حسين الحربي
أوضح الدكتور عبدالعزيز الثنيان، أن اللغة العربية تتعرضُ لحربٍ ناعمة، يجهل كثيرون أبعادها وأخطارها بانتشار المدارس الأجنبية، التي تستبعد التعليم بـ»العربية». وشدّد على ضرورة الاهتمام باللغة العربية ابتداءً من مراحل التعليم الأساسية والاعتزاز بها على المستوى العربي، وفي المحافل الدولية لتصبح لغة العلم والحياة والمال والأعمال، فتتبوّأ صدارتها بين لغات العالم والدول العظمى، التي شيّدت حضارتها وأسست علومها وتطورها بلغتها الوطنية؛ مستشهدًا بعدد من الدول العالمية؛ مثل: فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا والصين.
جاء ذلك في محاضرة بعنوان: «لغة التعليم بين بناء الأمم وهدمها» ألقاها في مجلس حمد الجاسر الثقافي، وأدارها د. عبدالعزيز الخراشيّ أخيرا.
وافتتح محاضرته بالحديث عن اللغة العبرية التي كانت ميتة، وكيف تمكّن اليهود من إحيائها منذ 1903م، وتجاوزهم التحديات في حرب اللغات حتى تمكّنوا من استعمالها في التعليم والعمل. واستعرض ما جاء في مقالة إليعازر بن يهودا في أبريل 1879م التي قال فيها إن نهضة اليهود ستكون بتبنّي اللغة العبريّة في جميع مجالات الحياة، وبدأ بتأسيس جمعيات تهتم باللغة العبريّة، ونشر الصحف بتلك اللغة، وتدريسها في المدارس، حتى بلغ تطوير العبرية ذروته عام 1913م.
ثم تحدّث عن فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا واليابان والصين، وكيف تمكّنت من الاهتمام والاعتزاز بلغتها وتأصيلها، وجعلها لغة علومهم ونهضتهم المتطورة؛ معرجًا على ما ذكره رئيس الوزراء السنغافوري الأسبق في كتابه «التحول من العالم الثالث إلى الأول»، ومدى حرصه على اللغة الأم لنهضة بلده.
ثم تحدّث الدكتور الثنيان عن واقعنا العربي مع الهويّة واللغة العربية، وتساءل: كيف لا تحظى باهتمام أكبر، وهي لغة القرآن ولغة الرسالة التي انتشرت في العالم، مستنكرًا تنحية بعض المدارس الدوليّة لغتنا العربية عن التعليم؛ حيث تتزايد بسرعةٍ أعداد الطلاب والطالبات في المدارس ذات المنهج الأجنبي بالمملكة، فحسب إحصاءات وزارة التعليم عام 1433 /1434هـ بَلَغ عدد الطلاب والطالبات 93.429، وعام 1434 /1435هـ 171.911، وعام 1435 /1436هـ 264.231. وهذه الأعداد كلها تدرس في مدارس خاصة ذات توجهات مختلفة، بلغت أعدادها عام 1435 /1436هـ 1.666 مدرسة بمختلف أنحاء المملكة. وهذه الأعداد من الطلاب والطالبات في تلك المدارس لغة تعليمهم الإنجليزية، ويا للأسف صِرنا نبحث عن التعليم بلغة الأمم الغالبة، وبمناهج وكتب تلك الأمم.
وأشار المحاضر إلى أن المدارس الأجنبية التي انتشرت في بلاد العرب والمسلمين تُضعِف ثقافة الدارسين وهويتهم العربية والإسلامية، فالكتب التي يدرسونها لم تُؤلَّف للعرب والمسلمين، وإنما كُتِبت لغير المسلمين، وانضم إليهم في دراستها الطالب المسلم، حيث يمضي الطلاب والطالبات الساعات الدراسية يومياً مع تلك الكتب التي تُعلمهم ثقافة الغرب وحضارته.
وقال: إن اللغة الإنجليزية لغة مهمة، ولكن التعليم ليس معرفة اللغة فحسب، إنما هو بناء الشخصية وتزويدها بالمهارات الأساسية المعرفية، أما اللغة فوسيلة. وشتان بين الوسيلة والغاية، وفرق بين استيعاب المادة العلمية، ومعرفة اللغة الثانية. فرقٌ بين تعلم اللغة وإجادتها، وبين التعلم ذاته باللغة العربية. إن «العربية» ليست عاجزةً عن احتواء علوم العصر، فهي لغةٌ شرفها الله بحفظه.
الرياض