معذرة ... صاحبة الجلالة !!!؟؟؟
أ.د. ياسر الملاح
كنت أود كتابة هذه الرسالة، يا صاحبة الجلالة، منذ زمن بعيد، فمعذرة إن جاءت متأخرة في هذا الزمان. لقد وُلدتِ شابة جميلة القسمات منذ أن طاف بك الشعراء نواحي أرض العرب، بصحرائها الممتدة الشاسعة، وبرمالها ومخاوفها العديدة، وطوّفواالجبال والوهاد، وتسلق بك المتسلقون هضابا وغابات، وامتطى عشاقك أنهارا وبحارا، فكنت العقد الذي يزينون به رقابهم في أرض العرب وغير أرض العرب، وسحر جمالك علوج الفرس والترك والهند والسند، ثم استطابت آذانهم وأفواههم موسيقاك الجميلة فاتخذوك، حينا من الدهر، لسانا حافلا بحلو الكلام وطيّبه، ويشهد على مصنفات ومكتبات وفيرة في تلك البلاد.
وعندما اتخذك ربُ العزة لسانا لقرآنه، ومستقرا لبيانه، أصبحت صاحبة جلالة بحق، لله درك يا ذات الجلالة والهيبة، ما أكرمك! وما أهيبك! وأنت تمخرين عباب القرون واحدا بعد آخر، ففي الجاهلية كانت عقود زينتك لا يشق لها غبار! ولعمري إني لتتملكني الحيرة ويربكني التردد، أفأبدأ الحديث، عن الشعر والشعراء ومعلقاتهم؟! أم أبدأ بالخطابة والخطباء ؟! أم أبدأ بالرسائل والأمثال؟! وما أن أصبحت الأيام مهيأة لنبوة المصطفى كان حديثه لآلئ تتزين به الألسن والساحات والأحلاف، فأصبح الأمينَ، لله دره !! في جاهلية جهلاء، وسرُعان ما أن جاء الحق وزهق الباطل، فأصبح الأمينُ نبيا ورسولا. ولأن الحق دائما هو الغالب على أمره، وسطعت شمس الإسلام المتوهجة بكل خير، كان القرآن قدحها المعلّى في كل ساح، وأصبحت الأمة التي كانت غارقة في جاهلية جهلاء نورا يستمد منها كل ضوء بريقه ولمعانه المبدد للجاهلية وأشكالها وللظلم والظلام.
ثم اقتحمتْ قوافلُ الدعوة المباركة، زمن الفتوحات، الاتجاهات كلها، وهي تحملكِ في القلوب وتتغنى بأدبك من الشعر والنثر، الألسن المباركة وترجع ألحان أصواتك العذبة على صليل السيوف وأنات الرماح جهادا في سبيل الله... لقد كنت في الشام، ثم سارت جحافلك إلى العراق، ومنهما إلى مصر وخراسان، ومنها إلى الهند وإيران، ولم تهن لك عزيمة أو تتوقف في معصميك عروق النبض الدفاقة بالشجاعة والعزم الذي يفل الحديد. ولمّا تعرب أهل تلك البلاد ،بعد أن أسلموا، أصبح الأدب والشعر يتدفق على ألسنتهم كما يتدفق الماء المنهمر من الغيمة الداكنة، فأصبحت الروافد البشرية التي تتدفق في نهرك الكبير معجبة ولا يدانيها في تاريخ البشرية كلها نهر لغوي دفاق مثل نهرك الموار بالعطاء والحيوية والانتماء العقدي المذهل. وقد كان نظام الولاء الذي استنته الشريعة قد جعل هؤلاء جميعا من العرب، فلله درك كيف تسنى لك أن تصبحي مهبط أفئدة الملايين من بني البشر في فترة قليلة من الزمن، وما زالت مياهك الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية تتدفق على شفاه هؤلاء المتعربين الذين أخذت حناجرهم تصدح بأجمل أدب وأتقن علم يثري مياهك المتدفقة في مسيرة البشرية الواعدة بحبك واحتضانك لتصبحي لغة أممية بكل فخر واعتزاز.
ولتتيقني من صدق ما أقول وأدعي، أريد أن أسرد على مسامعك مقالة كتبها أحدهم في مقدمة أحد كتبه باثا فيها حبه وعشقه لك ولعروبتك، يقول الزمخشري في مقدمة كتابه " المفصل في علم العربية" :" اللهَ أحمدُ على أنْ جعلني من عُلماءِ العربيةِ، وجَبَلني على الغضب للعَرَب والعَصَبيّةِ، وأبَى لي أنْ أنفردَ عن صَميمِ أنْصارِهِمْ وأمْتاز، وأنْضوي إلى لفيفِ الشعوبيةِ وأنحازَ، وعَصَمَني منْ مَذهبهِمْ الذي لم يُجْدِ عليهم إلا الرَّشق بألسِنةِ اللاعِنين، والمَشقِ بأسِنةِ الطاعِنين...ولعلَّ الذين يغضونَ من العربيةِ ويضعونَ من مِقدارِها، ويُريدون أنْ يخفِضوا ما رفعَ اللهُ من مَنارِها، حيث لمْ يجعلْ خَيْرة رُسُله وخيْرَ كتبه، في عَجَمِ خلقِه ولكن في عَرَبه، لا يبْعدونَ عن الشعوبيّةِ مُنابَذة لِلْحَقّ الأبْلجِ، وزيْغا عن سَواءِ المَنْهجِ... وذلك أنّهُمْ لا يَجدونَ عِلـْما من العُلومِ الإسْلامِيّةِ فقهها وكلامِها وعِلمَي تفسيرِها وأخبارِها إلا وافتقارُه إلى العربيةِ بَيِّنٌ لا يُدفعُ، ومَكشوفٌ لا يتقنّعُ، ويرون الكلام في معظم أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنيا على علم الإعراب والتفاسير مشحونة بالروايات عن سيبويه والأخفش والكسائي والفراء وغيرهم من النحويين البصريين والكوفيين والاستظهار في مآخذ النصوص بأقاويلهم، والتشبث بأهداب فسرهم وتأويلهم، وبهذا اللسان مناقلتهم في العلم ومحاورتهم، وتدريسهم ومناظرتهم، وبه تقطر في القراطيس أقلامهم، وبه تسطر الصكوك والسجلات حكامُهم. فهم ملتبسون بالعربية أية ً سلكوا غير منفكين منها أينما وجهوا، كل عليها حيثما سيروا، ثم إنهم في تضاعيف ذلك يجحدون فضلها ويدفعون خصلها، ويذهبون عن توقيرها وتعظيمها، وينهون عن تعلمها وتعليمها، ويمزقون أديمها، ويمضغون لحمها، فهم في ذلك على المثل السائر:" الشعير يؤكل ويذم"، ويدعون الاستغناء عنها..." (الزمخشري، المفصل في علم العربية، ص2) ...إلى آخر هذا النص المدهش عشقا للعربية ودفاعا عنها ومهاجمة لأعدائها.
وهل يُكتفى بمقالة الزمخشري، ربما يكون الأمر كذلك !! لأنها رائعة من روائع ما سطره المتعربون في حب العربية والدفاع عنها، غير أن ما أفلح في إنتاجه آخرون غير الزمخشري في علم العربية أو تفسير القرآن أو في مختلف أنواع العلوم والمعارف المؤلفة بالعربية لمدعاة إلى الاعتزاز بما وصلتِ إليه، يا صاحبة الجلالة، من عز وفخار وعشق وهُيام في نفوس من اعتنق الإسلام الحنيف واتخذك لسانا أبديا له. فهل أحدثك عن سيبويه الفارسي الأصل، أم هل أحدثك عن البخاري، أم عن الجرجاني، أم عن الطبري، إلى آخر هذه القافلة الغنية بالمبدعين في تاريخ الحضارة الإسلامية الزاهرة. والحمد لله أن حفظ الله هذه الذخائر العلمية والأدبية لتكون أعظم شاهد على تمكنك من نفوس هؤلاء المبدعين في تاريخ الثقافة الإنسانية بعامة وفي تاريخ الثقافة الإسلامية بخاصة.
ولنتحول الآن إلى عصرنا الذي نحياه، يا صاحبة الجلالة، وإن وجهي ليذوب خجلا منك لما فعله أهلك الذين يسمون أنفسهم الناطقين بالعربية، فعمَّ أحدثك من سوءات لغوية تشيع في حياتنا شيُوعَ الشعر في أسواق عكاظ والبصرة وبغداد يوم أن كان الشعر ديوان العرب !!! وشيوع آيات القرآن على شفاه الناس من الأندلس إلى خراسان والهند وماليزيا !!!! وشيوع الأحاديث الشريفة على شفاه حُفاظها ورواتها وخطباء الجمعة وحلقات العلم !!! وشيوع ندوات النحو والصرف وجمع مفردات العربية في قواميس أصبحت بحورا يغرف منها كل متعلم !!! وشيوع حكايات المقامات الهمذانية والحريرية وغيرهما من صناع الكتابة الأنيقة !!! وشيوع دواوين الكتابة الراقية في قصور الحكم والسلطان على أيدي عبد الحميد الكاتب وكتاتيب الجاظ وغيرهما من أساطين النثر ومدارسه !!!ّ والفرق بين الشيوعيْن هو الفرق بين الصحة والمرض، أو الفرق بين الاستقامة والاعوجاج، فما أحوجنا، في هذا الزمان، يا صاحبة الجلالة، إلى أن نثوب إلى رشدنا !! فأجدادنا، باتخاذهم سبيل الرشد أقاموا حضارة ذات صرح عال من المصنفات والموسوعات، بكِ أنتِ، يا صاحبة الجلالة، فكان لهذه المؤلفات وهج ساطع لا يمحوه الدهر. ولأننا سلكنا، اليوم، سبيلا آخر أبْعدَنا عنكِ، يا صاحبة الجلالة، لم نجن إلا الركام والخراب، فنعلم أبناءنا اللغات الأجنبية لنرضي غرورنا وتصديقنا بأن البعد عنكِ، يا صاحبة الجلالة، هو الرقي والتمدن والتحضر!!!! لقد ولّى الزمن الذي كان فيه الخطيب يألم إذا لحَن، فعبد الملك بن مروان تشيّبُه المنابر مخافة أن يَلحَن، وكان فيه العالم يبادر إلى الإصلاح والتربية بتصنيف الكتب الجليلة إذا أصابكِ مسٌّ من الخطأ أو الانحراف عن الصواب اللغوي !!!!" قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي، ورزقني منه رزقا حسنا، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب".
فهل أحدثكِ عن بيوتنا التي لم تعد تتقن إلا التحدث بالعامية أواللغات الأجنبية إلا من عصم ربي!!! ولا تكاد عامية قطرٍ من الأقطار تصلح للتفاهم بين الناس في قطرٍ آخر من أقطار العروبة التي نافت العشرين!!! فإذا التقى العربيان في سوق أو مطار أو أي مكان من أماكن التواصل فقد لا يتفاهمان إلا باللغة الأجنبية !؟!؟ أما اللغات الأجنبية التي غزت بيوتنا وألسنة أبنائنا فحدث عن هذا، ولا حرج، لأن المعيار السائد هو: كلما ابتعدت عن اللسان العربي فأنت متحضر أكثر؟!؟ ومتناغم مع حياة العصر الذي تعيش فيه !!! وسأدع امرأة عربية غيورة على لغتها ولغة أبنائها، تحدثكِ عن المشكلة اللغوية لأبنائها في مدرستهم، فيمكن وصف حالتها بأنها تقترب من الكارثة التي ستحل بأهلك في هذا الزمان، فدققي في ما تقول هذه المرأة، وسأترك لكِ الحكم على هذه الحال التي وصَلتِ إليها على ألسنة ناطقيك، يا صاحبة الجلالة :
" ذهبت في يوم إلى مجلس الأمهات لمقابلة معلمة اللغة العربية وكان هدفي معرفة مستوى ابني الدراسي ومناقشة بعض السلوكيات الإيجابية والسلبية والبحث عن طرق معالجتها مع المعلمة. وحين وصلت إلى مقر الاجتماع توجهتُ إلى القاعة وحمدتُ الله على وصولي مبكراً ووجدتُ إحدى الأمهات مع طفلتها مرتبكة، فسألتها «هل أمور طفلتكِ على ما يرام؟». فأجابتني «لا أعرف كيف سنجتمع مع المعلمة وابنتي لا تتقن اللغة العربية أبداً ولكنها متمكنة من اللغة الإنجليزية في المحادثة والقراءة والكتابة». فنظرت السيدة إلى ابنتها لتخبرها أنه حان دورهم للذهاب إلى معلمة اللغة العربية وقالت:«Sweet heart it’s our turn, let’s go»
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا، وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانا
اللغة العربية بدأت تتلاشى بين الطلاب العرب وذلك ليس بسبب قصور المدارس ومعلمي اللغة العربية الذين يبذلون قصارى جهدهم في تقوية الطلاب في المناهج العربية، ولكن بسبب اهتمام ذوي الطلبة بتعليم أبنائهم منذ الصغر اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية بهدف التفاخر بين أفراد المجتمع.
الطفل في مراحل الطفولة المبكرة يستطيع استيعاب لغة واحدة، ولا يستطيع توسيع قاموسه الفكري لاستيعاب لغتين. لذلك الأطفال الذين يتربون على أيدي الخادمة بسبب إنشغال الوالدين والتي تبدأ بتلقينه يومياً اللغة الإنجليزية يصاب الطفل بالاضطراب النفسي لأنه يفقد لغة والديه، فيجد صعوبة في التواصل مع العالم الخارجي.
إذاً كيف نستطيع تشجيع الأطفال على تعلم اللغة العربية وإتقانها؟
يجب الحرص على توفير الكتب والقصص للأطفال باللغة العربية، ومن المهم أن يكون الوالدان قدوة لهم في احترام وحب اللغة العربية برؤيتهم يتحدثون بها ويسمعونها دائماً. ويجب أن يلتزم الوالدان تعليمهم القرآن ومساعدتهم على حفظه لأنه يساعد على نطق مخارج الحروف والألفاظ بشكل ممتاز.
ولأن الأطفال يحبون مشاهدة الكرتون، يجب انتقاء المحتوى باللغة العربية والذي يتناسب مع ثقافتنا وقيمنا. بالإضافة إلى تشجيعهم على المشاركة في المسابقات المدرسية باللغة العربية والتي تزيد من ثقتهم بأنفسهم.
لا ننتقص من قيمة وأهمية اللغات الأجنبية التي فرضت نفسها علينا إجباراً في جوانب الحياة المختلفة، ولكننا نسعى إلى الالتفات إلى أهمية المحافظة على اللغة العربية وإرجاع قيمتها المفقودة. فلا بأس بتعلم اللغات الأجنبية ولكن ليس على حساب لغتنا الأصيلة اللغة العربية ". ( البيان)
ما أحسن كتابة هذه المرأة !! إنها تشخيص لمأساتكِ، يا صاحبة الجلالة، في البيوت التي ينبغي أن تكون تربة العربية الخصبة، ليكون عندنا اليوم من الناطقين بك، من ربعك، يا صاحبة الجلالة، كما كان أمس عندما كنْتِ لغة عالمية. كم نطمح أن يتجدد فينا البحتري، وأبو تمام، وزهير بن أبي سُلمى، والجاحظ، وعبد الحميد الكاتب، والفرزدق، والطبري، والجرجاني، والمتنبي، وياقوت الحموي، وابن منظور، والخوارزمي، وابن سينا، وغيرهم، على سَنن مكافئ، ولكن في معاصرة ذكية تحافظ على الجذور والأصالة، ثم تزهو وتزدهر كما تزهو وتزدهر ورود الياسمين والريحان. والمهم، كذلك، أن تقوم هذه المرأة فورا ودون تأجيل، وكل أم مثلها، بواجبها نحو لغة أبنائها، وزراعة العربية على ألسنتهم، ولهذا طريق واحد لا مناص من سلوكه، إن كانت ترغب في النجاح المؤكد للغة أبنائها، وهو الطريق الذي لم يحد عنه أجدادنا الذين أعطوكِ، يا صاحبة الجلالة، طاقتهم كلها في ازدهارك وعطائك الذي حفظ لنا تراثنا كله، ألا وهو تحفيظ صغارنا القرآن، وتنشئتهم عليه، حتى تصنع ملكتهم اللغوية على أساس لغوي نظيف ومضمون العواقب.
أم هل أحدثك، يا صاحبة الجلالة، عن مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا العلمية ومشافينا ومصانعنا في هذا الزمان الذي نحياه ! سأحفظ لك مقامك، يا صاحبة الجلالة، وسوف لا أكلفك مشقة زيارة هذه المؤسسات أو التحدث إلى أحد ممن يعمل فيها، فمعاهدنا العربية لا تتخذك لسانا في درس أو خطاب أو محادثة، ولا تعجبي، يا صاحبة الجلالة، فحتى من يحسب عليكِ في التخصص، قد أصيب بلوثة اعوجاج اللسان المخيبة للآمال، ولو أتيح لكِ النظر في كتابة من يكتب بحروفك الجميلة لأصاباك الدوار من الخلل في رسم الحرف العربي الجميل، ومن التعبير الركيك ومن الخلطة اللغوية العجيبة من العامية بمختلف لهجاتها وصورها ومن الفصيحة العرجاء!!! وسأدخل، يا صاحبة الجلالة، الآن مشفى قد يتسمى باسم الرازي أو غيره من أعلام التراث العربي العظيم، ولكنك، ومعاذ الله أن أكلفك سماع ما يمكن أن تسمعي، لو ولجت أبواب هذا المشفى، ستجدين أناسا لا يكتبون وصفاتهم الطبية إلا بالإنجليزية أو الفرنسية، ولا يتخاطب الأطباء والممرضون إلا بلغة أجنبية، وأرجوك، يا صاحبة الجلالة، أن تصدقي ما أقوله، فهو ليس خيالا، لقد رأيته بأم عيني وسمعته بأذنيّ!!! ومن هذا الوصف لم تعد تخفى عليك حالك، يا صاحبة الجلالة، في الأسواق وغير الأسواق، وباختصار : إنها طامة لغوية كبرى، يا صاحبة الجلالة !!! أرأيت لو قدر لك أن تسيري يوما في شارع من شوارعنا، ثم أرخيت سمعك، يا صاحبة الجلالة، إلى الأغاني التي يرددها أكثر شبابنا وشاباتنا، ونفر من رجالنا ونسائنا في السيارات وغير السيارات لفزعت من هول ما تسمعين، ولتساءلت : أأنا في أرضي وبين ناسي !؟ أم أنا في أرض غريبة وناس غرباء؟ ولرددت ما قاله الشاعر:
ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان
وعلى الرغم من هذا التنكر لك، من قومك، يا صاحبة الجلالة، ومن هذا السوء في تقديرك التقدير الذي يليق بك، فإن هناك ثلة من الناس، نذرت نفسها لخدمتك ولترقيتك، وللمحافظة على هيبة جلالتك. ولئن كان هذا الرقي وهذه الهيبة سيبقيان محفوظين لك أبد الدهر، من الله، لأنه قد أعطاك منزلة لم تحظ بها واحدة من أخواتك، حين اتخذك لسانا لقرآنه، ولكن هذه الثلة ستحملك إلى العرب وغير العرب بالهمة التي ستصل إلى القمة التي وصل إليها الأجداد العظماء عندما حملوك إلى العالمين، فتقبلوك بقبول حسن، وأنزلوك المنزلة التي تستحقينها.
|