اللــغــة
د. إيناس ناجي المحمدي
اللغة : هى حركة اتصالية بين مرسل ومستقبل :
التواصل هو من سمات اللغة الأولى ، و يعد التواصل هم و أبرز هذه السمات 0
و المقصود بالتواصل هو إيصال رسالة من مستقبل إلى مرسل 0
أنواع اللغة التواصلية :
اللغة أنواع فهناك تواصل لفظى وهو أن :
تحدث حركة تواصلية بين مرسل ومستقبل بشرى ، وقد يكون هناك أكثر من رسل وأكثر من مستقبل وهناك تواصل حركى وهى أنواع التواصل التى تحدث بين كافة المكونات الأساسية للطبيعة0
ويوجد حركة اتصالية بين رسل بشرى و آخر مادى عن طريق الصوت أو الحركة 0
وهناك حركات اتصالية بين مرسل لكائن ح ى وآخر مستقبل كائن حى أيضا0
إذن اللغة هى رسل ومستقبل وبينهما وسط
رسل مستقبل
بشرى
بشرى
المرسل بشرى
مادى - كائن حى
المستقبل
كائن حى كائن حى
اذن اللغة قد تكون مكتوبة أو منطوقة ، أو أصوات (مثل أصوات الحيوانات وحركات الرياح وأصوات الأشجار وغيرها) ، و قد تكون حركية عندما أتعامل معك بالإشارات و نسميها لغة الإشارة 0
اللغة قد تحدث بين مرسل واحد وعده مستقبلات مثلما ما يحدث مع العازف على الآلات الموسيقية فعازف الآلات هو مرسل حركة للآله التى يعزف عليها وهو مستقبل ركى أيضا وهى مستقبل حركى رقم (1) والمستمعون مستقبل رقم (2).
وكذاالأشجار والمجرات والكواكب والشمس وغيرها هى مستقبلات لأوامر و نظامأعده المرسل الأول وهى «الله » المنزه عن كل عيب ونقصان 0 فحركة الكواكب والمجرات الكونيه هى لغة بينها و بين خالق الكون تسبيح كافة المخلوقات التى لا تقدر على الكلام لربها تعد أيضا لغة ( غير مكتوبة ولا منطوقة ولا مسموعة ) بالنسبة لنا نحن البشر ولكنها لغة مسموعة ومعروفة لدى المولى عز وجل إذن اللغة فى شتى أنواعها وصورها واشكالها هى
حركة فى الاساس هذه الحركة المقصود منها
تواصل هذا التواصل ينتج عنه
وجود محقق من عدم
إذن تحول اللغة حالة العدم إلى وجود محقق
الوجود المحقق
ويتمثل فى استمتاع الجمهور بعزوفه موسيقية أو مشهد تمثيلى أو استمتاع القراء بصدور كتاب جديد أو جريدة جديدة أو مشاهدة عروض فى السيرك 0 كل هذه المحققات ناتجه عن تواصل تحقق بفضل لغة مكتوبه مكنت الكائن من إعداد كتابه ، وانهي بها العازف مقطوعته الموسيقية ، وتمكن بها المخرج من إدارة ممثلة العرض أو الفيلم أو المسلسل ، وبها أعد القدير نظامه فى كونه بأعلم أنواع اللغة الموجودة على الإطلاق وهكذا
لــغــة الإشارة :
هذا النمط من اللغة تجمع بين أنماط اللغة السابقة فقد تكون الإشارة حركية ) كالتى تستخدم بين الصم والبكم وقد تكون لونيه كما فى إشارات المرور ، وقد تكون صوتيه فى استخدام الصوت لحالات الانذار أو التليفون أو السيارات وغيرها وقد تكون لغة مكتوبة أو منطوقة حيث تستخدم حروف أو كلمات رمزية لها مدلولات خاصة متفق عليها 0
مصطلحات وتعريفات هامة :
اذن اللغة النظامية والتى تستخدم بشكل رسمى فى الدول والمحافل الرسمية هى تلك :
اللغة التى توضع وفق نظام وترتيب معين لتعبر عن هدف محدد خاص بكل دولة0
أما اللهجة العرفية :
هى تلك المتعارف عليها بين فئة مجتمعية معينة و اتفقوا عليها كأداه للتواصل
النقــــــــد : هو التمييز بين الجيد والردىء فى النص
البلاغــــة : هو الكلام السهل الواضح المفهوم الجميل وبه خيال
القصاصة : كلام سهل واضح مفهوم
اللغـــــــة : نظامية
اما الكلام : غير نظامى وغير محدد
الفصاحة
(الفصاحة ) فى اللغة : بمعنى البيان والظهور ، قال تعالى : (وأخى هارون هو أفصح منى لسانا )
وفى الإصلاح : عبارة عن الألفاظ الظاهرة المعنى ، المألوفة الاستعمال عند العرب 0
و هى تكون وصفا للكلمة و الكلام و المتكلم يقال : كلمة فصيحة ، و كلام فصيح ، ومتكلم فصيح 0
فصاحة الكلمة
فصاحة الكلمة هى: خلوص الكلمة من الأمور التالية :
1. من تنافر الحروف ، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة على السمع ، صعبة على اللسان، فنحو (هعخع ):اسم بنت ترعاه الإبل ، متنافر الحروف 0
2. و من غرابة الاستعمال ، وهى كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ، ولا مألوفه الاستعمال عند العرب ، حتى لا يفهم المراد منها ، لاشتراك اللفظ ، أو للإحتياج إلى مراجعة القواميس ، فنحو ( مسرج ) و
( تكاكاتم )غريب 0
قال الشاعر :
ومقلة وحاجبا مرججا وفاحما ، ومرسنا مسرجا
وقال عيسى بن عمروا النحوى – حين وقع من حماره و اجتمع عليه الناس – ( ما لكم تكأكأتم على ، كتكأكنكم على ذى جنة ، إنفرقعوا عنى )0
3. و من مخالفة القياس :بأن تكون الكلمة شاذة ، على خلاف القانون الصرفى المستنبط من كلام العرب ، فنحو ( الأجلل) مخالف للقياس ، والقياس (الأجل ) بالإدغام 0
قال أبو النجم :
الحمد لله العلى الاجلل الواحد الفرد القديم الأول
4. ومن الكراهة فى السمع ، بأن تكون الكلمة وحشية ، تمجها الأسماع ، كما تمج الأصوات المنكرة ، نحو ( الجرشى ) بمعنى : النفس 0
قال المتنبى :
مبارك الإسم أغر اللقب كريم الجرشى شريف النسب
والحاصل :
أنه إذا كان فى الكلمة شىء من هذه الأربعة ، كانت غير فصيحة ، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور 0
فصاحة الكلام
فصاحة الكلام هى : خلوص الكلام من الأمور التالية :
1. من عدم فصاحة بعض كلماته ، فإذا اشتمل كلام على كلمة غير فصيحة -كما تقدم -سقط الكلام عن الفصاحة 0
2. و من تنافر الكلمات المجتمعة ، بأن يكون بين كلماته تنافرا ، فتثقلعلى السمع ، وتعسر على النطق ، نحو هذين البيتين :
وقب رحرب بمكان قفــــــر وليس قرب قبر حرب قبر
وقال أبو تممام:
كريم متى أمدحــة والورى معى وإذا ما لمته لمته وحدى
3. و من ضعف التأليف: بأن يكون الكلام جاريا على خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب ، كوصل ضميرين وتقديم غير الأعرف نحو : اعاضهاك ) فى قول المتنبى:
خلت البلاد من الغزالة ليلها فاعاضهاك الله كى لا تحزنا
4. و من التعقيد اللفظى ، بأن تكون الكلمة مرتبة على خلاف ترتيب المعانى
قال المتنبى:
جفخت وهم لا يجفخون بها بهم شيم على الحسب الأغر دلائل
والأصل : جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الاغر وهم لا يجفخون بها 0
5. ومن التعقيد المعنوى : بأن يكون التركيب خفى الدلالة على المعنى المراد بسبب إيراد اللوازم البعيدة ، المحتاجة إلى إعمال الذهن ، حتى يفهم المقصود 0
قال عباس بن الاحنف :
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناى الدموع لتجمدا
ارادا بجمود العين :الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء ، وهذا خلاف المعنى المتفاهم 0
6. ومن كثرة التكرار ، بأ، يكرر اللفظ الواحد ، فياتى به مرتين أو ازيد 0
قال الشاعر :
انى واسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرنصرا
7. ومن تتابع الإضافات ، بأن تتداخل الإضافات
قال ابن بابك:
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعى فانت بمرأى من سعاد ة ومسمع
والحاصل :
انه إذا كان فى الكلام احد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح 0
فصاحة المتكلم
فصاحة المتكلم عبارة : عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود ، بكلام فصيح ، و الملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح ، بأن يكون فى بيئة عربية فصيحة ، أو يمرن نفسه بكلمات الفصحاء كثيرا ، كل ذلك و للذوق مدخل عظيم0
البلاغة
(البلاغة فى اللغة : بمعنى الوصول و الانتهاء ، قال تعالى : ( ولما بلغ اشده ) (2) أى وصل 0
وفى الاصطلاح :
1. أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ، بأن يكون على طبق مستلزمات المقام ، وحالات المخاطب ، مثلا لمقام الهول كلام، ولما قام الجد كلام ، ومع السوقة كلام 0 و مع كلام الملوك كلام 0 و هكذا 0
2. وأن يكون فصيحا – على ما تقدم - ..
والبلاغة تقع وصفا للكلام وللمتكلم ، ف يقال : كلام بليغو متكلم بليغ ، ولا يقال : كلمة ب ل يغة 0
بلاغة الكلام
(بلاغة الكلام ) عبارة عن : أن يكون الكلام مطابقا لما يقتضيه حال الخطاب ، مع فصاحة ألفاظ مفرداته و مركباته، فلو تكلم فى حال الفرح مثل ما يتكلم فى حال الحزن ،أو العكس ، أو تكلم فى حال الفرح بكلام يتكلم به فى هذه الحال لكن كانت الألفاظ غير ف صيحة ، لا يسمى الكلام بليغا 0
ثم إن الأمر المقتضى للإتيان بالكلام على كيفية ما ، يسمى :
1. (مقاما) باعتبار حلول الكلام فيه 0
2. (حالا) باعتبار حالة الخطاب أو المتكلم أو نحوهما 0
و إلقاء الكلام على هذه الصورة التى اقتضاها الحال يسمى (مقتضى ) فقولهم : ( مقتضى الحال)أو (مقتضى المقام ) بم8نى الكيفية التى اقتضاها الحال أو المقام 0
مثلا : يقال عند كون الفاعل نكرة ، حين يتطلب المقام التنكير : هذا الكلام مطابق لمقتضى الحال 0
إذا : فا لحال و المقام شىء واحد ، و إنما الاختلاف بالاعتبار 0
(بلاغة المتكلم )عبارة عن : ملكة فى النفس يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ ، بحيث يكون مطابقا لمقتضى الحال، فصيحا 0
و قد عرف ( أبن المعتز ) الكلام البليغ بكلام بليغ فقال : ( أبلغ الكلام : ما حسن إيجاده وقل مجازة ، وكثرة إعجازه ، وتناسبت صدوره و إعجازه)0
علوم البلاغة ثلاثة
(علم البديع - علم البيان - علم المعانى)
1- البديع : هو ذاك اللعلم الذى يهتم بنغم الحروف وموسيقى الكلم 0
2- على البيان: عيد علم البيان المتكلم بشتى فنون التعبير الجميل وهو خاص بالمعنى0
3- علم المعانى: هو ذاك العلم المختص بإنتاج معانى جديدة طبقا لتغيير وتركيب الجملة
مثل الأساليب الأنشائية ، الاستفهامية ، الخبرية 0
أولا : علم البديع :
الجناس
الجناس : وهو تشابه لفظين ، مع اختلافهما فى المعنى ، و هو قسمان :
1- لفظى 0
2- معنوى 0
أقسام الجناس اللفظى
الجناس اللفظى على أقسام :
1. الجناس التام: وهو ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان فى أمور أربعة :
نوع الحروف ، و عددها ، وهيئتها ، وترتيبها مع اختلاف المعنى ، كقوله تعالى : ( و يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة )(1) فالمراد بالساعة الأولى : يوم القيامة ، و بالساعة الثانية : جزء من الزمان
2. الجناس غير التام : وهو ما اختلف اللفظان فى أحد الأمور الأربعة المذكورة (النوع و العدد و الهيئة و الترتيب 0
فالاختلاف فى عدد الحروف ، نحو : 0 دوام الحال محال )0
وفى نوعه : كقوله تعالى : ( ذلك بما كنتم تفرحون فى الأرض بغير الحق و بما كنتم تمرحون ) (2) 0
و فى هيئته : ن حو : ( الجد فى الجد و الحرمان فى الكسل ) 0
وفى ترتيبه : نحو : ( رحم الله من فك كفه وكف فكه)0
3. الجناس المطلق : و هو توافق اللفظين فى الحروف وترتيبها ، بدون ان يجمعهما أشتقاق ، نحو : (غفار ، غفر الله لها )
و إن جمعهما اشتقاق سمى جناس الإشتقاق ، نحو قوله تعالى : ( لااعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما اعبد ) (3)0
4. الجناس المذيل : و هو ما يكون الإختلاف بأكثر من حرفين فى آخره ، كقولة
يمدون من أيد عواص عواصم تصول بأسياف قواض قواضب
5. الجناس المطرف :وهو ما يكون الإختلاف بزيادة حرفين فى أوله ، كقولة :
وكم غرر من بره و لطائف لشكرى على تلك اللطائف طائف
6. الجناس المضارع : وهو ما يكون باختلاف اللفظين فى حرفين ، مع قرب مخرجهما ، كقوله تعالى : (وهم ينهون عنه وينئون عنه ) (4)0
7. الجناس اللاحق : وهو ما يكون باختلاف اللفظين فى حرفين ، مع بعد مخرجهما ، كقوله تعالى : (ويل لكل همزة لمزة) (5)0
8. الجناس التلفظى : و هو ما اختلف ركناه خطأ مع اتحادهما فى التلفظ ، كقوله:
أعذب خلق الله نطقا وفما إن لم يكن أحق بالحسن فمن
فالأول تنوين ، والثانى نون 0
9. الجناس المحرف: و هو ما اختلف اللفظان فى هيئات الحروف من حيث الحركات، نحو : (جبة البرد جنة البرد)0
10. الجناس المصحف :وهو ما اختلف اللفظان من حيث التنقيط ، بحيث لو زالت النقاط لم يتميز أحدهما عن الآخر ، ككتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية : (غرك عزل ف صار قصار ذلك ذلك ، فاخش فأحش فعلك ، فعلك تهدى بهذى ) (6)0
11. الجناس المركب : و هو ما اختلف اللفظان من حيث التركيب والإفراد ، كقوله:
إذا ملك لم يكن ذا هبة فدعه فدولته ذاهبة
فالاول مركب بمعنى : صاحب هبة ، والثانى : مفمرد و هو اسم الفاعل :
12. الجناس الملفق : و هو ما كان اللفظان كلاهما مركبا ، كقوله :
فلم تضع الأعادى قدر شأنى ولا قالوا فلان قد رشانى
الأول : مركب من (قدر ) و من (شانى ) والثانى : مركب من (قد ) و من (رشانى)0
13. جناس القلب : وهو ما اختلف فيه اللفظان فى ترتيب الحروف ، نحو : ( رحم الله امرءا مسك ما بين فكيه وأطلق ما بين كفيه )0
14. الجناس المستوى :و هو من جناس القلب ، و يسمى أيضا : ( مالا يستحيل بالإنعكاس ) وهو ما لا يختلف لو قرىء من حرفه الاخير إلى الأول معكوسا ومقلوبا ، و إنما يحصل بعينه ، نحو قوله تعالى :
( كل فى فلك ) (7)0 وقوله سبحانه (ربك فكبر) (8)0فإنه ينعكس بعينه ، و نحو قوله :
مودته تدوم لكل هول وهل كل مودته تدوم
وكذا قوله : (ارانا الإله هلال انارا )0
أقسام الجناس المعنوى
الجناس المعنوى قسمان :
1- جناس الإضمار : وهو ان يأتى بلفظ يحضر فى ذهنك لفظا آخر ، واللفظ الآخر يراد به غير معناه بدلالة السياق ، كقوله :
فهو إذا رأته عين الرائى أبو معاذ أو أخو الخنساء
فإن المراد بأبى معاذ : (جبل )وباخ الخنساء : (صغر )وليس بمراد ، وإنما المرا : ذم المقصود بأنه كالصخر 0
2- جناس الإشارة : وهو ما ذكر فيه أحد اللفظين وأشير للآخر بما يدل عليه ، كقوله :
ياحمزة اسمح بوصأأأل وأمنن علينا بقرب
فى ثغرك اسمك أضحى مصحفا وبقلبــــى
اراد (الخمرة ) و (الجمرة ) إذ هما مصحفا حمزة
التصحيف
التصحيف : و هو التشابه بين كل متين أو أكثر خطأ ، والفارق النقط ، كــ( التحلى ) و ( التخلى ) و ( التجلى )0
الازدواج
الازدواج : وهو تجانس اللفظين المجاورين ، نحو : ( من لج ولج ) و ( من جد وجد )0
الســــجع
السجع : هو توافق الفاصلتين أو الفواصل فى الحرف الاخير – و الفاصلة فى النثر كالقافية فى الشعر – و موطن السجع النثر ، وأحسنه ما تساوت فقراته ، كقوله تعالى : (فى صدر مخضوض وطلح منضود و ظل ممدود )(9)0 و إن لم تتساو فقراته فالاحسن ما طالت فقرته الثانية نحو قوله تعالى : ( و النجم إذا هوى ، ما ضل صاحبكم وما غوى ) (10)0او طالب فقرته الثالثة ، نحو قوله تعالى : ( خذوه فغلوه ، ثم الجحيم صلوه ، ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) (11)0 ولا يحسن العكس بأن تطول الفقرة الأولى دون الثانية ، أو الثانيه دون الثالثة ، لأن السامع ينتظر بقيتها ، فإذا انقطع كان المبتور 0
التشطير
التشطير : و هو جعل كل من شطرى البيت مسجوعا سجعة مخالفة للسجعة التى فى الشطر الآخر ، وهذا يكون على القول بعد اختصاص السجع بالنشر ، كقوله :
تدبير معتصم بالله منتقم الله مرتغب فى الله مرتقب
فالشطر الأول سجعته مبنية على الميم والثانى على الباء 0
الموازنة
الموازنة : و هى تساوى الفاصلتين فى الوزن فقط لا فى التثفيه ، نحو قوله تعالى : (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ {15} وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ {16}(12)0فإن كلمة (مصفوفة ) متفقة مع كلمة (مبثوثة) فى الوزن ، لا فى التقفية0
الترصيع
الترصيع: و هو توازن الألفاظ مع توافق الإعجاز ، أو تقاربها ، ومثال التوافق قوله تعالى : (إن الإبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى حجيم) (13)0
ومثال التقارب قوله تعالى : ( وآتيناهما الكتاب المستبين ، وهديناهما الصراط المستقيم (14)0
التشريع : ويسمى ( التوشيح ) و ( ذا القافيتين ) أيضا ، وهو بناء البيت على قافيتين أو أكثر ، يصح الوقوف على كل واحد منها ، كقوله :
يا خاطب الدنيا الدنية إنهـــــا شرك الردى وقرارة الأكدار
دار إذا ما اضحكت فى يومها ابكت غدا تبا لها مـــــن دار
فيصح الوقوف على ( الردى) و (غدا ) فتنقلب الأبيات من ( بحر الكامل ) و تكون من ( مجزوء الكامل ) وتقرأ هكذا :
يا خاطب الدنيا الدنيــــــة إنهــــــــــا شرك الردى
دار إذا ما أضحكـــــــــت فى يومها أبكت غـــدا
لزوم ما لا يلزم : و يسمى الإلزام و التضمين و التشديد و الإعنات أيضا ، و هو ان يجىء قبل حرف الروى – فى فاصلتين و أكثر أو بيتين و أكثر – بحرف لا يتوقف السجع عليه ، كقوله تعالى : (فأما اليتيم فلا تقهر ، و أما السائل فلا تنهر ) (15)0
وقوله :
سريع إلى أبن العم يلطم وجهه وليس إلى داعى الندى بسريع
مالا يستحيل بالانعكاس
ما لا يستحيل بالانعكاس ، و يسمى : القلب المستوى كما مر فى جناس القلب ، و هو : ان يقرأ عكسا كما يقرأ طردا : (دام علاء العماد) 0 و نحو : ( كن كما أمكنك ) فإنه إذا قرىء عكسا من الأخير إلى الأول كان أيضا : ( دام علاء العماد ) و (كن كما أمكنك)0
المواربة
المواربة : وهى ان يجعل المتكلم كلامه بحيث يمكن تغييره بتصحيف و نحوه ، كما يحكى عن أبى نواس أنه كتب على باب قصر هارون العباسى البيت التالى :
لقد ضاع شعرى على بابكم ما ضاع عقد على خالصة 0
فلما انكر عليه هارون ذلك ، محى هلال العين ، فصار البيت كالتالى :
لقد ضاء شعرى على بابكم كما ضاء عقد على خالصه
ائتلاف اللفظ مع اللفظ
ائتلاف اللفظ مع اللفظ : و هو ان يؤتى فى العبارة بالفاظ من واد واحد فى الأنس و الغرابه ونحوهما ، نحو : (ما لكم تكاكأتم على ... افرنقعوا ) جمع بين غريبين (تكاكأتم ) و (فرنقعوا )0
التسميط
التسميط : وهو ان يجعل الشاعر بيته على أربعة اقسام ، كقوله :
فنحن فى جزل ، والروم فى وجل والبر فى شغل ، و البحر فى خجل
الإنسجام : ويسمى السهولة ) أيضا ، و هو سلامة الألفاظ و المعانى مع جزالتهما وتناسبهما ، كقوله تعالى : (كل فى فلك يسبحون ) (17)0 وكقوله:
ما وهب الله لامرىء هبة افضل من عقله ومن أدبه
هما كمال الفتى فإن فقـدا ففقده للحياة أليق بـــــــــه
الاكتفاء
الإكتفاء : وهو أن يحذف بعض الكلام لدلاله العقل عليه ، كقوله :
قالت بنات العم يا سلمى وإن كان ف قيرا معدما قالت وإن
أى : و إن كان فقيرا معدما
التطريز
التطريز : و هو ان يكون صدر الكلام مشتملا على ثلاثة أسماء مختلفة المعانى ، و يكون العجز صفة مكررة بلفظ واحد ، كقوله :
و تسقينى و تشربمن رحيق خليق ان يلقب بالخلــــوق
كــان الكاس فى يدها وفيها عقيق فى عقيق فى عقيق
ثانيا : علم البيان :
للبيان منزلة عظمى فى سماء البلاغة العربية ؛ لتشعب مباحثه ، و كثرة أبوابه وفصوله التى من شأنها أن تبرز المعنى وتظهره فى أبهى صورة ؛لما ينماز به هذا العلم من إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ، فيمد علم البيان المتكلم بشتى فنون التعبير الجميل عن المعانى القائم فى نفسه ، ومن ثم يتخير منها ما يشاء فى إظهار مقاصده و معانيه ، ومن تشبيه و مجاز ، وكناية واستعاره ، و هذه خصيصه ينماز بها عن سائر علوم البلاغة 0
ولن يكون الحديث عن علم البيان فى هذا البحث نظريا ، كما لن يكون على وجه العموم ، ذلك سيختص هذا البحث فى الآيات التى تحدثت عن القرءان الكريم المتضمنة هدية ، و بيان ما اشتمل عليه من الخير و الهدى ، ذلك حال الناس مع القرءان ، و إعراضهم عنه ، و هذا ما يميز هذا البحث ، و يطبعه بشىء من الخصوصية و التمييز 0
كما ان هذا البحث قائم على تحليل النصوص القرءانية ، وهذا الأمر من الأهمية بمكان فى الدراسات البلاغية ، فمهم جدا أن تعنى الدراسات البلاغية بالجانب التطبيقى ، فإن فى ذلك ثباتا للقاعدة فى ذهن المتلقى ، ونشاطا لعقله ، وهذا ما ينبغى ان يتجه إليه الدرس البلاغى 0
يعنى هذا البحث بدراسة بلاغة أساليب البيان فى الآيات المتحدثة عن القرءان ؛ و ذلك لأن لعلم البيان فى كلام الله - جل وعلا – شأنا آخر تتعين الحفاوة ، وتتطلب مزيدا من النظر و التدقيق ، ويقف هذا البحث مع ما يكون فى الآيات الكريمات المتحدثة عن القرءان من فنون علم البيان ؛ للوقوف على ما تم فيها من تشبيه وكناية، ومن ثم النظر فى ما تحقق هذه الأساليب من تجلية لمضمون تلك الآيات فى حديثها عن القرءان فى مجالاتها المختلفة ، و للنظر – كذلك – فى رونق هذه الآيات وبهائها التى كساها علم البيان بها 0
التشبيـــــــــة :
التشبيه بأنواعه المتعددة من أكثر الأنواع البيانية ظهورا فى النصوص القرءانيه و الأدبية ، فتناوله كثير من الدارسين لتعريفه وتحديد مفهومه ، والتشبيه لغة يعود إلى أصل مادة (شبه) ، و تدور حول تشابه الأشياء و تشاكل بعضها مع بعضها الآخر فى صفات معينة ، والشبه هو المثل ، يقال : شابه الشىء إذا ماثله( )0
ومن البين هنا ان ذلك التعريف يتفق مع تعريف الخطيب القزوينى للتشبيه حيث قال : «التشبيه : الدلالة على مشاركة أمر لآخر فى معنى »(i)0
وقد أتفق علماء البلاغة على شرف قدره ، و فخامة أمره فى فن البلاغة ، وذلك «أنهه يزيد المعنى وضوحا ، ويكسبه تأكيدا ، و لهذا أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه ، ولم يستغن احد منهم عنه »(ii)0فهوأكثر أنواع الأساليب البيانية أطرادا فى كلام العرب عامة ، فضلا عن أنه طريق لاتساع معارف البشر ،من حيث أنه يسهل على الذاكرة عملها ، فيغنيها عن اختزان جميع الخصائص المتعلقة بكل شىء على حدة بما يقوم عليه من اختيار الوجوه الدالة التى يستطاع بالقليل منها استحضار الكثير (iii)0
ولعبد القاهر الجرجانى وقفه مع التشبيه ، بين منها مكانته ومنزلته فى البلاغة ، يقول : «وأعلم أن ما اتفق العقلاء عليه ، أن التمثيل إذا جاء فى أغلب المعانى ، أو برزت هى باختصار فى معرضه ، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته ، كساها أبهة ، وكسبها منقبة ، و رفع من أقدارها ، و شب من ناره و ضاعف قواها فى تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستثار لها من أقاصى الأفئدة صبابة وكلا ، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا » (IV)0
وفى فهم أعمق للتشبية ينظر للتشبيه على «أنه صورة تجمع بين أشياء متماثلة ، وأساس هذا التماثل كأمن فى النفس و الشعور » (2)0وليس تماثلا خارجيا فحسب 0
ومن الجدير بالذكر إن الحديث عن التشبية قد يقضى إلى جدلية فى أولية أنواع البيان ، لعلاقة ذلك مع بدايات التفكير الإنسانى، و أى هذه النواع اقرب إلى الذهن و التصوير ، فقد ربطه بعض النقاد بالتفكير العقائدى للأمم ، إلا أن هذه إشاره إلى إن الشعر القديم أغلبه كان يركز فى التصوير على التشبية (3)0
وحتى إن أغلب النقاد القدماء كانوا يفضلونه على غيره ، و هذا قد يشير إلى طبيعة التشبيه التى تتسم بوضوح التركيب والمحافظة على خصوصية كل طرف و يزيد من جمال التشبيه – فى رأى النقاد – إذ «تكمن بلاغة التشبيه فى طرافته وبعد مرماه فى كونه ينتقل بالسامع من شىء مألوف إلى شىء طريف يشابهه او صورة بارعة تماثله 0 و كلما كان هذا الانتقال بعيد المنال قليل الخطور بالبال كان التشبيه أروع وأدعى إلى إعجاب النفس فيه » (4)0
إن القرءان الكريم فى أسلوبه المميز ، ولمعرفة الله لخلقه أختار لهم التعبير الأنسب والتصوير الأقرب الذى به تتأثر عقولهم وتثار نفوسهم لتصل الرسالة السماوية إلى كل إنسان فالتشبية فى القرءان « وأن كان عنصرا بيانيا يكسب النص روعة واستقامة وتقريب فهم ، إلا أنه يعود ضروريا لأداء المعنى القرءانى متكاملا من جميع الوجوه »(5)0
وسيتضح أثر التشبيه وبلاغته عبر الوقفات التحليلية البلاغية فى الآيات الكريمات المتحدثة عن القرءان ، المشتمله على التشبيه لنرى عبرها اسراره البلاغية و الجمالية ، يقول الله جل وعلا 0 مبينا حال من يعرض عن القرءان ، و يستكبر عنه : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {7}(5)0
جاء كالطير المذبوح ، ضحك كالطفل الرضيع
تكلم كلشيخ الحكيم ، صار كأنه عدو لدود
و فى هذه الآية بيان لحالة هذا الرجل ، الذى تعرض عليه آيات الله ، و تأتيه وهو فى مكانه من دون ان يسعى إليها و مع ذلك يعرض عنها و يستكبر كفرا بها ، و جحودا لها ، و ذلك هو الضلال المبين ، وقد جاء نظم الآية وأسلوبها مصورا هذا المعنى أتم التصوير ، و ذلك من خلال بداية الآية بأسلوب الشرط ، وقد بين هذا الشرط 0 بما تضمن فعله و جوابه واقع هذا الرجل مع الآيات التى تتلى عليه ، و هو يعرض عنها ، ويتولى مستكبرا عن سماعها ، ثم مجىء لفظة ( تتلى ) فعلا مضارعا ، و فى ذلك إكمال للمعنى السابق ؛ و ذلك أن مجيئة بصيغة المضارع دلاله على تجدد حدوث هذا الإستكبار ، وتكرر وقوعه ، ذلك بناء الفعل ( تتلى ) للمجهول ، وفى ذلك دلاله على حد هذا الرجل للآيات ، ويستكبر عنها لذاتها، إذ لو كان هذا الفعل مبنيا للمعلوم لظن أن موقفه هذا نحو الآيات بسبب كرهه لتاليها ، و لكن فى حالة بناء الفعل للمجهول تبين ان هذا البغض لذات الآيات نفسها 0 كذلك الإضافة فى قوله «آياتنا »، وفيها مزيد من إظهار كفر هذا الرجل ، وذلك أن هذه الآيات التى يستكبر عنها هى آيات الله 0 فضلا عن التشبيه الوارد فى قوله «كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا» وقد جاء التشبية لتتضح حالته أتم إيضاح مع القرءان الكريم ،فكأن هذا الرجل المعرض عن الآيات المستكبر عنها لم يسمع اصلا هذه الآيات وإن هذا الرجل فى اذنيه وقر ، و هو الثقل و الصمم ، المانع من السماع و من كانت هذه حالته فأنى له أن يلتفت إلى هذه الآيات ، اوو ينتفع بما جاء منها 0 و قد فصلت هذه الجملة عن التى قبلها ، فهى مرتبطة بها ارتباطا يتعذر معه دخول حرف العطف « الواو » بينهما المشعر يتغاير الجملتين ؛ أى إن انعدام السمع دلاله على وجود المانع من وصولها إليه ، وهذا المعنى الذى جاءت به الجملة الثانية لتكرار معنى الجملة الأولى ، أى شبه الرجل الذى لا يسمع الآيات بحال من فقد السمع ؛ و ذلك لوجود المرض فى أذنيه ، و إن هذا المرض ثقيل و شديد بدليل مجىء «كأن » فى التشبية الثانى مشددة ثقيلة ، كفأن فى هذا التشديد إشاره إلى ثقل الوقر فى أذنيه (vi)0
ومن هنا يتضح أثر التشبيه ودلالته ، فقد أبان عن مكانه القرءان الكريم ، وما اشتمل عليه من الهداية ، ما أبان عن موف من أعرض عنه ، و ما هو عليه من الضلال والتكبر و الإعراض 0
وبعد ان ذكر سبحانه 0 حالة هذا المعرض عن القرءان ؛ بين المال الذى سيؤول اليه ، وذلك فى وله «فبشره بعذاب أليم »(vii)0 أى أن هذا العذاب مؤلم مموجع ، وإن عظم هذا العذاب ودلالة على عظم الذنب الذى اقترفه ، فما كان ذنبه عظيما كان عقابه عظيما ، فالجزاء من جنس العمل ، وفى هذا دلاله على عظم القرءان 0 و من الجدير بالذكر أن فى قوله «فبشره بعذاب اليم »0 إستعارة تهكمية ، ففى هذا الاستعارة تحير له ، و حط من قدره و شأنه 0
وفى موضع آخر من الآيات التى تحدثت عن القرءان 0 يبين الله سبحانه وتعالى موقف المشركين جميعا من القرءان ، مصورا إستكبارهم عما جاء فيه ، يقول الله تعالى :
(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ {49} كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ {50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ {51} بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً {52}(viii)0
بدأت الآية الكريمة بالاستفهام الإنكارى لحالهم مع القرءان ، و تعجبا من الإعراض عنه ، يدل على ذلك الاستفتاح بصيغة «فما لهم » وقد زاد هذا الإستفهام تعجبا وإنكارا إن الذى أعرضوا عنه تذكرة لهم ، جاء لهدايتهم وصلاحهم ن فكيف يعرضون عن هذه التذكرة ؟ ومن هنا جاء الإستفهام الإنكارى التعجبى دلالة على هذا المعنى ، وقد تقدم الجار والمجرور «عن التذكرة » على متعلقة «معرضين » وفى هذا بيان للأمر الذى أعرضوا عنه ، والكشف عنه ، كما أن فيه اهتمام للمقدم ، وعناية به ، فيكون فى هذا التقديم تسفيه بهم و بعقولهم ، إذ جهلوا قدر هذه التذكرة ، و ما رعوها حق رعايتها ، ومن هنا تبين لنا سر هذا التقديم ، ودلالته فى المقام الذى ورد فيه ، فلم يكن الغرض منه مراعاة الفاصلة و المحافظة عليها ، كما رأى ابن الأثير فى كتابه المثل السائر (ix)0
وفى مجىء لفظة«معرضين »اسما دلاله على ثبوتهم ودوامهم على هذا الإعراض ، وفى ذلك دلالة على الكفر المتأصل فى قلوبهم ، كما فى مجيئة إما ذم لهم ، وبيان لموقفهم الثابت مع القرءان وهو الإعراض عنه ، ولإضاح صورة هذا الإعراض ذكر سبحانه تشبه هؤلاء المعرضين عن القرءان بالحمر ، فى قوله :
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ {50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ {51}(ix)0أىكأن هؤلاء القوم فى إعراضهم عن القرءان ، ونفارهم منه الحمر حين تفرمن يريد صيدها ، فلينظر المتلقى إلى هذه الصورة البيانيه الرائعة التى صورت حال القوم ، وهم يعرضون عن الحق ، بيد انهذا الإعراض والفرار لا يزيدهم إلا حسرة واضطرابا ، فما أشبههم بالحمر الوحشية النافرة التى تهيم على وجهها فارة من اسد يريد إفتراسها (xi)0
إذ فى هذا التشبيه أسرار بلاغية جمه ، فقد شبه القوم فى إعراضهم عن القرءان بالحمر ، والسر فى اختيار الحمر هنا من دون سواها من الحيوانات هو إشارة إلى بلوغهم الغاية القصوى فى الجهل والبلادة والغباء ، فإعراض هؤلاء المشركين عن التذكرة دلالة واضحة على شدة غبائهم وفرط بلادتهم ، و هناك سر آخر فى هذا التشبيه ، فقد شبه هؤلاء القوم بالحمر فى عدوها وخفتها دلالة على موقف أولئك المعرضين عن القرءان ، وتصوير دقيق لهم وقت سماعهم لتلك الآيات وتلاوتها عليهم ، فما إن يسمعوا آيات الله إلا ونراهم يفرون منها فى خفة وطيش ، فحالتهم هذه كحالة الحمر وقد لفها الذعر ، و شملها حين رأت الأسد مقبلا عليها ، وهذا سر من أسرار القرءان الكريم، وخصيصة من خصائص تشبيهاته وهى تلكالقيود التى يجعلها فى المشبه به «فمن عادة القرءان فى رسم صورة التشبيه ان يذكر فيها من القيود وأحوال الصياغة مما يجعلها معبرة تعبيرا دقيقا عن الغرض ، ولهذه القيود والأحوال شأن فى صورة التشبيه لا ينتبه اليها إلا المعنى بإبراز نواحى الجمال ، وسر البلاغة فى الأسلوب »(xii)0
ومن الجدير بالذكر أن لفظة «مستنفرة » قد قرئت بفتح الفاء و كسرها فعلى قراءة الفتح «مستنفرة» يكون المعنى : أن هذه الحمر مذعورة منفرة ، أى محمولة على النفار ، و على قراءة الكسر مستنفرة ، يكون المعنى :نافرة ، وفى هذه القراءة إشارة إلى أن هذا النفور طبيعة غالبه عليها ، فهذا دينها وشأنها دائما ، وكلتا القراءتين صحيحتا المعنى وبأيهما قرأ القارىء فمصيب (xiii)0
وللأستاذ احمد بدوى وقفة مع هذا التشبيه ، يقول : «ربما بدأ أنه يكفى فى تصوير إعراضهم وصفهم بأنهم كالحمر ، و لكنه فى دقته لا يكتفى بذلك، فهو يريد انيصور نفورهم من الدعوة ،وإسراعهم فى إبعاد أنفسهم عنها ، إسراعا يمضون ف يه على غير هدى ، فوصف الحمر بأنها مستنفرة يجرى خلفها ، فهى تتفرق فى كل مكان وتجرى غير مهتدية فى جريها ، أو لا ترى فى صورة هذه الحمر وهى تجد فى هربها لا تلوى على شىء ، تبغى الفرار من أسد يجرى وراءها ، ثم إلا تبعث فى هذه الصورة الهزء بهم و السخرية»(xiv)0
و قد أثر النظم القرءانى فى هذا السياق لفظة«قسورة» من دون لفظة «أسد» أو ما عداها من أسماء الأسد الكثيرة ، و ذلك لما فيها من الإيحاءات و الدلالات ما ليس فى غيرها من الألفاظ ، ففيها دلالة على القسر والقهر والغلبة ، فقد سمى بذلك ؛ لأنه يقهر السباع و يغلبها ، فضلا عما فيها من الإيقاع و الجرس القوى الخاص بها، ليزيد من هيبته هيبة ، ويضيف إلى عظمته عظمة اخرى ، لتحل مكانته فى القلوب ، وتجل منه النفوس(xv)0
المجاز :
المجاز شكل من أشكال تداعى المعانى على بساط واحد من اللفظ ، فما أن يذكر لفظ إلا و أكثر من معنى يرد إلى الأذهان، بين معنى يفهم على الحقيقة يباشر الذهن، تتابعه معان ذات علاقة مقصودة ، فتتعدد العلاقات ليظهر لدينا أنواع من المجاز كالمجاز العقلى و المجاز المرسل 0وإن للمجاز فى القرءان الكريم قدرا رفيعا و مستوى عاليا من البيان ؛ و ذلك نظرا للأثر الكبير الذى يحدثه المجاز فى نفس المتلقى ، فهو يأخذ بأنفاسه ، ويبهره بروعة بيانه ، حتى ينسى سجيته ، و أعجب ما فى العبارة المجازية أنها تنقل السامع عن خلقة الطبيعى فى بعض الأحوال ، حتى أنها ليسمح بها البخيل ، ويشجع بها الجبان (xvi)0 فالدلالة المجازية تحمل معها عنصر الابتكار و الدهشة و المفاجأة ، الذى يأخذ بمشاعر المتلقى ويستولى عليها ، حتى ي تمكن من إثارة الإنفعال المناسب (xvii)0 فمزية المجاز ، ليس فى ما يقول مبدعة ، أو فى ما يثبته فحسب ، و إنما فى طريقة إثباته ،« فجوهر المجاز ، إنه ذو شكل » (xviii)0
والمجاز المرسل نوع من أنواع المجاز اللغوى ، وهو استعمال الكلمة فى غير ما وضعت له، لعلاقة غير المشابهة بين المعنى الحقيقى والمعنى المجازى(xix)0
وسمى مرسلا من الإرسال وهو الإطلاق ، و الفرق بينه و بين المجاز العقلى : أن العقلى واقع فى الإسناد ، فى إسناد أمر إلى غير ما هو له فى الحقيقة ، أما المجاز المرسل فإنه واقع فى الألفاظ ، فهى التى تنقل فيه من معناها اللغوى الحقيقى إلى معنى آخر مجازى ، وهو المراد (xx)0
وقد ورد هذا المجاز كثيرا فى كلام العرب ، وفى القرءان الكريم ، و هذه وقفة مع بعض الآيات التى تحدثت عن القرءان لتبين للقارىء بلاغة هذا المجاز ، وأثره فى تحقيق أغراضه و معانيه 0 قال تعالى : فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا {97}(xxi)0
ففى هذه الآية يذكرالله سبحانه و تعالى – منته و فضله على رسوله«ﷺ» و على الناس اجمعين بأن يسر لهم القرءان و سهله حينما أنزله باللسان العربى المبين ، فالضمير فى «يسرناه» عائد إلى القرءان ، لدلالة المعنى عليه ، و إن لم يتقدم ذكره فى الكلام فيكون هذا من الإضمار فى مقام الإظهار ، و فى هذا دلالة على علوق القرءان بالنفوس ، و قربه من القلوب، وفى هذه الآية يخبر – سبحانه –رسوله محمد«ﷺ» أنه يسر القرءان و سهله ، ومر به إلى الإفهام حينما أنزله بلسان عربى مبين ، فصيح ؛ ليسهل تدبره وتفهمه ، و من ثم افقبال عليه و العمل بما جاء فيه ، وإنها لمن أكبرالنعم والسنن أن ينزل القرءان بهذا اللسان العربى المبين ، يدلعلى تعظيم لهذا التسيير ، و ذلك التسهيل إسناد الفعل «يسرنا » إلى ضمير التعظيم ، وفى هذا تعظيم لهذا التيسير ، وتفخيم له ، و معنى «اللسان » فى هذه الآية : اللغة ، فمعنى قوله «يسرناه بلسانك » أى سهلنا القرءان ، و قربناه للإفهام حين أنزلناه بهذا اللسان العربى المبين ، أفضل اللغات وأشرفها 0 وفى لفظة «اللسان» مجاز مرسل ، و علاقته آلية، فلما كان اللسان آله هذه اللغة صح هذا الإطلاق ، وتكمن بلاغة هذا المجاز ان فيه إشارة إلى وسيلة من أهم وسائل الدعوة إلى الله ، و هو اللسان ، فيه يبلغ الداعية دعوته إلى الآخرين ، ما أن فى هذا المجاز إشارة إلى أثر البيان ، و تلك البلاغة فى الدعوة إلى الله ، فهذا البيان ركيزة رئيسه فى الداعية ، و من أهم الصفات التى ينبغى أن يكون عليها ، و يتحتم هذا الأمر إذا كان الداعية فى قوم يفخرون بالبيان و يشتهرون به ، ما هو حال كفار قريش الذين نزل عليهم القرءان بهذا اللسان العربى (xxii)0
ثم بين – سبحانه - الغاية من تيسير القرءان ونزوله بهذا اللسان فى قوله : لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا {97}(xxii)0فهذه إذن غاية تيسير القرءان ، وتوضيح الفاظة و معانيه ، ما دل على هذه الغاية وتلك الحكمة حرف الجر اللام 0 بدلالته على التعليل ، وقد اشتملت هذه الآية على عدة أسرار بلاغية ، من ذلك تقديم ذكر البشارة على ذكر الإنذار ؛ و ذلك للدلالة على شرف البشارة وفضلها ، كما إنها لأصل فى نزول القرءان ، فما نزل القرءان إلا لهداية الناس وإرشادهم ، فإذاأمنوا به كانت لهم البشارة ، وهذا ترغيب من لدن الخالق لعبادة المؤمنين ، ومن هنا جاء تقديم البشارة جريا على الأصل (xxiv)0
كما جاء فى نظم الآية تقديم الجار و المجرور (به) فى كلام الموضعين ، على المفعول « المتقين ، قوما لدا » و قد جاء هذا التقديم إشارة إلى عظم القرءان و علو قدره ، فلما كان القرءان م دار الحديث فى هذه الآية ، فهو الذى يسرت ألفاظة ومعانيه ، و هو الذى نزل لهذه الغايات العظيمة ، فلما كان الأمر كذلك جاء تقديم ذكره إشارة إلى هذه المعانى ، كما حذف فى هذه الآية المبشر به ؛ ل يشمل ك ل بشرى بشروا بها فى الدنيا و الآخرة ، و كل خير فى دينهم و دنياهم؛ وكذلك ليدل على عموم البشارة وشمولها جاء بالفعل«ليبشر» فعلا مضارعا دلاله على تجدد هذه البشارة ، ما أن المنذر به قد حذف –أيضا –فى هذه الاية ، وحذفه أيضا – للعلم به و لظهوره ، فقد توعد الله – سبحانه – هؤلاء الكافرين بربهم ، المعرضين عن كتابه بنار تلظى ، يخلدون فيها ، ما فى حذفه تعميم له وتهويل ، ليشمل كل و عيد وتهديد توعدوا به فى الدنيا و الآخرة ، و فى مجىء الفعل« تنذر» مضارعا دلاله على هذا المعنى ، فهو إنذار متتابع لا ينقطع عنهم ابدا 0
و قد جاء الطباق بين لفظتى «بشر وتنذر » ليبين أن الناس انقسموا حول القرءان ق سمين : متقين وهم الذين يبشرون به ، والى قوم أهل عناد ، وهم الذين ينذرون به 0
وإن فى لفظة «المتقين » مجازا مرسلا ، وعلاقته اعتبار ما سيكون فقد ذكر القرءان ان الذين يبشرون بالقرءان متقون ، فهم حينما أمنوا بالقرءان و أقبلوا عليه فقد إنتفعوا به ؛ فصاروا متقين 0
و تكمن بلاغة هذا المجاز إن فيه ذكرا للمال الذى سيؤولون اليه ، و أن فى ذكر هذا الوصف حضا لهم إلى الإقبال على هذا الكتاب و الاستمساك به ؛ لأن فى هذا طريقا لهم حتى يكونوا متقين 0
وفى موضع آخر يذكر – سبحانه و تعالى – إنزاله للقرءان العظيم ، مبينا ما أنطوى عليه من عظائم الأمور ، و الغاية من هذا الإنزال قائلا : وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ {92} (xxv)0
جاء ذكر الكتاب هنا بالإشارة فى قوله «هذا » وذلك دلاله على حضوره ، وأنه كالمشاهد الذى تبصره العيون ، فهى إشارة تعظيم له ، وتفخيم لشانه ، و قد ناسب عظمة الكتاب و جلاله قدره إن يسند فعل نزوله اليه –سبحانه – بضمير التعظيم فى قوله «أنزلناه»فقد جاء بهذا الفعل مستندا إلى ضمير العظيمة إشارة إلى عظمة هذا الكتاب ، ثم ذكر سبحانه و تعالى – نعت الكتاب الذى أنزله ، و عظم أمره بأنه «مبارك» وكان ما سبق هذا الوصف تمهيدا له و دلاله عليه ، وقد جاء لفظة «أنزلناه» بهذه الصيغة دلالة على تجدد هذا الإنزال ، وتكرر حدوثه ، وهذا بخلاف قوله «مبارك » فقد جاءت إسما لون هذه الصفة ثابته للقرءان لا تفارقه أبدا ولا تنفك عنه ، فبركة القرءان ثابته مستقرة ، و المراد بأم القرى مكة ن سميت بهذا الأسم تشريفا لها ، وبيانا لمكانتها من بين سائر الأماكن والبقاع(xxvi)0
و يتجلى المجاز المرسل فى قوله وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى (xxvii)0 بعلاقة المكانية ، فقد أطلق هذااللفظ و أريد به أهل المكان ، أى لتنذر أهل أم القرى ، وذلك إن الديار والأبنية لا تنذر ، وإنما أهلها هم الذين ينذرون ويخوفون ، و تكمن بلاغةهذا المجاز أن فيه دلالة على عظم هذا الإنذار ، كما أن فيه دلالة على عظم هذا الأمر الملقى على عاتق رسول الله ﷺ فكأن المراد منه غاية الإنذار و أكمله ، و قد اقتصر فى هذه الآية من غاية نزول القرءان على الإنذار دون البشارة ليتلاءم هذا و يتوافق مع حال المشركين ، فهم بحاجة إلى هذا الإنذار البالغ فى القسوة والشدة كما إن حذف المنذر به يؤكد هذا المعنى وتعضده ، و ذلك بغية تهويله وتفخيمة ، فإن فى حذفه تعميما له ، إلى جانب هذا المعنى ذكر الله – سبحانه – موقف المؤمنين من هذا الكتاب الذى أنزله فى قوله:وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ {92}فاذا كفر به المشركون واعرضوا عنه فقد آمن به من هم خير منهم وأفضل ، و هم المؤمنون ، و قد جاء الإخبار عنهم بصيغة المضارع «يؤمنون » ، وفى هذا تجدد إيمانهم بالقرءان ، أما سبب إيمانهم و الباعث له فهو إيمانهم بيوم الحساب و الجزاء و البعث ، و القرءان هو طوق النجاة الموصل الى الأمن و الأمان فى الآخرة ، على عكس الكافر بالقرءان ، فإن سبب كفره هو عدم إيمانه بهذا اليوم ، فالكافر لا يخاف العاقبة وسوء المصير 0ثم ذكر الله سبحانه –صفة أخرى لهؤلاء المؤمنين و ذلك فى قوله : وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ جاء ذكر الصلاة هنا ، لشرفها ومكانتها فى الإسلام ، فهى عمود الدين ن فإن قبلت قبل سائر عمله ، وإن ردت رد سائر عمله 0
وفى تقديم الجار والمجرور «على صلاتهم » على متعلقة « يحافظون » إشارة الى المعنى السابق ، و دلالة على عظم هذه الصلاة ، فهى اشرف العبادات بعد الإيمان ، وقد جاءت لفظة «يحافظون» فعلا مضارعا ، و ذلك لإفادة تجدد حدوث هذا الفعل ، وفى هذا ثناء على المؤمنين فهم يحافظون على الصلوات ، ويؤدونها فى أوقاتها ، ويواظبون على أدائها على أكمل وجه كما أمر الله 0
الاستعارة :
الاستعارة من أكثر استعمالات اللغة فاعلية فتدخل فى جانب التصوير و التأثير ، و فى تطوير اللغة و بث الحياة فيها ، فهى «تتصدر بشكل كبير بنية الكلام الإنسانى ، اذ تعد عاملا رئيسا فى الحفز و الحث و أداة للتعبير ، و مصدر لترادف تعدد المعنى، ومتنفسا للعواطف و المشاعر الانفعالية ، ووسيلة لملء الفراغات فى المصطلحات»( )0
وقد لا نجانب الصواب ، إذا قلنا إن القدماء كانوا ينظرون إلى الاستعارة بشىء من الريبة ، مع إنها تحقق تأثيرا فى داخل النص و تفسح المجال بشكل واسع أمام المبدع لتكوين لغته الخاصة من خلال لحظات الكشف لتجليات النص ، إلا إن حرصهم على البنية اللغوية «والبحث عن التناسب العقلى بين طرفى الاستعارة»( )0جعلهم يقفون موقفا متحفظا من الاستعارة ؛ ففقدها ذلك الكثير من خصوصيتها وقربها من التشبيه علما إن ما يصلح له التشبية قد لا يصلح له الاستعارة و العكس صحيح ؛ اذ إن لسياق الحال وتداعيات المقام و ط بيعة المتلقى – المخاطب –أثرا فى تداعيات الأسلوب الأنسب فى الوصول الى بنائية الصورة الفنيه و تحقيق التأثير المطلوب ( )0
أما الاستعارة فى القرءان فقد بلغت حد الإعجاز فيه ، فهى لون من ألوان التصوير التى أتخذها ، وأداة من الأدوات المفضلة إليه فى التعبير عن معانيه 0
والأستعارة لغة : رفع الشىء وتحويله من مكان إلى آخر ، ومن ذلك قولهم : استعار فلان سهما من كنانته ، أى رفعه و حوله منها إلى يده ، فهى مأخوذة من العارية ، وهى نقل الشىء من شخص إلى آخر ( )0
أمثلة «ضحكت الأيام » ، «مات الكلام » ، تحدث الصمت ، وجاء الربيع «وعاد الأمل»0
ما معنى كلمة نقد فى النطاق الأدبى ؟؟
التمييز بين الجيد والردىء فى النص هناك فرق بين الحكم القضائى والنقدى بالتأكيد فالنقد فى مجال الفنون يعنى تمييز الكلمة ثم الجملة ثم الصورة الفنيه0
فمن الناحية اللغوية نجد أنكلمة Griticismالانجليزية أو ما يقابلها فى اللغات الأوروبية مأخوذة من الفعل اليونانى Krinein ومعناه فى الأصل الحكم أو التفكير( )0
وتقول دائرة المعارف البريطانيه : «النقد : فن الحكم -: GriticismThe art of judjing» ( )0أما دائرة معارف لاروس الفرنسية لقد ورد فيها : «النقد : فن التفسير والحكم على الأعمال الأدبية والفنيه :»Art d’expliquer et de juger les oeuvres litteraire et artistiques ( )0
والمعنى فى العربية لا يخرج عن ذلك ، فإن نقد الدراهم هو تمييزها واخراج المزيف منها( )0 وهذا نظير الحكم عليها بالجودة أو الرداءة
اتفق النقاد على ان النقد له آليات وقواعد وحدود والحكم 0يقول جون ديوى John Dewey فى قاموسة : «النقد هو حكم مميز فارق وتقدير دقيق»( )0
أما رينيه ويليك Renèفيقول : «النقد الأدبى فى أعم معانيه هو الحكم على الأعمال الأدبية وعرضها و تعريف الذوق والتقاليد الأدبية وتحديد المقصود بالعمل الممتاز»( )0
و يؤكد أميل ستايجر أن النقد الأمريكى، و يتابعه فى ذلك النقد الألمانى : يتطلب من الناقد ان يصدر حك ما موضوعيا على مكانة العمل الأدبى وقيمته( )0
يقولت 0 س اليوت :«إن الناقد الذى يريد أن يبرر وجوده يجب أن يسعى الى إحباط تحيزه الشخصى ... من أجل الوصول الى الحكم الصادق» ( )0
و يعتقد جورج سانتيانا أن النقد «يتضمن الحكم » ( )0
ومن قبل هؤلاء كانت الفكرة قائمة فى النقد الأوروبى ، فقد قال فيلمان Villemain إنه «مما لا شك فيه أن على النقاد أن يحكم »( )0
أما برونتيير Brunetuère فيقول فى تعريفه : «النقد هو قبل كل شىء الحكم على مؤلف »( )0 وأما فاليرى Valèry فقد اقر بأن الناقد فى نهاية المطاف الحكم( )0والتفت أندرية تيريف A.Thèrive إلى أن «كل نقد يحمل فى طياته أحكامة تقييمية حتى ولو تظار بأنه يتفاداها » ( )0
ويعرف الأستاذ احمد أمين كلمة «نقد » بقوله إنها تعنى«تقويم الشىء و الحكم عليه بالحسن او القبح» ( )0 ويقول الدكتور بدوى طبانه إن النقد« يصف النص ويحلله ويناقشه ويواية بغيره و يحكم عليه وعلى قائله»(4)0وشبيه به قول الدكتور محمد غنيمى هلال :«يقوم جوهر النقد الأدبى اولا على الكشف عن جوانب النضج الفنى فى النتاج الأدبى وتمييزها مما سواها عن طريق الشرح و التحليل ثم يأتى بعد ذلك الحكم العام عليها»(5)0 ويرى الدكتور عز الدين اسماعيل أن«مهمة النقد الأولى هو الحكم »(6)0 ولا يخرج تعريف الدكتور حسام الخطيب عن ذلك ، فهو يقول«النقد الأدبى هو فاعلية»
وللباحثين العرب رأى فى تعريفهم النقد ، يقول الأستاذ الدكتور محمد زكى العشماوى :«النقد فى كلمات قليلة هو القدرة على تذوق الأساليب المختلفة والحكم عليها»( )0 أما الأستاذ الدكتور طه الحاجرى فهو يقول إن النقد قوامه «.. التمييز بين الموضوعات و الآثار الأدبية بتقديرها وتبين مناشئها و عناصرها و الحكم بذك عليها»( )0
ذوقية نستطيع بواسطتها فهم المسائل الأدبية وتفسيرها وتحليلها وإصدار احكام مناسبة بشأنها ( )0
ومن التصورات الأخرى لمفهوم الحكم النقدى تشبيهه بالقضايا المنطقية كما فعل كروتشه ، يقول أن النقد الفنى يمكن أن يلخص فى هذه القضية الموجزة جدا«هناك أثر فنى أ 0 مع القضية السلبية المقابله لها : ليس هناك أثر فنى أ0» ولتفسير المقصود بذلك يقول كروتشه : لنأخذ احدى هاتين القضيتين ولتكن القضية الاولى :«هناك أثر فنى أ» ونفكر فى تركيبها ، نجد أن النقد الصادر عنها يا طوى – ككل حكم آخر- على«موضوع» وهو حدس الأثر الفنى الذى يخلفه الشرع وإعادة التجربة الفنيه و التمييز الذوقى0 كما ينطوى كذلك – ككل حكم آخر –على«محمول» او «مقولة » هى فى هذه الحالة مقوله الفن التى ينبغى ان تكون مقصورة فى الحكم على صعوبتها وعدم الاتفاق عليها ( )0
المبحث الاول
إن العمل الفنى بناء من الادراك والعواطف والاحاسيس ويوافقة فى ذلك كثير من الباحثين الآخرين0 وهذا المعنى أن الفنان يتعامل مع الوجود الخارجى بكيانه ، فيظهر فى عمله أثر ما يثيره هذا الوجود فى نفسه من العواطف كالحب و الكره او الخوف والألفه او الغضب والرضا او غير ذلك 0 وهذه العاطفة التى يخلقها الفن للأشياء هى أهم سمات الفن بلا منازع ، وهى صورة الوجودية الذاتية للفنان فى مواجهة الواقع وقدرته على تشكيل هذا الواقع للهدف التى يلونه بها 0
فبالنسبة لعنصر الإدراك يقول:«لقد أصبح من الشائع لدى الفلاسفة منذ ايام ديكارت أمكان نفسير كل حدث مرئى فى الطبيعة عن طريق حدث مرئى سابق له ، كما أصبح من الشائع افتراض ان كل حركة ، مثل حركة اللسان فى الكلام او اليد أثناء عملية الرسم ، قد يكون لها سوى عله فيزيقية0 ولكن لو كان الوعى ثانويا للحياة على هذا النحو بدلا من أن يكون جزءا جوهريا منها لأ مكن للجنس البشرى ان يوجد على ظهر الأرض ويكتسب جميع الفنون اللازمة لوجوده دون ان يجرب إحساسا واحدا او فكرة او عاطفة واحدة 0 وفى هذه الحال كان يمكن لعملية الاختيار الطبيعى ان تحقق بقاء تلك الكائنات الآلية التى استجابت للبيئة التى تعيش فيها على نحو نافع ، ويكون الإنسان قد نسى فى نفسه غرزية البقاء فتجنب الأخطار دون ان يشعر ازاءها بأى خوف ، وانتقم لنفسه مما لحق من الضرر دون ان يعترية اى إحساس بالالم »( )0
وهذا لا يعنىان لا منطق إذن فى ابعاد العواطف والتجارب والمميزات الانسانية عن عمليات الابداع بصفة يلزم وجود الوعى العاطفى فالملاحظة وحدها لا تكفى وانما ينبغى ان يوجد التذوق الى جانبها ( )0
وعلى ذلك يمكننا ان نقول إن الأفكار التى كانت تنادى بتناول الأدب كظاهرة فيزيائية او بيولوجيه ، من أمثال محاولة تين Taine التى جعلت النقد يقتدى بالعلوم الطبيعية و حاولت أنتجرد الأدب من كل عنصر «غير موضوعى »، هذه الأفكار لا بد أن تفشل فى نقد الأدب لأنها تناقض طبيعة الحس الإنسانى إزاء الوجود الخارجى والذى يمثل الوظيفة الأولى للأدب
وما دام الفن يركز على عناصر الكون مسحة من الإحساس وجودا وإحساسا فإن النقد بدوره لا يستطيع ان يتناول الفن دون ان يدخل عنصر القيمة دون احساسا و ادراك او عاطفة فى هذا التناول ذلك أنه إذا كان موضوع العلم مثلا هو حقائق الطبيعة المحددة المعالم والخصائص والتى لا يدخل فيها للأحاسيس فإن معالجة شئون العلم تقتضى منهجا على نفس الشاكلة ، محددا عقليا صرفا 0أما بالنسبة لموضوع النقد وهو العمل الفنى فإنه يركز كلية على الأحاسيس الإنسانيه وإضفاء الذات الإنسانيه على الوجود الخارجى 0
يقول الناقد الفرنسى كلود روا إن الناقد «.. ليس مضطرا الى ذلك حتميا (يعنى الحكم ) ولكنه لا يستطيع بكل تأكيد أن يفعل غير ذلك، فلدية سلسلة قيم واعية ترتكز عليها فكرته 0 كما وأن رفض القيم قيمة » ( )0
معنى هذا أن مسئولية «التمييز» بين الأعمال الأدبية بمقاييس الجودة والرداءة جزء ضرورى من عمل النقد
والتسوية بين قيم الأشياء على كل حال ليست فى إمكان القدرة البشرية، لأن الانسان بطبيعته تكوينه يرى فروقا شديدة بين ما تقع عليه حواسه 0 يقول سانتيانا «حقا أن هناك ما يسوغ قول الصوفية إن الله لا يميز بين قيم الأشياء ، وإن تميزنا البشرى فقط هو الذى يجعلنا نفضل الورد على المحار او الأسد على القرد 0 فلو خلفنا عن انفسنا طبيعتنا البشرية لوجدنا انفسنا عاجزين عن التفكير و الإدراك و الإدراك على النحو الذى يمكننا ان نسلك به الآن»( )0 وأداة التمييز الطبيعية بين قيم الأشياء هى الحكم 0
مرحلة النقد العربى المبكرة
مرحلة النقد المجرد ، أى المرحلة التى لم يكن النقد فيها مصحوبا بأى محاولات لشرح أو تفسير النص الشعرى والشرح الذى قد يصاحب النقد
وظلت طريقة النقد المجرد هذه ، و التى تقوم أيضا على النظرة المجزأة إلى الأعمال الأدبية ، سائدة زمنا طويلا حتى أحدث الأمدى فى القرن الرابع ثورة لها خطرها حين تصدى لنقد القصائد بصورة متكاملة ، و أعلنأنه لا يبنى فلسفته النقدية على أساس الحكم العام على الشاعر ، فتلك مهمة تركها للقارىء كما قرر ، وإنما على أساس المقارنة بين المعانى والصور الجزئية ذات الموضوع الواحد ليتبين الفرق 0 وهذه المقارنة تتضمن الإشارة إلى المحاسن والتنبية على الاخطاء والسرقات وغير ذلك( )0مما يعتبر فىحد ذاته حكما على الأجزاء ولكنه حكم مندمج فى عمليات توضيحية كاشفة لجوانب العمل الأدبى0
أى أن الآمدى قد طور صيغة النقد فلم تعد تلك العبارة التقويمية القديمة المكتفية بذاتها كعمل نقدى، و إنما أصبح الحكم اتجاها ينمو طبيعيا فى إطار فكرة المقارنة التى بنى عليها فلسفته0
واذا نظرنا إلى هذا التطور فى ضوء الدراسات تبين لنا أنه تطور قد تميز بنضج فكرى لا شك فيه ، ويتطابق مع الاتجاهات السائده فى النقد المعاصر التى لم تعد تقبل الصورة القديمة للحكم المجرد 0 ففى رأى هذا النقد ان التحليل والتقويم عمليتان متداخلتان ولا يمكن ان تقوم أحداهما دون الأخرى ، و لا تكفى إحداهما بديلا عن الاخرى0
يقول رينيه ويليك «ينبغى الا يفهم التحليل النقدى لعمل أدبى ما – لبحره وإيقاعه ومعجمه وأسلوبه و مجازاته و رموزه و شخصياته وأحداثه وبيئاته – على أنه عملية» موضوعية « خالصة محايدة منفصلة عن الحكم التقويمى 0 و ليست هناك حقيقة محايدة فى الأدب ، و ليست هناك خصيصة لم تأت عن طريق حكم نقدى،كما لا يوجد جزء فى العمل الفنى يمكن ان يحلل بوسائل وصفيه خالصة ، وذلك لأن الجزء يؤدى وظيفته من خلال كل طبيعته نفسها قيمة »( )0ثم يستطرد قائلا : «إن التحليل و التفسير و التقويم مراحل متداخله فى إجراء واحد»( )0
فهذه هى أذن طبيعة النقد الأدبى، لا يمكن ان تكون هناك معالجة نقدية ، كتحليل البحر و الايقاع و المفردات و الأسلوب وطرائق التعبير والتصوير خالية من التقويم او لا تحمل موقف الناقد ازاء العمل من حيث الإحساس بالجودة والرداءة ومدى كل منهما 0 و حتى التحليل الجزئى لأحد عناصر العمل الأدبى لا يمكن ان يكون عملا وصفيا بحتا كما يقول «ويليك» ، لأن الجزء يؤدى دورا بنائيا فى العمل كله ، و العمل ذو طبيعة قيمة كما اسلفنا ومن ثم فكل عناصره تحمل نفس الصفة 0
وبناء على ذلك فالحكم ليس عبارة محددة يصوغها الناقد ليعبر عن انطباعاته ازاء الأثر الفنى ، مهما توافر لهذه العبارة من دقة ووضوح فى الدلالة، لكن الحكم فكرة تنمو مع كل خطوة تحليلية يقوم بها الناقد 0
ثانيا: وسائل النقد الأدبى :
أولا : التحليل والمقارنة :
التحليل : هو مجرد عرض للعناصر الشكلية كالوزن و الايقاع و اللفظ والأسلوب ، ولا يمكن ان يقتصر التحليل على دراسة الخصائص الأسلوبية ، بل انه – كما يقول ويليك -: لا بد أن يتجاوز النقد اللغة إلى «عالم» الشاعر ، الى أحياء ديستيوفسكى الفقيرة المتربة ، ومدنه الاقليمية الكئيبة التى تسكنها قلوب مهمومة دافئة ، و الى عالم ما لا رميه او رلكه .. الخ ( )0
وبذلك فالتحليل –باعتباره تجزئة للعمل المنقود – ليس مرتبطا برموز اللغة و الأداء الأسلوبى فحسب و لكنه رؤية شاملة و غوص إلى أعماق الصورة الشعرية لاستكمالها والوقوف على دلالتها وليست النواحى الشكلية سوى تمهيد لشىء آخر ابعد منها غورا فى التجربة الفنيه 0
أما المقارنة فهى –كما يقول ويليك - أمر نصل اليه بعد ،إذ يؤدى تحليل النص الواحد إلى تحليل نصوص اخرى لذات الأديب أو لأدباء آخرين فى نفس القالب الفنى فى الفترة نفسها وتحت ذات التقاليد( )0
ولا ننسى ان المقارنة كانت هى الوسيلة المنهجية الصحيحة لدى كثير من النقاد العرب القدامى ، مثلما سلفت الاشارة اليه عند الآمدى ، وكانت أيضا جزءا لا يكاد ينفصل عن التحليل 0
أن المقارنة و التحليف فى رأى اليوت وريمى دى جورمون هما الأدتان الرئيسيتان فى يد الناقد 0 و لكن يجب الحذر فى استخدامها حتى لا تتحولا إلى عمليتين إحصائيتين ، كما يفعل بعض النقاد المحدثين عندما يجتهد فى حصر تكرار حرف بعينة فى قصيدة أو عدة قصائد للاستدلال بذلك على معنى خفى يريد الشاعر حجبه عن المتلقين 0 أو – كما قال اليوت – الاجتهاد فى حصر عدد مرات ذكر الزراف فى رواية انجليزية ( )0
ثانيا : التفسير :
فاذا اعتبرناه جهدا يبذله الناقد لكشف الدلالات الرمزية فى العمل الأدبى أيا كان مستواها، فأنه يضيف شيئا الى هذا العمل لم يكن فيه 0 و هذه الإضافة ليست حقيقة مطلقة لا معقب عليها ، ولكنها تمثل فقط صدى للقيمة فى نفس الناقد 0 او بعبارة اخرى هى حصيلة انطباع الصورة الفنيه فى اعماقة ، و من ثم فيمكن ان تتعدد التفسيرات بتعدد الانطباعات ، ولكن المساله مع ذلك يمكن تحديدها؛ يقول رينيه ويليك :«غالبا ما يكون التفسير الصحيح لعمل فنى مسأله خلافيه ، ولكنه يبدو من المستحيل إنكار مشكلة » صواب او «كفاءة » التفسير بالنسبة لتدرج وجهات النظر 0
وقد تتجادل حول معانى هاملت المختلفة كما قدمها جوته و كوليردج وأ «س» برادلى وارنست جونز و غيرهم ، ولكن لا بد ان ندرك ان هناك حدودا موضوعيه لحرية التفسير 0 ان هاملت ليس أمرأة متنكرة ، و لا هو – كما افترضت الآنسه ونستانلى – جيمس الأول بصفة أساسية 0 و كما أن هناك تفسيرا صحيحا يقدم بصفته نموذجا على الأقل ، فهناك حكم صحيح وحكم مجيد ( )0
فى هذا النص يتضح إيمان ويليك بإمكان وضع حدود لحرية التفسير ، بحيث نصل إلى «التفسير الصحيح » للعمل الأدبى بشكل مطلق لا يقبل الخلاف بين النقاد 0
الا أن ناقدا مثل اليوت بتشكك فى إمكان ذلك ، ويخشى ما يضيفه التفسير الى ج وهر العمل الفنى ، وذلك بالقياس الى وسيلتى المقارنة والتحليل يقول : «إن المقارنة والتحليل يحتاجان فقط الى الجثث على الطاولة، و لكن التفسير دائما يقدم اجزاء من الجسم من ج يوبه ويركبها فيه »( )0 و لذلك فالتفسير – كما يقول أيضا- يكون مشروعا حينما لا يكون تفسيرا على الاطلاق وإنما حين يضع القارىء فى حالة إدراك للحقيقة( )0
اما كوروتشه فهو يلتمس تبرير ا للتفسير فى كونه وسيلة تساعد الناس على تذوق الجمال دون تأثر بالاحكام السابقة و العادات و النسيان التى تضرب من حولهم نطاقا يحول بينهم و بين النقاد فى الأثر الفنى( )0
ولا شك ان الناقد حين يتصدى للتفسير يخوض صعوبات جمة تتطلب منه قدرا وافرا من الوعى الفنى ، حتى لا يفرض على النص عناصر غريبة عنه ، وحتى يكون تفسيره «مشروعا». ويجب ان يراعى على كل حال أن الأثر الفنى ل يس ملكا لناقد واحد ، او لجيل واحد من النفاد وإنما هو بالتأكيد ملك للأجيال الكثيرة المتعاقبه، وكل جيل يأتى مزودا بقيمة ومقاييسه ليعطينا تفسيرا جديدا ، يتغير مع كل رؤية جديدة للأثر الفنى 0
ولكن التفسير بمعناه الحرفى قد يعنى وجود تفسير مثالى صحيح يحاول النقاد الوصول اليه من خلال معالجاتهم المختلفة للنص الأدبى الا انه يمكن القول بأنه ليس هناك مثل هذا التفسير المثالى ، و كل رؤية للنص الأدبى هى تفسير مستقل لا يتعارض مع غيره من التفسيرات من الناحية الفنيه البحته 0 ولا يمكن اعتباره قريبا او بعيدا عن التفسير «الصحيح » للنص الأدبى ، لأن الحكم النقدى فى حقيقته ينبثق من التجربه الخلاقة التى يمر بها الناقد على نحو ما سيأتى فى الفصل الثانى من هذا الباب 0
ثالثا: أهداف النقد الإبداع ( الأدبى)
أن الهدف النهائى للحكم هو « التمييز» بين الجميل والقبيح من الآثار الفنيه ، والفائدة المؤكدة و الوحيدة لذلك هى معاونة الآخرين ، الذين قد تختلط أمامهم القيم ، على تذوق العمل الفنى بشكل افضل0
والناقد – كما كرر اليوت فى كثير من مؤلفاته – مطلوب منه أساسا تصحيح الذوق عند الجمهور 0 ولن تتم هذه المهمة بالطبع ألا بأن يقوم بتبصير الناس بمواطن القوة و الضعف فى الأعمال الأدبية حتى تتكون عندهم بمرور الوقت حساسية التمييز بين كلا الأمرين 0 و الناقد ليس الا قارئا ممتازا للأعمال الأدبية ، يملك – بفضل امكاناته الذهنية – أن يعطى تقويما واضحا لتلك الأعمال ، ومن ثم فهو يعلم القراء الآخرين كيف يكونون فى أعماقهم متعة حقيقية بالجمال0
ولكن التمييز بين الجميل و القبيح فى الآثار الفنيه ليس هدفا له قيمة فى رأى كروتشه ، فرغم تسليمه بأن الفن نفسه لا يتحقق الا بهذا التمييز ، الا أنه يعتقد أن مهمة التمييز هذه ، يقوم بها الفنان نفسه والجمهور من بعده ، ولا يأتى الناقد بجديد 0 يقول فى فقرة تعبر عن هذا الإنكار :
«.. واذن فما قيمة حكم النقد إذا كان العبقرى يصدره مقدما ، و كان الذوق العام يصدره كذلك ، و العبقرى و الذوق العام طائفة كبيرة ، فهما الشعب ، هما الحكم العام الخالد 0 و الحق أن احكام النقد تأتى متأخرة جدا ، فتؤيد صورا طالما ايدها ومجدها الاستحسان العام ...وتستنكر أشياء قبيحة سبق ان استنكرت وأبطلت » ونسيت ، و إن مدحت برؤوس الشفاه ، فمن قبيل التحزب المغرض و العناد على الكبر 0 إن النقد إذا اعتبرناه قاضيا ، انما يحكم بالاعدام على أموات ، وينفخ الحياة فى أحياء ظانا أن نفسه هو نسمة الله الذى يحيى الموتى 0 أنه يقوم بعمل لا جدى فيه - لا جدوى فيه لأن الجمال موجود من قبل أن يوجد هو 0 فهل النقاد هم الذين قرروا عظمة دانتى وشكسبير وميشيل أنجلو ، ام طوائف القراء وجمهور الناس ؟ ولئن كان يضاف الى هذه الطوائف من القراء الذين هللوا ويهللون لكبار الفنانين ، جمهور الأدباء و النقاد و المحترفين ، فإن تهليل هؤلاء لا يختلف ابدا من هذه الناحية عن تهليل سائر الآخرين بما فيهم الأطفال وأبناء لشعب، فهم جميع مستعدون لفتح قلوبهم للجمال الذى يتحدى الى الجميع ، الا ان يسكتوا فى بعض الأحيان على كره ، حين يقعون على وجه دميم من وجوه هؤلاء النقاد القضاة ( )0
ولا شك فى أن هذه مبالغة من كروتشه فى إنكار الأهداف التى يحققها النقد 0فالنقد الشعبى – كما يقول نور ثروبفراى – ليس سليم النتائج دائما ولا ينبغى ان نسلم بأحكامه ( )0أما قول كروتشه بأن احكام النقد هى من قبيل تحصيل الحاصل فعلا ، فإن الرد عليه أن الرؤى المتجددة التى يضيفها النقد إلى الأعمال الفنيه تعد خلقا آخر لهذه الأعمال ، تثرى صورها و تعمقها فى نظر الجمهور ، ومن إنكار الواقع إلغاء هذا الدور 0 وملاحظة واقع الحياة العملية تؤيد ان النقاد هم الذين يحكمون حقيقة على الأعمال الأدبية وليس الجمهور 0 ففى أكثر دول الغرب اليوم يتلقف النقاد الأعمال الجديدة ويراجعونها و يقدمون الصالح منها للقارىء الذى تواجهه يوميا عشرات الكتب الجديدة ويجد نفسه مضطرا إلى قراءة الكتب التى يوصى بها النقاد ونبذ الكتب التى يحكمون عليها بالرداءة 0 و الملحق الأدبى لجريدة التايمز فى بريطانيا يقوم بهذا الدور فيما يتعلق بالأدب الانجليزى ، أما فى امريكا فإن نقاد الكتب والمؤلفات يمارسون دكتاتورية واضحة على أذواق القراء( )0
وهناك من أهداف النقد ما يعتبر فى نظركروتشه من قبيل «التفسير البحت» الذى لا تصدر عنه أحكام و لكنه نافع للجمهور ، وهذا النوع من النقد تقتصر مهمته على أن ينفض الغبار عن الآثار الفنية ويخرجها الى النور ، فيزودنا بمعلومات عن العصر الذى نقشت فيه لوحة من اللوحات مثلا و عن الأشياء التى تمثلها هذه اللوحة ، ويفسر لنا الصور اللغوية و الإشارات التاريخية والمسلمات الفكرية فى قصيدة من الشعر ، ثم تقف عند هذا الحد مهمته و يدع الفن يفعل فعله بطريقة عفوية فى قلب الملتقى ، فيحكم هو – لا الناقد – على الأثر الفنى بذوقه الخاص( )0 وفائده هذا النقد عند كورتشه كفائدة الدليل فى المتاحف و المعارض ، أو المرشد المطلع الذى يعرف أشياء كثيرة يجهلها السواد الأعظم من الناس ( )0
ولكن التفسير والتوضيح و الشرح ليست إلا مراحل على الطريق إلى الحكم ، ومن الخلط إلا نفرق بين دورها كوسيلة و بين دورها كغاية ن وقد تتضمن هى فى ذاتها موقفا حكيما طبقا للمفهوم الذى سبقت الإشارة اليه عن الحكم النقدى 0 ولكن كروتشه يتحدث عن مثل هذه المراحل وكأنها هى أهداف النقد ، الذى يقترح هو نفسه إلا يسمى نقدا فى هذه الحالة0وكان محتواها يخلو تماما من الحكم ، ويكاد يشبه الكلمات المدونه على البطاقات الملصقة على المقتنيات التاريخية فى متحف ما 0 وهنا نصل إلى موقف تتلاشى فيه أهداف الحكم و أهداف النقد معا ، ويصبح حقا ما يقوله كروشه من أن هذا العمل يجب ان يسمى حينئذ تأويلا أو شرحا أو تفسيرا ولا يسمى نقدا ( )0
ولا شك فى أن هذا الخروج عن أهداف النقد بإلغاء الحكم يؤكد لنا زاوية أخرى هى ان اقوى أهداف النقد تتحقق بالاحكام التى تحتويها التجربة النقدية ، ولا تتحقق بمجرد إبداء بعض المعلومات عن الأثر الفنى 0 ولا يمكن ان يوجه الذوق العام ولصالح اخطاؤه حينئذ بغير هذا الحكم النقدى 0
ولكن حقيقة المعايير ابعد من مجرد التزامها بالتغيير كلما تغيرت الحاجات والمطالب ، فهى تتغير فى مواجهة العمل الأدبى نفسه لأنه هو الذى يحدد شكلها ومضمونها ، بل إنه هو ايضا القادر على ان يحدد شكل ومضمون الحاجات والمطالب النفسيه عند الجمهور0
ولا شك فى ان هذا الرأى يصدق فى شأن الأعمال الادبية الجيدة التى يكتب لها الخلود، الا انه يمكن القول بأن الأعمال الرديئة هى أيضا تتحكم الى المقاييس وفى الحاجات و المطالب النفسيه ، و ذلك فى الحالة التى تصبح فيها هذه الأعمال هى الأكثر شيوعا فى الأوساط الأدبية ويكاد ينعدم ظهور العمل الجيد 0 عندئذ يعتاد الجمهور والنقاد هذا اللون من الأعمال وتتغير اذواقهم تبعا له ، وتصبح مقاييس الأجادة صورة منه 0 و الدليل على صدق ذلك يمكن ان يستمد من التاريخ النقدى العربى ، فالمعروف ان عصور التأخر التى تلت القرن الخامس الهجرى قد ارتبطت بنقاد يحكمون على الأدب بمقاييس قوامها هياكل بلاغية وهمية اخترعتها عقول خالية من الاحساس الذوقى الكامل ، ثم طبقت على الاثار الآدبية ، وقد نبتت هذه المقاييس فى مناخ أدبى متخلف فكانت متخلفة مثله0
ولكن الصورة الماثلة اليوم للنقد هى أنه لا يمكن على الاطلاق الحكم على الآثار الأدبية باستخدام مقاييس جامدة وضعت فى عصور سابقة، بل «أن التزام قواعد معينة فى النقد اصبح امرا يذكر الناقد الحديث بعصر الشعوذة والخرافات »( )0
مميزات الناقد الواعى
1. الخبرة
2. الموضوعية
3. الكفاءة المهنية
4. الاتزان النفسى والعاطفى
5. لا بد ان يكون ذو حس مرهف عال
6. القدرة على التحليل و المقارنة و التفسير 0
إذا ربطنا بين النقد وعلوم البلاغة
العناصر الأساسية للعمل الأدبي
وجدنا لماذا انقسمت البلاغة إلي ثلاثة علوم - كل علم منها يختص بركن أو عنصر من عناصر الأسلوب كالتالي:
1- علم المعاني:
ويختص بعنصر المعاني والأفكار ، فهو يرشدنا إلي اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف ، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا ، وهو لا يقتصر على البحث في كل جملة مفردة على حدة ، ولكنه يمد نطاق بحثه إلي علاقة كل جملة بالأخرى ، وإلي النص كله بوصفه تعبيرا متصلا عن موقف واحد ، إذ أرشدنا إلي ما يسمي : الإيجاز والإطناب ، والفصل والوصل حسبما يقتضيه الموقف .
2- علم البيان:
ويختص بعنصَريْ العاطفة والصور الخيالية معاً - لأن الخيال وليد العاطفة ، وقد سمي علم البيان لأنه يساعدنا على زيادة تبيين المعني وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان ، باستخدام التشبيهات والاستعارات وأنواع المجازات .
3- البديع:
ويختص بعنصر الصياغة ، فهو يعمل على حسن تنسيق الكلام حتي يجيء بديعا ، من خلال حسن تنظيم الجمل والكلمات ، مستخدماً ما يسمي بالمحسنات البديعة - سواء اللفظي منها أو المعنوي .
علوم البلاغة و عناصر الأسلوب
- علم المعاني: يختص بالمعاني والأفكار.
- علم البيان: يختص بعنصري العاطفة والصور الخيالية .
- علم البديع: يختص بتنسيق الصياغة وتجميل الأسلوب.
الفروق بين النقد والبلاغة:
1- وهذه العلوم الثلاثة للبلاغة هي علوم جمالية يستفيد منها الأديب قبل إنشاء النص ، وتنتهي مهمتها عند الانتهاء من كتابته ، فالبلاغة علم تعليمي - يعلمنا كيف نعبر عن المعاني تعبيراً محددا لها - وكيف نريد من تبيين المعني والعاطفة وكيف ننسق الأسلوب والصياغة.
2- أما النقد الأدبي فهو علم وصفي ، فهو يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبى عند تقويمه - بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو عليه بالرداءة.
3- والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله - أي قبل بدء الكتابة - إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته، وتمحيصه.
4- ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن - فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة - كما يخضع لحد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية.
النقد كغيره من العلوم النظرية .. لا تعريف محدد له و إختلفت مفاهيمه لدى الكتاب والادباء .. لذا سنأخذ هنا مثالين فقط من الكتاب أحدهم عربي و الآخر فرنسي كممثلين للأدب العربي و الغربي ...
ووقع أيضا إختياري عليهم من بين أكثر من كاتب او ناقد لانهم مختلفين من حيث وجه نظرهم حيث الأول اكثر تشددا في النقد .. والأخير اكثر موضوعية.
رغم ان وجهه نظرهم لا تعتبر بالضروره وجه نظر الكثير من ادباء و عصرهم سأكتب تعريفاتهم للنقد و نظرتهم له .. و السلبيات ثم أطرح تعريف النقد بصوره عامه و في النهايه سأفرد تعريفي الخاص ووجه نظري المتواضع لعلم النقد او فن النقد الأدبي ..
أولا تعريف النقد بالنسبة للدكتور طه حسين ..
النقد عنده هو منهج فلسفي لابد أن يتجرد الناقد من كل شيء و أن يستقبل النص المطلوب نقده و هو خالي الذهن مما سمعه عن هذا النص من قبل ..
و أن يخلي نفسه من القومية و من الديانة و من انحيازه إلى لغة معينه أو طائفة معينه في نظر طه حسين النقد عبارة عن دراسة بحثيه للنص ...
أي يبحث عن الفنيات ثم اللغويات و الخ ..
و بهذه لطريقة أصبح الدكتور طه حسين يقلل من معظم الأعمال التي قرأها في تحليلاته و نقده و أوضح مثال لذلك ما قاله عن الشعر الجاهلي في كتابه المفيد حقا (في الشعر الجاهلي)
حيث انه قال " أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححت في الشك ، أو قل ألح عليّ الشك ، فأخذت أبحث أفكر وأقرأ وأتدبر ، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين . ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء " .
وأتبعه قائلا معقبا موضحا نظرته " ولا أضعف عن أن أعلن إليك وإلى غيرك من القراء أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء ؛ وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين ".
قد يكون كلامه صحيح .. لكنه الوحيد الذي أعلن هذه المعلومات ربما لأنه اندمج في تحليلاته للنصوص و بحثه بين الكلمات أكثر!
وإذا تعمقنا أكثر عن هذا سندخل في مناهج النقد وأنواعه، مما يجعلني أتوقف عند هذه النقطة مؤقتا ..!
وفي رأيي المتواضع أن النقد البحثي لهو أصعب أنواع النقد حيث انه يبحث حتى فيما بين الكلم لكنه يصيب المنقود أو الشيء المراد نقده بالتفككية و يصيب النص بنوع من فقدان الجمال .. فكيف نرضى أن نشرب جزيئان من الهيدروجين و جزء من الأوكسجين .. نحن نشرب الماء .. لانه ماء
ثانيا النقد بالنسبة لـ رولان بارت ...
رولان بارت من أشهر الناقدين الفرنسيين و كعادة الغربيون عندما يشرحون شيئا فهو قال عن النقد جملة واحدة في مقاله " ما هو النقد ؟ "
ثم بدأ في شرح ما بين الكلمات في هذه الجملة ..
فقد قال مبسطا للغاية نظرته للنقد .
" النقد هو خطاب حول خطاب .. أو هو لغة واصفة ! "
ثم أوضح في ظل هذا التعريف أن النقد قائم على علاقتين:
1- علاقة الناقد بلغة الكاتب
2- و علاقة الكاتب بالعالم
و هو على غير ما اعتقده الدكتور طه حسين حيث انه الأخير قال إن من شروط الناقد أن يكون معتزلا عن حوله و أن يكون ذهنه خاليا متفرغا للنص من كل شيء!
ثم بدأ في رحله إلى فتره النقد الكلاسيكية في الزمن الكلاسيكي أعوام 1800 و فيما بعدها و قال عن النقد وقتها انه يستند إلى ثلاث قواعد
الموضوعية – و الذوق – و الوضوح
فلنبتعد عن الغور في مفاهيم النقد الأساسية لان هنا دراسة تمهيديه أي إنها ليست دراسة كاملة ... لذا سأرحمكم من ثرثرتي و سآخذكم الى المفيد لنا في تعريفات النقد ...
ثالثا معنى النقد عاما:
في اللغة نفسها كان معنى النقد هو : بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته حيث ما هو مذكور في المعجم الوجيز
ملحوظه : ذكر ايضا تاريخ كلمه النقد الادبي و أصل الكلمه .. الخ !
أما في الأدب معناه النقد : دراسة النصوص الأدبية في الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ، وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها
بصفه عامه و باختصار النقد هو نقد الكلام و معرفة الجيد منه عن الرديء و يذكر محاسن الكلم و عيوبه سواء كان شعرا أو نثرا
رابعا النقد بصفة علمية:
النقد الأدبي هو علم وصفي يتضمن أصول و قواعد نقدية تطبق على النص الأدبي عند تقويمه ( أي المراجعة ) بعد تحليل النص و تفسيره ثم ينتج الحكم سواء كان جيدا أو رديئا ..!
و علم يجمع بين الذاتية و الموضوعية .. ذاتيه رأي الكاتب و نظرته للنص و موضوعيته في إبداء آراءه بكل صدق و أمانه نقل .
خامسا: النقد بصفة شخصية:
في وجه نظري النقد هو النظر للموضوع بطريقة كاتبه .. فإختلاف شرح (على سبيل المثال) غروب الشمس تختلف من كاتب لآخر و يكتبه كل كاتب على طريقه تعلمه ومدرسته المنتمى إليها .. و أيضا طريقه حياته او حتى تختلف بطريقه جو القصه او الخاطره ..
النقد هو مرآة تعكس وجه نظر الكاتب بطريقه أكثر علميه .. نستطيع بكل بساطه ان ننقد من وجه نظرنا ... لكن نظرنا من خلال نافذه كلمات الكاتب
و انا أعتبر ان طريقتي أكثر تشددا من طريقة بارت و أخف تشددا من طريقة طه حسين حيث إني أتجنب التفككيه للنص و النقد للنص الكامل ...
ربما سأكون أكثر شرحا لنظرتي للنقد في الفصل القادم ان شاء الله تعال
سادسًا: الخلاصـــة:
النقد هو معرفه الرديء من الكلم في النص الأدبي و محاولة تصحيحة بطريقة حيادية ومعرفه الجيد في الكلم ومحاوله تظهيره بطريقه موضوعية
الفروق بين علوم البلاغة والنقد
1- وهذه العلوم الثلاثة للبلاغة هي علوم جمالية يستفيد منها الأديب قبل إنشاء النص ، وتنتهي مهمتها عند الانتهاء من كتابته ، فالبلاغة علم تعليمي - يعلمنا كيف نعبر عن المعاني تعبيراً محددا لها - وكيف نريد من تبيين المعني والعاطفة وكيف ننسق الأسلوب والصياغة.
2- أما النقد الأدبي فهو علم وصفي ، فهو يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبى عند تقويمه - بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو عليه بالرداءة.
3- والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله - أي قبل بدء الكتابة - إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته، وتمحيصه.
4- ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن - فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة - كما يخضع لحد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية.
النقد كغيره من العلوم النظرية .. لا تعريف محدد له و إختلفت مفاهيمه لدى الكتاب والادباء .. لذا سنأخذ هنا مثالين فقط من الكتاب أحدهم عربي و الآخر فرنسي كممثلين للأدب العربي و الغربي ...
ووقع أيضا إختياري عليهم من بين أكثر من كاتب او ناقد لانهم مختلفين من حيث وجه نظرهم حيث الأول اكثر تشددا في النقد .. والأخير اكثر موضوعية.
رغم ان وجهه نظرهم لا تعتبر بالضروره وجه نظر الكثير من ادباء و عصرهم سأكتب تعريفاتهم للنقد و نظرتهم له .. و السلبيات ثم أطرح تعريف النقد بصوره عامه و في النهايه سأفرد تعريفي الخاص ووجه نظري المتواضع لعلم النقد او فن النقد الأدبي ..
أولا تعريف النقد بالنسبة للدكتور طه حسين ..
النقد عنده هو منهج فلسفي لابد أن يتجرد الناقد من كل شيء و أن يستقبل النص المطلوب نقده و هو خالي الذهن مما سمعه عن هذا النص من قبل ..
و أن يخلي نفسه من القومية و من الديانة و من انحيازه إلى لغة معينه أو طائفة معينه في نظر طه حسين النقد عبارة عن دراسة بحثيه للنص ...
أي يبحث عن الفنيات ثم اللغويات و الخ ..
و بهذه لطريقة أصبح الدكتور طه حسين يقلل من معظم الأعمال التي قرأها في تحليلاته و نقده و أوضح مثال لذلك ما قاله عن الشعر الجاهلي في كتابه المفيد حقا (في الشعر الجاهلي)
حيث انه قال " أني شككت في قيمة الشعر الجاهلي وألححت في الشك ، أو قل ألح عليّ الشك ، فأخذت أبحث أفكر وأقرأ وأتدبر ، حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقينا فهو قريب من اليقين . ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء " .
وأتبعه قائلا معقبا موضحا نظرته " ولا أضعف عن أن أعلن إليك وإلى غيرك من القراء أن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة أو ابن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء الناس في شيء ؛ وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين ".
قد يكون كلامه صحيح .. لكنه الوحيد الذي أعلن هذه المعلومات ربما لأنه اندمج في تحليلاته للنصوص و بحثه بين الكلمات أكثر!
وإذا تعمقنا أكثر عن هذا سندخل في مناهج النقد وأنواعه، مما يجعلني أتوقف عند هذه النقطة مؤقتا ..!
وفي رأيي المتواضع أن النقد البحثي لهو أصعب أنواع النقد حيث انه يبحث حتى فيما بين الكلم لكنه يصيب المنقود أو الشيء المراد نقده بالتفككية و يصيب النص بنوع من فقدان الجمال .. فكيف نرضى أن نشرب جزيئان من الهيدروجين و جزء من الأوكسجين .. نحن نشرب الماء .. لانه ماء
ثانيا النقد بالنسبة لـ رولان بارت ...
رولان بارت من أشهر الناقدين الفرنسيين و كعادة الغربيون عندما يشرحون شيئا فهو قال عن النقد جملة واحدة في مقاله " ما هو النقد ؟ "
ثم بدأ في شرح ما بين الكلمات في هذه الجملة ..
فقد قال مبسطا للغاية نظرته للنقد .
" النقد هو خطاب حول خطاب .. أو هو لغة واصفة ! "
ثم أوضح في ظل هذا التعريف أن النقد قائم على علاقتين:
1- علاقة الناقد بلغة الكاتب
2- و علاقة الكاتب بالعالم
و هو على غير ما اعتقده الدكتور طه حسين حيث انه الأخير قال إن من شروط الناقد أن يكون معتزلا عن حوله و أن يكون ذهنه خاليا متفرغا للنص من كل شيء!
ثم بدأ في رحله إلى فتره النقد الكلاسيكية في الزمن الكلاسيكي أعوام 1800 و فيما بعدها و قال عن النقد وقتها انه يستند إلى ثلاث قواعد
الموضوعية – و الذوق – و الوضوح
فلنبتعد عن الغور في مفاهيم النقد الأساسية لان هنا دراسة تمهيديه أي إنها ليست دراسة كاملة ... لذا سأرحمكم من ثرثرتي و سآخذكم الى المفيد لنا في تعريفات النقد ...
ثالثا: معنى النقد عاما:
في اللغة نفسها كان معنى النقد هو : بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد فحصه ودراسته حيث ما هو مذكور في المعجم الوجيز
ملحوظه : ذكر ايضا تاريخ كلمه النقد الادبي و أصل الكلمه .. الخ !
أما في الأدب معناه النقد : دراسة النصوص الأدبية في الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ، وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها
بصفه عامه و باختصار النقد هو نقد الكلام و معرفة الجيد منه عن الرديء و يذكر محاسن الكلم و عيوبه سواء كان شعرا أو نثرا
رابعا: النقد بصفة علمية:
النقد الأدبي هو علم وصفي يتضمن أصول و قواعد نقدية تطبق على النص الأدبي عند تقويمه ( أي المراجعة ) بعد تحليل النص و تفسيره ثم ينتج الحكم سواء كان جيدا أو رديئا ..!
و علم يجمع بين الذاتية و الموضوعية .. ذاتيه رأي الكاتب و نظرته للنص و موضوعيته في إبداء آراءه بكل صدق و أمانه نقل .
خامسا: النقد بصفة شخصية:
في وجه نظري النقد هو النظر للموضوع بطريقة كاتبه .. فإختلاف شرح (على سبيل المثال) غروب الشمس تختلف من كاتب لآخر و يكتبه كل كاتب على طريقه تعلمه ومدرسته المنتمى إليها .. و أيضا طريقه حياته او حتى تختلف بطريقه جو القصه او الخاطره ..
النقد هو مرآة تعكس وجه نظر الكاتب بطريقه أكثر علميه .. نستطيع بكل بساطه ان ننقد من وجه نظرنا ... لكن نظرنا من خلال نافذه كلمات الكاتب
و انا أعتبر ان طريقتي أكثر تشددا من طريقة بارت و أخف تشددا من طريقة طه حسين حيث إني أتجنب التفككيه للنص و النقد للنص الكامل ...
ربما سأكون أكثر شرحا لنظرتي للنقد في الفصل القادم ان شاء الله تعال
سادسًا: الخلاصـــة:
النقد هو معرفه الرديء من الكلم في النص الأدبي و محاولة تصحيحة بطريقة حيادية ومعرفه الجيد في الكلم ومحاوله تظهيره بطريقه
الأساليب الخبرية و الإنشائية
أولاً: الأسلوب الخبري:
تعريفه:
هو الذي يحتمل الصدق والكذب لذاته بغض النظر عن مصدر مثال: الشمس ساطعة ، العلم نور، الله أكبر.
ملحوظة: هناك أخبار موجبة التصديق كأخبار الله تعالي كما أن هناك أخباراً موجبة التكذيب كأخبار الكافرين.
أغراض الأسلوب الخبري:
أ - الخبر الحقيقي وغرضه التقرير و يكثر في الأمثال والحكم والحقائق العلمية والأمور التي لا تقبل الشك.
أمثلة: (الأرض تدور حول الشمس/ الدين المعاملة/ الوقت من ذهب)
ب – الخبر الأدبي: فهو الذي يتعلق بشعور قائله وحالته العاطفية وهنا يخرج الخبر عن حقيقته إلي أغراض أخري والتي تفهم من سياق الكلام وتسمي الأغراض البلاغية ومنها: (التهديد ، الأسى والتحسر ، النصح ، المدح ، الفخر ، السخرية ، التحذير ، الاستعطاف ، التعجيز..) والمرجع لمعرفة ذلك العقلُ السليم والذوق الأدبي.
أمثلة علي أغراض الخبر الأدبي:
1- " أبغض الحلال إلي الله الطلاق " - أسلوب خبري للتحذير.
2- " إن جهنم كانت مرصاداً للطاغين مآباً " – أسلوب خبري للتهديد.
3- " رب إني وضعتها أنثي " – أسلوب خبري للتحسر.
4- إنّ جَلَّ ذنبي عن الغفران لي أملُُ في الله يجعلني في خير معتصم غرضه الاسترحام.
5- فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكبُ غرضه المدح
6- أنا الذي نظر الأعمى إلي أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ غرضه الفخر.
7- حَمَلْتَ أنفا يراه الناس كلهم من ألف ميل عِياناً لا بمقياس للسخرية.
8- إن شرّ الجناة في الأرض نفس تتوقي قبل الرحيل الرحيلا غرضه النصح.
ثانياً: الأسلوب الإنشائي:
تعريفه: هو الذي لا يحتمل الصدق أو الكذب لذاته ، فلا ينقل المتحدث به خبراً ، وإنما يُنشئ به شيئاً معيناً غير حاصل وقت التكلم ، ولذلك لا يصح أن يُقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب.
تأمل هذا المثال: " هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ " ، تجد أن الله تعالي لا يأمر الكافرين في " أروني " لمجرد الطلب ، وإنما أنشأ لهم هذا الأمر علي سبيل التعجيز ، فالرؤية هنا غير حاصلة وقت التكلم.
الاتجاهات النقدية فى المسرحية الساخرة
«موازنة بين مسرحية الضفادع لارستوفانس »
وبين ثورة الشطرنج لنبيل خلف
تأليف د/إيناس ناجى المحمدى
المسرحية التراجيدية اليونانية بين الترجمة و المعالجة الدرامية
ورثت الحضارة اليونانية التى بلغت أوج ازدهارها فى القرن الخامس قبل الميلاد – ذخيرة رائعة من الأساطير والخرافات التى انحدرت إليها من عصورها السحيقة – و لقد كان شعراء التراجيديا القدامى ، يستمدون معظم موضوعات مسرحياتهم من هذا التراث الثرى ، المشبع بشتى الرموز والدلالات الإنسانية العميقة .. ولم يقتصر هذا التراث على المستلهمين من أصحاب القدامى فحسب ، و إنما بقى يوحى للراغبين من الفنانين والشعراء و مؤلفى الدراما ، بالأفكار و الأطر الشكلية ، مما حقق للثقافة الغربية طوال مسيرتها التطور فى فنونها وآدابها 0
ولعل اهم تأثير للثقافة الكلاسيكية القديمة فى الفكر و الأدب المعاصرين ، يتجلى فى استمرار إعادة تفسير الأساطير والخرافات اليونانية والرومانية ، و بعث نبض الحياة الحديثة فيها 0
ففى القرون الأولى من العهد المسيحى إزهرت المدارس ، وكثر النحويون ، وسرعان ما إندمج هؤلاء النحويون فى الأوساط التعليمية والمدارس العظيمة التى كانت الأديرة مأوى لها . و فى هذه الآونة كان «تيرانس وسنيكا» فى الأسلوب الاتينى ، ولهذا السبب ، ومهما قيل فى آثام الحفلات الشعبية ، فإن مؤلفات هذين الشاعرين لم تفقد قط مكانها فى الأرفف المكتظة بغير ذلك فى المذاهب الدينية 0
ثم جاءت النهضة ، تلك التى ولدت فيها من جديد روح الحماسة لشئون الكلاسيكية ، ثم أتصلت الملهاة والمأساة مرة أخرى بالمسرح ( بعد أن كانتا مقصورتين على التلاوة0 واهتم الناس بطبيعة الحال بهوراس من جديد ، حينما عرفوا قيمة أرسطو مرة أخرى ، أشتد شغف الكثيرين منهم بتدوين دراسات فى النقد فى كل من المسرحيات القديمة ، و المسرحيات الأحدث منها عهدا . و لم يكن لأرسطو نصيب من الفكر خلال المعصور الوسطى كلها ، و لم يكن أحد يعرف عنه الا قليلا من نسخة عربية قام بها أبن رشد ، فترجمها عنه بدوره الى اللاتينيةفى القرن الثالث عشر العلامة هرمان Herman ، و عملية الترجمة بين لغتين مختلفتين فتعنى أن يقوم المترجم بتحويل نص مكتوب أصلىoriginal و هى ما يسمى بالنص المصدر Source Text إلى نص مكتوب يسمى بالنص المستهدف Target Text ، وهذا النوع ينتمى إلى ما يسمى بالترجمة بين لغتين ( )0
ولم يعرف العالم أرسطو معرفة حقيقية إلا حينما أكتشف مرة أخرى المخطوط الكلاسيكى فى القرن الخامس عشر ، بل كان الناس حتى فى ذلك الوقت يتعثرون فى محاولاتهم تفسير عباراته ، ثم جاءت فى سنة 1948 تلك الترجمة اللاتينية غير الوافية التى قام با جيورجيو قاللا ، و لقد ك ان لهذه الترجمة الفضل فى تبنية الأذهان إلى أعمال هذا الفيلسوف ، كما ضمنت قدرا من النجاح لأول مرجع يونانى نشرة ألدوس سنة 1508 ، و للترجمات الكثيرة باللغتين اللاتينية والدارجة ، و للأبحاث التى لا عدد لها بناها أصحابها على أقواله . و من الغرابة بمكان ، بالقياس إلى العبقرية المستقلة الخلاقة التى اتسمت بها النهضة ، أن يميلنقادها إلى السطحية والأحكام الآلية . والظاهر ان شغفهم بالآثار الكلاسيكية جعلهم يرفضون الإعتراف بأصالة «شىء ما إلا ما يصوره تفكيرهم أنه من الفن القديم والحضارة القديمة ، فمنذ أن أصدر فيدا كتابه » «فى فن الشعر» وما تلاه من تلك السلسلة من أبحاث النقد المنثورة و المنظومة ، و نحن نسمع ذلك النداء «اقتفوا آثار الأقدمين»
وسرعان ما أقام النقاد الإيطاليون لأنفسهم فى فرنسا مكان رفيع الشأن ، فلقد كان البلاط الفرنسى على صلة وثيقة «ببيوتاتما نتوا » و «فلورنسة» ، ولقد أصبح كاستلفترو سكاليجر أستاذين فى فن النقد ، و أصبح الناس ينظرون الى أرسطو نظرتهم الى نبى الحكمة الأزلية الملهم . وأصبح النظام الكلاسيكى متبعا فى العالم بأسره ، و منذ ذلك الوقت شغل العالم بأسره بالمسرح اليونانى و المسرحيات اليونانية .. وجاء إنشغال العرب بهذا المسرح متأخرا0
«تأثير المسرحية التراجيدية اليونانية المترجمة فى الأدب العالمى»
أثرت المسرحية التراجيدية اليونانية المترجمة الى لغات عدة فى الأدب العالمى تأثيرا كبيرا. فالمسرحية اليونانية التراجيدية تعتبر من أخطر وأروع الفنون الأدبية التى جاءت بها قريحة اليونان ، فنجد أن المسرحية اليونانية التراجيدية قد لعبت دورا خطيرا فى إيطاليا وأثرت على دانتى العظيم 0 حقا إنه لم يكن يقرأ اليونانية ، ولكنه عرف شعراء المسرح اليونانى من تلاوته للمسرحيات اللاتينية . و فى فرنسا أهتم الأدباء بدراسة المسرحية اليونانية التراجيدية اهتماما شديدا فعكفوا على تلاوتها مرة بعد مرة ، بل منهم من حفظ بعضها او فقرات منها ن و منهم من ترجمها الى الفرنسية او اقتبس منها او قلدها .
و لقد فعل أدباء إنجلترا و ألمانيا ما فعله زملاؤهم فى فرنسا وإيطاليا فترجموا هذه المسرحيات الى الإنجليزية ، و درسوها و علقوا عليها 0
مسرحيات شكسبير الإغريقية :
يقول هيجت إنه من بين أعمال شكسبير الأربعين بما فى ذلك القصائد القصصية و السونيتان هناك سته أعمال تعالج موضوعات مأخوذة من التاريخ الرومانى ، و أربعة منها متصلة بالعصر الجمهورى ، وهى لو كريس و كوريولاس و يوليوس قيصر ، و أنطونى و كليوباترا و إثنتان متصلتان بالعصر الإمبراطورى ، إحداهما هى «سيمبيين» تتحدث عن أوائله اى اوائل العصر الإمبراطورى ، والثانية تتحدث عن أواخره و هى «تيتوس أندرونيكوس»
«و هناك ستة أعمال شهدت بدايات الغزو البربرى للإمبراطورية الرومانية و هناك ستة أعمال شهدت بدايات الغزو البربرى للإمبراطورية الرومانيه وهناك ستة أعمال أخرى ذات خليقة إغريقية و هى : - كوميديا الأخطاء ، وتيمون الأثينى ، » و «فينوس و أدونيس » و حلم منتصف ليلة صيف ، و« بركليس »( )0
والمعالجة : هى محاكاة للنص الأصلى بالشكل الذى يسمح بالتغيير و التعديل حسب مقتضيات العصر و الحاجة 0
ومن الهام أن نذكر سونتيات Sonnets شكسبير قد تضمنت مقطوعتين من إله الحب الصغير كيوبيد ، و أن قصيدة «فينوس و أدونيس » لشكسبير قد استوحى فكرتها من اسطورة أوفيديوس ( )0
و كذلك مسرحية «أريوستو» مقتبسة من مسرحية «الأسرى لبلاوتوس» ويضيف مولير الى ان مصادر مسرحية كوميديا اللأخطاء مسرحية أندريا او « فتاه أندروس لترتينوس » ( )0
أما مسرحية «حلم منتصف ليلة صيف » فنجد أن مصادرها أسطورة بيراموس وتييبس . واستقى شكسبير مادة مسرحيته «تيمون الأتينى» من سير« بلوخة بلوتارخوس ترجمة السير توماس»( )0
أما مسرحية «ترويلوس وكريسيد» وهى مسرحية لشكسبير فهى أسطورة إغريقية ، وترويلوس هو الطروادى الصغير 0 و لقد حدد كل من موير و بللو تسعة مصادر رئيسية لهذه المسرحية :
1. ترجمة تشابمان للإلياذة هو ميرس ( )0
2. تناسخت أوفيدوس ترجمة أرثر جولدنج 0
3. تاريخ حصار وتدمير طروادة بقلم ليدجيت 1513م.
4. مجموعة قصص طروادة تأليف ليفييفرو ترجمة ويليام كاكستون عام 1474م.
5. «عهد كريسيد» لروبوت هنوسون 1593م.
6. حبكة «ترويلوسو كريسيدا» فى مخطوط معروف بالمتحف البريطانى
7. ترويلوس و كريميدا لتشوسر.
8. إينياده فرجيليوس .
9. ترجمة دى لا لاندى Delalande لرواية ديكتس الكريتى ( )0
أثر المسرحية اليونانية التراجيدية على مسرح سنيكا ، و كورنى ، وراسين:
«فى البداية راسين ينتمى الى عائلة تنتمى الى جماعة البيودتياثين (الطهريين الكاثوليك) الذين عرفت حركتهم باسم (الجنسية) نسبة الى عالم اللاهوت الهولندى . وتقوم الحركة الجنسية على أن الإنسان مسلوب الإرادة ، وبأن الخلاص من شرور الدنيا مقصور على فئة قليلة من أتباع الكنيسة الروقية الكاثوليكية»
و مع أن هذا الحركة قد أدانت المسرح كعمل من أعمال الشيطان ، الا أنها نفسها المسئولة عن ثقافة راسين العريضة فى الآداب اذ أن مدارس راسين من أهم مراكز نشاط هذه الجماعة ، وهى المدارس التى أعطت راسين تعليما و تربية سليمة ، وكان من بين دروس هذه المدارس تعلم اللغة الإغريقية وقراءة نصوص مؤلفيها العظام ( )0
و لقد أعد راسين تراجيدياته بطريقة خاصة حيث كان يقدم أعماله لتعرض فى البلاط ، لذا كان لزاما عليه أن تتسم بإخفاء المعانى و عدم الإفصاح عنها ضمانا ليس فقط للنجاح ولكن أيضا للبقاء 0
«و لهذا تتردد كلمات » الإخفاء – السوية – الإعلام «بكثرة فى تراجيديات راسين .بل إن موضوعات راسين المسرحية ذاتها تقوم فى الغالب على محاولة الكشف عن أسرار معينة دفينة ، إن هذه المحاولة نفسها تشكل الحدث الدرامى لمسرحياته . و ينعكس كل ذلك على أسلوب راسين الذى تشير لغته الى الحقيقة دون أن يتفوه بها مباشرة مثل ما يحدث فى النبوءات الإغريقية »( )0
ولهذا فإن مسرح راسين تأثر بفكرة النبوءات الإغريقية الى حد بعيد . وهناك تناقض حاد و صراع مستمر بين المشاعر الخفية والأحاسيس المكبوته او الكلمات المنطوقة على ألسنة الشخصيات 0
أن تصبح السخرية الدرامية سلاحا قويا فى يدراسين ، الذى بالفعل يستغلها أحسن استغلال 0ولا شك ان محافظة راسين على الوحدات الثلاث «المكان - الزمان - الحدث» كانت وراء تفوقة فى الحبكة الدراسية 0
«فمسرحيات راسين تتناول العاطفة الجامحة والظروف المعقدة الى جانب قسوة الآلهة لكى ترسل الأبطال الى الكارثة ، ولعل التعاليم الجنسية و لا سيما روح التشاؤم التى تصر على إغلاق كل باب لأمل فى الخروج من المأزق و هى التى تكمن وراء مؤلفات راسين التراجيدية »( )0
«و يرى النقاد أن هناك تضاربا و تناقضا عميقين بين الباروكية و روح التراجيدية التقليدية»0
« فلقد نظر كتابراسين الى القوى الطويلة التى تحكم العالم ك قوى حكيمة و عادلة حيث يصبح من الإلحاد أن يجار المرء بالشكوى ضدها »
«يوربيدس تأثر دون شكل بالحركة السوفطائية . و أخذ يشعلها ثورة على الأساطير الإغريقية القديمة التى تدور حول آلهة الأوليمبوس ويقود تمردا فكريا على تقاليد الإغريق الموروثة ، و ذلك فى إطار انتقاداته العنيفة للمجتمع الأثينى و حياته السياسية والاجتماعية والدينية - فمن المعروف أن يوريبدس قد طرح أفكارا جديدة عن نظام الحكم و الديانة و الحياة الأسرية و المرأة التى هاجمها هجوما مريرا ، حتى إنه لقب بعدو المرأة »( )0
و كان على يوربيدسأن يجدد فى شكل البناء الدرامى حتى يتلائم مع المضامين الجديدة، وفى المسافة بين يوربيديس الذى عاش إبان القرن الخامس ، ق 0 م فى أثينا و بين سنيكا الذى عاش إبان القرن الأول الميلادى فى روما طرأت تحولات مادية و فكرية هائلة على العالم الإغريقى الرومانى 0 و أهمها هو أن الفلسفة حلت محل الدين 0 حيث بدأ الناس يشكون فى قدرة آلهة اوليمبوس و نوياهم0
وعلى هذا فإن سنيكا تبنى موضوعات التراجيديا الإغريقية كما هى بشخوصها و أحداثها الأسطورية و أبطالها و آلهتها 0 إلا أن الديانة فيها لم تعد عقيدة و إنما هى موضوع أدبى قديم أو زخرفى تقليدى تحكى به الأعمال الأدبية 0 نعم لقد حلت الفلسفة الرواقية فى مسرح سنيكا محل الديانة الأوليمبية فى مسرح إيسخولوس و سوفوكليس ويوريبيدس - وهكذا فإن المبادىء والتعاليم الرواقية تمثل جوهر تراجيديات سنيكا ومضمونها الأساسى ( )0
يوربيدسوراسين ن:
لا يختلف أحد حول تأثير يوربيدس العظيم على راسين ، فكان راسين إمتدادا ليوربيدس فى الاتجاهات والرؤى . والرؤى . ولكن ينبغى ان لا يجعلنا هذا ان ننفى تأثيرات سنيكا الواضحة على المسرح لراسينى بل و المسرح الأوروبى كله فكان سنيكا القنطرة التى عبرت عليها التراجيدية الإغريقية على المسرح الأوروبى بيد أن هناك قاسما مشتركا بين سنيكا وراسين وهو موقفهما من التراث الأسطورى القديم كوسيلة للتعبير عن آراء عصرية ، الأول يستغل الأساطير للتعبير عن فلسفته الرواقية ، و التى وهو راسين يشرح من خلالها معتقداته الجنسية 0
كورنى و النموذج الإغريقى :
«بداية من كورنى و مرورا بسنيكا ثم راسين نجد أن النموذج الإغريقى او المسرحية التراجيدية اليونانية هى أساس التكوين الفنى لدى كل منهم ( )0» فجعل كورنى المسرحية اللتراجيدية اليونانية نموذجا للمسرح المثالى ، إلى جانب نظرته الساخرة للآلهة، فتراه يجعل من اسطورة أوديب الحزين مادة لمسرحية تراجيكوميدية 0 أى مسرحية تجمع بين الكوميديا و التراجيديا فى إطار واحد و تنتهى نهاية سعيدة0
فاجنر :
«و لكى يتعلم فاجنر كيف يحقق أساطيره على المسرح ، مضى فى نفس الطريق الذى سبقه إليه كورنى وراسين ، و هو الرجوع الى المسرحية التراجيدية الإغريقية ليجد فيها مبادىء فنه الأساسية ، و لكن فاجنر شأنه شأن راسين و كورنى مرة أخرى وجد نفسه يبحث عن فاجنر بين صفحات المسرحيات الإغريقية ، فقد التمس فى مسرحة الجمال الطاغى للمثل الأعلى المسرحى 0 و كان بودلير يرى فى فن فاجنر إختلافا عن فن سوفوكليس ، حيث أن روح المأساة الإغريقية التى عادت فى فاجنر إختلفت لإعتنائة الشديد بالإيقاع الموسيقى و بالخطاب الحماسى الذى كان معه يستحيل على المغنى ان يزيغ عن مقطع كلمة واحدة كنسق زخرفى »( )0
أثر المسرحية التراجيدية اليونانية على المسرح العربى :
ولم يقتصر تأثير المسرحية التراجيدية اليونانية على أدباء الغرب بل تعداهم إلى كتاب الشرق المحدثين 0 فأهتم طه حسين بدراسة المأساة اهتماما بالغا ، وترجم عددا كبيرا ( )0 من روائع سوفوكليس ترجمة مقنعة 0 لقد ظل طه حسين مقبلا ، حتى نهاية دراسته فى باريس على الثقافة الإغريقية اللاتينية ن و بدلا من أن يتحيز لبحوثه فى التاريخ إلى موضوعات مستمدة من التراث العربى أقدم على إعداد بحوث (تتصل بالتراث ) الكلاسيكى بإشراف أستاذ صارم وهو جوستاف بلوك 0 ومن ذلك بحثه و عنوانه «القضايا التى رفعت على حكام الأقاليم كما يصورها بلينوس الشابفى رسائلة( )0او بحثة الآخر الذى نال به دبلوم الدراسات العليا (E.S) و عنوانه (القضايا التى أقيمت فى روما على حكام الأقاليم الذين أهانوا جلال الشعب الرومانى و غضوا من شرفه فى عهد ثيباريوس كما صورها المؤرخ تامسيت) و فضلا عن إتقانه اللغة اللاتينية و استئناسة بكتابتها ، فإن هذه البحوث يغلب عليها الطابع القانونى جعلته يغرق فى الفقة الرومانى و لم يكن له من بد من أن يقارن مادة الفقة الرومانى و مادة أصول الفقة التى كان يتلقاها فى الأزهر والتى وصفها بقوله (علم غريب جدا) ( )0 »
عاد طه حسين الى القاهرة عام 1919م وعين أستاذ التاريخ القديم فى الجامعة (الأهلية) و بدأ تدريسه بالحديث عن بلاد اليونان، فأبرز فضل الحضارة الإغريقية على العالم 0
وأخذ نفسه بدعوة جمهور واسع من طلابه الى النهل من ينابيع المسرح اليونانى ، والففى هذا الصدد العديد من الكتب 0
وشرع فى ترجمة آثار سوفوكليس و يوريبديس الى اللغة العربية ، لأن تراث العرب يخلو من فن المسرح ، و لأن المحاولات التى تمت فى القرن التاسع عشر لمحاكاة المسرح البورجوازى لم تثمر شيئا ( )0
فكان على طه حسين ان يشق ريقا مسدودا ، حين بدأ فى تبيين ما هية المسرح الإغريقى ، و ذلك بوضوح النصوص الأصلية فى متناول ايدى فنانى الأمة قاصدا فى ذلك أن يهديهم إلى الشكل الفنى الأرقى فى الذى من شأنه أن يتيح لهم سبل التعبير عن العلاقات بين الإنسان و ذاته ، وبين الإنسان وقدرة0
ودعا طه حسين إلى ترجمة التراث اليونانى خاصة المسرحيات التراجيدية لما لها من اثر كبير على الأدب العالمى بأثره( )0
ويعتبر طه حسين أول مترجم للمسرحية اليونانية التراجيدية ، بل هو أول من شرع بتدريس الآداب اليونانية فى المدارس والجامعات 0
وهناك المترجمون و المؤلفين العرب الذين عكفوا على ترجمة المسرحية اليونانية التراجيدية فمنهم إسماعيل البنهاوى ( )0
فله العديد من الترجمات للمسرحيات اليونانية فترجم مثلا «أودستين ليوربيدس، وإفيجينيا فى تاوروس وإفيجينيا فى أوليس و الطرواديات و المستجيرات و إلكترا و إندرماخى وكلها أعمال ليوربيس، وألف إفجينيا و برومثيوس0
وكذلك د/ عبد المعطى شعراوى فقد ترجم هيبولويتوس ليوربيدس و عابدات باخوس»
وقدم د/ لويس عوض للمكتبة العربية ترجمات مهمة متعددة ، بدأت منذ الاربعينيات من القرن العشرين ، حيث قدم لقراء العربية وكتابها فن الشعر لهوراس «1945» وبرومثيوس طبقا ل شيلى «1946»، وأجاممنون لاسخيلوس «1966» و أنطونيوس وكليوباترا لشكسبير «1968» والصافحات لاسخيلوس أيضا «1969» و أقوال أفلاطون فى محاورة أيون و فى الجمهورية حول فن الشعر0
ولم يقتصر الاهتمام بالمسرحيات التراجيدية اليونانية على الترجمة فقط بل تعدى الى المعالجة والتأليف0
الأدب الإغريقى له أهمية كبرى خاصة الأدب المسرحى ، وهذه الأهمية للأدب الإغريقى و مختلف علوم المعرفة توصل اليها قله من الأدباء و المفكرين العرب ، و المصريين من أهمهم:
طه حسين و فؤاد زكريا و عبد الغفار مكاوى و يحيى عبد الله و إسماعيل البنهاوى و صقر خفاجى و عبد المعطى شعراوى و فوزى فهمى ، وعلى أحمد باكثير0
«و نجد أن قلةمن الأدباء الذى عكف على التأليف منهم: إسماعيل البنهاوى من خلال مسرحية إفيجينا و برومثيوس، و توفيق الحكيم فى مسرحية أوديب ملكا ، و مسرحية بجماليون ، و كذلك مسرحية براكسا المستوحاة من ارستوفانيس»( )0 وملساة أوديب لعلى احمد باكثير 0
كما نجد ان لفوزى فهمى مسرحية عودة الغائب المستمدة من أوديب ملكا لسوفوكليس ، و الفارس و الأسيرة المأخوذة عن إندرماخى ليوربيدس0
ولعبد الغفار مكاوى مسرحية مستوحاة فكرتها من أوديب ملكا و هى دموع اوديب 0 وهناك كاتب آخر هو يحيى عبد الله نجد أن كل أعماله مستوحاه من المصادر الكلاسيكية الإغريقية 0
«وهكذا فيعتبر يحيى عبد الله هو الكاتب العربى الوحيد الذى لم تكن كتاباته المسرحية المستقاة من الدب الإغريقى مجرد تجربة بل كانت منهجا و إسلوبا »( )0
فنجد ليحيى عبد الله أعمال مثل :
مأساة لبنى ، و الكلاب تحت المائدة ، ومسرحية «سكان ما بعد ريح الشمال » ، ومسرحية «هل كان ذلك ممكنا » ومن خلال المسرحيات التى يقدمها يحيى عبد الله يناقش قضايا هامة :
منها قضية الحرية ، الإرادة 0 الموت 0 العداله 0 فمسرحية مأساة لبنى ، يصور فيها ما ينبغى أن تكون عليه حياة الإنسان ، عن طريق الخلق الذاتى و الإبداع بالفكر متخطيا عذاباته التى ترفعه عن غيره من الكائنات 0 أما مسرحية «هل كان ذلك ممكنا » نجد أن المسرحية تعالج قيمة «الموت» بشكل جوهرى ، و تعالج كذلك مأساة الإنسان فى مواجهة الحقيقة ( )0
اما مسرحية «سكان ما بعد ريح الشمال »: فهى تناقش قضية الحرية (فللجميع مطلق الحرية فى اختيار الطريق المناسب للعيش وفقا لما يتراءى لهم )( )0
الفصل الخامس
الاتجاهات النقدية فى المسرحية الساخرة
« موازنة بين مسرحية الضفادع الأرستوفانس »
وبين «ثورة الشطرنج » «نبيل خلف»
ملهاة الضفادع:
لقد خصص أرستوفانس لنقد الفنون عددا من مسرحياته أهمها «الضفادع»، عقد فيها الشاعر مقارنة بين إسيخولوس ويوريبيديس ، و انتقد فيها الثانى لأنه كان ، فى رأيه مغرما بالقصص المقبضة، ميالا الى السفسطة و التعقيد ، عطوفا على الفقراء ، لا يؤمن بالآلهة0
و لكن حملته على يوربيديس لم تمنعه من ذكر محاسنة التى خلت فيها مسرحيات أيسخولوس ، فأشار الى نجاح يوربيدس فى عمل مقدمة للمسرحية تلخص موضوعا توضحة ، وأبدى إعدابة باسلوبه لأنه خلص المأساة من عبارات ايسخولوس الرنانة والفاظة الصعبة التى تشبه «الدواماتت او الصخور»( )0
ويتضنح ما سبق ذكره جليا فى الحورات الآتية من (مسرحية الضفادع):
يوربيديس : أما الألفاظ الواضحة فكان لا يستعمل منها شيئا ديونوسوس: (مخاطبا إسيخولوس) لا تعض أسنانك0
إيسخولوس : وأنت يا عدو الآلهة ماذا كنت تفعل فى مسرحياتك 0
يوربيدس : بمجرد أن تسلمت منك المأساة ، بعدأن حشوتها بالعبارات الرنانة والألفاظ الضخمة جعلتها أخف وطأة ، وخلصتها من الكلمات الثقيلة ، ثم تجنبت الثرثرة والمهاترة ، وتجنبت الغموض و الإبهام و جعلت أول شخصية تشرح أصل المسرحية عند ظهورها على المسرح فورا ، ولم اسمح لأحد أن يقف خاملا بلا حراك ، بل كانت الجميع يشتركون فى الحوار السيد و السيدة و العبد ايضا ، و الصبية و العجوز إذا دعت الضرورة
إيسخولوس: أولا يستحق الموت على هذه الجراءة البالغة
يوربيدس : لا يحق أو بوللون ، فأنا لم أفعل إلا ما هو ديمقراطى ( )0
(و تعتبر مسرحية الضفادع من أهم مسرحيات أريستوفانس لأنه صور فيها لنا المجتمع الأتينى تصويرا دقيقا ولم يكن ارستوفانس شاعرا فكاهيا فحسب ، بل كان مصلحا سياسيا و اجتماعيا عالج فى مسرحية الضفادع شتى الموضوعات التى كانت تشغل بال الآثنيين و قتئذ ، فانتقد نظام الدولة وندد بحكامها وهاجم سياستها ، وطالبت بإيقاف الحروب وتدعيمهم بالسلاح ، و نادى بتحرير المرأة و بضرورة اشتراكها فى إدراك الشئون العامة ، و تناول بالدراسة نظم التربية وما يجب ان تكون عليه ، و تعرض للمشاكل الدينية والأدبية التى ظهرت فى ذلك الوقت ) ويتضح هذا من الحوارات التالية( )0
(يوربيديس : قدمت على المسرح مناظر من الحياة اليومية التى نألفها ونحياها ، و بذلك مكنت المتفرجين من تتبعها و تحليلها ، لأننى لم اكتب باسلوب مزخرف مصقول ، ولم أفقد تفكيرهم ، لا ولم أبعث فيهم الدهشة بأن اعرض عليهم أناسا يمتطون جيادا مطهمة ... فقد أدخلت فى مسرحياتى المنطق و البحث و التفكير و التحليل فأصبحوا يفكرون فى كل شىء و يفحصونه و يهتمون بإدارة المنزل اهتماما بالغا، و يدرسون بعناية فائقة كيف تحدث الأشياء وأين توجد ومن أخذها..
أيسخولوس : ثم أنك علمت الشباب اللغو و الثرثرة التى صرفتهم عن الساحات الرياضية و المدارس، وأقنعت البحارة المواطنين الأحرار بضرورة مناقشة رؤسائهم و الرد عليهم ، بينما كانوا ، فى أيامى لا يعرفون إلا المطالبة بأقواتهم و الإنصراف إلى عملهم ...
ديونوسوس : هذا صحيح بحق ابوللون ...
أيسخولوس : أو لم يعرض على المسرح قوادات ونساء يلدن فى المعابد و بنات يتزوجن من أخوتهن و يقلن أن الحياة ليست هى الحياة و ترتب على ذلك أن امتلأت مدينتنا بالمهرجين و المضحكين الذين يخدعون الشعب دائما ، و لم يعد بها اليوم من يستطيع أن يحمل شعلة السباق بعد أن أهملنا الرياضة البدنية و التمرينات0
أيسخولوس : ولكنى يحق زيوس لم أصور زانيات ولا يستطيع أحد ان يدعى أننى عرضت فى مسرحياتى أمرأة عاشقة0
يوربيديس: لا بحق زيوس، فلم يكن فيك شىء قط من أفروديتا (الهة الحب)0
ـأيسخولوس: و لن يكون 0أما أنت و أتباعك فقد أثقلت كاهلكم بعبء جسيم حتى ألقتك أرضا0
ديونوسوس: هذا صحيح بحق زيوس فالنقائض التى تنسبها لزوجات الآخرين قد قاسيت أنت منها 0
يوربيديس : وما الضرر الذى تلحقة نساء مسرحياتى بالمدينة0
اسخيولوس: لقد حملت زوجات شريفات لأزوج أفاضل على شرب السم عندما وصمن بالعار بسبب بالليروفون وأمثاله 0
يوربيديس : و قصة فيدرا التى ألفتها هل هى حقيقية أم خيالية ( )0
وكتبت مسرحية الضفادع كسائر مسرحيات أريستوفانس بلغة شعبية بسيطة لا تعرف التعقيد اللفظى ولا المحسنات اللغوية ، لغة صريحة واضحة 0 و كان الشاعر لا يتردد فى تسمية الأشياء بأسمائها والإكثار من السباب والشتائم الألوفة لدى العامة 0
لذلك اتهمه بعض النقاد ببذاءة اللسان والخروج على الآداب و لكن اتهامهم فى الواقع لا ينطبق إلا على بعض مواضع معينة فى بعض المسرحيات بل يحتمل أن الشاعر فى هذه المواضع نفسها كان يخضع لتقاليد الملهاة و يفكر فى إرضاء العامة الذين يميلون بطبيعتهم إلى سماع النكات الغليظة و الفكاهات المبتذلة ( )0
و يتضح ما سبق ذكرة من نقاط هامة تحدد طبيعة اللغة داخل الملهاة الأرستوفانية فى الحوارات الآتية من ملهاة الضفادع :
كسانثاين : إلا أقول غيرها من الفكاهات 0
ديوذوسوس : قال ما تريد ألا أننى حزين مهموم 0
كسنثياس : ماذا تعنى ؟ ألا أقول ما يضحك؟
ديونوس : نعم ، بحق زيوس .. ابتهج إياك فقط أن تقول0
كسانيثاس : ما هذا ؟
ديونوسوس : إنك تريد قضاء حاجة عندما تنقل عصاك من كتف لآخر0
كسانيثاس: و لأننى أريد ان اروح عن نفسى «و أخرج ريحا»لأن الحمل الثقيل يرهقنى ، ولا استطيع التخلصمنه 0
ديونوسوس :أرجوك ألا تفعل ذلك الا إذا أردت أن ترانى و أنا أقى0
كسانياس : لماذا إذن كان من اللازم ان أحمل هذه الأمتعة مع أنه لا ينبغى أن أفعلما اعتاد أن يفعله فرونيخوس و تلاميذه الذين كانوا يحملون الأمتعة فى مسرحياته0
كانياس : اى قفاى ، ما أباسك او ما أشقاك ، أيها المسكين أعليك أن تحمل الأحمال الثقيلة( )0
سمات الكوميديا عند أريستوفانس:
(قد ك ان اريستوفان سيدا للكلمات ، يستخدم فى حواره كل أسلحة الملهاة ، من الكلام الممسوخ الذى يصوغه خصيصا لهذا الغرض ، إلى لغة الشارع و الحقل ، و إلى اللهجات المختلفة و اللغة الرسمية ، إلى الإشارات الهزلية الموضوعية وأجزاء الأغانى القديمة) ( )0
فنراه مثلا فى مسرمحية (الضفادع ) يجرى على لسان ديونوس الإله حوارا يتضح فيه السمات السابق ذكرها «السمات اللغوية الكوميدية» ( )0
ديونوسوس : أى أيسخولوس ، أيها الوقور كف عن هذا 0 و أنت يا بوربيديس ، تجنب ثورته ، أيها المسكين أبتعهد قليلا إذا كنت عاقلا حتى لا يرميك و هو غاضب بكلمة ضخمة فى جبهتك ، تجعل الدم يتدفق منها تدفقا 0
و أنت يا أيسخولوس لا تفقد أعصابك ، بل سيطر عليها ... و ناقشه فى هدوء و أتركه يناقشك ، إذ لا يل يق بشاعرين أن يتبادلا الألفاظ البذيئة كما تفعل بائعات الخبز ، ولا يليق بك يا أيسخولوس ، أن تشتعل فورا و تنفجر كشجرة البلوط( )0
فنجد أن الكلمات و الجمل الآتية :
بائعت الخبز تجعل الدم يتدفق منها تدفقا
كشجرة الابلوط بكلمة ضخمة
تنفجر لا يليق
حتى لا يرميك تجنب ثورته
أيها المسكين أيها الوقور
ذات مستويات مختلفة من اللهجة واللغة 0
(ويشير هامون الناقد الفرنسى إلى مسرحية الضفادع لأريستوفانس ليقول : إن الحركة فى مسرحية الضفادع لأرستوفانس ، غريبة ، ومركبة وغير واقعية ، وهى تدور فى عالم خيالى ، لا يدر أحد أين يقع ، كما أن الطريقة التى يستخدمها ارستوفانس فى الهجوم الشامل على شخصياته ، والتى لا تخرج بعدها واحدة من هذه الشخصيات دون أن ينالها قدر من الهجوم يقلل من حبنا لها ) ( )0
و الهجوم «على الشخصيات » الذى أشار اليه الناقد الفرنسى هامون يتضح فى الحوارات الآدتية من مسرحية الضفادع :
(ديونوسوس : أقترب أيها الشيطان إن لى طلبا عندك )
هيرااكليس : ولكنى لا أستطيع أن أكف عن الضحك عندما ارى جلد أسد يتدلى من فوق عباءة صفراء فما معنى هذا ؟ و كيف يجتمع حذاء الممثل مع هراوة هيراكليس ...والى أى أرض توجهت) ( )0
كما يتضح فى الهجوم العارم الضارى الذى انصب على يوريبيدس وأيسخولوس:
يوربيديس: سأقول لك 0
دينوسوس: لقد رمى أخيليوس النرد أنشدا فهذه فرصتكما الأخيرة0
يوربيدس: وأمسك بيمناه خشبة لها ثقل الحديد ...
أسيخولوس :فعربة تسقط فوق عربة ، وجثة فوق جثة...
ديونوسوس : (خاطبا يوربيديس )لقد خدعك هذه المرة أيضا0
يوربيدس : كيف ؟
ديونوسوس: بأن وضع فى الكفة عربتين و جثتين يعجز عن رفعها مائة من المصريين 0
أيسخولوس :لن أتبارى ، معه بعد الآن بيتا بيتا ، بل دعه يجلس بنفسه مع أبنائة وزوجته و كيفسوفون ( )0 ويأخذ كتبة معه ، أما أنا فسوف أنشد بيتين من شعرى فقط ... ( )0
يقول درينى خشبة :
«فمسرحية الضفدع هى اول مسرمحية من نوعها فى التاريخ ، تعرض لنقد الشعر و الشعراء و المسرح والمسرحية ، و هى تدلنا على أنه كان يوجد قبل أرسطو أناس لهم خبرة بنقد الأدب و المقارنات الأدبية ، وإن كان مافى الملهاة أميل الى التهريج و التجريح0»
ويستكمل قائلا ؛ أن فى مسرحية الضفادع تنشأةمعركة بين الشاعرين ( يوربيديس و أيسخولوس)وهى تعتبر اول معركة فى النقد الأدب والفنى و عاها التاريخ.. 0
و يبدأ درينى خشبة فى وصف هذه المعركة فيقول : (إن يوربيديس يقدح فى صاحبة (يعنى أيسخولوس) فيقول : (إنه كان يتغفل جمهور نظارته ويخدعهم بهذه الأقنعة التى كان يلبسها الممثلون فلا يبدون الا سمات حزينة جامدة0 ويعيب عليه ما يلتزمه الكورس من عى و صمت طويل ، وهنا يحاول بأخوس الدفاع عن ايسخولوس فلا يبالى يوربيديس أن يرد أسباب ذلك الدفاع الى سقم فهم باخوس وقلةنزاهته فى الحكم على هذه الأمور ، فيتراجع باخوس ، ويسأل ايسخولوس عن سبب ما يتهمه به صاحبه ، لكن يوربيدس يتولى الرد فقول .. إنها مجرد الوقاحة والإدعاء، ويوافقه باخوس على ذلك ، ويتدخل أيسخولوس فيرد عليه الشاعرين)( )0
(فى رواية الضفادع BAROCHOI) التى قدمت عام 405ق0م ، يرتاد أرستوفانس أرضا جديدة ، ويصنع من النقد الأدبى مسرحية تعتمد على الوهم 0وقد كتبت الضفادع بعد موت يوربيديس مباشرة ، كمحاولة لتحديد القيمة الخلقية والشعرية لأعماله ، و اذا استثنينا مسرحية «الطيور » ، فإننا لا نجد ارستوفانز يؤكد خصائصه الفنيه فى اى عمل آخر بالقدر الذى يفعله فى « الضفادع »( )0
فالمنظر الذى يقع فى إطاره الأحداث فى هاديس ، أو العالم السفلى و الذى و صفه أرستوفانس كالتالى :
خارون : من يريد التوجه إلى أماكن الراحة بعد البؤس والشقاء ؟ من يريد الذهاب إلى وادى النسيان او إلى العالم الآخر ؟ أو إلى الشيطان ديونوسوس : أنا 0
كسانيثاس : هيا أصعدا إلى الزورق مسرعان ...
خارون :«مخاطبا ديونيوس » هيا كف عن التجديف كف وضع المجدافين جانبا ، أنزل من القارب ، وأدفع أجرتك 0
ديونيوسوس : ماذا هناك ؟
كسانيثـــاس : ماذا هناك ؟
ديونوسـوس : نعم0
كســـانثياس :ظلمة وطين 0
ديونوسوس : إذن لقد رأيت هناك اللذينن يقتلون آباءهم و يخنثون بوعدهم ، كما أخبرنا هيراكليس ( )0
نراه قد صورو وصف بطريقة خيالية متقنة 0
( والمعالجة الخالية من الاحترام للاله ديونوسوس ، و التى جعلت أرستوفان يستهين بهذا الإله طوال الوقت ) نجدها فى هذا الحوار : و التى جسدها بقوله على لسان ديونوسوس( )0
ديونوسوس : ما اتعسنى .. لقد أصفر وجهى عند رؤيتى 0
كسانياس : و لقد أحمر هذا خوفا (يشير إلى ثياب ديونوسوس )
ديونوسوس :و يحيى : من أين هذا الشرور التى تحل بى ؟ ومن من الآلهة اتهمه بالقضاء على الأثير أو زيوس .. أو قدم الزمن 0
(عندئذ يتردد صوت ناى فى الداخل)
كسانيثاس : ويحسى ...
ديونوس : ما الخبر .
كسانيثاس : ألم تسمع
ديونوسوس : ماذا ؟
كسانيثاس : صوت ناى 0
ديونوسوس : نعم و لقد لفحت وجهى سحابة من دخان المشاعل ، فهيا نقبع فى هدوء ونسمع ( )0
تدل هذه المعالجة على وجود روح نقدية ساخرة و عالية الشدة عن ارستوفانز كناقد مسرحى ساخر 0
(و الجمال الغض الذى تتميز به أغانى المتصوفين و الذى ظهر على لسان الجوقة ) ( )0
الجوقة : أى باخوس ، أيها المبجل يا من اخترعت لحن الناى الشجى ، تعال هنا ، تعالى معنا إلى الآلهة ، وأثبت أنك تستطيع ان تقطع شوطا بعيدا من غير تعب ..،.. فليتقدم كل واحد بشجاعة فى جنبات المروج المزهرة ، وليضرب الأرض بقدمة ، وليرسل النكات والفكاهات ، وأنشد بصوتك الشجى متغنيا بالالهة ( )0
والمقدرة الابتكارية التى تجعل الجثث تنهض جالسة وتتكلم ( )0
كسانيثاس : (مخاطبا نفسه ) بحق زيوس ، أننى حمار يحتفل بالأسرار الدينية ، لكننى لن اتحمل رؤية ذلك بعد هذه اللحظة ( ثم يبدأ فى إنزال الحمل من فوق كتفه)0
هيراكليس : سوف يخبرونك فى الحال بكل ما تحتاج إلى معرفته لأنهم يسكنون على مقربه من الطريق المؤدية إلى أبواب بلونون ، فوداعا يا عزيزى ، و تمنياتى الطيبة لك ( ثم يدخل ) ديونوسوس : وأنا أيضا ، بحق زيوس أدعو لك بالصحة و العافية ( ثم يخاطب كسانيثاس) و أنت إرفع امتعتك من جديد ..
كسانثياس : أنا ما كدت أن ألقيها عن كتفى ..
ديونوسوس : و رغم ذلك أسرع وأحملها فورا 0
كسانيثاس : لا .. بل أرجوك أن تستأجر واحدا من الموتى ليذهب إلى هناك0
ديونوسوس : و إذا لم أجد أحدا ..
كسانيثاس : عندئذ تأخذنى معك ..
ديونوسوس ك حسنا ما قلت فهأنذا آراهم يحضرون ميتا ، أيا يا صاحبى أنى أناديك ن أيها الميت ، هل ترغب فى حمل بعض الأمتعة إلى العالم الآخر ؟
الميت : ما مقدارها ؟
ديونوسوس ك ها هى ذى 0
الميت : (يكلم الذين يحملون ن عشة ) تقدموا فى طريقكم 0
ديونوسوس : انتظرأيها الشيطان ، لعلنى أتفق معك ..
الميت : إذا لم تسلمنى دراخمتين ، سيذهب كلامك عبثا 0
ديونوسوس : خذ تسع أوبلات (الأوبل يساوى أربعة مليمات تقريبا )0
الميت : عندئذ أفضل الرجوع إلى الحياة ( ثم يبتعد الميت هو و من يحملون نعشة ) ( )0
(كل هذا يكشف لنا أن اريستوفانز كان فى قمة نبوغة و التمكن من مواهبه فى آخر سنوات حرب البلوبونيز و عندما كتب هذه المسرحية (الضفادع)) ( )0
ملهاة «ثورة الشطرنج »
تعتبر «مسمرحية ثورة الشطرنج » نوع من انواع الملهاة الدسيسة ، و الملهاة الدسيسة نمط من الملهاة استطاع أن يحتفظ بوجوده دائما تقريبا خلال المدة الطويلة التى عبرها منذ أن وجد أيام فلتشر حتى نهاية القرن الثامن عشر ، و هو نمط مستقلا بنفسه عن الملهاة السلوكية ،ولعل من النادر أن نجد ملهاة خالصة من هذا النوع ن ولكن يوجد عدد لا يحصى من الملاهى التى تجعل من الدسيسة عنصرا بارزا من عناصرها ، ولذا يجدر بنا أن نجعل هذا النمط فرعا قائما بذاته وينشأ الضحك كله فى هذا اللون من الملهاة ، كما يدل عليها أسمها ، من صنوف التخفى والدسانس و التعقيدات التى تقوم عليها «عقدة الموضوع »، وهذا نجده فى مسرحية ثورة الشطرنج فكان الأساس فى المسرحية أنها لعبة شطرنج ( )0فهى مسرحية شعرية نشأت ( )0 على نفس إسلوب ارستوفانس وهى مقسمة إلى اربع مشاهد0
فالمشهد الأول : نرى فيه كيف تدار لعبة الشطرنج 0
نرى فى منتصف المسرح رقعة شطرنج تشمل معظم المساحات الخالية من خشبة المسمرح و مقسمة إلى مربعات زرقاء وسماوية ، موضوع عليها قطع الشطرنج الكبيرة نسبيا بالشكل المتعارف عليه أو حسب قواعد اللعبة ، ونرى على يمين المسرح ويساره ، خارجد رقعة الشطرنج ، قمعين التقيا عن الطرفين ، و مفتوحين من الجهتين و يؤديان إلى الكواليس 0 على اليمين «نفق المستقبل» الفضى اللون ، الذى يأخذنا الى كون آخر مرسوم عليه رموز عصريةمثل الجينات و الخلايا والجزئيات و علامات الكمبيوتر .. ألخ 0 و على يسار المسرح .. ونفق الماضى «الذهبى» مرسوم عليه رموز فرعونية .. مملوكية وتركية و كل ما يوحى بأن هذا النفق يرتبط بالماضى نرى فى خلفية المسرح طاووسا ذكر أيفرد ريشه ، ومن الممكن ان يكون مجسما بالابعاد الثلاثة او مرسوما على لوحة (بانر ) تقف فى رقعة الشطرنج 0 فى موقع الطابية «حنة » ترتدى جاكيت يفيد أنها تمثل تلك القطعة ، يقف فى موقع الشطرنج «أهرمان»، ويتابع حنة ب قلق ثم يتلفت نحو الحصان ، أوتو ، أهرمان يستل سيفه المملوكى من غمده حين يرى «حنة» لا تلتزم بحركات الطابية ، أما اوتو«الحصان»فيتجاوز تماما دوره المحدد وفقا للقواعد ويقفز فى اتجاهات مختلفة ، أهرمان يتابعهما عن كثب و يضع يدية على سيفه فى وضع الاستعداد ( )0
والمشهد الثانى : تستدعى فثه شجرة الدر من الموت
والمشهد الثالث : تستدعى فيه حتشبسوت من الموت
المشهد الرابع : يتصارع الجميع على الكرسى والذى تفوز به شجرةالدر ( )0
الملهاة والظاهر والباطن:
لقد دأبت الكوميديا على السخرية من المظاهر الاجتماعية والبشرية مما جعلها تقترن بإثارة الضحكات على هذه المظاهر الخاطئة سواء فى السلوك أو الطباع أو العلاقات التى تحكم بناء المجتمع 0 بل إنها لطول اقترانها بالسخرية من العيوب الظاهرة قد دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن الكوميديا تختص بالظاهر بينما تتناول التراجيديا الجوهر و الباطن و هو اعتقاد خاطىء ( )0
ونرى أن المشهد الأول من ملهاة ثورة الشطرنج ملىء بالسخرية وهذا يتضح مما يأتى
(أهرامان : حتعيش حمار
وتموت حمار
ونظرتك
قفاها فى بوز جذمتك
أنا أعمل أيه بأمير قوى
صوته من دماغة ومحترم
وحريص بداء مالهوش علاج
اسمة البطولة والفضيلة والشرف
........... والبلاغة و الأدب ......
أيكو : قلة أدب
من غير سب
منع النساء
من الثقافة والأدب( )0)
الملهاة والتناقض الاخلى:
( و الذى نعنيه بهذا هو أنه بينما كان كاتب الكوميديا القديمة يركز على المبالغة فى التصوير بحيث تختل الأشياء ، فيبرز التناقض أمامنا فى الحركة والحديث بدأ الكاتب يهتم بتصارع الوعى مع نزعات النفس ، أو تصارع نزعات النفس بعضها مع البعض ، أو التصارع فيما بين تيارات الوعى نفسها ، بحيث تختل «النسب » النفسية للإنسان ( )0
و المشهد الثانى : خير مثال على تصارع الوعى مع نزعات النفس و تصارع نزعات النفس مع بعضها البعض فقد استدعى نبيل خلف فى هذا المشهد شجرة الدر من الموت لتحكى لنا وتشكى لنا ما حدث لها :
(شجرة الدر: انا خدت أية م السلطة
والعز أو جاه الملوك
م الاحتفال مع الحواه
والبياعين و الطبالين و الزمارين
و ضاربين الودع
تفرق إيه
لو شالنى هودج أو تابوت
لو نمت فى قصر الخليفة فى العراق
أو فى خندق أو فى جب
يفرق فى إيه هديل حمام
عن النهيق و الصهيل أو النباح
تفرق فى ايه صحكة جاسوس
ورنين دينار بيتحدف فى حجر مملوك شركسى..
و تقول فى (حزن و ذهول ) :
خطفونى بعد المجزرة
و باعونىفى سوق الجوارى و العبيد
اللى سموه فى عصركم سوق الجمال أو بورصة للحوم البشر
وعلمونى وعلموكم للأسف
ان الجسد دايما رخيص
فرطت فيه
وبعته لجل قلنسوة من الدهب ( )0
وتستكمل شجرة الدر فى «وصف نزعات النفس مع بعضها البعض»( )0 قائلة:
(يا ما انحت قامة الرجال على شبشبى أيبك و غيره من السلاطين والملوك ويبدو أنى ما نخنتش لأى حد متعجرفة ومناخيرى فوق و لكنى عبدة وبنت عبد لشهوتى ...ولشهرتى .. ( )0
و مثلما فعل أريستوفانس فى مسرحيات حيث ناقش العديد من الموضوعات الهامة نجد أيضا أن نبيل خلف قد نهج نفس النهج فى معالجة قضايا هامة من خلال مسرحية ثورة الشطرنج ( فلم تكن الملهاة مجرد تلهية رخيصة ، بل إنها سلاح يحارب به الأغلبية الجامدة المحافظة 0 و هذا نجده فى معظم مسرحيات برناردشو و كذلك مسرحيات أرستوفانز ( )0
و على لسان أوتو «الحصان » يناقش نبيل خلف العديد من قضايا العلم الحديث والتكنولوجيا الهائلة التى غزت حياتنا و التى أوصلت الإنسان الى متاهات لا حد لها 0 و منها قضية الاستنساخ قائلا :
( اوتو : و بعد التصميم المسبق للجسم البشرى و الانتاج اللا جنس للأطفال فى المعمل وقبل ما نفهم إدراك و مشاعر «كوزمو» لازم «نسال » وإحنا فى عصر الميكرو والفمتو والناتو 0مين هو الإنسان دلوقتى ...
جنة : هل هو عمر المختار
... صلاح الدين الأيوبى
... ناظم حكمت ... بودلير
.... المتنبى ...
... شابلن بالبرنيطة و العكاز ( )0
اللمز أو التعريض فى المهاة :
وهو اقل أنواع ووسائل الإضحاك تسلية ، و ذاك هو اللمز أو التجريح أو الهجاء أو التعريض ، قد يبلغ من المرارة درجة لا يعقل ان تضحك أحد بأى صورة من الصور( )0 كما فعل نبيل خلف فى المشهد الثالث عندما استدعى حتشبسوت من الماضى وتركها تتحدث عن نفسها فى مرارة :
حتشبسوت :كهنة اوزيريس قتلونى ...
... أشهد أن تاريخ موتى الفعلى ...
بعد ما حبه فيروز انفرطت على رقبه 0
«بنتى اللى اتدفنت....أخويا الفرعون كسر كل التماثيل ونقوشى ومسلاتى»( )0
الملهاة أو الكوميديا القديمة ( )0
وهى كوميديا القرن الخامس حتى سنة 400ق الميلاد وتمتاز هذه الكومديا بأنها سياسية أو شخصية فهى تتخذ صيغة «الحوار» وتعتمد عليه وهى تعتمد على قصة لا لتصور شخصيات ولا لتحلل حالات نفسية، ولكن لتنقد نظاما قائما و لتسخر منه ، ولتسخر من حالة أجتماعية بذاتها او لتجرح شخصية من الشخصيات البارزة لقد كانت أشبه ما تكون بالهجاء التمثيلى مثلما فعل أرستوفانس فى ملهاة الضفادع من هجاء ليور بيديس وروحها روح هزلية :
هزل لا يتحرج من أقبح الألفاظ فهى مسرفة فى الواقعية ، ومع ذلك فقد استطاع أكبر ممثل لتلك الكوميديا و هو أرستوفان أن يعبر بذلك الهزل عن كثير من الحقائق ، بل وأن يجمع بين الهزل وارق الشعر ، أما الكوميديا الحديثة ( )0« و التى تمثل نبيل خلف هنا » فقد عالجت مشكلات شخصية ، وأستطاع كتاب الكوميديا الحديثة أن يصلوا الى الواقع النفسى الدفين و أن يجسموا خفايا القلوب والتى لم يصل اليها كاتبوا الكوميديا القديمة ( )0
وهذا عين ما فعله نبيل خلف فى المشهد الثالث حيث ترك كلا من حتشبسوت و شجرة الدر تتحدث عن خفايا القلب من خلال حوار دار بينهما :
شجرة الدر : حتشبسوت الفرعون هل حست مرة إن علاقة الحب ، و الموت فيها شريك 0
.. وكل الرغبات ..
.. و المتع الحسية ..
يكنسها المد أو الجزر ...
حتشبسوت : معرفتش رجعت ازاى ...
أو كما قالوا بعثت حية
بعد ما حرقوا الأسماء الخمسة
وسرقوا الموميا ...
وكيلة زعتر وشعير ..
وفطيرة ورغيف عيش .
ومرية برونز ..
شجرة الدر : خلعونى من الحكم ..
ورمونى فى حفرة فى ميدان القلعة
وسرقوا من سروالى اللؤلؤ
والمسك ما عرفتش للحظادى ...
...أنا بأفرق ع الرجالة فى أية
صرفت أمور الدولة وشئون الجيش
وطردت الصلبيين وأسرت لويس
وغصب عنه دفعته الفدية و حرمته يعتب تانى لحدود مصر ( )0
يتحدث الاديس نيكول عن الضحك الناشىء من الكلام أو الحوار : ليقول :
وهو أحد أنوع الفاكهة غير الشعورية فى المسرح ، ويحى هذا الروح الفكة الناشىء عن الكلام فى المسرحية من حيث أهميته بمركز مماثل للمركز الذى يحظى به كل من الأخلاق و الموقف .. والكلام يكشف عن الأخلاق ويفسر ما فى الموقف من إضحاك ويركزه ( )0وهذا يتضح من المشهد الأخير الذى انتهت به مسرحية ثورة الشطرنج عندما كانت تتحدث شكرة الدر مع الكرسى :« كرسى العرش »:
(شجرة الدر قائلة :
.. يا خلفة بطنى
.. ياز غنطط ..
.. بلاش تصرخ ..
..بلاش تصرخ..
... ولا تعيط ..
.. ولا تبوسنى ..
.. وتستعبط ..
..بتعملها على روحك و تقرفنى
.. خمس مرات فى يوم واحد
..حاشيلك لسة علىكتفى
... وأحميكتانى فى السلخانة
... وأدعيلك ...
.. وأدعى عليك
... وألعن كل أيامك
.. و إنت فى بطنى لسة جنين
.. وافصلك كافولة جديدة
............ ....
.. وأغير لك وأنا با بكى
...و حين ترضع حليب روحى ...
.. حاخربش وشك المشفوط من التجاعيد .. ( )0)
اللغة السائدة فى المهاة :
قد كانت اللغة السائدة فى حوار ممثلى الملهاة وغناء جوقتها هى اللغة المتداولة التى لا تعنى بالبلاغة، أما أفراد الجوقة، فقد كانت للمؤلف مطلق الحرية فى ان يجعلهم ممثلين لما يشاء ، فيجعلهم من مظاهر الكون وقوى لطبيعة وأنواع الحيوان و النبات والجماد 0
ففى بعض روايات ارستوفانز قدم أفراد جوقة الغناء الى الجمهور على أنهم اناس ، ولكن فى روايات اخرى كثيرة قدم الجوقة على أنهم طيور او ضفادع او حشرات او زنابير او سحب ( )0
الضفادع :قيق ، قيق قيق ، أيها الأطفال الذين يسكنون البحيرات و الينابيع ، فنردد ألحان أغانينا ، أغانينا العذبة قيق ، قيق .. أغانينا التى ننشدها فى عيد الربيع( )0
وكانت الجوقو عند نبيل خلف (ثورة الشطرنج ممثلة فى «الملك »أهرمان «ملك الشطرنج»
(اهرمان :خطيت دماغى فى النفق
باضطرب ولا قى رسم لكون غريب
وحيرة ويوجه ... نجوم كثيرةملونة ..
حديثة للجمهور وحزمة شهب ..
ومغناطيسى كبير قوى ( )0
واللغة السائدة فى ملهاة ( ثورة الشطرنج ) هى اللغة البسيطة المتداولة :
شجرة الدر : ياز غطط .. وتستعبط
ولا تعيط ( )0
الفكاهة فى الملهاة :
إن الفكاهة تكسب الملهاة دائما نغمة رقيقة تنفرد بها فى تباين غريب عن صلابة مسرحية النوادر ، و البعد عن الإحساس فيها ففقيها ، على ما رأينا ، تتحد العاطفة الرقيقة و الذكاء وفيها يلتقى روح من اللطف و من التعريض واللمز ( )0
ونلمس هذا فى مسرحية الضفادع فى هذا الحوار :
أيسخولوس :يجب علينا أيها الشيطان الرجيم ، أن نبتكر عبارات سامية تليق بالافكار والحكم الرائعة0 فمن الطبيعى ان يستخدم أنصاف الآلهة عبارات أكثر سموا ، ويرتدون ثيابا أكثر فخامة من ثيابنا 0 لقد علمت الفضائل ، أما أنت فقضيت عليها قضاءا تاما 0
يوربيديس : بماذا ؟
إيسخولوس :أو لا بأن البست الملوك ثيابا مضحكة حتى يظهروا أمام الناس فى صورة تثير الشفقة0
يوبيديس :وما الضرر فى ذلك ؟
أسيخولوسك لقد نتج عن هذا أنه لا يوجد من بين الأغنياء كلهم واحد يريد أن يصبح ترابرا خواس ، ولكنهم يتباكون و يدعون الفقر و يرتدون الخرق البالية ( )0
ونجدهفى مسرحية .. « ثورة الشطرنج » فى الحوار التالى:
(أهرمان : خدت بطاقة الحمض النووى
( بو عيد ) غصب عنك .. هاكشف
سرك للكون كله على شبكات الإنتر نت
(فلورا تحملق نحو أهرمان )
حتشبسوت تقول ك أكس وواى ..
..أكس وواى ..
فلورا : أنا طبيعية 0
وكنت بأنام و فى حضنى عروسة
و بارضعها بالببرونه
ولما تمعيط ..
باغسل راسها بالشامبو
و امرجحها بايدى واغنى
وبالبسها فيونكة حرير ( )0
نهاية الملهاة :
كان ارستوفانز يهدف الى إشاعة السرور ، ولذا فإن مسرحياته تنتهى نهاية سعيدة ، فالآلهة تستسلم للطيور ، و السلام يعلن ، و سقراط يهان ، و إيسخولوس يعود للحياة و الأخيار يغتنون 0 فكل ما نريد ان يحدث يحدث ، بينما تكثر المفارقات المضحكة فى الطريق الى حدوثة ، كأن تنمو للرجال أجنحة ، او يصعدوا الى السماء ممتطين خنافس 0 و كل مؤامرة تنجح ن و كل نزاع ينتهى بالخزى التام لشخص ما 0 ولكن قوى هذا الفنن تكمن فىأن شخصياته تسلك مسلك الناس العاديين ، ح تى إذا كانت لغتهم الدارجة العنيفة ، وإندفاعهم الى الذم او الملق ، وإغراقهم فى الخداع الخبيث و الحماس المفرط ، تجعلهم يبدو أكثر حيوية ونشاطا مما لا يتيسر فى أية حياة عادية معروفة ( )0
و فى نهاية مسرحية الضفادع «يقول أرستوفانز على لسان ديونسوس أنه سوف (يصعد الى عالم الأحياء بالشاعر التراجيدى الذى يهواه قلبى)»
وهذه النهاية تؤكد أن أرستوفانز لم يكن محايدا فى نقدة 0 فكما لاحظنا من قبل أن أرستوفانز كان من أنصار التمسك بالتقاليد و عادات الأجداد ممثلة فى ذلك مثل أيسخولوس على عكس يوربيديس الذى كان من أنصار الأفكار المستحدثة ومن هنا نجد أن نقد أرستوفانز لا يقوم على أسس فنيه او أدبية بل على أسس أخلاقية ، وهو ما يسمى بالنقد الأخلاقى 0 إن كوميديا الضفادع تؤكد إعجاب أرستوفانز بالشاعر التراجيدى يوربيديس كأديب وفنان رغم كراهيته له كمفكر 0 كما أن ما جاء به من ملاحظات نقدية تعتبر رد اعتبار ليوربيديس و أعترافا بعبقريته بعد ان ظل الهجوم عليه فوق خشبه المسرح لمدة تزيد على عشرين عام ( )0
أما نهاية «مسرحية ثورة الشطرنج » فكانت «فوز شجرة الدر بالعرش » بعد صراع طويل مع الأمير على و أهرمان0
شجرة الدر تحمل الكرسى وتضربه كأنه طفل صغير وتهدى وهى تغادر المسرح ويطارد اوتو وأهرمان سفرجل وبشاو و أمازونه و يبقى على المسرح حنة وكنجو و ريكو يحملقون نحوهم بحزن ( )0
الملهاة تصوير للمجتمع الإنسانى ، وعندما تشوبها الجدية ن لا يمكن ان يبعث التصوير على الضحك، لذاك ان اسلوب بلاوتس أفكه من إسلوب تيرشى، وأسلوب موليير أفكه من اسلوب ديتوش و أوبومارشيه .. ولهذا( السبب تربع ارستوفانز على عشر الملهاه «وبالكلمة البسيطة المضحكة »( )0
ومما سبق نستطيع ان نصل إلى طبيعة الملهاة :
قد يكون شكل الملهاة الخارجى قصصيا أو وصفيا أو مسرحية أو مقالة و قد تحدث من غير كلام البته فى صورة أو تمثال أو رقص ، و لكنها فى معظم حالاتها تتمثل فى لون من الوان الأدب ، وتتميز عن كل ألوان الأدب بفلسفتها لا ببنائها وشكلها الخارجى ، فهى قبل كل شىء مزاج فكرى أى انها تتوقف على نظرة الكاتب إلى الحياة ( )0
|