ذات يوم 30 ديسمبر 1934.. معركة حول اللغة العربية بين سلامة موسى وزكى مبارك.. وتلاسن حول إلغاء مصطفى أتاتورك للحروف العربية
سعيد الشحات
كان المفكر سلامة موسى «1887-1958» يرى أنه لا فائدة نحصدها ولا قيمة تعود من دراسة الأدب العربى القديم، بينما كان الدكتور زكى مبارك «1892-1952» يرى كل مجده فى دراسة هذا الأدب، وأدى هذا التناقض إلى مساجلات بينهما حسب تأكيد «أنور الجندى» فى كتابه «زكى مبارك- دراسة تحليلية لحياته وأدبه»، مشيرا إلى أن «مبارك» كان فى هذه المساجلات لبقا غاية اللباقة، ولم يكن عنيفا، فهو يبدو حريصا على صداقته مع «سلامة»، غير أن الخلاف بينهما كان واسع الشقة.
تأسس التناقض بينهما على خلفية الأفكار التى يعتنقها الاثنان..وبوصف الدكتور غالى شكرى: «كان موسى اشتراكيا، نصير للطبقات الكادحة ومحررا للعقول من الأوهام»، وكان «زكى مبارك»، «ينهل من التراث العربى ويغوص فيه، ويوجه سهام نقده اللاذع إلى كل من يرفضه وعلى رأسهم موسى».
كانت اللغة العربية مجالا لمعركة ساخنة دارت بين الاثنين، وبدأت يوم 30 ديسمبر- مثل هذا اليوم -عام 1934 فى جريدة «البلاغ» وفقا لتأكيد «أنور الجندى» فى كتابه «المساجلات والمعارك الأدبية»، فتحت عنوان «اللغة لخدمتنا ولسنا نحن لخدمتها» قال سلامة موسى: «يجب أن ننظر إلى اللغة العربية من حيث أنها خادمتنا التى تؤدى لنا الدعاية الفنية التى نطلبها، وليست ألفاظ اللغة مجموعة من الجواهر التى تحفظ فى علبة يقال لها «المعجم»، ويجب أن لا نمسها إلا بعد التطهير، كما يجب أن تكون عنايتنا أن نجعل اللغة بحيث يمكن التخاطب بها، فإذا وضعنا نصب أذهاننا هذه الغاية، فإن كثيرا من قواعد اللغة يمكن تنقيحه والاستغناء عنه من الآن»، ودلل «موسى» على كلامه بأن الزعيم التركى مصطفى كمال أحدث نهضة فى تركيا بإلغاء الحروف العربية، واصطنع الحروف اللاتينية.
عارض «زكى مبارك» كل ما ذكره سلامة موسى فى هذا الموضوع، ورد قائلا: «لا يا سيدى: نحن صاغة اللغة، وهى تضعف وتقوى وفقا لما فينا من ضعف وقوة، فللأمم القوية لغات قوية، وللأمم الضعيفة لغات ضعيفة، فالناس هم الذين يخلقون اللغات، وبمقدار حرصهم على تهذيبها وإصلاحها وإحيائها يكون نصيبهم من المدنية، فإن رأيت إنسانا يعنى بلغته فلا تحسب أنه يلهو ويلعب، ولكن تذكر أنه يؤدى مهمة عقلية لا يزهد فيها إلا من يجهلون قيمة اللغات فى الدلالة على حضارة الشعوب، ولو كان رأيك صحيحا لكانت إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أمما متأخرة تشغل نفسها بما لا يفيد حين تنشئ مختلف المعاهد للدراسات الأدبية واللغوية، فلم يبق إلا أن نثبت عليك التجنى على المنطق، حين تدعى أن اللغة خلقت لخدمتنا ولم نخلق نحن لخدمة اللغة، وفى الدنيا تعابير كثيرة خاطئة ولكنها تلبس ثوب الصواب».
أما استدلال سلامة موسى بما فعله مصطفى كمال فى اللغة التركية، فرد عليه زكى مبارك: «مصطفى كمال، مصطفى كمال، مصطفى كمال «هكذا كررها ثلاث مرات»: أنشودة جديدة يتغنى بها، ومصطفى كمال مضرب الأمثال فى العقل لأنه انتصر، ولو كان انهزم لضرب به المثل فى الجنون، ما قيمة رأى مصطفى كمال فى الشؤون الأدبية؟، يستطيع مصطفى كمال أن يدعى ما يشاء فى الأنظمة الحربية، ولكن ستريه الأيام أنه خسر خسرانا مبينا باصطناع الحروف اللاتينية، وهجر ما فى لغته من الألفاظ العربية، ولم يستمع لأصوات الأمم الإسلامية»، رد سلامة موسى: «أحب أن أكون إيجابيا وأثبت شيئين» الأول: أن ما يذاع عن تفوق الأساليب العربية القديمة أو الشعر القديم كذب، الثانى: أننا منكوبون نكتة كبيرة لالتزامنا الأساليب القديمة التى تفصل بين الخاصة والعامة عندنا، وأنا أصارح القارئ بأنى لا أقرأ الأدب العربى إلا لقيمته التاريخية فقط، ولا أبالى هؤلاء الأصنام الذين يذكرون فى كل وقت، مثل الجاحظ وابن الرومى ومن إليهما، وإنى أعرف أن بين كتابنا وشعرائنا من يتفوق على هؤلاء، إن لغتنا جامدة، جامدة جدا، ومرجع هذا الجمود إلى أمثال زكى مبارك واللغويين العرب الذين يحسبون أن ألفاظ اللغة العربية جواهر يجب أن تمسح، ولكن يجب ألا تنقح وألا تبدل».
رد «مبارك»: «قف عند حدك واعرف نفسك، من الذى أنكر أن اللغة العربية كسائر اللغات الحية لا تستغنى عن التنقيح والتهذيب، من الذى ادعى أن اللغة لا يمكن أن تتطور فى الألفاظ والأساليب؟، إنك تفر إلى هذه النقطة المسلم بها من الجميع ليصح لك الزعم بأنك تدعو دعوة المصلحين، ولكن هيهات أن تخفى فرارك، وأن يجهل الناس غرضك الدفين فى التجنى على اللغة العربية، وسنرى أن نجاتك من الهزيمة أمر مستحيل».
اليوم السابع