التكنولوجيا الحديثة تهدد اللغة العربية بالاندثار

أحمد منصور

 قال الدكتور غسان سلامة، وزير اللبنانى السابق، وشخصية العام الثقافية لمعرض الشارقة الدولى للكتاب، إن هناك فارقا كبيرا بين ما يسمى الفكرة العربية، وما يمكن تسميته بالسياسة العروبية، وقال "الفكرة العربية فكرة حديثة  نشأت فى القرنين الماضيين فى بلاد الشام ومصر خصيصا، وانطلقت وقامت على أفكار بسيطة لكنها أفكار فى جوهرها ثورية لأنها ليست فقط فكرة حديثة، لكنها فكرة محدثة بمعنى أنها تسعى إلى تحديث المجتمعات العربية، هذه الفكرة تقوم على أفكار بسيطة أننا نتكلم لغة واحدة، لدينا تراث مشترك، لدينا عدد كبير من المرجعيات الفكرية نلتقى حولها ولدينا أيضا مستوى عال من التعاون، التعاون البسيط الذى ليس بحاجة إلى أى تدخل حكومى، بمعنى أن كتابا يصدر فى المغرب يمكن أن أشتريه فى معرض بالشارقة، أو أن أغنية تنطلق من بيروت تصبح مشهورة فى أى بلد عربى، أو أن فيلما مصريا يصبح معروفا فى كل العالم العربى، لأن هناك تواصلا عبر الحدود يتم بصورة تلقائية بسبب هذه المكونات المشتركة بيننا.

جاء ذلك خلال ندوة حول"الثقافة العروبية" ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولى للكتاب، الذى افتتحد الشيخ الدكتور سلطان القاشمى، أمس، ويستمر المعرض حتى 12 نوفمبر الجارى.

وأكد الدكتور غسان سلامة، على أن كل المحاولات الكثيرة، التى جرت فى القرن الماضى وبدايات هذا القرن لنبذ فكرة الوحدة العربية باءت بالفشل، لأن هذه الوحدة راسخة فى اللغة والثقافة والتواصل التلقائى عبر الحدود مهما كانت القرارات السياسية والتحولات الأيديولوجية، ثم هناك ما أسميته القومية العربية أو السياسة العروبية وهى محاولة الاستفادة من الفكرة العربية التى جرى توظيفها فى مشاريع سياسية لم تلاق النجاح الذى توقعه كثيرون، كان لها ساعة ذهبية فى الخمسينيات والستينيات  ثم تلاشت إلى حد كبير بسبب الخلافات التى عصفت بالبلاد العربية منذ ذلك الحين.

وأوضح "سلامة"، أن من أسوأ ما حدث فى الفترة الأخيرة هو الخلط بين الأمرين والقول أن فشل التكامل العربى أو التعاضد العربى أو التعاون السياسى العربى يؤدى أيضا إلى انتهاء أو اندثار الفترة العربية، مضيفا أن الثقافة العربية موحدة بطريقة صلبة لدرجة أنها تمكنت، لأنها تلقائية وشعبية وبطبيعتها عابرة للحدود بين الأقطار العربية تمكنت من أن تستمر وهذا المعرض برهان عليها، تمكنت أن تستمر رغم الاختلافات السياسية والحدود بين الأقطار، لأنها لم تنشأ بقرار حكومى لكى يلغيها قرار حكومى آخر، إنها نشأت بصورة طبيعية وتلقائية فى وسط أناس يتكلمون نفيس اللغة ولديهم نفس التراث.

وأضاف "سلامة"، إلى أن هذه النشأة لم تكن سياسية، فعندما قام البستانى واليازجى بوضع أول قواميس عربية وظهور الصحافة الشامية فى مصر، لقد نشأت ثقافية فى القرن التاسع عشر من خلال حركة النهضة العربية، ثم تسيست من خلال ساطع الحصرى والتيار الناصرى، أى بعد حوالى قرن من انطلاق الفكرة العربية كمعطى ثقافى تسيست فى منتصف القرن العشرين فى حين أنها انطلقت ثقافيا فى منتصف القرن التاسع عشر أى قبل هذا القرن.

وتابع، أن هناك حركات قومية وحركات دينية لهما مرجعيات مختلفة إلى حد ما، فالصراع سياسى، وهذا لا يمس الثقافة العربية، الثقافة العربية اليوم تهددها خلافات أخرى غير السياسيات العربية، الثقافة العربية متينة ومتأصلة فينا، وهى لغتنا، ولا أخاف عليها من تصارع الأيديولوجيات القومية والدينية ولا التحولات السياسية، أخاف عليها مثلا من الثورة التكنولوجية، نحن فى خضم ثورة تكنولوجية لا سابق لها، تعطى مفاعيل خطيرة لحياتنا اليومية من الهاتف إلى التليفزيون إلى الكمبيوتر وتخترع لغات جديدة افتراضية، هنا الخطر الكامن على تهميش الللغة العربية من هذه الثورة التكنولوجية ألا تكون جزءا من هذه الثورة.

وأكد الدكتور سلامة غسان،  على أن اللغة العربية لغة ثابتة ولا خوف عليها من السياسة، العرب لم يتفقوا على أمور سياسية منذ زمن طويل، إن لغتنا وثقافتنا لديها مناعة قوية جدا أمام الخلافات السياسية حتى حين نشتم بعضنا البعض نشتم باللغة العربية.

ولفت "سلامة"، أن كل ما يخاف منه هو تهميشها من خلال الثورة التكنولوجية الهائلة، كون مفاعيلها فى عقدين من الزمن أكبر من الثورة الصناعية فى قرنين من الزمان، فقد عملت على تسريع التواصل بين الناس وتخفيف كلفة هذا التواصل، ولأنها تمكنت من أن تفرض إلى حد كبير نوع من الارتباط بين اللغات فى شبه لغة عالمية وهذا قد يهمش اللغات التى لا تدخل فى صلب الثورة التكنولوجية، لذلك أعود وأؤكد أنه لا خوف على اللغة العربية وثقافتها من الخلافات السياسية لأنها منيع، لكن أخاف من تهميشها فى مجالات التدريس والكتب العلمية ومجالات التواصل الإفتراضى على مختلف وسائل التواصل الجديدة التى قد تكون أنتجت منتجات أخرى عند اللقاء بعد عام من الآن، وهذا التحدى تشهده معظم اللغات ما عدا اللغة الإنجليزية، اللغة الصينية والاسبانية والفرنسية وغيرها من اللغات باستثناء الإنجليزية تخاف من هذا الأمر، وعلينا نحن كعرب أن نتخوف من أن تؤدى الثورة التكنولوجية، إن أولادنا الآن يتكلمون نوعا من اللغة الإنجليزية الركيكة بديلا عن العربية حتى أصبحت لغتهم العربية ركيكة أيضا بسبب قلة الاستعمال فى وسائل الاتصال الحديث.  

وأكد الدكتور مصطفى الفقى أن اللغة لا يمكن أن تكون عائقا أمام مسيرة التقدم، ولا ينبغى أن ننسى أن اللغة هى هذه الأمة منذ فجر التاريخ وظهرت قوافل المفكرين والمخترعين والمكتشفين الذين أسهموا فى الحضارة الأوروبية، هل يمكن أن نقول أن اللغة الصينية سوف تكون حاجزا بين انطلاق الصين فى العالم، كلام غير دقيق على الإطلاق، لأن فكرة العروبة لابد أن يستقر فى أذهننا، وليست رداء نرتديه حين نشاء ونخلعه حين نريد، إنها هوية وقضية ثقافية بالدرجة الأولى، لذلك عندما كانوا يتكلمون عن عوامل قيام القومية العربية ويذكروا فيها الدين وغيره، كنت أرى فى ذلك نوع من الشطط، الأصل فى الفكرة القومية هو العامل الثقافى، وفى رأيى أن المشكلة الأساسية لدينا كعرب مشكلة ثقافية، وسلوك إنسانى، وقدرة على الاندماج فى المجتمع الحالى، ليست أبدا مشاكل سياسية أو اقتصادية، نحن أقمنا قمة اقتصادية عربية فلماذا لا تدعو إلى قمة ثقافية عربية خصوصا أن العامل الثقافى الآن هو عامل محورى فى العلاقات الدولية،. 

وتابع "الفقى" يكفى أن الثلاث أفكار الرئيسية التى صدرها الغرب إلينا فى العقدين الأخيرين ذات طابع ثقافى "العولمة، صراع الحضارات، والحرب على الإرهاب، هل نتخيل بن لادن فى الصحارى وجروج دابليو بوش فى البيت الأبيض، انظر للمسافة الفكرية، اختلاف ثقافى وسلوكى ومعرفى وفى الفهم، وبالتالى العامل الثقافى هو العامل الحكم فى العلاقات الدولية، العرب لديهم ثقافة ثرية ثراء كبيرا، ولغتهم العربية لغة طيعة، لكن هذا لم يؤد تاريخيا إلى الاندماج المطلوب، إن العرب من فرط ما لديهم من أسباب الاندماج والتقارب لا يتقاربون، وهذا غريب جدا، لقد حضرت اجتماعات للاتحاد الأوروبي، إنهم يتحدثون من خلال 11 كابينة ترجمة ومع ذلك هناك كيان اسمه الاتحاد الأوروبي، إننا لم نستطع حتى الآن أن نحدث نوعا من التكامل العربى، ومن ثم فهناك بالفعل فارق بين الفكرة العربية والسياسيات العروبية، هذه لن تجنى على هذه، تراجع التضامن والتعاون العربى المشترك لا يمكن أن يكون خصما من مفهوم الفكرة العربية، القومية العربية لم تكن قومية دينية.

وأما عن الصراع بين الدين والقومية، أشار الدكتور مصطفى الفقى، إلى أن المد الدينى فى المنطقة العربية كان على حساب المد القومى، وقد جرت محاولات للمصالحة لم تكن توفيقية بقدر ما كانت تلفيقية، لأنه لا يمكن أن يحدث هذا، انهار المد القومى بانهيار الناصرية وسقوط الأنظمة التحررية، حدثت ردة كبيرة فى المنطقة العربية، والذى ملأ الفراغ مباشرة هو التيار الدينى، وهنا مكمن الخطورة التى حدثت، لأنه خيل للبعض أن هزيمة 1967 كانت عقابا من الله على الاشتراكية وليسار والتقدمية، بالعكس طلب من الرئيس عبد الناصر ألا يظهر فى مناسبة عامة بعد نكسة 1967 إلا فى مناسبة دينية وفعلا اصطنعت مناسبة مولد السيد زينب رضى الله عنها ليظهر عبد الناصر كأنها عودة إلى الله. وهكذا بدأت تتم عملية الاحلال التدريجى للتيارات الدينية الاسلامية المتطرفة كبديل للتيار القومى الذى يجمع ولا يفرق بطبيعته. 

بينما رأى الدكتور صابر عرب، وزير الثقافة المصرى الأسبق، أن الثقافة العربية بمقوماتها الثقافية واللغوية والتراثية والدينية كانت دائما هى العمود والبنية الحاضنة الحصينة لهذه الثقافة العروبية، فالثقافة العربية يفهم أبناؤها لغة بعضهم البعض رغم اختلاف اللهجات، وتم الحفاظ على اللغة كوعاء ثقافى، وأظن أن من حفظ لنا هذه اللغة هو التراث الدينى ممثلا فى القرآن الكريم الذى يمثل عاملا أساسيا.
 

اليوم السابع