الواو في القرآن الكريم معانيها ودلالاتها
د. مناهل عبد الرحمن الفضل
الواو من الأدوات التي لا تتأثر بالعوامل ، وهي مبنية لا حظ لها من الإعراب ، لأنها لا تتصرف ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج الإعراب لبيانها .
وهي إما أن تكون عاملة ، أو غير عاملة .
فالعاملة قسمان : جارة وناصبة .
فالجارة : واو القسم ، وواو ( ربّ ) ، والناصبة : واو ( مع ) .
أ – واو القسم : وهو حرف يجر الظاهر دون المضمر نحو قولك : والله لأخرجن ، وقد ذهب كثير من النحويين إلى أن الواو بدل من الباء لأنها تشابهها مخرجاً ومعنىً ، ومثل ذلك قوله تعالى : ( والله ربّنا ما كنا مشركين ) .
ب – واو ( ربّ ) : فقد ذهب الكوفيون إلى أنها حرف جر لنيابتها عن ( ربّ ) ، وأن الجر بها لا بـ( ربّ ) المحذوفة ، كقول رؤبة :
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
ج – واو ( مع ) : وهي ناصبة للمفعول معه في نحو قولك : استوى الماء والخشبة ، وسرتُ والنيل ، فحذفت
( مع ) وجيء بالواو إذ التقدير : استوى الماء مع الخشبة ، وسرتُ مع النيل ، وكقوله تعالى : ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ) ، ولا ثاني له في القرآن .
كما تنصب المضارع في جواب النفي أو الطلب عند الكوفيين نحو قوله تعالى : ( ولمّا يعلم اللّهُ الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ، ونحو قوله عز وجل : ( يا ليتنا نُردُّ ولا نُكذّب بآيات ربّنا ونكون ) ، وواو الصرف عندهم ، ومعناها أن الفعل كان يقتضي إعراباً فصرفته عنه إلى النصب ، ونحو قوله تعالى : ( أتجعلُ فيها مَن يُفسد فيها ويسفك الدماء ) ، وكقول الشاعر :
للبس عباءة وتقرّ عيني أحبّ إليّ من لبس الشفوف
أما الواو غير العاملة – المهملة – فأقسامها هي :
الأول : العاطفة ، وهو أصل أقسامها ، ومذهب الجمهور أنها للجمع المطلق ، كقولك : قام زيدٌ وعمرو ، فإنه يحتمل أن يقوم كل واحد منهما قبل صاحبه ، ويحتمل أن يقوما معاً في وقت واحد ، يدل على ذلك قوله تعالى : ( فكيف كان عذابي ونذر ) ، والنذر قبل العذاب بدلالة قوله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .
كما أنها تفيد الترتيب كقوله تعالى : ( شهِد اللهُ أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأُولوا العلم ) ، فهي تعطف الشيء على مصاحبه نحو قوله تعالى : ( فأنجيناه وأصحاب السفينة ) ، وعلى سابقه نحو : ( ولقد أرسلنا نُوحاً وإبراهيم ) ، ولاحقه نحو قوله تعالى : ( يُوحي إليك وإلى الذين من قبلك ) .
وهي تفارق سائر حروف العطف في اقترانها بـ( إمّا ) نحو قوله تعالى : ( إمّا شاكراً وإمّا كفورا ) ، وبـ( لا ) بعد نفي نحو : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالّتي تُقربكم عندنا زُلْفى ) وبـ( لكن ) نحو قوله : ( ولكن رسول الله ) ، كما تعطف الشيء على مرادفه نحو : ( إنما أشكو بثّي وحُزْني ) ، والعقد على النيف ، والعام على الخاص وعكسه ، نحو قوله تعالى : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) ، ونحو : ( ربّ اغفر لي ولوالديّ ولِمن دخل بيتيَ مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ) .
الثاني : واو الاستئناف ، وهي الواو التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها في المعنى ، ولا مشاركة له في الإعراب ، ويكون بعدها الجملتان الاسمية كقوله تعالى : ( وقضى أجلاً وأجلٌ مسمى عنده ) ، والفعلية كقوله تعالى : ( لنُبيِّنَ لكم ونُقِرُّ في الأرحام ) ، ومثل ذلك قوله تعالى : ( واتّقوا الله ويُعَلِّمُكم اللهُ ) ، ونحو : ( مَن يُضْلِلِ اللهُ فلا هاديَ له ويذرهُمْ ) ، بالرفع ، إذ لو كانت عاطفة لنصب ( نقرُّ ) وانجزم ما بعده ونصب ( أجل ) .
الثالث : واو الحال ، قدرها النحويون بـ( إذ ) من جهة أن الحال في المعنى ظرف للعامل فيها ، وتدخل على الجملة الاسمية نحو قوله تعالى : ( ونحنُ نُسبِّحُ بحمدِك ) ، ونحو : ( لئِنْ أكله الذئبُ ونحو عصبة ) ، كما تدخل على الجملة الفعلية إذا تصدرت بماضي مقترناً بـ( قد ) كقولك : جاء زيدٌ وقد طلعتْ الشمس .
الرابع : الواو الزائدة ، وذلك نحو قوله تعالى : ( حتى إذا جاؤُوها وفُتِحَتْ أبوابها ) .
الخامس : الواو التي بمعنى ( أو ) كقول الشاعر :
وننصر مولانا ونعلم أنه كما الناسِ مجروم عليه وجارم
السادس : واو الثمانية ، فقد ذهب بعض النحاة إلى أن من خصائص كلام العرب إلحاق هذه الواو في الثامن من العدد إشعاراً بأن السابع عندهم عدد كامل ، واستدلوا على بقوله تعالى : ( وثامِنهم كلبهم ) ، وبقوله عز وجل :
( حتى إذا جاؤُوها وفُتِحَتْ أبوابُها ) فقد ألحقت الواو لأن أبواب الجنة ثمانية ، ولما ذكر جهنم قال ( فتحت ) بلا
( واو ) لأن أبوابها سبعة .
السابع : الواو التي هي علامة الجمع في لغة ( أكلوني البراغيث ) ، وأصحاب هذه اللغة يلحقون الفعل المسند إلى ظاهر – مثنى أو مجموع – علامة لضميره ، فيقولون : قاما الزيدان ، وقاموا الزيدون ، وقمن الهندات ، فالألف والواو والنون في ذلك حروف لا ضمائر ، وهي عندهم كتاء التأنيث في نحو : قامت هند .
الثامن : واو الإنكار ، وهو حرف تابع لحركة الآخر ألفاً بعد الفتحة ، وياء بعد الكسرة ، وواواً بعد الضمة ، ويردف بهاء السكت نحو قولك : أعمروه ، لمن قال : جاء عمرو .
التاسع : واو التذكار ، وهو حرف تابع لحركة الآخر وإنما يكون ذلك في الوقف على الكلمة لتذكر ما بعدها نحو قولك : يقولو ، تعني : يقول زيد .
العاشر : أن يكون بدلاً من همزة الاستفهام ، إذا كان بعدها همزة كقراءة قنبل : ( قال فرعون آمَنتم ) ، ونحو قوله : ( وإليه النشور *وأمِنتم ) ، فالواو في ذلك بدل من همزة الاستفهام .
هذه هي الواو معانيها ودلالاتها ، مع التمثيل لها من الآيات القرآنية.
|