قصة عبور أسفار أهل الكتاب إلى لغة الضاد
أنتج اليهود والنصارى منذ القرون الأولى للإسلام وصولا إلى عصر النهضة مئات المخطوطات باللغة العربية للأسفار الكتابية المقدسة، لكن تلك الترجمات ظلت إلى وقت قريب مهملة لدى المؤرخين وعلماء "الكتاب المقدس".
وفي روايته لقصة هذه الترجمات يسلط كتاب "الإنجيل باللغة العربية-نصوص أهل الكتاب بلغة الإسلام" المزيد من الضوء على التحول الكبير والحاسم في الحياة الثقافية والدينية لليهود والنصارى الذين عاشوا في البلدان الناطقة باللغة العربية.
ويورد الكتاب أن نصوص الأسفار الكتابية في عصور ما قبل الإسلام كانت منتشرة شفويا في الأوساط العربية، وبعد ظهور الإسلام عمد اليهود والنصارى إلى ترجمة أسفار العهد القديم (المقرا) والعهد الجديد من العبرية واليونانية إلى اللغة العربية بغرض الاستخدام الشخصي.
ويضيف المؤلف، وهو سيدني غريفيث أستاذ الأدب واللغات السامية والمصرية القديمة بالجامعة الكاثوليكية الأميركية، ومجال اهتمامه الرئيسي هو المسيحية العربية والرهبنة السريانية في القرون الوسطى، والتداخل المسيحي الإسلامي والحوار بين الأديان أن العالم الإسلامي وابتداء من القرن التاسع الميلادي شهد تدفقا من الترجمات العربية.
"بدأت ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية في القرن الثامن الميلادي، في إطار حركة ترجمة شملت مجالات أخرى مثل الفلسفة والمنطق"
تفاعلات دينية وثقافية
وفي تقديمه للكتاب يقول المؤلف إنه يعرض إطارا مرجعيا جديدا للدور الذي كان لترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية في التفاعلات الدينية والثقافية بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. وتولت نشر الكتاب جامعة برينستون الأميركية الشهيرة، وظهرت طبعته الأولى (272 صفحة) في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
جاء الكتاب في سبعة فصول، خصص الفصل الأول وعنوانه "الإنجيل في المنطقة العربية ما قبل الإسلام" لتسليط الضوء على اليهود والمسيحيين الذين عاشوا في المنطقة العربية، ويتساءل: هل كانت لهم نسخهم الخاصة باللغة العربية من الكتاب المقدس؟ ما هي أوضاعهم؟ وما السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي كان سائدا في المنطقة العربية في ذلك الوقت؟ وأين موقعهم من ذلك السياق؟
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد حمل عنوان "الكتاب المقدس في القرآن الكريم" وتناول كل ما ورد في القرآن الكريم من إشارات لليهودية والمسيحية، وكذلك القصص والروايات المتعلقة بالأنبياء السابقين.
ويقول المؤلف في الفصل الثالث "الترجمات العربية الأولى للكتاب المقدس" إن اليهود والمسيحيين بدؤوا يترجمون الكتاب المقدس إلى العربية في القرن الثامن الميلادي، ضمن جهود عدة في خدمة أسفاره تأثر فيها أهل الكتاب بما عايشوه في تجربة جمع المسلمين للقرآن الكريم.
ويرى أنهم كانوا مدفوعين إلى ذلك بكثير من التطورات الثقافية التي شهدتها المنطقة، وكان من أهمها وأبرزها انتشار اللغة العربية في المناطق التي وصل إليها الإسلام في أعقاب الفتوحات.
"سيدني غريفيث:ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية كان لها دور في التفاعلات الدينية والثقافية بين اليهود والمسيحيين والمسلمين"
ترجمات وتحريف
وفي الفصل الرابع وعنوانه "الترجمات المسيحية الأولى للكتاب المقدس إلى اللغة العربية" يقول المؤلف إن ترجمة الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد) إلى اللغة العربية جاءت في سياق حركة الترجمة العامة التي نشطت بالمنطقة في القرن التاسع الميلادي، وشملت إلى جانب الكتاب المقدس مجالات أخرى مثل الفلسفة والمنطق.
أما في الفصل الخامس وعنوانه "الترجمات اليهودية للكتاب المقدس إلى اللغة العربية"، فيرى المؤلف أن بوادر تلك الترجمات ظهرت أيضا في القرن التاسع الميلادي، بعد وصول الإسلام إلى المجتمعات التي كانت تعيش فيها جاليات يهودية.
ويتناول المؤلف في الفصل السادس من الكتاب وهو بعنوان "المسلمون والكتاب المقدس باللغة العربية" اهتمام المسلمين بما جاء في هذا الكتاب، خاصة ما يرونه تحريفا للتعاليم الأصلية.
وفي الفصل الأخير من الكتاب بعنوان "تداخل النصوص"، يتطرق المؤلف لاهتمام المؤسسات اليهودية والمسيحية خارج المنطقة العربية بالترجمات العربية للكتاب المقدس، خاصة المؤسسات الكنسية مثل الفاتيكان، وهو الاهتمام الذي ظهرت بداياته في القرن السادس عشر الميلادي، خاصة من قبل المؤسسات التي كان لها اهتمام خاص بمنطقة الشرق الأوسط.
الجزيرة
|