اللّسَانُ فِي الفِكْرِ العَرَبِيّ اللّغويّ

د. نوال بنت سيف البلوشية

 


 
حينما نسمع لفظة اللّسانيات يدلّنا الفكر ترجمةً ؛بأنّها الدّراسة العلميّة والموضوعيّة للسان البشريّ
وفق المجتمع الّذي يحتويه. وقدّ ورد لفظ اللّسان في القرآن الكريم باعتباره النّظام التّواصلي المتداول بين أفراد المجتمع البشريّ، في مواضعٍ عدّة منها:
في سورة إبراهيم/٤: " وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسانِ قومه ليبين لهم " ، وفي سورة الشّعراء/ ١٩٤-١٩٥: " لتكن من المنذرينَ بلسانٍ عربيّ مبين".

 واللّسان في جوهره أصوات والأصوات علامات مترابطة منسجمة في تكاملٍ منطقيٍّ رصين تُشكِّل  ما يُعرف بالبنية الصّوتيّة؛ الّتي تقترن بمدلولها لتحقيق العمليّة الإبلاغيّة عن طريق البنية التّركيبيّة.

وإذ نظرنا بنظرةٍ فاحصةٍ إلى التّراث الفكريّ العربيّ سنجد أغلب الدّارسين يستعملون اللّسان، باعتباره النّظام التّواصلي المشترك بين أفراد المجتمع في البيئة اللّغويّة المتجانسة،  فاللّسان في الفكر العربيّ هو موضوع الدّرس اللّغويّ، نجد ذلكَ واضحًا لدى أسلافنا رغم اختلاف مذاهبهم واتّجاهاتهم العلميّة في تناول العلوم.

 منهم ابن خُلدون صاحب المقدّمة، نجد مصطلح اللّسان عنده موضوعًا للدراسة العلميّة؛ إذ إنّه أفرد فصلاً في مقدّمته بعنوان " في علوم اللّسان العربيّ"، ثمّ أدرج تحت هذا العنوان " علم النّحو، علم اللّغة، علم البيان، علم الأدب"، كما عرّف اللّغة بقوله: " اعلم أنّ اللّغة في المتعارَفِ هي عبارة المتكلم عن مقصودهِ. وتلكَ العبارَةُ فعلٌ لسانيّ ناشيءٌ عن القصد بإفادةِ الكلام، فلا بدَّ أن تصيرَ ملَكَةً متقرِّرَةٌ في العضوِ الفاعلِ لها، وهو اللّسان. نلاحظ أنّ تحقيق اللّغة وأغراضها لدى ابن خُلدون لا يكون إلا بالعضو الفاعل لها وهو اللّسان.

وإذ تتبعت ما ورد عن ابن خُلدون في مقدّمته عن اللّسان، تجد يغلب استعماله للفظة " اللّسان"، ولا يستعمل لفظة اللّغة إلا قليلاً؛ لأنّه عرّف علم اللّغة بأنّه: " بيان الموضوعات اللّغويّة" أي ما وضعت له الألفاظ من الأشياء والمعاني، ويشير إلى أنّ سبب نشوء هذا العلم في الإسلام أيضًا الخشية من فساد ملكة اللّسان، بملابسه العجم ولغتهم، حتى دخل ذلك الفساد إلى موضوعات الألفاظ، فاحتاج العرب إلى حفظ الموضوعات اللّغويّة، بكتابتها وتدوين مفرداتها، خشية ذهابها، والجهل بالقرآن والحديث، وانفلات نصوصهما على الأفهام، فاجتهد أيّمة اللّسان في ذلك وأملوا، ودونوا الدّواوين وكان سابقهم الخليل بن أحمد الفراهيديّ.

وقد فرّق ابن خُلدون بين الوضع في اللّغة والاستعمال فقد يستعمل اللّفظ على العموم، ثمّ يستعمل على الخصوص بألفاظ أخرى مثل الأبيض لكلّ ما فيه بياض، ثمّ اختصّ الأبيض من الخيل بالأشهب، والأبيض من البشر بالأزهر، ومن الغنم بالأملح، حتى صار استعمال الأبيض في هذه المفردات لحنا، وخروجًا على استعمال العرب في لسانها.

نستنتج مما سبق :
• أنّ ابن خُلدون فرّق بين علوم اللّسان المعياريّة وقوانينها الكلّيّة، مثل النّحو، وفقه اللّغة الّذي يُعنى بوصف اللّغة وطرائق استعمالها.
• الألسن كلّها عند ابن خُلدون ملكات في اللّسان يعبر بها عن المعاني، ويتوقف جودتها وقصورها على رسوخها وتمامها.


المراجع:
ابن خلدون، عبد الرحمن  أبو زيد ولي الدّين (2004). مقدمة العلاّمة ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر. بيروت:  دار الفكر.

طالبي، ع. (2008). نظرات ابن خلدون في علوم اللسان العربي وصيرورته في المغرب. مجلة المجمع الجزائري للغة العربية - الجزائر، مج 3, ع 8 ، 73 - 129. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/287188

هيئة التحرير. (2014). ابن خلدون في علوم اللسان العربي و كون اللغة ملكة صناعية. مجلة تبين للدراسات الفكرية والثقافية - المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - قطر، مج 2, ع 7 ، 135 - 144. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/480731

دراج، أ. ع. (2001). التنمية المعجمية للفظ لسان في العربية و العبرية: دراسة مقارنة. علوم اللغة - مصر، مج 7, ع 1 ، 271 - 338. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/143357


حنون، ز. (2005). البحث الصوتي عند ابن جني في ضوء الدراسات الحديثة. وقائع الندوة العلمية : الأصوات والصواتم في اللسان العربي - وحدة بحث اللسانيات والنظم المعرفية المتصلة بها بكلية الآداب والعلوم الانسانية بصفاقس - تونس، صفاقس: كلية الآداب و العلوم الإنسانية. وحدة بحث اللسانيات و النظم المعرفية المتصلة بها، 103 - 124. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/625045