د. سلوى الرملى: نساعد على سهولة التعامل مع الحاسوب باللغة العربية
تهانى صلاح
في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبح يواجه اللغة العربية - بكل تاريخها وعراقتها - الكثير من التحديات، أهمها كيفية تعاملها مع هذه التكنولوجيا ليس فقط لمواكبة هذا التطور الهائل والسريع، ولكن أيضا لاستعادة مكانتها وحفظ تراثها ودعمها ونشرها بشكل جديد. ولتنمية اللغة العربية وتطويرها على أسس ثابتة تحفظ لها مقوماتها الأساسية، وفى الوقت نفسه تعمل على مواكبة ما يحيط بها من تطورات وتغيرات لابد أن تتسم بالمرونة الكافية لاستيعاب ما حولها، بدلا من أن يستوعبها ما حولها فتضيع، وهذا يفرض علينا إنتاج نظم متعددة، وأيضا التخطيط لتنمية لغتنا، حتى تكون قادرة على مواجهة هذه التحديات..
ومن هنا جاءت فكرة تأسيس أول جمعية عربية لهندسة اللغة بمصر برئاسة د. سلوى الرملي أستاذ الاتصالات بكلية الهندسة - جامعة عين شمس- صاحبة المبادرة الأولى لتأسيس هذه الجمعية، والتى تهدف فى المقام الأول إلى توسيع نطاق الاهتمام بمجال هندسة اللغويات مع التركيز على اللغة العربية بصفتها لغتنا القومية، والاهتمام بقواعد البيانات المعجمية وصرفها ونحوها ودلالتها بهدف الوصول إلى أنظمة آلية لترجمة النصوص من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية والعكس، وكذلك معالجة اللغة المنطوقة والتعرف عليها وتوليدها ومعالجة أنماطها، مع التركيز على صحة اللغة نطقا وترجمة وتشكيلا تمهيدا لإدخال اللغة العربية إلى الأجهزة الرقمية، لمتابعة التطور الهائل فى العلوم والمجالات المتخصصة بهندسة اللغة، والتعاون مع الجمعيات العلمية المماثلة على مستوى العالم من خلال عقد الندوات والمؤتمرات لرفع الوعى بأهمية هذا المجال.
وللتعرف على أهداف الجمعية وأنشطتها وما تقدمه للغة العربية لمواجهة تلك التحديات قمنا بزيارة د. سلوى الرملى رئيس الجمعية فى مقرها بكلية هندسة عين شمس.
فى البداية نريد تعريف معنىهندسة اللغة ؟
تعنى هندسة اللغة بالتقنيات التى تتيح التفاعل بين الإنسان والآلة - الحاسوب أو الروبوت - باللغة الطبيعية له، وتمكنه من إدخال بياناته وطرح أسئلته على الحاسب بلغته دون أنماط خاصة من الصياغة، وبالتالي يستطيع البحث فى قواعد البيانات المتاحة على الانترنت.
وما أهمية هذا ؟
لهذه التقنيات تطبيقات متعددة منها تلخيص النص آليا، وتصنيف تلك النصوص إلى موضوعات مختلفة مما يسهل آلية البحث على الانترنت، وعمل تحليل صرفى للنص وتشكيله، كما يمكنها اصطناع الكلام وتخليقه، بجانب تطبيقات أخرى عديدة لمساعدة المكفوفين وذوى الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى الترجمة الآلية من لغة إلى أخرى، وكلها تطبيقات لتسهيل الحياة.
كيف تولدت لديك فكرة إنشاء الجمعية؟
اخترع الغرب الحاسوب، لذلك فكل برمجياته والتعامل معه باللغة الانجليزية، لذا اتجهت جميع الشعوب لإتقان الانجليزية - اللغة المشتركة بين معظم دول العالم - على حساب لغاتها الأصلية ومنها اللغة العربية - وهو ما نلحظه فى مدارسنا وجامعاتنا - للتعامل مع الحاسوب.
وفى أوائل التسعينيات قامت فرنسا بتأسيس الجمعية الفرانكفونية لهندسة اللغة بمشاركة عدد من المؤسسين من مختلف الدول، وتم دعوتى لأكون أحد المؤسسين لهذه الجمعية.
وبعد عودتى من فرنسا فكرت فى تأسيس الجمعية المصرية لهندسة اللغة العربية على غرار الجمعية الفرانكفونية، وعرضت الفكرة على أستاذي الدكتور محمد أديب رياض غنيمى الرئيس الأسبق لقسم هندسة الحاسبات والنظم بالكلية الذى رحب بالفكرة وبدأنا بتوجيه الدعوة لعدد من المتخصصين وتم عقد الاجتماعات لتحديد الأهداف ووضع اللائحة الخاصة، ومن ثم تم إشهار الجمعية فى يناير1996.
ما الفرق بينكم وبين المجامع اللغوية والجمعيات الأخرى التى تهتم بالمحافظة على اللغة العربية ؟
اهداف الجمعية تختلف عن أهداف المجامع اللغوية التى تبحث فى توحيد المصطلحات وإخراج المعاجم، وأيضا تختلف عن الجمعيات الأخرى مثل لسان العرب، وحماة اللغة العربية وجمعية تعريب العلوم وغيرها، لان بحوثها نظرية تبحث فى كيفية الحفاظ على العربية وقواعدها وتعريب العلوم والترجمة، أما نحن فقد كونا جمعية علمية تطبيقية تساعد على نشر الوعى وتطوير تقنيات هندسة اللغة كجزء من تكنولوجيا المعلومات للمحافظة على اللغة العربية.
ما هى الصعوبات التى واجهتكم؟
هناك تحديات كثيرة للتعامل مع اللغة العربية نتيجة لطبيعتها الاشتقاقية وثرائها اللغوى فيجب الرجوع إلى المعاجم الحاسوبية، وتشكيل الكلمة لتحديد معناها وفك الالتباس الدلالى، فاللغة العربية غنية بالكثير من التنوعات والتعقيدات الصرفية، فالجذر الواحد في اللغة يمكنه توليد العديد من الكلمات المختلفة في الوزن الصرفي، وعلى الرغم من التطور الذي تشهده العربية في بناء أنظمة متعددة لها فإنها ما زالت تفتقد إلى الأدوات والمصادر اللغوية، وما زالت المعالجة الآلية للغة العربية في مهدها الأول.
هل للجمعية دور فى توحيد الجهود بين العاملين فى هذا المجال داخل مصر؟
إجراء البحوث فى هندسة اللغة العربية لا يقتصر على مصر فقط، فهناك مجموعات كثيرة فى دول عربية وأجنبية تعمل فى هذا المجال، والمشكلة كل منها يعمل منفرداً، ودور الجمعية لا يقتصر على من يعملون فى مصر، بل يمتد إلى كل هذه الدول لتوحيد الجهود فيما بينها وتعريف بعضهم البعض من خلال عقد الندوات وإقامة المؤتمرات التى تقدم فيها البحوث، ونشر الوعى بأهمية تيسير التفاعل بين الإنسان والآلة بلغته الطبيعية المنطوقة والمقروءة فى عصر التكنولوجيا المتطورة، وتكوين فرق للعمل فى بعض الشركات، وهو الهدف الأساسي الذى أنشئت الجمعية من أجله، وقد شارك فى مؤتمراتنا باحثون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وأوكرانيا وتشيكوسلوفاكيا وإسبانيا وكندا والهند وتونس والمغرب والسعودية والأردن وغيرهم.
ما طبيعة الموضوعات التى تتناولها تلك الأبحاث ومدى الاستفادة منها؟
تعالج البحوث المقدمة موضوعات خاصة بالترجمة الآلية ومعالجة اللغة الطبيعية من أجل تحليلها وفهمها والبحث عن المعلومات فى قواعد البيانات والكشف عن تشابه النصوص، كذلك تركز بعض البحوث على الشبكات الدلالية والأنطولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي بهدف قياس اتجاهات الرأي الغالب فى الأسواق المالية، والكشف عن الفكر التآمري فى التغريدات المصرية، بالإضافة إلى البحوث التى تختص بمعالجة اللغة المنطوقة من أجل التعرف الآلى على المتحدث ولهجته والكلام المنطوق وتخليقه، والتشكيل الآلي للنصوص والتعرف على الحروف باستغلال الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، أيضا تتناول بعض البحوث المعاجم العربية واللغويات الحسابية والمحللات الصرفية، وبهذا يتم حماية اللغة العربية من الهجر لحساب لغات أخرى.
هل لهندسة اللغة دور فى الحفاظ على تراثنا العربى؟
تراثنا العربى تراث ضخم ولكى نحافظ على هذا التراث سواء مقروءا أو مسموعا أو مرئيا ووضع هذا المحتوى على شبكة الإنترنت باللغة العربية وتخزينها فى قواعد بيانات، تواجهنا مشكلة التعامل مع - الحاسوب- هذه الآلة التى تتحدث بالانجليزية، وهنا يأتى دورهندسة اللغة لعمل البحوث لإنتاج برمجيات تستطيع التحدث مع الحاسوب باللغة العربية الطبيعية وهو ما يتطلب تقنيات مختلفة، وذلك من خلال التعاون بين ثلاثة تخصصات: أولا مهندس اتصالات ومعالجة الإشارات، ومبرمج الحاسب الآلي بلغات حاسوبية متعددة، ولغويين ولهم دور عظيم لوضع هذه البرمجيات، وتتولى مكتبة الإسكندرية الآن هذه المهمة بحفظ هذا المحتوى بصورة رقمية وهى مرحلة تالية على الترميم وتنقية هذا التراث من الشوائب.هناك كثير من اللغات اندثرت قديما لأن متحدثيها لم يحافظوا على تراثهم لعدم معرفتهم بالكتابة، وحاليا يلزم تطوير وتطبيق تقنيات هندسة اللغة لإمكان رفع المحتوى الخاص باللغة المعنية.
هل هناك أغراض أخرى لهندسة اللغة؟
لهندسة اللغة استخدامات وأغراض متعددة، فمن خلال هذه البرمجيات يمكن تلخيص النصوص آليا وترجمتها وعقد المقارنات بينها وهو ما يساعد على اكتشاف سرقة الأبحاث والتزوير، فضلا عن أن هذه البرمجيات نستطيع من خلالها قياس آراء الناس واتجاهاتهم السياسية من خلال الفيس بوك والواتساب وتويتر، وكذلك معرفة آراء الأشخاص فى بعض السلع أو الخدمات الموجهة لهم من خلال استخدامهم ووجودهم على وسائل التواصل الإجتماعي، إلى جانب العديد من الفوائد الأخرى لاستخدامات هندسة اللغة.
بعد مرور أكثر من 20 عاما على إنشاء الجمعية ما هو تقييمك لما أنجزته خلال تلك الفترة؟
الجمعية قامت بجهد لا بأس به لتحقيق بعض أهدافها فى ظل الإمكانات المتاحة، فقد قامت الجمعية بتنظيم مؤتمر علمى سنوى - بعدد سبعة عشر مؤتمرا - وإصدار مجلة علمية تصدر نصف سنوية فى صورة مطبوعة وأخرى إلكترونية، تنشر على موقع اتحاد المكتبات الجامعية المصرية بالمجلس الأعلى للجامعات، كما عقدت عدة ندوات ودورات تدريبية للباحثين الشباب.
وتفخر الجمعية بحصول اثنين من مؤسسيها من العلماء الكبار على جائزة الملك فيصل العالمية وهم د.نبيل على، د.على حلمى موسى بترشيح من الجمعية، أيضا تقوم الجمعية بتكريم الباحثين المتميزين فى مؤتمرها السنوى.
ما هي مشاريعكم المستقبلية وما تطمحون إليه فى الفترة المقبلة؟
نخطط لإنشاء مركز لبحوث هندسة اللغة لتوفير البرمجيات والمعدات وقواعد البيانات التى يحتاجها الباحثون لتطوير برمجيات هندسة اللغة، وأيضا لعقد الدورات التدريبية، وحاليا نبحث عن مكان مناسب لهذا المركز.
الأهرام