الشيخة بدور القاسمي: ثقافة دون ترجمة هي ثقافة بلا نوافذ

نضال حمّاد

 شهرزاد و "الأسطورة العالمية"


كما يقول العديد من المراقبين الدوليين قبيل انطلاق معرض فرانكفورت للكتاب، من الواضح أن حركة الترجمة آخذة في الازدهار في الصناعة العالمية، إذ نرى أنه تم إطلاق سلسلة هاري بوتر الروائية في الصين وكوريا الجنوبية للمرة الأولى في عالم الكتب الإلكترونية، كما نلاحظ كتاب "هيلو روبي" لليندا ليوكاس للأطفال يصدر في 19 لغة، وستصدر "أمازون كروسنغ" هذا العام 65 كتاباً في 16 لغة من 22 بلداً.

الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة "كلمات للنشر"، والمؤسس والرئيس الفخري لجمعية الناشرين الإماراتيين، ستتحدث في 18 أكتوبر في قمة الأسواق: القمة العالمية للنشر، بصفتها تمثل حلم الحضور المتنامي للعالم العربي الذي يشهد نمواً سريعاً في صناعة الكتاب الدولية.

وفي حديثنا عن الترجمة، التي يُعرّفها أحمد العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب بأنها قضية أساسية في التحضير لظهوره الخاص في قمة الأسواق، سألنا الشيخة بدور، لماذا أصبحت الترجمة أمراً مركزياً بالنسبة لعولمة صناعة الكتب؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للعالم العربي؟

بورتر أنديرسون:من جانب، لطالما كان معظمنا دائماً أكثر قرباً إلى الأدب المترجم مما كان يتوقع، أليس كذلك؟

الشيخة بدور القاسمي: لا أستطيع التفكير في أي شخص ممن أعرفهم، لم يستمتع بقراءة قصص "ألف ليلة وليلة"، لأنها مجموعة من الحكايات العالمية، التي هي في متناول الجميع تقريباً على هذا الكوكب، وذلك بفضل ترجمة هذه الحكايات إلى كل اللغات الرئيسة تقريباً. وبصرف النظر عن أصولنا واختلاف أجناسنا، ثمة أمور مشتركة كثيرة تجمعنا عند قراءة هذه القصص، فضلاً عن المتعة التي نعيشها مع التنوع البلاغي، من استعارات وتشبيهات، والتي تزخر بها هذه القصص والحكايات.

فالترجمة هي التي أوصلت شهرة كتاب "ألف ليلة وليلة" إلى ما هو عليه اليوم. ولو كان انتشار هذا الكتاب اقتصر على مساحته الجغرافية، وظل يدور في كنف الثقافة الأصلية الخاصة به، لما كنا جميعاً قد حصلنا على المتعة الكبيرة التي تحتويها قصصه وحكاياته. وهذا الشيء ذاته يصدق عن أعمال رموز الأدب العالميين مثل، على سبيل المثال لا الحصر، وليام شكسبير، وجبران خليل جبران، ودوستويفسكي، وجلال الدين الرومي، وفلوبير.

بورتر أنديرسون: وبطبيعة الحال، الترجمة ليست بالموضوع الجديد. فهي موجودة دوماً لأن عالم الرقميات الحديث جعل الوصول إليها سهلاً؟ 

الشيخة بدور القاسمي: لقد كانت حركة الترجمة دائماً فاعلة ونشطة، لأن مراكز المعرفة غيرت المواقع في التاريخ. من المسلم به أنها لم تكن بالنشاط ذاته التي هي عليه هذه الأيام، بفضل الابتكار التكنولوجي وسرعة وسهولة الوصول إلى المعلومات. ولكن، التكنولوجيا ليست هي السبب الوحيد في اكتساب الترجمة أهمية أكبر. فقد أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة جائزة بوكر توجهاً مهماً في مجال النشر، ما جعل القراء الدوليين يسعون إلى البحث عن كتابات أصلية ومميزة، وروايات أكثر تنوعاً.

ويظهر هذا التوجه جلياً في مبيعات الروايات المترجمة في المملكة المتحدة، الأدب الروائي المترجم الذي بات أكثر مبيعاً من الكتب المكتوبة أصلاً باللغة الإنجليزية، على الرغم من أن هذه الكتب قام على تأليفها عدد لا حصر له من جهابذة الكتّاب والمؤلفين، ممن يكتبون باللغة الإنجليزية.

أعتقد أن هذا التوجه يتسم بإيجابية كبيرة بالنسبة لنا كناشرين وللمؤلفين على حد سواء، خصوصاً في ضوء التغيير المثير، في الآونة الأخيرة، الذي أدخل على جائزة بوكر الأدبية الدولية، والتي تمنح على أساس أفضل رواية، وليس على أساس مجمل مؤلفات الكاتب وأعماله.

كما أنني أعتقد أن هذا التغيير الذي أدخل على واحدة من أكثر الجوائز المرموقة في العالم، ينبغي أن يشكل مصدر إلهام للناشرين والمؤلفين والمترجمين، لأنه يتيح فرصاً جديدة لكتب من كوريا الجنوبية، واليابان، والصين، وإندونيسيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ما يحفز بشكل كبير الكتّاب الناشئين (المبتدئين) من مختلف أنحاء العالم.

دعوة واضحة للناشرين العرب

بورتر أنديرسون: هل ترى سموكم وجود هذا النوع من الزخم في العالم العربي؟ 

الشيخة بدور القاسمي: إنه زخم جديد بالنسبة لصناعة النشر العربية. ويقدم التطور في اتجاهات القارئ المستهلك لدينا، فرصة لصناعتنا العربية، لزيادة حجم الكتب العربية المترجمة التي تصل إلى الأسواق العالمية، ويمكن أن نتخذ من إيطاليا وكوريا أمثلة طموحة للمنطقة العربية: فقد أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة جائزة بوكر الأدبية الدولية، أنه من العام 2001 إلى العام 2015، ارتفعت مبيعات كتب الأدب الإيطالي المترجمة من 7000 كتاب إلى 237.000 كتاب، في حين ارتفعت مبيعات الكتب الكورية المترجمة من 88 إلى 10191.

بورتر أنديرسون: تلك زيادات هائلة في مبيعات الكتب المترجمة.

الشيخة بدور القاسمي: ونحن بحاجة إلى اتخاذ جديلة من هذا الارتفاع العالمي للكتب الأصلية والأكثر تنوعاً، ونعتبر ذلك إشارة بدء. إنها دعوة إلى العمل والتحرك. يمكننا الاستفادة من هذا التوجه، وأعتقد أن تزايد شعبية كتب الأدب العالمي المترجم فرصة تحتم على قطاع النشر العربي ألاّ يُفوّتها.

يجب أن يكون التدويل المتزايد لصناعة النشر والتأليف، دعوة واضحة للناشرين العرب، والمؤلفين، والمترجمين، والوكلاء الأدبيين، حول أهمية تأمين صفقات حقوق ترجمة أجنبية والاستثمار في إصدارات لغة بديلة للكتب العربية.

بورتر أنديرسون: ولكن، أليس هناك ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بطلب واحتياج المستهلك؟ أيمكننا القول بأن الجمهور ليس في وضع يسمح له أو يؤهله تماماً للتعامل مع قدر كبير من الأعمال المترجمة التي نريده أن يقرأها؟

الشيخة بدور القاسمي: على الرغم من إطلاق العديد من المبادرات، والمنح، والجوائز التي تدعم الترجمة من اللغة العربية، لم ننجح بعد في ايصال أعمال عربية مترجمة إلى أيدي القراء الدوليين، التي تمكنت دول مثل إيطاليا وكوريا، والتي تواجه تحديات مماثلة، من القيام به من خلال الوصول إلى الأسواق العالمية.

لذلك، أظن أن من غير الواقع أن نلقي باللوم على هذا التوجه في ظل قلة الطلب للقارئ الدولي، وهذا هو انعكاس مباشر للتحديات التي نواجهها كمنطقة، في دعم مبيعات الرواية العربية المترجمة في سوق النشر العالمية. كصناعة، نحن بحاجة إلى تعزيز جهودنا لمواجهة تحديات العرض الرئيسية التي تحول دون وصول الأعمال العربية المترجمة إلى القراء الدوليين.

في الشارقة، أطلقنا، منذ بضع سنوات، الجهود لتعزيز وتشجيع ترجمة الكتب العربية إلى اللغة الإنجليزية، وغيرها من اللغات، وأطلقنا كثيراً من المبادرات بهذا الشأن.

بورتر أنديرسون: ماذا تفرض عليك تجربتك مع بعض هذه البرامج؟

الشيخة بدور القاسمي: إحدى هذه المبادرات، إطلاق معرض الشارقة الدولي للكتاب لبرنامج "مواعيد المتخصصين" الذي بدأ عمله في العام 2010، ومنذ إطلاق هذه المبادرة مهدت الطريق لعقد نحو 152 صفقة بين مختلف أصحاب المصلحة، وذوي العلاقة في صناعة النشر والترجمة، وحفزت عملية شراء وبيع حقوق الترجمة للكتب من العربية إلى لغات أخرى والعكس، للجماهير العالمية. 

وتشمل جلسات مبادرة مواعيد المتخصصين مجازات في مجال محترفي النشر من العرب والدوليين، وجلسات وجهاً لوجه، جنباً إلى جنب مع التواصل بين الناشرين والمؤلفين. هذا البرنامج مفتوح حالياً لاستخدامه من قبل محترفي حقوق النشر الدوليين، ممن لديهم لوائح حقوق الترجمة لإجراء عمليات شراء أو بيع، مع توفر الرغبة والاهتمام بتبادل العمل مع السوق العربية.

بورتر أنديرسون: هناك أيضاً منحة ترجمة مقدمة من معرض الشارقة الدولي للكتاب، أليس كذلك؟ 

الشيخة بدور القاسمي: في عام 2011، في الذكرى الـ 30 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، أطلقت الشارقة مبادرة بإنشاء مركز الشارقة الدولي للترجمة وحقوق الملكية الفكرية" ورصد لها 300،000 دولار أميركي لتعزيز حضور الترجمة في الثقافة العربية، ونقل روح الحضارة العربية والإسلامية إلى الثقافات الأخرى. اليوم، فقد تم توقيع ما لا يقل عن 104 عقود منح للترجمة وتم ترجمة 260 كتاباً في الأدب، والمذكرات، والتاريخ، والطبخ، وقصص الأطفال، وقصص الكبار، والشعر، والكتب العلمية؛ والأعداد آخذة في الارتفاع.

وقد تُرجمت هذه الكتب من اللغة العربية إلى مجموعة واسعة من اللغات، من بينها الإنجليزية، والتركية، والرومانية، والنرويجية، والفرنسية، وهذا تأكيد على هدفنا الأساسي من هذه المنحة، والتي تهدف إلى بناء جسور التفاهم، وتشجيع التواصل ما بين الثقافات، وتعزيز الاحترام بينها، وخلق فرص للحوار.

بورتر أنديرسون: وهناك جائزة جديدة، جائزة الشارقة للترجمة "ترجمان"، أليس كذلك؟ 

الشيخة بدور القاسمي: في العام الماضي، شهدت الشارقة إطلاق جائزة جديدة للترجمة، تصل قيمتها 2 مليون درهم (482.000 دولار)، برعاية شركة طيران العربية. وقد تم إنشاء جائزة الشارقة للترجمة "ترجمان" لتعزيز الثقافة واللغة العربية، وتحفيز الناشرين والمؤلفين والمترجمين، للاستثمار في هذا القطاع، وسيتم منح الجائزة لكتاب تتم ترجمته من اللغة العربية إلى أي لغة أخرى.

بورتر أنديرسون: تبدو هذه المبادرات نقطة انطلاق جيدة.

الشيخة بدور القاسمي: وأعتقد أن الشارقة عازمة على متابعة خلق المزيد من فرص الترجمة لتعيد ازدهارها في هذه المنطقة، ولكن هناك حاجة للمزيد. فإننا بحاجة إلى تطوير معايير صناعة الترجمة على نطاق واسع، لضمان الجودة على مستوى الصناعة، والاتساق، والقدرة التنافسية.

ويشكو الناشرون العرب من أن تكاليف الترجمة باهظة والمترجمين غالباً ما ينتجون نوعية ترجمة فيها تباين واختلاف ما يؤدي إلى تكاليف إضافية. ثمة حاجة ماسة لصناعة النشر العربية للاتفاق على معايير للترجمة، ليتسنى لنا الحصول على ترجمة عربية متناسقة وموحدة عند بيعها على مستوى دولي.

وسيلة سهلة  لكنها فاعلة

بورتر أنديرسون: لأنه، بطبيعة الحال، هناك اعتبارات ثقافية هنا. العالم "يقرأ" العالم العربي في كتبه.

الشيخة بدور القاسمي: نعم، إن فرصة الكتب العربية المترجمة ليست مجرد فرصة عمل فحسب، لكنها أيضاً فرصة لردم الهوة الثقافية، وتعزيز فهم التراث الثقافي العربي، وتشجيع الحوار بين الثقافات. ثقافة دون ترجمة، أو دون ترجمة كافية، هي ثقافة بلا نوافذ. وفي عصر التقدم التكنولوجيا السريع، فهمنا بعضها بعضاً يمكن أن يعتريه نقص مالم نضاعف جهودنا الرامية إلى تعزيز الترجمة الاحترافية وبناء نوافذ الأمل والاحترام بين جميع الثقافات.

الترجمة المهنية هي وسيلة سهلة لكنها قوية لخلق الوعي الثقافي، لأن الأعمال الأدبية تنتقل من خلال الترجمة إلى عوالم وثقافات مختلفة. لقد فتنا بالقصص والمعرفة القادمة من بعيد، وذلك بفضل الترجمة. من المهم، وهذا هو الوقت المناسب بالنسبة لنا، في العالم العربي، للاستثمار في جهود متعددة الأبعاد لترجمة ثقافتنا بدقة وإيصالها بشكل واضح لبقية العالم.

ولكن، أعتقد أن تدويل صناعة النشر وتداعي التصورات المسبقة، بأن القراء الدوليين يسيطرون على الكتب المترجمة، قد خلق زخماً قوياً لمنطقتنا لتعزيز ترجمة كتبنا بشكل فاعل.

القيام بذلك يعني اتخاذ خطوة مهمة إلى الأمام نحو مزيد من النجاح والتطور في صناعة النشر العربية.
 

الشارقة 24