مشاركون بالمجلس الثقافي للإعلامي سعد الرميحي: قطر لعبت دوراً كبيراً في النهوض باللغة العربية
ناقش المجلس الثقافي للإعلامي سعد الرميحي، جملة من التساؤلات حول واقع اللغة العربية في الوطن العربي، واهتمام دولة قطر بتاريخ وقواميس اللغة العربية، فضلاً عن إقرارها قانونا يحمي اللغة ويفرضها على المؤسسات العامة والخاصة، وذلك في جلسة نقاشية بعنوان "جدلية الحضارة واللغة"، شارك فيها نخبة من المختصين والباحثين باللغة العربية..
وقد شهدت الجلسة، مجموعة من الأسئلة المتعلقة بإعادة تركيب وتفكيك الواقع بمعول اللغة العربية، وإعادة النظر في الأطروحات الفلسفية لصدام الحضارات وتوازنات السياسة الدولية، وغيرها من الأسئلة التي ناقشت موضوع اللغة في إطار فكري وفلسفي، ودور قطر في النهوض باللغة العربية.
فهم التاريخ
أثار سلطان مهيوب الكامل الباحث في علوم اللغة العربية بجامعة قطر، خلال الجلسة مجموعة قضايا لغوية، كان في مقدمتها قضية تباين الدلالات العربية، واختلاف معانيها باختلاف الحيز الجغرافي الذي تستخدم فيه، فالعديد من الكلمات تحمل معاني معاكسة وليست مختلفة فقط، مثل كلمة العافية، تختلف من الخليج والمغرب العربي، فعند شعوب المغرب تحمل "العافية" دلالة الموت، وهكذا الحال من تباينات المدلول، مشيراً إلى أن اللغة ليست مسطرية بقدر أنها ظاهرة زئبقية، وتلك الحالة تحيلنا بالضرورة إلى إشكالية اختلاف تفسير النصوص التاريخية. وعليه قال "إن مجال اللغة يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة وربط الظروف المكانية والزمانية بمدلولات النصوص من أجل الوصول إلى المعنى الأدق للكلمة"..
وأوضح عدم فهم التاريخ هو معضلة كبرى تعوق بالتأكيد طلائع التقدم وتشيِّد بروجاً للتخلف بدلاً من هدمها، لأن التاريخ هو محرك الحاضر، ومنصة الانطلاق نحو المستقبل، مضيفاً بقوله:" وهذا ما نجده في المقولة المأثورة عن محمد حسنين هيكل بأن "الذين لا يعرفون تاريخهم يبقوا أطفالاً مدى حياتهم" والطفل لا يقوى على خوض المعارك الحضارية ولا التصدي لرياح الصراع الذي تفرضه طبيعة التدافع البشري بين الثقافات والحضارات. وأبسط مثال على ذلك هو الحرب الثقافية بين العرب والاحتلال الإسرائيلي، فماضينا وإرثنا مهدد بقدر هائل من التأول والأكاذيب التي تخلط الحقيقة بالأكذوبة وتلبس الحق بالباطل، فتجعل من أجيالنا الصاعدة ورقة مهترئة في مهب الضياع والهزيمة.
كما وأشار سلطان مهيوب الكامل إلى أن اللغة هي أداة الوجود الحضاري، غزوها وهدمها اقترن خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بالغزو العسكري كونها الضمانة الحقيقية لبقاء الشعوب، والاستعمار الفرنسي للمغرب العربي شاهد ونموذج، مبيناً أن الحضارة تعبر على أكتاف اللغة، وإن ما من حضارة عرفها التاريخ البشري إلا وتميزت بلغة عبرت بها نحو الفضاء الجغرافي والتاريخي، فانتشرت لتبشر بكينونتها وماهيتها وتفرض بريقها على الشعوب المجاورة والبعيدة.
الاهتمام باللغة
وتحدث الإعلامي سعد الرميحي عن دور قطر في النهوض باللغة العربية، قائلاً:"إن دولة قطر اهتمت باللغة العربية بالغ الاهتمام، فأقرت قانونا يحمي اللغة ويفرضها على المؤسسات العامة والخاصة، وكذلك دشن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله معجم الدوحة التاريخي إيماناً من دولة قطر بأهميتها في حفظ الهوية والجدان، وتقوية النسيج الثقافي للشعوب العربية الباحثة عن الوحدة والترابط، فالمعجم التاريخي للغة العربية يؤرخ معاني الكلمات العربية وتطورها على مدار 18 قرنا وقد شارك في إعداده أكثر من 300 أستاذ خبير في اللغة، هذا بالإضافة لكون المعجم يحيي الكلمات العربية التي يعود تاريخها إلى 1800 عام. فقطر تتشبث بمنبت التاريخ لبلوغ قمم المستقبل".
اللغة أداة معرفة
وحول أسباب هيمنة الحضارة الغربية ونشر اللغة الإنجليزية في أصقاع الدنيا، قال محمد يعقوب السيد، الخبير في قطاع البترول،: "إن مجال العلوم الهندسية والبترولية محتكر من قبل اللغة الإنجليزية التي أرغمتنا على تعلم اللغة الإنجليزية، ومنها عبرت إلى وجدان الدارسين لهذا المجال الكثير من ملامح الثقافة الغربية، فهو إن صح التعبير احتلال ناعم، أجبرتنا عليه الحاجة للتقدم، وللأسف لا يوجد تقدم دون دراسة اللغة الإنجليزية، لأن لغتنا الأم أصبحت غير قادرة على مجاراة التقدم الحضاري الحاصل في التاريخ، والبقاء كما يقولون للأقوى بل للقادر على إيصال صوته وعلومه وتاريخه وإرثه".
السيد جاسم سعد الرميحي أوضح أن اللغة أداة للتفاهم والتحاور الدولي كونها أداة أساسية في تفسير التراث ومعرفة الأبعاد الحضارية لكل جنس بشري، مبيناً أن أطروحة صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي التي وضعها الأمريكي صاموئيل هانتغتون بداية التسعينيات، ظهرت بأن العالم يعيش حالة صدام وصراع قائم على الحضارة تلك السردية التاريخية تحيل إلى أهمية اللغة لتخفيف وطأة الصدام وتشكيل جسر يعبر بالشعوب إلى حالة من الحوار والتفاهم، فكثير من المستشرقين أقاموا أحكاماً مجحفة على الدين الإسلامي بتفسيرهم نصوص القتال والدفاع بظواهر النصوص وليس بالاعتماد وليس بالاعتماد على الدراسة العميقة لظروف "الزمان" إذا استعرنا ذلك التعبير الفيزيائي، وهذا الخلل اللغوي أفضى في النهاية إلى حالة صدام بسبب غياب التفاهم الدولي، مستشهدا بقول أفلاطون في أولى قواعد الجدال "إن تحديد المعاني والمصطلحات لابد أن يسبق الجدال كي يفضي في النهاية إلى حالة وفاق وتفاهم تحدد مسار النقاش نحو تلاقي الأفكار لا هدمها".
الحراك الثقافي
وقدم الخبير اللغوي عبدالله الجابر الخبير اللغوي إبداعات ومفارقات ومقارنات حول تعدد المعاني للكلمة الواحدة والأخطاء الشائعة التي ذكر المئات منها، مناشداً بضرورة تدخل وسائل الإعلام لإعادة توازن الوعي المجتمعي بأهمية اللغة السليمة، ومتذكراً برنامج "لغتنا الجميلة" للراحل فاروق شوشة، الذي نجح عبر إسهاماته الإعلامية أن يساهم في عمليات التنشئة التربوية.
بينما ألمح محمد بن سعود الدليمي أحد رواد ندوات الرميحي الثقافية إلى أن الحضارة هي من تصنع اللغة، فالحراك الثقافي يولد مدلولات جديدة للغة، بل وتصنع تعبيرات أخرى، بحسب نشاط البيئة التي تنتمي إليها. ويقول الدليمي إن لبنان مثلاً قد أثر تاريخها السياسي والثقافي على مفردات ومعاني اللغة، بخلاف الدول الحديثة التي لا تمتلك تاريخاً طويلاً من الحراك المجتمعي.
الشرق
|