مشروع المركـز العربي للمصطلحات
د.عبدالله خلف العساف
يعاني استخدامنا للغة العربية اليوم من مشكلات أساسية تنعكس سلباً على استخدامنا الدقيق للمصطلحات . وتتسع هذه المشكلات لتشمل الجانب الاجتماعي (الممارسة الاجتماعية للغة)، والجانب التعليمي الرسمي (الكتاب، والمعلم ،والطالب)، والجانب الإعلامي (المرئي والمسموع والمقروء)، والباحث العربي الذي يمارس الجانب العلمي من اللغة.
ونعتقد أن إصلاح الخلل في المصطلح اللغوي وضبطه سيساهم في ردم الهوة بين اللغة العربية ومستخدميها في الممارسة الاجتماعية والتعليم والإعلام والبحث.
ولاصلاح الخلل في المصطلح اللغوي نرى ضرورة إنشاء مركز عربي للمصطلحات.
وسوف نقترح في هذه الوقفة خطّة عمل لجعل هذا المركز واقعاً ملموساً يلتزم بقراراته كافـة الكتاب والمعنيون بشؤون الكتابة والتأليف والبحث العلمي .
ونحن نرى أن تتبنى قرارإنشاء هذا المشروع جامعة الدول العربية باعتبارها الجهة المخولة لذلك، والمؤهلة لتنفيذه، وعليها - في هذه الحالة - أن تتبع الآتي:
أولاً- : البنية التحية للمركز: وتتضمن الآتي :
1- رصـد ميزانية مستقلة للمركز. ويجب أن تكون مصادر التمويل ثابتة موزعة على النحو التالي:
• المؤسّسات الحكومية الرسمية.
• القطاع الخاص والتبرعات.
• إنشاء وقف خاص بالمركز كالعقارات وسواها. فهو يزيد من إيرادات المركزإلى جانب الموارد السابقة، ويكون إلى جانب ذلك مصدر دعم مستمراً إذا ما توقفت مصادر الدخل الأخرى الحكومية أو الخاصة، فهو الضمان الأكيد لضمان عدم توقف المركز .
2- اختيار موقع محدد للمركز وإنشاء مجموعة من المباني عليه ، ويكون ذلك في إحدى العواصم العربية. ليس مهماً ما تكون العاصمة ؟ إذ يمكن أن يشمل الاختيار أياً من العواصم العربية بدءاً بالكويت في المشرق وانتهاء بالرباط في المغرب. ونحن نقترح أن يكون المركز في دولة قادرة على الإنفاق المالي .
3- تأسيس أقسام الاختصاصات كافة؛ تتم في هذه الأقسام دراسة المصطلحات التي تخص كل قسم ضمن أسس منهجية علمية وعدد محدد من السنوات . ولو فعلنا هذا نكون قد أسسنا لأول مرة باحثين متخصصين في علوم المصطلحات المتخصصة وقطعنا الطريق على العابثين بشأن المصطلح . من ذلك:
• قسم مصطلحات العلوم الطبية.
• قسم مصطلحات العلوم الصيدلانية.
• قسم مصطلحات العلوم الهندسية يضم أقسام : مصطلحات الهندسة الكهربائية والمدنية والميكانيكية والطيران والحاسب وغيرها .
• قسم مصطلحات العلوم الإنسانية يضم مصطلحات الآداب والقانون والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس ....
• قسم مصطلحات العلوم الطبيعية يضم مصطلحات (الرياضيات والفيرياء ةالكيمياء والعلوم الطبيعية ... .
• قسم مصطلحات العلوم الإدارية يضم مصطلحات الإدارة والمحاسبة والتسويق .....
4- يُشكّل للمركز كادر وظيفي مثله كمثل أي جامعة عربية ، ويُعيّن فيه أساتذه من الاختصاصات كافة. وتكون هناك هيئة استشارية عليا هي صاحبة القرار ، وهي الجامع بين كل الأقسام الأخرى . وهي مكوّنة من الاختصاصات كافة.
5- يُعيّن للمركز رئيس ، ووكلاء ، ومستشارون من جامعات عربية مختلفة ومجامع اللغة العربية .
6- دمج مجامع اللغة العربية ، واتحاد مجامع اللغة العربية بدمشق والقاهرة وعمان وبغداد ومكتب تنسيق التعريب بالرباط ومثيلاتها بالمركز ، أو على الأقـل ربط قرار تلك الجهات بالمركز مباشرة لتوحيد الجهود ، وليكون القرار قرار بناء المصطلح لجهة واحدة ، وليس لأكثر من جهة كما هو الواقع الحالي.
7- يكون للمركز موقع خاص على شبكة الإنترنت تُناقش فيه كافة الأمور المتعلقة بالمصطلـح من خلال إدارة موضوع ما، والرد على الأسئلة ، ونشر البحوث المتعلقة بالمصطلح ، ومتابعة المؤتمرات الخاصة بموضوع المصطلح ، ونشر القرارات التي تصدر عن إدارة المركز ، وما إلى ذلك . تُشرف على هذا الموقع لجنة متخصصة تقنياً وعلمياً على صعيد المصطلح . وتكون مهام هذه اللجنة التفرغ التام لهذا الموقع . وقصدُنا من وراء ذلك أن يأخذ موقع المركز الإلكتروني دوره الفعلي في خدمة المركز وأهدافه وألا يُهمل .
8- يكون للمركز محطة فضائية خاصّة به لمناقشة كل ما يتعلّق بالمصطلح . وتقام من خلالها ندوات دائمة تناقش قضايا المصطلح واللغة العربية بعامة. وتتابع من خلال هذه المحطة كل النشاطات المتعلقة بالمصطلح ، و بعض ما يتعلّق بذلك على الصعيد العالمي . ولابد من استخدام كافة وسائل التقنية الحديثة في إظهار الصورة وبناء الاستديوهات واستخدام الكاميرات ذات الدقة العالية لجذب المشاهد ووتفير متعة المشاهدة له قبل تلقيه المعلومة . ومعلوم أن الصورة تثبت في الذهن وتجذب أكثر من الفكرة المجردة .
9- يكون للمركز مجلتان : الأولى مجلة علمية شهرية أو فصلية محكمة تُنشر فيها البحوث المتعلقة بالمصطلح بعد تحكيمها ، أما المجلة الثانية فهي أسبوعية أو شهرية تتناول أخبار المركز ونشاطاته، والمؤتمرات وسوى ذلك.
ثانياً - : مهام المركز :
تكون مهام المركز على النحو التالي :
1- إصدار معاجم للمصطلحات في العلوم كافة .
2- توحيد المصطلحات؛ إذ لا يدخل إلى هذا المركز إلا المصطلحات المتفق عليها من المتخصصين، إلى جانب أن مثل هذا المركز يمكن أن يشرف على إنتاج المصطلحات المعرّبة والمترجمة والمولدة، وهو بذلك يضبط عملية التعدد في إنتاج المصطلحات ويوحدها .
3- إنتاج المصطلحات ونشرها. وهنا يمكن الإفادة من تجربة مجمع اللغة العربية بدمشق في مرحلة العشرينيات من القرن الماضي حين ساهم في إنتاج مصطلحات عربية من اللغة العربية مثل (قطار التي أطلقها علىtrain وكذلك هاتف على telphon وهكذا. ويمكن للقائمين على المركز أن يطلعوا على القواعد التي تم اتباعها في مجمع دمشق وتطويرها وإنتاج المصطلح من المفردات الأصيلة في اللغة العربية . فقد كان أهم مبدأ اعتمده مجمع دمشق أن تكون المفردة المرشحة لتكون مصطلحاً عربية قديمة مثل القطار الذي يدل على قافلة الإبل والهاتف وغيرهما .
4- توفير المصطلحات للباحثين في مجالات المعرفة المختلفة؛ بمعنى تأمين المصطلح الجاهز دائما لمن يحتاجه.
5- الإشراف على البحوث والمؤلفات العلمية بعامة والجامعية بخاصّة من جانب المصطلحات المستخدمة فيها بهدف البحث عن صيغة لتوحيدها ، إذ لا يتم نشر أي مؤلف جامعي حتى يُعرض على اللجنة المعنية في المركز التي سوف تسعى إلى توحيد مصطلحات هذا المؤلف قبل نشره ، ثم تعطي موافقتها بالطباعة والتداول . وهدف اللجنة هو هدف علمي لضبط الفوضى في المصطلحات ، وتزويد المؤلف العلمي بمصطلحات جديدة تم إنتاجها في المركز أو تم تعريبها أو ترجمتها عن طريقه، أو تم اعتمادها.
6- ربط هذا المركز بالمراكز الدولية للمصطلحات ليأخذ منها ما يستجد في المصطلح وما يتعلق به من قوانين جديدة ، وليعطيها ما لديه أيضاً ضمن الشكل المباشر للتفاعل. وإذا ما تم للمركز هذا التواصل فإن آفاقه ستتسع من المحلية إلى العالمية . إذ يمكن للباحث العربي الذي يتصل بهذا المركز المحلي أن يطلع على كل ما هو جديد في العالم يوما بيوم .
7- تشجيع البحث في المصطلح الفردي والجماعي، ورصد مكافآت للجهود المميزة في ذلك.
8- إقامة مؤتمر سنوي خاص بالمصطلح، يختص كل عام بموضوع محدد في واحد من فروع المعرفة المختلفة.
ثالثاً- : معايير المركز:
1- تكون للمركز شخصية اعتبارية مستقلة غير تابعة إلى أي جهة في أي دولة عربية مهما كانت؛ أي إن القرار الذي يصدر عن الهيئة الاستشارية للمركز قرار سيادي . وليس لأي جهة حكومية رسمية المشاركة في قبوله أو رفضه أو التأثير فيه . ولكن لكل تلك الجهات ، ومعها الباحثون ، ومن هم في حكمهم أن يناقشوا كل القرارات الصادرة عن المركز بهدف إغنائه ، وليس بهدف المشاركة في صنع القرار . والغاية من وراء مركزية قـرار هيئة المركز، واستقلاليته الوحدة ، وإبعاد المركز عن التجاذبات السياسية والمذهبية.
2- وضع ضوابط علمية لإنتاج المصطلحات، أعني أن يتم وضع المعايير الخاصة بإنتاج المصطلح أو تعريبه أو ترجمته من قبل لجان متخصصة معتمدة من الهيئة الاستشارية للمركز . ولكن لا بد لهذه الهيئة المكونة من جهات علمية متعددة الاختصاصات من وضع معايير للعناصر التي سوف تشارك في وضع المصطلح وتعريبه. فلابد من وضع معايير عامة لوضع المصطلح وضبطه ويجب تطبيقها على كافة المصطلحات . ولابد من وضع قوانين خاصة تنسجم وطبيعة مصطلحات كل علـم من العلوم ، وأن يكون فيها مرونة بحيث يمكن أن تتناسب والتطور الهائل في العلوم كافة وغزراة مصطلحاتها .
3- من تلك المعايير :
• لابد للذين سيعملون في المركز من التخصص في موضوع المصطلح في الهندسة أو الطب أو الآداب أو علم الاجتماع ، وغير ذلك .
• يتم إنتاج المصطلح بحسب الحاجة إليه.
• لابد من توفّر الخبرة؛ فلا يُعين في المركز سوى من له باع طويل في التدريس الجامعي، ونشر عدداً كبيراً من البحوث العلمية المحكمة في مجال تخصصه.
• الثقة . فيجب أن يكون الباحث ممن يوثق به، وسيرته العلمية والبحثية والاجتماعية تؤكد ذلك .
• إن الطموح واحد من أسباب اختيار الباحث في المركز؛ ففي العمل في مجال المصطلح علمٌ، وإبداع وخيال واسع، ودون أن يكون الباحث طموحاً لا يستطيع أن يدخل هذا المجال .
• اللغات الأجنبية: إن معرفة الباحث لغة أخرى أو أكثر تجعله مؤهلاً لكي يعرّب المصطلح ويترجمه وينتجه .
|
|
|