الضمائر - 5
م. محمد يحيى كعدان
نتابع مقالنا في الضمائر عن الإشارة (انظر مقالاتنا السابقة عن الضمائر):
الصيغتان " هذا ، هذه ":
الصيغة " هذا "، نكتبها لفظاً " هاذا ".
الآن لتكن الصيغة " ها ":
يقول المرادي: " ها.. لفظ مشترك؛ يكون اسماً وحرفاً.
فإذا كان اسماً فله قسمان:
أحدهما: أنْ يكون اسم فعل بمعنى: خُذْ. وفيه لغات أُخر. والثاني: أنْ يكون ضميراً للغائبة، وهو واضح.
وإذا كان حرفاً فهو حرف تنبيه. ويطّرد في أربعة مواضع:
الأول: مع اسم الإشارة، نحو: هذا. ويكثر في المجرّد من الكاف، ويقل في المقرون بالكاف، كقول طرفة:
رأيتُ بَنِي غَبْراء لا يُنكِرُونَني ***** ولا أهلَ هذاكَ الطِّرافِ، المُمَدَّدِ
ويمتنع في المقرون بالكاف واللام، فلا يقال: هذالِكَ. لكثرة الزوائد.
الثاني: مع أيّ في النداء، نحو: يا أيّها الرجل. وحرف التنبيه لازم في هذا الموضع، لأنه كالصلة لأيّ، بسبب ما فاتها من الإضافة، ولذلك يقول المعربون فيه: ها، صلة وتنبيه.
الثالث: مع ضمير الرفع المنفصل، إذا كان مبتدأ مخبراً عنه باسم الإشارة. نحو: ها أنا ذا، وها أنتم أُولاء. وظاهر كلام ابن مالك أنّ ها الداخلة على الضمير هي التي كانت مع اسم الإشارة، وفصل بينهما بالضمير. قال: وفصلها من المجرّد بأنا وأخواته كثيرٌ، وبغيرها قليلٌ، وقد تُعاد بعد الفصل توكيداً. يعني في نحو: ها أنتم هؤلاء.
وكلام سيبويه يقتضي أنّ ها قد تدخل على الضمير، كما تدخل على اسم الإشارة، وليست مقدَّمة من تأخير. قال: وقد تكون ها في " ها أنت ذا " غيرَ مُقدَّمة، ولكنها تكون للتنبيه، بمنزلتها في هذا. يدل عل ذلك قوله تعالى }ها أنْتُمْ هؤُلاء{ آل عمران 66. فلو كانت ها المقدَّمة مصاحِبة أُولاء لم تُعَدْ. ويؤيد ما قاله سيبويه أنّ ها قد دخلت على الضمير، وليس خبره اسم إشارة. كقول الشاعر: " أبا حَكَمٍ ، ها أنتَ نَجْمٌ ، يُجالدُ "، قال بعضهم: وهو شاذ.
تنبيه.. يقال: ها أنا ذا، وها أنا هذا، وأنا هذا. وأكثرها الأول، ثم الثاني، ثم الثالث. وقال الفرّاء: لا يكادون يقولون: أنا هذا. وقد حكى أبو الخطاب، ويونس: أنا هذا، وهذا أنا.
الرابع: مع اسم الله في القسم، نحو: ها اللهِ. وفيه أربعة أوجه: قطع الهمزة، ووصلها، كلاهما مع إثبات ألف ها، وحذفها.
وهل الجرّ بـ ها، أو بحرف القسم المحذوف؟ خلافٌ، كما تقدم في الهمزة.
وقد جاء استعمال ها في غير هذه المواضع الأربعة، ولكنه قليل. كقول النابغة:
ها إنَّ عِذْرةٌ، إلاّ تكنْ نَفَعتْ ***** فإنَّ صاحبَها مُشارِكُ النَّكَدِ
وزعم بعضهم أنّ الأصل " إنّ هذي "، فقدم التنبيه، وفصل بـ إنَّ، كما قال زهير:
تَعَلَّمَنْ ها، لَعمْرُ اللهِ، ذا قَسَماً ***** فاقصِدْ بذَرْعِكَ، وانظُرْ: أينَ تَنْسَلِكُ؟
فصل بين التنبيه واسم الإشارة بالقسم.
وذكر صاحب رصف المباني أنّ ها قد تستعمل مفردة، فيقال ها بمعنى: تَنَبَّهْ. والله أعلم.".
أقول: تعريف الألف ( ا 11111 )، وتعني معرفة المتكلم والمستمع لشكل وصفة عنصر حاضر.
بينما تعريف الهاء ( ه 11011 )، وتعني معرفة المتكلم فقط لشكل وصفة عنصر حاضر.
لنتأمل الصيغ التالية كمثال: ها (زيد)، ها (أنا ذا)، ... إلخ. وتعني:
معرفة المتكلم فقط لشكل وصفة عنصر حاضر ( ه 11011 )، لعنصر حاضر متآلف مع المتكلم والمستمع ( ا 11111 )، هو الصيغة: زيد، أو: أنا ذا، أو ... إلخ. حسب تتمة الصيغة.
أي معرفة (انتباه) المتكلم فقط، لشكل وصفة عنصر حاضر (لقرب العنصر منه حقيقة أو حكماً، واهتدائه إليه أو ظهوره له)، من عنصر متآلف مع المتكلم والمستمع. أي يصحّ أن يكون قد خطر في ذهن المتكلم خاطر هو الصيغة " زيد " مثلاً، المتآلف والمعروف.
الآن لنتأمل الصيغة "هذه شجرة"، ونكتبها: " هاذه شجرة "، وندرسها وفق المراحل "ها(ذ(هـ (شجرة))".
الصياغة بالأداة " ذه شجرة " تعني: بداية اهتدى المتكلم للعنصر الحاضر " شجرة " ( هـ 11011 ) فعرف شكلها وصفتها تماماً باستقلال عن المستمع (الشريك في الصياغة)، ثم تم تذكير المستمع بعنصر غائب من ذلك ( ذ 00111 ). ثم تتم الصياغة مع عنصر موجود معروف للمتكلم (اهتدى له المتكلم) بواسطة الأداة "ها".
أي أنّ العنصر الحاضر الذي اهتدى له المتكلم من عنصر متآلف (ها)، هو العنصر الغائب الذي تم تذكير المستمع به من عنصر حاضر اهتدى له المتكلم بمعزل عن المستمع (ذه).
ملاحظة: يُستخدم الحرف ( د 11100 ) في اللهجة المصرية كثيراً للدلالة، فيقال مثلاً: " دَ زيدٌ ".
ملاحظة: يُستخدم في اللهجة السورية التعبير التالي كمثال: " هادا كتاب "، عوضاً عن " هاذا كتاب " وما سبق يعني:
أي أنّ الصياغة بالأداة " هادا " تعني: أنّ العنصر الحاضر الذي اهتدى له المتكلم من عنصر متآلف (ها)، هو العنصر الحاضر الذي تم الدلّ عليه من عنصر متآلف (دا).
نلاحظ في الصيغة السابقة وجوب إضافة الألف بعد الهاء، وإلا أصبحت: " هَدَا = هَدَى " عوضاً من " هادا "، ونحن بإضافة الألف نكون متأكدين نتيجة للتآلف من وصول معنى " دا " (الدلالة) لكل من المتكلم والمستمع معاً.
بينما الصياغة بالأداة " هذا " تعني: أنّ العنصر الحاضر الذي اهتدى له المتكلم من عنصر متآلف (ها)، هو العنصر الغائب الذي تم تذكير المستمع به من عنصر متآلف (ذا).
نلاحظ في الصيغة السابقة وجوب إضافة الألف بعد الهاء، وإلا أصبحت الصيغة: " هَذَا = هَذى " عوضاً من " هذا "، نحن بإضافة الألف نكون متأكدين نتيجة للتآلف من وصول معنى " ذا " لكل من المتكلم والمستمع معاً.
في الصيغة " هذى " يهتدي المتكلم فقط إلى معنى " ذا " وهو ما يذكره المستمع. فالمستمع هنا يهذي. أما في الصيغة " هذا " فيهتدي المتكلم فقط إلى التآلف مع " ذا "، وهو ما يعرفه المستمع، والتآلف يعني أنّ " ذا ": وهو ما يعرفه المستمع، قد بلغ المتكلم والمستمع معاً. فهو تذكير.
لتكن الصيغة " هذي " التي نكتبها لفظاً " هاذي ": نحن هنا نتحدّث عن اهتداء المتكلم على عنصر مألوف (ها)، هو ذِكر (ذال. ذيل يدلّ على ذيول عنصر، من ذكرى أو امتداد أو بقايا وغيرها)، لعنصر عام متجسّد (ينتسب إلى العنصر) أمام المتكلم والمستمع معاً ( ي 10110 ).
الآن لتكن الصيغة " هذان ": التي نكتبها حسب اللفظ "هاذان".
بداية لدينا العنصرٍ الغائب المعروف شكله العام للمتكلم فقط ( ن 10010 )، لكن نتيجة التركيب مع ( ا 11111 )، فإن هذا العنصر العام حتى يكون مألوفاً، هو ثنائي. ثم يتم تذكير المستمع بعنصر غائب ( ذ 00111 ). ثم تتم الصياغة مع عنصر موجود معروف للمتكلم (اهتدى له المتكلم) بواسطة الأداة "ها".
لتكن الصيغة " هاتان ":
بداية لدينا العنصرٍ الغائب المعروف شكله العام للمتكلم فقط ( ن 10010 )، لكن نتيجة التركيب مع ( ا 11111 )، فإن هذا العنصر العام حتى يكون مألوفاً، هو ثنائي. ثم يتم الحديث عن أنّ هذا العنصر الثنائي هو حاضر متجسّد وعام ومستقل عن المتكلم والمستمع ( ت 01010 )، أي هو ثنائي من العنصر الثالث الحاضر، وهذا يوافق المؤنث المثنّى. ثم تتم الصياغة مع عنصر موجود معروف للمتكلم (اهتدى له المتكلم) بواسطة الأداة "ها".
لتكن الصيغة " ذانك ":
الصيغة " ذان ": هي العنصر الغائب الذي يعرفه المستمع من عنصر متآلف (ذا) ( ذ 00111 ) ( ا 11111 )، لعنصر عام متشكّل ( ن 10010 ). وبالتالي هناك تذكير أو إشارة (ذ) إلى عنصر عام متآلف وبالتالي هو ثنائي (ان). وبتركيب (ذان) مع ( ك 10101 ) فإننا نشير إلى الثنائي (ذان) الشبيه (ك) وليس الأصل.
لتكن الصيغة " تانك ":
الصيغة " تان ": هي العنصر الثالث الحاضر المستقل ( ت 01010 ) وهو يناسب المؤنث، من عنصر متآلف عام (ان) ( ا 11111 ) ( ن 10010 ) هو ثنائي. وبتركيب (تان) مع ( ك 10101 ) فإننا نشير إلى الثنائي المؤنث (تان) الشبيه (ك) وليس الأصل.
الآن لتكن الصيغة " أولئك ": التي نكتبها حسب اللفظ " أُ لا إ ك ".
الصيغة " أُ لا إ ": هي تآلف ( أ 11111 )، لنفي ( ل 10100 ) ( ا 11111 ) مألوف ( إ 11111 ). أي هو يؤكّد التعميم المألوف. وبتركيب (أُ لا إ) مع ( ك 10101 ) فإننا نشير إلى العام المألوف الشبيه (ك) وليس الأصل.
لتكن الصيغتان " هؤلاء ، هؤلئك ": التي نكتبها حسب اللفظ " ها أُ لا إ ، ها أُ لا إ ك ".
وتفيد اهتداء المتكلم على عنصر مألوف (ها)، لتعميم مألوف (أُ لا إ)، لعنصر شبيه (ك) وليس أصلاً.
لتكن الصيغة " هناك ":
الصيغة " هنا ": هي العنصر الحاضر الذي اهتدى (هاءَ إلى المتكلم) إليه المتكلم ( هـ 11011 ) لعنصر عام غائب متجسّد ( ن 10010 ) لمتآلف ( ا 11111 ). وبتركيب (هنا) مع ( ك 10101 ) فإننا نشير إلى شبيه (ك) هنا وليس الأصل.
الآن لتكن الصيغة " هنالك ": وهي هنا غير معروف (مستقل) يخصّ ( ل 10100 )، لشبيه (ك) وليس أصلاً.
|