اللغة أداة التعبير الفكري ووسيلة التنمية الثقافية

ثناء عليان

 لغةٌ إذا وقَعَتْ على أسماعِنا
كانتْ لنا برداً على الأكْبادِ ‏
سَتَظَلُّ رابِطةً تُؤَلِّفُ بيننا ‏
فهي الرجاءُ لناطقٍ بالضَّادِ ‏

هذه هي اللغة العربية التي تُعد أقدم اللغات الحية على وجه الأرض التي يرجع الباحثون عمرها إلى أكثر من ألف وستمئة عام، انتشرت في معظم أرجاء المعمورة، وأصبحت لغة العلم والأدب والحضارة، والسياسة، واستطاعت أن تستوعب الحضارات المختلفة لارتباطها بعدد كبير من العلوم والآداب فهي العروة الوثقى التي تجمع الشعوب العربية والإسلامية.
قدرات لغوية
عن اللغة العربية وأهميتها ألقى الكاتب والباحث يوسف مصطفى مؤخراً محاضرة  في المركز الثقافي في صافيتا، بعنوان «اللغة العربية ودورها في النهوض الوطني والقومي» أشار فيها إلى أن اللغة العربية تحتل أهمية قصوى نظراً لتنوع العناصر في تكوينها، النفسي، والاجتماعي، والتاريخي، وعلاقتها بالفكر، فهي أداة التعبير الفكري ومستوياته في الوعي والإدراك والإبداع، وهي تتشعب إلى أشكال لسانية متعددة تهدف لتحقيق التواصل بين الأفراد، وإلى صياغة الإنتاج العلمي، والثقافي، والإبداع الأدبي والفني.
ويذكر الباحث مصطفى أن اللغة ووظائفها تتعرض لعدد من عوامل الاختلال في فترات الركود الثقافي، والضعف السياسي ما قد يؤثر في أصالتها وصفائها، لكنها استطاعت في فترات ازدهارها استيعاب تراث الفرس والهند والرومان، لافتاً إلى أن اللهجات المحلية على مستوى الوطن العربي كقنوات للتعبير أثرت في اللغة العربية الفصحى ودورها، كما أن مواقف المثقفين منها متوزعة بين الدعوة إلى الجودة والكيف من جهة، وإلى الفعالية والتداول من جهة أخرى، ولتجاوز الوضع الذي تعيشه اللغة يقتضي الأمر طرح المسألة اللغوية طرحاً موضوعياً وفق مناهج لسانية علمية، تنقح الأداة اللغوية حيث تكون وسيلة ميسرة للتواصل والإبداع العلمي والفلسفي، والأدبي، وأن تكون سهلة التمثل والتطبيق، فاللغة العربية الفصحى أكدت عبر تاريخها الطويل قدرتها الذاتية على التكيف مع المناخ الحضاري العام، وذلك لقدرتها على استيعاب المفاهيم، والمصطلحات عن طريق الاشتقاق والنحت، والقياس، والمجاز، فهي كنسق تعبيري مشترك بين سكان الوطن العربي قادرة على تحقيق التواصل بين أفراد المجتمع، وهي من أقوى عوامل الوعي العربي الوحدوي حسب الباحث.
التوحيد القومي
وعن اللغة العربية ودورها في التوحيد القومي يقول الكاتب مصطفى: إن اللغة العربية من أهم أسس البناء القومي فلها دورها الفاعل والمحرك والموجه الوحدوي، وتلعب دوراً مركزياً في إنتاج الوعي القومي، قاعدته أن اللغة العربية هي عامل في التكوين الاجتماعي والقومي، وأن التطور اللغوي مرتبط بالتطور الاجتماعي كما أن اللغة أداة تعبير عن الواقع العربي، وهي وسيلة للتنمية الثقافية بالمعنى المجتمعي كمكافحة الأمية وإشاعة الأفكار العقلانية، واستحضار التاريخ، إضافة إلى أنها تشتغل على الذاكرة العقلية والوجدانية الداخلية، وحتى العاطفية، فالقصص والأغاني، والحكايات، والأشعار، والملاحم، والبطولات كلها تصل عبر اللغة ومفرداتها ومعانيها، وتشكل الوجدان الجمعي للمجتمعات والأفراد فتوحد عواطفهم ورؤاهم وتوجهاتهم.
ويؤكد مصطفى أن اللغة هي الإطار الذي يحدد خصائص الآمة كما أنها تعمق الشعور بالانتماء للجماعة من خلال تنمية الإحساس بوحدة الرابطة العقلية والنفسية والوجدانية التي تشد الأفراد إلى بعضهم، وهي وعاء خبرات الأمة وتجاربها، أثبتت التصاقها بالبيئة الاجتماعية والحضارية ذات السمات الإنسانية عبر أنواع الدلالات اللغوية الثلاث، (الحقيقية، والمجازية، والثقافية) التي تظهر جلية في لغة العلم، ولغة الأدب «الشعر والنثر».
مؤثرات عقلية
ويرى الباحث أن الثقافة الأصيلة تطرح لغة أصيلة، واللغة الأصيلة والثقافة الأصيلة لا تظهران إلا من أصالة المثقفين، واقتدارهم العقلي والعلمي على الإنتاج الثقافي السليم، فاللغة لا يمكن أن تكون إلا أساساً ومرتكزاً في بناء الوعي القومي، فعبر اللغة العربية وإنتاجها المعرفي تنتج ثقافة الوعي الوحدوي، وهي ثقافة مؤثراتها عقلية محاكمة حول الوحدة وحاجتها، وعاطفية وجدانية من حيث إيقاعها ووسائل التعبير، وأثر ذلك في تكوين الوجدان العاطفي الوحدوي، واندفاعاته المحفزة، فمعادلة التأثير اللغوي في رأي الكاتب مصطفى هي عقلية وعاطفية وجدانية، وهي حافز للشعور بالانتماء للجماعة القومية من خلال التواصل والتفاهم.
ويختم مصطفى مشيراً إلى أن المشكلة الكبيرة في وجه اللغة هي «الأمية»  في الوطن العربي، وأثر ذلك في إضعاف تأثير اللغة ودائرة فعلها، لذا فالنهوض باللغة العربية يحتاج لجهود رسمية وشعبية وعلى كل المستويات، وفي كل المجالات، وليكن مشروعاً قومياً.

تشرين