نحو شكل جديد لحركات الكتابة في اللغة العربية
د. فوزي محمود عبدالله
كثيرا ما نشرت مقالات يشخص فيها كتابها الى مشكلة الحركات الثلاثة - الفتحة و الضمة والكسرة – ويدعون فيها الى أن يصاغ الى تحويل تلك الحركات الى حروف مكتوبة اسوة بباقي الحروف ولكن على حد علم كاتب المقال لم يصاغ الى ترجمة تلكم الافكار الى صيغ عملية.
تمهيد
تتميز الكتابة باللغة العربية عن باقي اللغات الأخرى بالحركات التي ترسم على حروفها والتي تلعب دورا هاما ليس فقط في النطق الصحيح لكلمة أو عبارة وانما لمعناها ايضا.
أنزل القرآن الكريم على رسول الله (صلعم) بلفظه فقط ورسم بحروف لا منقوطة ولا مشكولة وانما تم كل ذلك على مراحل لاحقة من باب التسهيل وتصحيح الأخطاء وذلك لم يغير شيئا في نطق القرآن ولا في معانيه ولا في قدسيته.
ظهر اللحن في الكلام العربي وفي قراءة القرآن الكريم بعد توسع الدولة الاسلامية و دخول أقوام من غير العرب في الاسلام حتى وصل الامر الى أن ابناء العرب الذين كانوا قد استوطنوا خارج جزيرة العرب أخذوا يلحنون في قراءة القرآن الكريم. وعلى مدى فترات متباعدة وضعت معالجات متتالية شملت شكل الحرف العربي واضافة الحركات لتلافي تلك المشكلة.
أن المشكلة الأساسية التي يواجهها قراء العربية اليوم وبدرجة اكبر الناطقين بغير العربية عند قراءة اي نص مكتوب باللغة العربية أو القيام بترجمته هي غياب الحركات. منذ منتصف القرن الماضي تقريبا بدأت السرعة تطغى على مختلف جوانب الحياة ومع ظهور الآلات الكاتبة ومن بعدها الحاسبات ترك الناس كتابة الحركات و تدريجيا عادت مشكلة اللحن من جديد فأخذ الناس يقرأون ومن ثم يتكلمون بشكل خاطئ.
من ناحية أخرى لا يمكن انكار أن القارئ العربي العادي للقرآن الكريم, وحتى بوجود الحركات الحالية, يجد صعوبة في القراءة وكثيرا ما يخطأ بسبب صغر حجم الحركات و تبعثرها. على هذا فقد برزت الحاجة من جديد لإيجاد صيغة جديدة لكتابة الحركات لحل هذه المشكلة, وقد شخص ذلك عدد من الباحثين الذين طالبوا بإيجاد شكل آخر للاستعاضة عن شكل الحركات الحالي بحروف مكتوبة اسوة بباقي أشكال الحروف .
مراحل تطور الكتابة العربية
اختلفت الآراء حول اصل الكتابة العربية ولعل اقربها الى الصواب هو الرأي الذي يكاد المؤرخون يجمعون عليه وهو ان العرب قبل الإسلام كانوا قد اخذوا رسم الأحرف الأبجدية عن الأنباط وعددها (22) حرفا والتي عرفت ب (الأحرف السامية). وفي مراحل لاحقة أضافوا الاحرف الستة ( ث, خ, ذ, ض, ظ, غ ) التي عرفت ب (الأحرف العربية) او (الروادف), التي كانوا ينطقونها ولم يكن الأنباط كذلك, ليصبح العدد (28) حرفا تسمى الأحرف (السامية - العربية).
وفي الفترة التي أنزل فيه القرآن الكريم و البدئ بكتابته كان العرب يعتمدون على السليقة في قراءته حيث كانت النسخ الاولى والى بدايات العصر الاموي تكتب بأحرف خالية من نقط الاعجام و الحركات و الهمزة كما هو واضح من النسخ الاولى للقرآن الكريم. ومع توسع الدولة الاسلامية و دخول أقوام مختلفة من غير العرب في الاسلام فشا اللحن بينهم واخطأ الكثير في تلاوة القرآن الكريم ابتدأ التفكير في وسيلة لوضع حد لللحن وبذلك بدأت مراحل التشكيل؛
المرحلة الاولى
كان أول من وضع الحركات على الاحرف هو العلامة أبو الأسود الدؤلي في صدر الدولة الأموية وقد أعتمد على الحبر الاحمر في رسم حركات الفتح والضم والكسر و التي كانت على شكل نقاط.
المرحلة الثانية
كتبت المصاحف بلونين لون للأحرف ولون لنقاط الحركات. ثم ظهرت مشكلة أخرى فالعربي كان يميز بين الاحرف المتشابهة بفطرته أما الأعاجم فلم يستطيعوا التمييز بين الاحرف المتشابهة في الشكل وهنا قام تلميذي أبو الأسود الدؤلي نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر بنقط المصحف. نتج عن ذلك ما يعرف بأحرف الاعجام (ب, ت, ث, ج, , خ, ذ, ز, ش, ض, ظ, غ, ف, ق, ن, ي ). وهنا تداخلت النقاط فاستخدم الكتبة ثلاثة ألوان لون لرسم الحرف ولون لشكله ولون لنقطه. و ما أنطبق على المصاحف في هذه الفترة التاريخية انطبق على الكتابات الأخرى.
المرحلة الثالثة
في العهد العباسي اختلط على الناس التمييز بين تنقيط الحركات و تنقيط الاعجام, و لتلافي هذا الاختلاط غير العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي رسم حركات أبي الأسود الدؤلي و استبدلها بالعلامات الحالية للفتحة والكسرة و الضمة و السكون والتنوين, كما اخترع شكل الهمزة (ء) كجزء من شكل حرف العين حيث انها لم تكن تكتب سابقا.
التشكيل في العصر الحالي
تتشابه الحركات التي وضعها الخليل مع الحركات التي تستخدم حاليا مع اضافة الضوابط مثل: الشدة لتضعيف الحرف والمدة لقراءة الحرف بمد طويل.
ومن متابعة هذا التسلسل التاريخي يتبين لنا ما يلي:
1. ان كافة التعديلات التي أجريت على الأحرف و الحركات حدثت قبل الإسلام ثم استمرت خلال فترة ناهزت المائتي عام بعد التدوين الاول للقرآن الكريم.
2. ان العلماء السابقون أمثال الدؤلي والفراهيدي اضافوا النقاط و الحركات لتصحيح و تسهيل قراءة القرآن الكريم.
3. ان هذه الاضافات كانت ضرورية و مفيدة جدا لتلافي اللحن.
4. ان اشكال الحركات هذه وضعت من قبل أولئك العلماء الاجلاء وحسب تصورهم وقد كان من الممكن ان تأخذ أية اشكال أخرى طالما أنها كانت ستؤدي نفس الغرض.
5. أن الكتابة العربية كائن حي يتطور و ينمو مع حاجات و ظروف الناطقين بها ولا يوجد ما يمنع من تطويرها مادام المقصود من ذلك هو التصحيح و التسهيل مع عدم المساس لا بالنطق ولا بالمعنى.
في العصر الحالي المكنى بعصر السرعة و مع ظهور الآلات الكاتبة و الحاسبات اضطر المصممون لها الى ترك الحركات التي لو وضعت مع كل حرف لناهزت اشكال الأحرف المائة على لوحات المفاتيح وهذا يستحيل تطبيقه عمليا من ناحيتي كبر الحجم وطول الوقت المطلوب للطباعة. وتجدر الاشارة هنا الى أن بعض لوحات المفاتيح يمكن الحصول فيها على الحركات من خلال لمسات غير مباشرة او من خلال برامج معدة مسبقا ولكنها كثيرا ما تخطأ. كل ذلك أدى الى ظهور أللحن من جديد ولم تعد الحركات مؤثرة بسبب غيابها فأخذ البعض ينصب الفاعل ويكسر المفعول به الى آخره من الأخطاء التي لم يسلم منها حتى خريجو أقسام اللغة العربية كمذيعي الراديو و التلفاز و القائمة تطول. كيف اذن بأبناء القوميات الأخرى الراغبين بتعلم اللغة العربية ؟
ومن ناحية أخرى وبسبب انتشار وسائل الاتصال الحديثة اصبح العالم قرية صغيرة كما يقال وأن التواصل مع الناطقين باللغات الأخرى أصبح ضرورة لا بد منها. فعند كتابة الاسماء والمصطلحات الأجنبية بحروف عربية فان كل قارئ عربي يحرك و يقرأ حسبما يرتئي و بشكل مشوه حتى وصل الحال في بعض الاحيان الى أن المتلقي الاجنبي لكلمة من لغته لا يتعرف عليها عندما يسمعها من متحدث عربي.
أزمنة الحركات في اللغة العربية
كما هو معروف فأن عدد أحرف اللغة العربية هو (28) حرفا من ضمنها الألف و الواو و الياء عند عدم اعتبار الهمزة حرفا (حيث وكما هو معلوم فأن خلافا موجودا بين اللغويين على ذلك). و تقسم هذه الاحرف الى صامتة وصائتة فالمراد بالصامتة هو جميع الأحرف ما عدا الالف و الواو والياء, لأن هذه الاحرف الثلاثة قد اعتبرت حركات طويلة عند اللغويين المحدثين, والفتحة و الضمة والكسرة حركات قصيرة, وعلى ذلك فالصوامت هي الأحرف والصوائت هي الحركات طويلها و قصيرها وكما يلي:
1. الفتحة الطويلة (ألألف) مثل حركة الكاف في (كاتب).
2. الفتحة القصيرة كما في الفعل الماضي (كتب) (زمنها تقريبا نصف الفتحة الطويلة).
3. الكسرة الطويلة مثل حركة الغين في (صغير).
4. الكسرة القصيرة مثل حركة الميم في حرف الجر (من) (زمنها تقريبا نصف الكسرة الطويلة).
5. الضمة الطويلة مثل حركة التاء في (مكتوب).
6. الضمة القصيرة مثل حركة الكاف في الفعل المبني للمجهول (كتب) (زمنها تقريبا نصف الضمة الطويلة).
محاولة لكتابة الحركات كأحرف
اذا كانت الحركات الطويلة (الألف والواو والياء) لها أشكال واجبة الكتابة كالأحرف الصامتة فما الذي يمنع من كتابة الحركات القصيرة كأحرف ايضا بعد توفر بعض الشروط.
ولو تفحصنا صيغ كتابة حروف العلة في كثير من اللغات من غير العربية (وظيفتها كالحركات في اللغة العربية من ناحية تحريك الحرف السابق لها لتسيير انتقاله الى الحرف التالي) لوجدناها واجبة الكتابة حالها حال الحروف الصامتة. لذلك نجد ان الناطقين بتلك اللغات كالطورانية و اليونانية والسلافية والصربية وتلك المتحدرة من اللاتينية و ألانكلوسكسونية لا يخطؤون لا في كتابة لغاتهم و لا في قراءتها. فلو كتبت كلمة عربية بحروف لغة اجنبية من التي تكون فيها حروف العلة واجبة الكتابة فان قراءتها ستكون صحيحة ومباشرة. فعلى سبيل المثال الفعل المبني للمجهول (كتب) يمكن أن يقرأ بصيغ عديدة ذات معاني مختلفة عندما يكتب بدون حركات. ولو كتب بحروف لاتينية مثلا ( kutiba ) فلا يمكن نطقه الا بصيغة واحدة و السبب الواضح هو حروف العلة واجبة الكتابة .
يمكن تصوير الحركات القصيرة في اللغة العربية كحروف مكتوبة بأشكال مختلفة. و مما لاشك فيه ان الموافقة على أي مقترح و اختيار رسم الحروف الجديدة هو من اختصاص مجامع اللغة العربية وهذا لا يمنع تقديم مقترحات رافدة .
وكبداية نعتقد ان هناك شروطا يجب توفرها في هذه الأشكال يمكن البناء عليها وهي على الأقل:
1. ان لا تحدث اي تغير لا في نطق الكلمة ولا في معناها.
2. ان لا تكون بعيدة عن الأشكال الهندسية والجمالية للخط العربي.
3. أن لا يشابه رسمها أيا من الأحرف الحالية منعا للالتباس.
4. ان تكون اشكالها قريبة قدر الامكان من اشكال الحركات الحالية لتسهيل عملية الانتقال للقراء الحاليين.
5. ان يوحي شكلها نفس معاني فتح الشفة وضمها وخفضها في حالات الفتح و الضم و الكسر على التوالي مثلما تفعل الحركات القصيرة الحالية.
6. أن يأتي الحرف متصلا او منفصلا أو في منتصف الكلمة أو في آخرها بنفس الشكل توخيا للتبسيط.
7. و ان لا تتعارض مع قواعد النحو والاوزان والقوافي و الكتابة العروضية.
وبناء على كل ما تقدم فأن مقترح شكل الحركات القصيرة الجديد هو:
1. أن تأخذ الفتحة شكل نون آخريه مقلوبة بدون نقطة وارتفاعها بقدر ثلث طول الالف و طولها بقدر ثلث طول الألف ( ) .
2. والضمة تكتب على شكل حرف الواو غير الكامل ترسم استدارة رأسها فوق نهاية خط افقي طوله بقدر ثلث طول الالف ينحدر من يمينه خط مستقيم مماس بقدر ثلث طول الألف ( ) .
3. وتكتب الكسرة على شكل خط افقي بقدر ثلث طول الألف و يمتد من نهايته الى الاسفل خط ينحني قليلا الى اليسار وطوله بقدر ثلث طول الالف ( ) .
وفي حالات التنوين توضع شارطه قصيرة فوق شكل الفتحة ( ) وفوق شكل الضمة ( ) وتحت شكل الكسرة ( ) .
وعند اضافة الأشكال الثلاثة الجديدة هذه الى الاشكال الحالية لأحرف كتابة اللغة العربية وهي (28) , ومع احتساب الهمزة , يصبح المجموع (32) شكلا واجبة الكتابة. على أن يتم الاستغناء عن اشكال الحركات والتنوين الحالية وتبقى الشدة و علامات المد والوصل كما هي و لا ضرورة لاستخدام السكون حيث أن كل حرف لا تليه حركة فهو ساكن.
بعض الامثلة
في ما يلي بعض الكلمات و المقاطع مكتوبة بالصيغتين الحالية و المقترحة:
الصيغة الحالية الصيغة المقترحة
حرف الجر من
اداة الاستفهام من
فعل الامر قم
الفعل الماضي كتب
المبني للمجهول كتب
مجموع كتاب كتب
الآية الكريمة انما يخاف الله من عباده العلماء
الآية الكريمة أن الله برئ من المشركين ورسوله
ومن قصيدة حافظ ابراهيم من بحر الطويل
انا البحر في أحشاءه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
الفوائد المرجوة
1. الطريقة سهلة التعلم قراءة و كتابة .
2. ستسهل تعلم الكتابة للأطفال العرب المبتدؤون في التعلم.
3. قراءة القرآن الكريم أو أي كتابات أخرى ستكون سهلة و خالية من الأخطاء الى حد بعيد.
4. بالمقارنة مع الكتابة كاملة التشكيل بالحركات الحالية فأنها أكثر راحة لعين القارئ كونها اكبر حجما وتقع على نفس مستوى باقي الأحرف.
5. يمكن تطبيقها على لوحات مفاتيح الطابعات و الحاسبات بسهولة مع اجراء بعض التعديلات البسيطة.
6. الذي يقرأ بشكل صحيح سوف يتكلم بشكل صحيح أيضا.
7. بشكل غير مباشر تساعد في تحبيب اللغة الفصحى و العودة اليها.
8. تسهل وتحبب تعلم اللغة العربية للناطقين بغير العربية.
9. تساعد على نطق الكلمات الأجنبية بشكل صحيح للناطقين بالعربية وبذلك تسهل التواصل مع الآخرين من غير العرب.
الخاتمة
تضمن المقترح تحويل الحركات الثلاثة –الفتحة والضمة والكسرة- من علامات الى حروف واجبة الكتابة اسوة بباقي الحروف. وهذا مقترح أولي يمكن الأخذ به أو تعديله طبقا لما يرتئيه اصحاب الاختصاص والله الموفق.
|