فرنسا - فرنسا تتعهد بوضع حد لإهمال تدريس اللغة العربية
في ضاحية كرملين-بيسيتر الباريسية التي تتميز بتنوع كبير، تجلس مجموعة من الأطفال بهدوء في الصف لتعلم اللغة العربية فيما رفاقهم يلهون تحت أشعة شمس خريفية دافئة.
تسأل المدرسة حنان تلاميذها “أين يسكن عادل؟” مشيرة إلى دفتر فيه رسم لصبي وفتاة في بلدة مع مدرسة ومسجد. ترتفع الأيادي بسرعة وترد طفلة قائلة “وراء المدرسة”. “لسان” هي واحدة من المدارس الخاصة المتزايدة التي يتوجه إليها أطفال المهاجرين من شمال أفريقيا وأحفادهم ليتعلموا اللغة العربية الفصحى بعد ظهر أيام الأربعاء عندما تكون المدارس الفرنسية مغلقة وخلال عطلة نهاية الأسبوع.
وفيما تعلم حنان تلاميذها الذين تتراوح أعمارهم بين سبع وعشر سنوات استخدام أدوات الاستفهام في إحدى قاعات الصفوف السبعة في المدرسة، تغني مجموعة أخرى تضم أطفالا في سن الرابعة أغاني مخصصة لمدرس الروضة.
وترتدي المدرسات في الصفوف الحجاب الذي يُمنع في المدارس الرسمية على غرار الرموز الدينية الأخرى. لكن ليس الحجاب هو الذي يلفت الانتباه في هذه المدارس بل دروس الدين في بلد يعاني صعوبات في علاقته مع الأقلية المسلمة فيه وهي الأكبر في أوروبا مع خمسة ملايين نسمة تقريبا.
ويؤكد عبدالغني صباتا (37 عاما) وهو جزائري حامل شهادة حقوق وأحد مؤسسي “لسان” أن المضمون الديني في هذه الدروس والذي يتضمن حفظ آيات قرآنية، “خفيف جدا”. ويوضح لوكالة فرانس برس “نترك الجانب الديني للعائلات”. لكن في الكثير من المساجد التي تعلم الأطفال قراءة العربية وكتابتها، يشكل التعليم الديني الهدف الرئيسي.
وحذر تقرير حول التشدد صدر الشهر الماضي عن مؤسسة مونتانيه الفرنسية العريقة، من أن صفوف اللغة العربية أصبحت “الطريقة الفضلى للإسلاميين لاستقطاب الشباب إلى مساجدهم ومدارسهم (الخاصة)”.
ورد وزير التربية جان-ميشال بلانكيه بإعلانه خططا لاستعادة الإشراف على تعليم اللغة العربية، وأكد أن اللغة العربية يجب أن تعامل كغيرها من “اللغات المهمة” مثل الروسية والصينية، وقد تعهد تعزيز تعليمها في المدارس الرسمية من أجل مكافحة “الميل إلى تشكل الغيتوهات” في المؤسسات الخاصة.
وقد أثار اقتراحه ردة فعل غاضبة من مسؤولين في اليمين الفرنسي يعارضون استخدام المهاجرين من شمال أفريقيا للغة العربية ويرون فيها فشلا في الاندماج في المجتمع الفرنسي.
وتساءل لوك فيري الذي كان وزيرا للتربية في عهد الرئيس جاك شيراك (اليمين الوسط) ما إذا كانت الحكومة “تريد محاربة التطرف الإسلامي أو أنها تريد أن تدخله إلى النظام التربوي الرسمي”، مشيرا إلى أن إعطاء اللغة العربية موقعا أقوى يحقق الهدف الثاني. وقال لوي آليو النائب عن التجمع الوطني (حزب الجبهة الوطنية الفرنسية سابقا) اليميني المتطرف “نحن بتنا في منطق الخضوع” في إشارة إلى رواية ميشال ويلبيك “الخضوع” التي يتصور فيها الإسلاميين يحكمون فرنسا.
ويقول حكيم القروي واضع تقرير مؤسسة مونتانيه الذي أجج جدلا كبيرا حول إصرار فرنسا على تخلي المهاجرين عن هويتهم الإتنية لدى وصولهم إلى فرنسا والاندماج في المجتمع الفرنسي، إنه لا يستغرب البتة ردة فعل اليمين الفرنسي.
ويوضح أستاذ الجغرافيا والمستشار الحكومي السابق المولود في تونس لوكالة فرانس برس “كل ما يتعلق بالعرب يثير غضبهم”. ويشير إلى العدد القليل جدا من المدارس التي توفر تعليم اللغة العربية مع أنها ثاني لغة محكية في فرنسا فيما يستخدمها أكثر من 430 مليون شخص عبر العالم، ما يشكل برأيه دليلا على تحفظهم على تدريس موضوع مرتبط بالمهاجرين الذين يطرحون “معضلة” بنظرهم. فـ567 تلميذا في المدارس الابتدائية تعلموا العربية العام الماضي وهو ثلث عدد الذين اختاروا الصينية كلغة ثانية إلزامية. وقد اختار أغلب التلاميذ اللغة الإنكليزية.
وفي المرحلة الثانوي كان عدد التلاميذ الذين يدرسون العربية 11200. وتدريس هذه اللغة متاح في حفنة من المدارس في كل مدينة.
ومع تجاوز الطلب العرض بكثير، يتوجه الأهل إلى المساجد والجمعيات الدينية والمدارس الخاصة مثل “لسان” التي تجذب مجتمعة 80 ألف تلميذ، على ما تفيد تقديرات الحكومة الواردة في تقرير مونتانيه.
وقد سجلت إيناس كريدان (35 عاما) وهي تونسية مقيمة في فرنسا منذ 13 عاما ابنتها إكرام في مدرسة “لسان” في سن الرابعة.
وبعد خمس سنوات، بإمكان إكرام أن تفهم أقاربها التونسيين ومتابعة القنوات العربية وقراءة القرآن. لكن إيناس تفضل أن تدرس اللغة العربية في المدرسة العادية، وتؤكد “ينبغي أن تعامل كأي لغة أخرى”. وكتب رئيس معهد العالم العربي في باريس الوزير الاشتراكي السابق جاك لانغ في صحيفة “لوموند” الشهر الفائت مدافعا عن اللغة العربية مؤكدا أنها لغة “العرب المسيحيين واليهود والمسلمين والملحدين والمدونين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي والشباب والكتّاب والشعراء ومغني الهيب هوب والعلماء والباحثين والصحافيين والشركات والمبتكرين”. ويشاطره هذا الرأي جيروم جيرسيه مدير مدرسة ثانوية دولية في مدينة غرونبول في جنوب شرق البلاد الذي يضطر سنويا إلى رفض طلبات لتعلم اللغة العربية.
وبعد التخرج من مدرسته يواصل أغلب تلاميذه دروسا في العلوم السياسية أو الطب أو إدارة الأعمال أو الهندسة أو الفنون. ويؤكد أن في ذلك دليلا على أن اللغة العربية “هي سبب للتميز”.
العَرب
|