو أحدث من الإلياذة والفيدا والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

المفسرون وموضع كلمة زرقا في سورة طه:

تفسير ابن جرير الطبري المتوفى 310هـ :(( قيل : الزرق في هذا الموضع: ما يظهر في أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الحشر ... وقيل أريد بذلك أنهم يحشرون عُميا.))

تفسير ابن كثير المتوفى 774هـ : ((...قيل معناه زُرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال.))

ومما قاله المفسرون أيضا : الزرقة هي لون كلون السماء إثر الغروب، وهو في جلد الإنسان قبيح يشبه لون الإصابة بحرق النار، وظاهر الكلام أن الزرقة لون أجسادهم.وقيل لون أعينهم لأن زرقة العين مكروهة عند العرب.

وبالعودة إلى جذر كلمة زرق في المعاجم العربية نجد له معانيَ في غاية التنويع و التعقيد.

إذن ما فهمه المفسرون أغلبهم أنه اللون الغامق القريب من السواد وليس الأزرق الصافي الناصع كلون السماء الصافية والبحر عند انعكاس السماء من خلاله.

إن كان كذلك فإن كلام غاي دويتشر عن عدم ذكر اللون الأزرق في القرآن مردود عليه ؛ بدليل الموضع الذي أشرنا إليه في سورة طه. وكذلك ورد عند امرئ القيس قبل نزول القرآن:

أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ

و إن كانت كلمة زرق هنا تعني السهام المسنونة إلا أنها تشي بمعرفة العرب هذا المصطلح.

نحن نؤمن أن هذا الكتاب من عند الله – عزّ وجلّ – وذكر اللون الأزرق هنا دليل إعجاز هذا الكتاب فهو مِن عند مَنْ علّم آدم الأسماء كلها.

أشرف سعيد سيف النصر