فاطمة العبيدي
محمد عناني كاتب موسوعي وهب حياته للكتابة والترجمة، وهو أستاذ في قسم اللغة الإنكليزية (كلية الآداب - جامعة القاهرة) ومترجم أعمال شكسبير. كتب الشعر والمسرح والنقد الأدبي، وأعطى الترجمة جُلَّ وقته وحياته حتى أنه اهتم بأعمال كثر ممن ظلمهم التاريخ الأدبي.
> إلى أي مدى قد يخفق المترجم أو يصيب في حمل هذه الأمانة؟
- هذا السؤال بني على مفهوم غير دقيق ويتضمن تجاوزاً لا نقبله علمياً. الترجمة أصبحت علماً، وهناك جامعات تقدم براءات اختراع في علم الترجمة على اعتبار أنه علم مستقل عن علم اللغة وعن الأدب. المشكلة أن عدد المختصّين في هذا المجال في عالمنا العربي محدود جداً بسبب ضعف اللغة القومية. بمعنى أن معظم المترجمين لا يجيدون اللغة العربية كما ينبغي. أي أن الواحد منهم لا يجيد التفكير بالعربية الفصحى تفكيراً دقيقاً يصل إلى مرحلة البيان وهو القدرة على أن يصوغ أفكاره صوغاً واضحاً يفهمها السامع أو القارئ.
> هل معنى ذلك أن على المترجم أن يجيد لغته الأم واللغة المكتسبة بالدرجة نفسها التي تصل إلى حد البيان؟
- هذا الكلام، نظرياً، صحيح جداً، لكنه عملياً صعب التحقيق لأن المفروض على المترجم أن يجيد لغته الأم بصورة أفضل من اللغة المكتسبة، لكنه يمكن أن يصل بالممارسة إلى التوازي في إجادة اللغتين. لكن الأولى هو المعرفة الكاملة للغة الأم لأنها أساس الترجمة إلى اللغات الأخرى، وهذا ما يغيب عمّن يعملون في هذا المجال بغالبيتهم لأن هناك اعتقاداً خاطئاً لديهم ولدى غالبية الناس، وهو أن كل عربي يجيد اللغة العربية وهذا اعتقاد خاطئ تماماً.
> كتبت في كل مجالات الأدب تقريباً في الشعر والقصة والنقد والرواية والمسرح، هل كان لذلك أثره على عملك في الترجمة أو العكس؟
- علم اللغة هو علم صلب يملك أساساً متيناً ولا يقوم كبعض العلوم على الحدس أو الرأي أو الاستنتاج. فالتكوين اللغوي الذي هو أساس علم اللغة الحديث يقوم عليه التكوين الفكري، لأن الإنسان لا يمكن أن يفكر بلا لغة، واللغة ليست فقط أداة أو وسيلة للتفكير بل إنها أحياناً تؤثر في التفكير وأحياناً ما تأتي بالفكر. ولما كان المترجم وفقاً لمبحث علم الترجمة الحديث، مفكراً، أصبح كاتباً لأن المفكر هو كاتب ومن ثمّ أصبح المترجم مطالباً بالقدرة على التفكير الذي يسمح له بمجاراة المفكر الأجنبي الذي يترجم له. من هنا، نجد أن الترجمة والكتابة في كل مجالاتها وجهان لعملة واحدة لا بد أن يؤثر أحدهما في الآخر.
> كيف استطعت أن تصنع من النص المترجم نصاً إبداعياً جديداً، وهل يمكن فعل ذلك من دون المساس بروح النص الأصلي؟
- أنا أعمل بنظرية الشاعر البريطاني و.هـ. أودن الذي يقول أنه على المترجم أن يتمثّل التجربة الشعرية التي مرَّ بها الشاعر، لا أن يتأمل ألفاظ صوغ الشاعر هذه التجربة فقط. فمترجم الشعر لا بد أن تكون لديه موهبة الشعر، وإن لم يكن شاعراً محترفاً. يكفي المترجم أن يكون قادراً على تجسيد التجربة الشعرية بأسلوب وإيقاع شعري، أما إذا كان شاعراً محترفاً فقد يضفي على الترجمة رؤيته الشعرية على النص المترجم بمقدار ما، قد يزيد أو يقل وفقاً لتمكنه من السيطرة على هذه الرؤية. فمثلاً هناك قصيدة لشاعر بريطاني ترجمت 17 مرة وكلها مقفّاة، لكنها تساوت لأن مترجميها شعراء. وقد تكون ترجمة النص الشعري حرة، أي أنها تقوم على تنمية البذرة الملتقطة من النص الأجنبي أو قد تكون عبارة عن محاكاة له. ونستطيع القول أن الشعر الحديث أو شعر التفعيلة هو محاكاة مباشرة للترجمة الشعرية، وهنا يجب أن نذكر أن للترجمة دوراً مهماً في إثراء الحياة الأدبية برؤى لم تكن موجودة من قبل.
> كيف ترى الجيل الجديد من المترجمين؟
- الأمل يظل دائماً معقوداً عليهم وإن كنت آخذ عليهم التعجل في العمل بالترجمة بمجرد تخرجهم في الجامعة، في حين أن الترجمة يجب أن تأخذ وقتاً كافياً من الدراسة والممارسة والقراءة والتدرب والاهتمام الوافي بلغتهم الأم فهي كما قلنا أساس الترجمة إلى اللغات الأخرى، ونصيحتي لهم تتلخص في الإخلاص، فإن أخلص المترجم لهذه المهنة وأحبَّها فستعود عليه بالخير الوفير.
> الترجمة كمشروع حضاري وثقافي تقوم على أكتافه مهمة تبادل الخبرات والعلوم والمعارف بين الشعوب، إلى أي مدى قــامت الترجمة في العصر الحديث بهذا الدور في رأيك؟ وهل هناـك معوقــات تـقف أمام دورها هذا؟
- المفترض أن تؤدي الترجمة هذا الدور على أكمل وجه بالطبع، ولكن بشرط توافر احترام المترجم واحترام العمل المتَرجَم وذلك بمساندة الدولة ودعم هذا المشروع القومي بالمقدار ذاته الذي تدعم به الخبز، فترك الترجمة بيد القطاع الخاص لن يجعلها تؤدي هذا الدور العظيم لأنه في النهاية يبحث عن المكاسب المالية بالدرجة الأولى كما أنه غالباً ما يكون عرضة لمعايير السوق وقوانينها. من هنا، نجد أن مشروع الترجمة الثقافي تحول إلى مشروع تجاري، ما تسبب في حرب غير عادلة بين تجار الترجمة وبين المترجمين.
> البعض يقول أن الترجمة تتخذ ميولاً قد تؤثر سلباً في تقديم المنتج الثقافي العربي للغرب ومنهم لويس عوض ومحمد مندور، ما رأيك في هذا القول؟
- طبعاً أتفق معهم جداً، فالخطأ وارد مهما علا قدر الإنسان وعلمه، ذلك أننا بشر ومن المحال أن يقال أن هناك ترجمة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها، فكل ترجمة لا تخلو من خطأ أو سهو، وأعظم مترجم يمكن أن يخطئ، كما أن الترجمة لا تخلو، باعتبارها نوعاً من الكتابة، من الميول الشخصية في الفهم أو الاستنباط أو سوء في التعبير أحياناً، وكل ترجمة يمكن تحجيمها ويمكن تحريرها، ونحن نقول: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا».
> حدثنا عن تجربتك في ترجمة أعمال شكسبير، وملحمة «الفردوس المفقود» التي استغرقت ما قارب العشرين عاماً؟
- ملحمة «الفردوس المفقود» ترجمتها على مرحلتين وكنت في كل مرحلة أخرج 6 كتب، والسبب في أنها استغرقت كل هذا الوقت كان انشغالي عنها بترجمة أعمال شكسبير. كنت دائماً أشعر بأن شكسبير هو وطني، ربما لشعوري بأنه ظُلمَ كثيراً حيث إن المترجمين العرب عاملوه معاملة أي نص عادي فلم يبذل أحد الجهد الذي يستحقه هذا العمل كي يُخرج ما فيه من شعر كي يستعيد ويعيش من جديد التجربة الشعرية في نصوص شكسبير. لذا، فأنا أرى أنه لا بد للمترجم من أن يكون أديباً أو على أقل تقدير أن يكون قارئاً ناقداً ومتذوقاً جيداً للأدب كي يُخرج ما في النص الأصلي من روح وإبداع.
الحياة