للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

التّرادف

د. نوال بنت سيف البلوشية

 

إنَّ التّناول العلميّ للظواهر اللّغويّة لا يؤثر في فهمها فحسب؛ بل قد يؤثر في الظّاهرة وجودًا أو عدمًا أو إيهامًا بالوجود أو إيهامًا بالعدم. و ظاهرة التّرادف لا تختصّ بها لغة دون أخرى؛ لأنَّها توجد في جميع اللّغات البشريّة، و كثرت الألفاظ المترادفة باللّغة العربيّة، عدّ ذلك من مزاياها لدى البعض، بخلاف آخر عدّ ذلك من عيوبها، ولكلّ فريق وجهته وزاويته الّتي حكم على أثرها.

يُعرف التّرادف لغةً: هو ركوب أحد خلف آخر. يُقال: رَدفَ الرّجلُ وأردفه، أي: ركبَ خلفه. ويقال: ردفتُ فلانًا؛ أي: صرت له ردفاً. والرّدف: المرتدف، وهو الّذي يركب خلف الرّاكب. وكلّ ما تبع شيئًا فهو ردفه. والرّفُ أيضًا: تَبِعةُ الأمر. يقال: هذا أمر ليس له ردف، أي: ليس له تبعة. يقال: ترادف الشّيء، أي: تبع بعضه بعضا. أمّا في الاصطلاح: ما اختلف لفظه واتفق معناه، أو هو أن يدل لفظان أو أكثر على معنى واحد، مثل: أسهبَ وأطنبَ وأفرطَ وأسرفَ وأغرقَ، بمعنى واحد.
ولما كان مقياس كثرة الحفظ من أقوى المقاييس على عالمية العالم عند القدماء؛ أصبح التّناول العلميّ للترادف لديهم مهم في ذلك الوقت، ولم يتجلّ التّنافس في كثرة الحفظ في مجالٍ كما تجلّ في ظاهرة التّرادف، فقد رُوي عن بعض علماء اللّغة مثل: ابن دريد، وابن سِيْدة، أنّهما كانا يحفظان معاجم لغوية بأكملها، أما ابن فارس فيحكي عن نفسه أنّه يستطيع إخراج خمسين ومائة اسم للأسد، ويذكر أنّ ابن خالويه تباهى أمام أبي علي الفارسيّ بحفظه خمسين اسمًا للسيفِ.
وقد كان اختلفت آراء العلماء في موضوع التّرادف بين الانكار والتّسليم، فالمنكرون يلتمسون الفروق الدّقيقة بين المترادفات، وفقًا لما جاء به ثعلب: " ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات "، و وافقه في ذلك تلميذه أحمد بن فارس بقوله: " يُسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو: ( السّيف، والمهند، والحُسام )"، فالاسم الأساسيّ هو السّيف، وما جاء بعده فهي ألقابٌ للسيف، ومذهبهم في هذا أن كلّ صفة منها تختلف عن الآخر في معناها. أما الفريق الآخر  يرون - وفق ما ذكر ابن فارس – " ليس منها اسم ولا صفة ومعناه غير عن الآخر. قالوا كذلك الأفعال، نحو: مضى وذهبَ وانطلق، وقعدَ وجلسَ، ورقدَ ونام وهجعَ. قالوا في ( قَعَدَ) معنى ليس في ( جَلَسَ ). وقد برهن ابن فارس صحّة وجهة نظره؛ بأنّ القعود إنّما يكون عن قيام، فنقول: قام ثم قعد، ونقول: كان مضطجعًا فجلس، فيكون الجلوس عن حالة هي دون القعود؛ لأن الجلوس ارتفاع عن ما دونه.
 ومن الضروري أن نبيّن في هذا المقام أنّ مفهوم التّرادف لبعض الألفاظ مقترن بنقطة الاستخدام التّرادفيّ، والّتي لها صلة بالتّطوّر الدّلاليّ للفظة كيف ذلك؟ ؛ فما يكون مترادفًا في فترةٍ زمنيّة تمثل بنقطة الاستخدام التّرادفيّ، قد لا يكون يمثل ترادف في فترات أخرى. إذ أنّ التّرادف في علوم اللّغة يمثل ضرورة للشرح اللّغويّ؛  أي إيضاح معنى اللّفظ بلفظٍ آخر، سواء في مستوى التّداول الاستعمالي، أم في مستوى التّأليف المعجميّ. هذا الأمر يوضح لنا أنّ في العربيّة معاني خاصّة خُصّت بها ألفاظٍ، وفيها – تلك الألفاظ- معاني عامّة خُصّت بها ألفاظٍ تدل على العموم، وفيها من المعاني وضعت له ألفاظٍ عدّة، يُعرف بالتّرادف. الّذي دلل على هذا؛ ما أورده ابن فارس في كتابه الصّاحبيّ، فقد عقد بابًا في التّرادف سماه باب الخصائص، وقال فيه:     " للعرب كلام بألفاظ تختصّ به معانٍ لا يجوز نقلها إلى غيرها، يكون في الخير والشّر، والحسن والقبيح، وغيره" . 
لذا تعدّ ظاهرة التّرادف لونٌ من ألوان التّطوّر الدّلاليّ للألفاظ، الّتي تميّزت بها اللّغة العربيّة بين اللّغات، وما كان هذا يكون لو لا التّداخل اللّغويّ بين القبائل العربيّة، وامتزاج العرب بغيرهم بين الأمم، وانتقال كثير من مفردات اللّهجات العربيّة إلى لهجة قريش بفعل كثرة الاحتكاك بينهما. وكان بين هذه المفردات كثير من الألفاظ الّتي لم تكن قريش بحاجة إليها لوجود نظائرها في لغتها، مما أدى إلى نشوء التّرادف في الأسماء والأوصاف، و انتقال كثير من نعوت المسمى الواحد من معنى النّعت إلى معنى الاسم الّذي تصفه، وبالإضافة إلى تدوين أصحاب المعجمات كلمات مهجورة عن الاستعمال المتداول.
الخاتمة
نستنتج مما سبق أن:
1. التّناول العلميّ للظواهر اللّغويّة لا يؤثر في فهمها فحسب؛ بل قد يؤثر في الظّاهرة وجودًا أو عدمًا أو إيهامًا بالوجود أو إيهامًا بالعدم.
2. لما كان مقياس كثرة الحفظ من أقوى المقاييس على عالمية العالم عند القدماء، أصبح التّناول العلميّ للترادف لديهم مهم في ذلك الوقت.
3. تعدّ ظاهرة التّرادف لونٌ من ألوان التّطوّر الدّلاليّ للألفاظ، الّتي تميّزت بها اللّغة العربيّة بين اللّغات.
المراجع:
ابن عبدالكريم، ج. (2013). أثر التناول العلمى فى اضطراب ظاهرة الترادف. العقيق - نادي المدينة المنورة الأدبي الثقافي - السعودية، مج39 ، 7 - 42. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/768261
الجرادات، خ. ع. (2013). الترادف الدلالي بين صيغتي أفتعل وتفاعل. المجلة الاردنية فى اللغة العربية وادأبها - الأردن، مج 9, ع 4 ، 115 - 132. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/468196
رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة أم درمان الاسلامية، أم درمان. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/620584
الزعبي، خ. (2013). مسميات عذاب الآخرة في القرآن الكريم وقضية الترادف. مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب - الأردن، مج10, ع2 ، 1315 - 1346. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/631366
العارضي، م. ج. م. (2014). التحليل الدلالي للقراءات التفسيرية في المحتسب لابن جني ت 392 هـ: دراسة في الترادف المظنون. مجلة اللغة العربية وآدابها - العراق، ع20 ، 267 - 294. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/621810
علي، م. ح. (2013). الترادف فى العربية. مجلة العلوم الانسانية ( كلية التربية صفي الدين الحلي جامعة بابل ) - العراق، ع19 ، 19 - 28. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/635423
ورسى، ع. ا. ع. ع. ا.، و محمد، أ. ب. ح. (2014). اللفظ من جهة التباين والترادف عند الأصوليين وأثر ذلك على الفروع الفقهية (












 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية