|
|

اللّغة العربية وتحدّيات العصر
أ. نورا مرعي
تحوّلت لغتنا العربية في الآونة الأخيرة من أحرف عربية سليمة إلى مجرد كتابات استخدمت فيها الأحرف الأجنبية. وصرنا نرى هذه الظّاهرة بشكل لافت في أماكن عديدة، من دون مراعاة أهمية اللّغة العربية السّليمة. أمّا السّؤال الّذي يطرح نفسه فهو لماذا صرنا نستخدم هذا الأسلوب في الكلام؟ وهل هذه المشكلة بسبب دخول التّكنولوجيا الغربية بلغتها الى بلادنا العربية؟ أم هناك مساعٍ حثيثة للقضاء على لغتنا العربية وتدميرها؟
إشكالية تدفعني إلى أن أعيش حالة من التّشتت الفكري حينما أحاول أن أعرف ما أسباب ذلك، وكيف سنحلّ هذه المشكلة الّتي ضربت بلادنا بقوة، وهزّت أبناءنا الطّلاب فأبعدتهم عن لغتهم، وقرّبتهم من لغة لم نعد نفهم ما هي؟
لغتنا العربيّة تاريخ متأصل في العراقة، وقاسم مشترك يجمع بيننا، يوحّد كلمتنا ويلمّ شملنا، وهي شبيهة بالعقد الّذي إذا انفرط ضاع، وكان مصيرنا نحن الضّياع. فكيف نحصّنها ونحافظ عليها من الهجمات والتّحديات الّتي تعترضها؟ وهي تحديات على مستويين:
المستوى الدّاخلي ويتمثل في انصراف كثير من أبناء اللّغة العربية عنها، أو عن دراسة علومها أو تعليمها، واستبدالهم لها باللّهجات المحلية أو العامية المحكية بحجة سهولة التّكلم بها. بالاضافة إلى أنّ عددًا من المحطات التّلفزيونية العربية الّتي تبثّ برامج كثيرة تمارس أخطاء لغوية شتّى.
المستوى الخارجي ويتمثل في مزاحمة اللّغات الأجنبية للّغة العربيّة، وعدم استخدامها في التّواصل بين الشّعوب والأمم المختلفة، بل لقد اقتصر استعمالها عند غير العرب في معظمهم على الأغراض الدّينية فقط.
من هذين المستويين تبرز أهمية تسهيل العربية والتّرويج لها والتّمسك بها، وهذا لا يتحقق إلا ضمن خطة شاملة تستوعب تحدّيات العصر، وسبل النّهوض بالعربية في عصر كادت فيه رياح العولمة تعصف بثقافات الأمم والشّعوب جميعًا، إذ يتخذّ من الإنكليزية لسانه الأول، بحيث أنّ معظم الطّلاب صاروا يلجأون إلى التّكلم بها، لسهولة قواعدها على حدّ تعبيرهم، حتّى لا يتكلموا بلغتهم الأم.
إنّ هذا الموضوع جعلني أفكّر بطريقة لحلّه خصوصًا أنّني أرى ذلك النّفور عند الطّلاب إذ يبتعدون من لغتهم الأم، ويلجأون إلى اللّغات الأجنبية في أحاديثهم، فأحببت أن أتوقف عند هذه المشكلة، وأستعرض أهم أسبابها، علّنا نصل إلى حلّها، فنبعد الطّلاب من التّعلق باللّغات الأجنبية، وممارسة الكتابة الغريبة الّتي نراها على مواقع التّواصل الاجتماعي، فنشجعهم على التّكلم بلغتهم الأم، من دون خوف أو شعور بمدى صعوبة قواعدها.
لو نظرنا بمنظار دقيق إزاء اللّغة العربيّة لوجدنا أنّها اللّغة التي استطاعت أن تستوعب منذ القدم مجمل الحياة بكامل تفاصيلها ومازالت، فهي لغة فتية خصبة، كثيرة المرادفات وغنية بها، شامخة ببلاغتها، وهي أفصح اللّغات إلى جانب كونها لغة الإسلام. كما انّها لغة الوطن، بها يُعرف ويعرّف، وبها يكون أو لا يكون.
إنّ اللّغة العربية ومع بدايات التّقدم العلمي والمعرفي عند الغرب بدأت الهجمة عليها على أنّها لغة متخلّفة، فاللّغة الإنكليزية صارت لغة التّطور في نظر شباب اليوم، وظاهرة الخلط بين الكلمات العربية والعبارات الإنكليزية أصبح أمرًا مألوفًا.مثالاً على ذلك:
" رح اشتري كادو من سوبر ماركت"
لو لم تكن على معرفة بطريقة المحادثة الجديدة والمعتمدة بين الشّباب، لما فهمت هذه الجملة، التي يقصد بها " أنا ذاهب إلى السّوق الكبير لشراء هديّة". بالإضافة إلى كلمات كثيرة نستخدمها cv _ programme، إضافة ألى غيرها من الكلمات ولست بصدد إحصاء لها الآن.
إذًا نحن إزاء مشكلتين هما: ادخال الكلمات الأجنبية إلى محادثاتنا، واستخدام لغة التّشات في كتاباتنا واستسهالهما. إن انتشار مثل هذه العبارات له أثر كبير وخطير على مستوى الطّالب في اللّغتين العربية والإنكليزية معًا، فلا هو يتكلم اللّغة العربية بنطق سليم، ولا يعرف من الإنكليزية إلا بضع كلمات يدخلها في كلامه وحديثه العادي.
إزاء هذا التّطور تبدّلت أمور عدّة منها أنّ كلّ ما في الوجود بدا يعتمد الطابع الأجنبي من الإعلانات التي نراها على واجهات المحال التّجارية والفنادق والمؤسسات والشّركات، التي تكتب أسماؤها باللّغة الإنكليزية إلى الشّعارات فالمجلات، إنّ كلّ هذا أدّى الى تخلف في العقلية الشّبابية، وإلى تغيير في مبادئهم من دون أن يعوا بأن هذا الأمر سيدمّر هويتهم العربية. نحن لا ننكر أن الدّخيل بين لغة وأخرى ظاهرة عافية لكن ضمن شروط معينة أن تكون اللّغة الّتي استخدمت هذه الألفاظ تمتلك القدرة على الهضم، وأشك بقدرة الشّباب العربي على ذلك نتيجة تربيتهم الثقافية الخاطئة منذ الطّفولة.
إنّ المحطات التّلفزيونية تراجعت عن اللّغة العربية، ولجأت إلى اللّهجة المحكية نتيجة قصر الوعي والثّقافة، وعدم وجود الكادر المثقف القدير في معظمها، الذي يستطيع أن يقدّم الخدمة الإعلامية المميّزة، كل ذلك أدّى إلى أن نعيش حالة من الضياع الفكري. كما أنّ الفضائيات لها دور كبير في نشر ظاهرة الثّنائية اللّغويّة سواء على مستوى المادّة المعروضة أو المذيعين، الّذين يبدون منذ الوهلة الأولى لسماعهم غير متمكنين من العبارات اللّغويّة حتّى أنهم لا يجيدون قراءة نشراتهم الإخبارية نتيجة التأثر بلهجاتهم المحلية، وعدم إلمامهم بالفصحى. وإن تابعنا البرامج التّلفزيونية صرنا نرى عددًا لا بأس به من المسلسلات التّركية التي اجتاحت مجتمعاتنا العربية بعد سيطرة لا بأس بها للمسلسلات المكسيكية سابقًا، الّتي جعلت الطّلاب يسخرون من اللّغة العربية الفصحى، ويعدّونها شبيهة بالمكسيكية.
إنّ متابعة مثل هذه البرامج تعلّق الشّباب باللّهجة المحكية لاعتمادها على شاشات التّلفاز كلّها، وقليلاً ما نرى الممثلين ينطقون في حواراتهم باللّغة الفصحى، لأنّ نجاح المسلسل قائم على فهم المتلقي الّذي لا يجيد الفصحى بقدر المحكية. كما أننا لا يمكننا أن ننسى الأخطاء التي تقع فيها المحطات التلفزيونية أثناء سماعنا لنشرة الأخبار كتعدّي الفعل تعهد بالباء، وهذا خطأ فهو يتعدّى إلى مفعوله مباشرة، أيضا استعمال على بعد الفعل أكّد ـ يؤكّد. والصّحيح أنّ هذا الفعل يتعدّى مباشرةً، فيقال أكّدت النبأ. إنّنا فعليا إزاء مشكلة كبيرة لو لم نقم بحملات توعية كبيرة كي نساعد أبناءنا على التّغلب على هذه المشكلة، واكتساب اللّغة العربية الفصحى لغتنا الأم.
|
|
|
|
|